الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن شدة حب الناس، وإكرامهم له تصور البعض أن الخضر صلى عليه كما ذكر ذلك صاحب مفتاح السعادة، فقال: ومن جملة من صلّى عليه «الخضر عليه السلام رآه عصابة من الأولياء» .
وكان يوم موته عظيما على المسلمين وحتى على أهل الذمة، وشيعته القاهرة إلى مدفنه في القرافة الصغرى، وتزاحم الأمراء والأكابر على حمل نعشه، ومشى إلى تربته من لم يمش نصف مسافتها قطّ، فدفن تجاه تربة الديلميّ بتربة بني الخروبي بين مقام الشّافعي ومقام سيدي مسلم السّلمي، وكانت وصيته خلاف ذلك، وقد سنحت لي الفرصة بزيارة قبر الحافظ ابن حجر رحمه الله، فتبين لي أنه يقع في مسافة تقدر بحوالي 1500 م من مقام الإمام الشافعيّ.
وقيل: إن السماء أمطرت على نعشه مطرا خفيفا فعد ذلك من النوادر.
ذكر من رثاه:
وما أحقه بقول ابن دريد في قصيدة طويلة:
البسيط:
إنّ المنيّة لم تتلف بها رجلا
…
بل أبلغت علما للدّين منصوبا
كان الزّمان به تصفو مشاربه
…
والآن أصبح بالتّكدير مقطوبا
كلّا وأيّامه الغرّ الّتي جعلت
…
للعلم نورا وللتّقوى محاريبا
وبقول غيره:
الكامل:
ذهب العليم بعيب كلّ محدّث
…
وبكلّ مختلف من الإسناد
وبكلّ وهم في الحديث ومشكل
…
يعنى به علماء كلّ بلاد
وبقول غيره.
الوافر:
بكيت على فراقك كلّ يوم
…
وأمليت الحوار من الجفون
ولو كان البكاء بقدر شوقي
…
لملّته العيون من العيون
وبقول غيره:
البسيط:
رزء ألمّ فقلب الدّهر في وهج
…
وأغفل النّاس منسوب إلى الهوج
وللقلوب وجيب في مراكزها
…
مهول فهو بتشقيق الصّدور حجي
وللعيون انهمال كالغمام بكا
…
فكلّ فجّ به عال من اللّجج
يا واحد العصر يا من لا نظير له
…
إذ كلّ شخص من الأمثال في لجج
يا شيخ الإسلام يا مولى لقد خضعت
…
غلب الرّجال لما تبدي من الحجج
يا برّ حلم بحور العلم قد تركت
…
لمّا سمعنا بداع، مقبل سمج
أصمّ أسماعنا لمّا تلا سحرا
…
قد مات من تهزم الأهوال حين نجي
قاضي القضاة المفدّى من بني حجر
…
من خلقه ليس في شيء من الحرج
فلو رضي الدّهر منّا فدية عظمت
…
إذا وحقّك جدنا فيك بالمهج
ولو حميت بضرب السّيف ما وجدت
…
لها المنايا إليك الدّهر من ولج
في حقّ عهدك ما زلنا ذوي شغف
…
بعهد ودّ لكم بالرّوح ممتزج
حفّت سجاياك والألباب قد رجحت
…
بها نهاك من الإحصاء بالثّبج
ألفت يا حلو، مرّ الصّبر ترشفه
…
فأنت للصّبر صبّ بالغرام شجي
من للقيام بجنح اللّيل مجتهدا
…
تبيت ترفعه آيات ذي الدّرج
تعلي النّحيب خضوعا والأسى قلقا
…
كأنّه في الدّياجي بالحراب وجي
قد كان مصرك ليلا كالنّهار به
…
شهاب فضلك يغنيه عن السّرج
واليوم بعدك مثل اللّيل في سدف
…
يا لهف قلبي فما صبح بمنبلج
لكأنّ فقدك فقد النّاس كلّهم
…
وفقد غيرك قد يلفى من الفرج
من للأحاديث يحييها ويحفظها
…
فوقته ليس حمّال إليه يجي
قد كنت للسّنّة الغرّا شهاب علا
…
حميت آفاقها عن مارد علج
من كان في علمه في الشّكّ مرتبكا
…
فأنت في علمك الأشيا على ثلج
وأنت أذكى الورى قلبا ورائحة
…
كأنّما كنت مسكا طيّب الأرج
لهفي عليك شهاب الدّين من رجل
…
لمّا ترحّلت صار النّاس في مرج
قد كنت حافظهم في كلّ معضلة
…
فبعدك اليوم لا تسأل عن الهمج
كانوا إذا أوهموا معنى وأخر سهم
…
فتحت كلّ عم منهم ومرتتج [ (1) ]
لمّا ركبت على الحدباء ما أحد
…
إلّا انحنى منه ظهر غير ذي عوج
روحي فداء لبال قد ظفرت بها
…
لديك يا حبر بالآمال بالحجج
أروق سمعي بدرّ النّطق منك وما
…
طرفي بممتنع من وحيك البهج
[ (1) ] مرتتج: المرتتج: الّذي استغلق عليه الكلام.
كأنّه لم يكن يوما فيا أسفا
…
ما كنت من بعد ما مرّت بمبتهج
كلّا لعمري وإنّي فالق كبدي
…
حزني عليك وقلبي جدّ ملتعج
ولا أحبّ ديارا قد قبضت بها
…
فنحوها بعد بعد منك لم أعج
نعم وأبغضت واللَّه الحياة بلا
…
وجود أنسك فاعلم ذاك وابتهج
لهفي على مجلس الإملا وحاضره
…
من كلّ حبر لسبل الخير منتهج
كم فيه من راس راس هزّ من عجب
…
والجمع من شدّة الإصغاء لم يمج
كأنّنا لم نكن يوما لديك ولا
…
بقولك العذب منّا قطّ سرّ نجي
فيا دوام افتكاري للسّرور بكم
…
ويا بكائي طوال الدّهر والأبج [ (1) ]
لأملأنّ بسيط الأرض من أدب
…
ركّبت فيك معانيه من البرج
جمعت قلبا بحبّ فيك ممتلئا
…
إلى لسان بأنواع الرّثا لهج [ (2) ]
عليك منّي تحيّات أردّدها
…
ما هيّج الورق قلبا فيك ذا وهج
وجاد مهدك في صوب الرّضا مزن
…
يا بحر يحيي بقاع الأرض بالثّبج
ومنهم العلامة الشّهاب أبو الطّيّب أحمد بن محمد الحجازي فأنشدني لفظه لنفسه قوله:
الكامل:
كلّ البريّة للمنيّة صابره
…
وقفولها شيئا فشيئا سائره
والنّفس إن رضيت بذا ربحت وإن
…
لم ترض كانت عند ذلك خاسرة
وأنا الّذي راض بأحكام مضت
…
عن ربّنا البرّ المهيمن صادره
لكن سئمت العيش من بعد الّذي
…
قد خلّف الأفكار منّا حائرة
هو شيخ الإسلام المعظّم قدره
…
من كان أوحد عصره والنّادره
قاضي القضاة العسقلانيّ الّذي
…
لم ترفع الدّنيا خصيما ناظره
وشهاب دين اللَّه ذو الفضل الّذي
…
أربى على عدد النّجوم مكاثره
لا تعجبوا لعلوّه فأبوه من
…
قبل عليّ في الدّنا والآخرة
هو كيميا العلم وكم من طالب
…
بالكسر جاء له فأضحى جابره
لا بدع أن عادت علوم الكيميا
…
من بعد ذا الحجر المكرّم بائره
[ (1) ] الأبج محركة الأبد: القاموس المحيط 1/ 100.
[ (2) ] الرّثا مقصورة ضرورة، والرثاء تعداد محاسن الميت.
لهفي على من أورثتني حسرة
…
درس [ (1) ] الدّروس عليه إذ هي حاسره
لهفي على المدح استمالت للرّثا
…
وقصور آياتي غدت متقاصره
لهفي عليه عالما، بوفاته
…
درست دروس والمدارس بايره
لهفي على الإملاء عطّل بعده
…
ومعاهد الأسماع إذ هي شاغرة
لهفي عليه حافظ العصر الّذي
…
قد كان معدودا لكلّ مناظرة
لهفي على الفقه المهذّب والمحرر
…
حاوي المقصود عند محاوره
لهفي على النّحو الّذي تسهيله
…
مغني اللّبيب مساعد لمذاكره
لهفي على اللّغة الغريبة كم أرانا
…
معربا بصحاحها المتظاهرة
لهفي على علم العروض تقطّعت
…
أسبابه بفواصل متغايره
لهفي عليه خزانة العلم الّتي
…
كانت بها كلّ الأفاضل ماهره
لهفي على شيخي الّذي سعدت به
…
صحب وأوجه ناظريه ناضرة
لهفي على التّقصير منّي حيث كم
…
أملا النّواحي بالنّواح مبادره
لهفي على عذري عن استيفاء ما
…
تحوي وعجزي أن أعدّ مآثره
لهفي على لهفي وهل ذا مسعدي
…
أو كان ينفعني شديد محاذره
لهفي على من كلّ عام للهنا
…
تأتي الوفود إلى حماه مبادره [ (2) ]
والآن في ذا العام جاءوا للعزا
…
فهيه وعادوا بالدّموع لهامره [ (3) ]
قد خلّف الدّنيا خرابا بعده
…
لكنّما الأخرى لديه عامره
وبموته شقي الفؤاد وأعلم
…
العين انثنت في حالتيها شاغرة
ولي المعاجر طابقت إذ للرّثا
…
أنا ناظم وهي المدامع ناشره
فكأنّه في قبره سرّ غدا
…
في الصّدر، والأفهام عنه قاصره
وكأنّه في اللّحد منه ذخيرة
…
أعظم بها درر العلوم الفاخرة
وكأنّه في رمسه سيف ثوى
…
في الغمد مخبوء ليوم الثّائره
وكأنّه كشف الغطاء له فإن
…
قربت منيّته أفاض محاجره
وغدا بأبيات الرّثا متمثّلا
…
وحبا بها بعض الصّحاب وسارره [ (4) ]
[ (1) ] انقطاع الدروس.
[ (2) ] الهنا بمعنى التهنئة.
[ (3) ] والعزا بمعنى التعزية.
[ (4) ] من السرّ الّذي أسر به إليه.
ونعى بها من قبل ذلك نفسه
…
أكرم بها يا صاح نفسا طاهره
ولصاحب الكشّاف يعزى نظمها
…
والعدّ منها أربع متفاخره
وأنا الّذي ضمّنتها مرثيّتي
…
جهرا وأوّلها بغير مناكره
قرب الرّحيل إلى ديار الآخرة
…
فاجعل إلهي خير عمري آخره
وارحم مبيتي في القبور ووحدتي
…
وارحم عظامي حين تبقى ناخره
فأنا المسيكين الّذي أيّامه
…
ولّت بأوزار غدت متواتره
فلئن رحمت فأنت أكرم راحم
…
فبحار جودك يا إلهي زاخره
هذا لعمري آخر الأبيات إذ
…
هي أربع كملت تراها باهره
وأنا أعود إلى رثائي عودة
…
تجلو لسامعها بغير منافره
قهرتني الأيّام فيه فليتني
…
في مصر متّ وما رأيت القاهره
هجرتني الأحلام بعدك سيّدي
…
واحرّ قلب قد رمي بالقاهرة
من شاء بعدك فليمت أنت الّذي
…
كانت عليك النّفس قدما حاذره
وسهرت مذ صرخ النّعيّ بزجرة
…
فإذا هم من مقلتي بالسّاهرة
ورزئت فيه فليت أنّي لم أكن
…
أوليت أنّي قد سكنت مقابره
رزء، جميع النّاس فيه واحد
…
طوبى لنفس عند ذلك صابره
يا نوم، عيني لا تلمّ بمقلتي
…
فالنّوم لا يأوي لعين ساهره
يا دمع، واسقي تربه ولو أنّها
…
بعلومه جرت البحار الزاخرة
يا حبر فارحل ليس قلبي فارغا
…
سكنته أحزان غدت متكاثره
يا نار شوقي بالفراق تأجّجي
…
يا أدمعي بالمزن كوني ساجره [ (1) ]
يا قبر، طب قد صرت بيت العلم أو
…
عينا به إنسان قطب الدائرة
يا موت، إنّك قد نزلت بذي النّدى
…
ومذ استضفت حباك نفسا خاطره
يا ربّ فارحمه وسقّ ضريحه
…
بسحائب من فيض فضلك غامره
يا نفس صبرا فالتّأسّي كائن
…
بوفاة أعظم شافع في الآخرة
المصطفى زين النّبيّين الّذي
…
حاز العلا والمعجزات الباهره
صلّى عليه اللَّه ما صال الرّدى
…
فينا وجرّد للبريّة باتره
وعلى عشيرته الكرام وآله
…
وعلى صحابته النّجوم الزّاهره
ومنهم الشّهاب أحمد بن محمد بن علي المنصوري صاحب القصيدة الماضية
[ (1) ] وإذا البحار سجّرت (فهي بالجيم وليست بالخاء) .
ذكرها في المدائح، فقال يوم وفاة صاحب الترجمة:
الرّجز
قد بكت السّحب على
…
قاضي القضاة بالمطر
وانهدم الرّكن الّذي
…
كان مشيدا من حجر
ومنهم الفاضل أبو هريرة عبد الرحمن بن علي بن أحمد بن عثمان بن النقاش الأصم البسيط:
قفا نبك بالقاموس الغامض الزّجر
…
والمرسلات بماء الغيث والمطر
مذكّرا لك بالأذكار ذا أسف
…
على المعاهد والرّوضات والأثر
على ديار إذا صحّ الحديث ولي
…
في الحسن معتقد والضعف للغير
على رباع خلا درس الحديث بها
…
والرّبع عاف ومحتاج إلى الحجر
وقل لذي عذل في عبرة سمحت
…
دعها سماويّة تجري على قدر
وقل لعيني الّتي بالدّمع قد نزحت
…
يا عين، جودي ولا تبقي ولا تذري
وابكي بموج وما المقياس يحصره
…
قاضي القضاة أمير المؤمنين في الأثر
قاضي القضاة أمير المؤمنين سمي
…
بأحمد بين علي ذي الرّحلة الحجر
أكرم بها مدحة ما حازها أحد
…
في عصرنا غير نزر قلّ في العصر
وع الكتابة واحفظها وسق سندا
…
وخلّ عنك سواد الطّرس بالحبر
يا موت، ذكّرتني موت النّبيّ به
…
الهاشمي المصطفى المبعوث من مضر
ذكّرتني العمرين [ (1) ] الصّاحبين أبا
…
بكر الصّدّيق مع الفاروق [ (1) ] من عمر
يا خنس ها أدمعي مع دمعك ائتلفا
…
ثمّ اختلفتا بكا في الصّخر والحجر
يا خنس، لو نظرت عيناك لمّته
…
وما حوت من فخار العلم والخفر
يا خنس، لو سمعت أذناك منطقه
…
من ثغر مبسمه المنظوم بالدّرر
يا خنس، إنّي عن عين له نظرت
…
ليس العيان [ (2) ] كما قد قيل كالخبر
يا خنس، قد قلت في صخر مراثيه
…
فحوّل الحزن بالإسناد للحجر
مصيبة عمّت الدّنيا بأجمعها
…
رمي بها زحل بالقوس والوتر
بالبحر والنّهر والبحرين إذ جمعا
…
أبكيه من عبرة تجري بلا ضجر
[ (1) ] يقال العمرين يعني أبا بكر وعمر.
[ (2) ] العيان (بفتح العين) .
إن ذكّرتني بوقت صخرها غسقا
…
أو نكّرتني بوقت الصّيف في السّحر
فكلّ أوقاتي الغرّا مسبّلة
…
جاها وعلما وما يزرى من البدر
شبّهته جالسا في الدّرس في فئة
…
هم النّجوم ووجه الشيخ بالقمر
وهم طباق وهم يهدى السّبيل بهم
…
من حوله أنجم كالأنجم الزّهر
هم الرّجال ولكن شيخهم رجل
…
رجاله سند في مسند الخبر
ساد الرّجال وكم قد ساد من رجل
…
يسوقه بعد تحويل من السّطر
يملي الحديث ببيبرس حوى سندا
…
عال إلى سيّد الكونين والبشر
تاللَّه لو سمعت حذّاق شرعتنا
…
سوق الأسانيد في إملائه الجهر
ولو رأوا يده في فرع روضته
…
أو فسّرت آية في محكم السّور
أو ما يوصّله في الدّين معتقدا
…
أو رتّبت سندا من نخبة الفكر
أو أظهرت حكمة للشّافعيّ خفت
…
يستخرج الكلّ من خرم من الإبر
أثنوا عليه ومن أضحى يخالفه
…
بمنزل دحص كقشعم الحجر
أبكي عليه وقد شالوا جنازته
…
ونقّطت مزنة من نسمة السّحر
أنقى من الثّلج إشراقا وريحتها
…
أذكى من المسك والنّدا الذكي العطر
وبشّرت برضا الرّحمن خالقه
…
والحور قد زيّنت بالحلي في السّرر
وعدته قائلا للقلب منه عسى
…
وهل يفيد عسى مع سابق القدر
يا قلب، قد كنت تخشى الموت ذا حذر
…
وليس ذو حذر ينجو من القدر
وأنت للعالم النّقّاش منتسب
…
وكم معان خفت تأتيك في الصّور
خفت المنون وما قد كنت تحسبه
…
قد جاء منتقشا كالنّقش في الحجر
إن غاب شخصك يا مولاي عن نظري
…
وغيّبوا وجهك المحبوب في القبر
في أساريرك الحسناء مشرقة
…
سبط من الحسنيين الخلق والبشر
يا من مراحمه للخلق واسعة
…
عمّت نجيّا ومن في دينه الخطر
اجعل على متن هذا القبر سابغة
…
من لؤلؤ رطب عذب ذكي عطر
والسّامعين ومن يعزى لمذهبهم
…
تحدو على سنّة الهادي النّبي المضري
وقل لمن سمع الأبيات يسترها
…
فاللَّه يستره في الورد والصّدر
قدّمتها سلعة مزجا وناظمها
…
يعدّها خجلا من أعظم الكبر
وأذن بسحب صلاة منك ثمّ رضا
…
على نبيّ الهدى والبشر والبشر
وآله وجميع الصّحب قاطبة
…
بهم هدي أمم في البدو والحضر
ما غرّدت ورقه في الأيك آصرة
…
بزورة المصطفى والبيت والحجر
موت الإمام شهاب الدّين قد جزعت
…
له العلوم وما يروى من الأثر
وقال ربع علوم الشّرع مكتئبا
…
به درست فما تلقون من أثر
[الكامل] :
إنّ الحياة ذميمة من بعد ما
…
قبض الإمام العسقلانيّ الشّافعي
يا نفس، طيبي بالممات وحافظي
…
أن تلحقي هذا الإمام وتابعي
[المجتث] :
بكت سماء وأرض
…
عليك يا عسقلاني
لكنّنا نتسلّى
…
إذ ما سوى اللَّه فاني
[الكامل] :
الجفن قد حاكى السّحاب وناظره
…
فأعذر إذا فقد المتيّم ناظره
لو أنّ عاذله رأى ما قد رأى
…
لغدا له بعد الملامة عاذره
يا عاذلي، دعني فلي حزن على
…
طول المدى لم يلق يوما آخره
ذاب الفؤاد وقد تقطّع حسرة
…
أسفا على قاضي القضاة النّادره
أعني شهاب الدّين ذا الفضل الّذي
…
عن وصفه أفهام مثلي قاصره
العسقلانيّ [ (1) ] الّذي كانت إلى
…
أبوابه تأتي الوفود مهاجره
يا عين، إنّي ناظم مرثيّة
…
فيه فكوني للمدامع ناثره
للَّه أيّاما به ولياليا
…
سلفت وكانت بالتّواصل زاهره
تاللَّه، لم يأت الزّمان بمثله
…
أبدا ولم ير مثله من عاصره
شهدت له كلّ العقول بأنّه
…
ما مثله هو درّة هي فاخره
دانت لفطنته العلوم فلم تزل
…
أبدا إليه كلّ وقت سائره
يا أيّها الشعراء، هذا سوقكم
…
كانت له تأتي التّجار مبادره
واليوم أغلق بابه فلأجل ذا
…
أضحت تجارتكم لديكم بائره
كم من حديث قد رواه مسلسلا
…
ومدبّجا وله معان ظاهره
وكذا غريبا مسندا ومصحّحا
…
جملا وأخبارا غدت متواتره
إنّي لأعجز أن أعدّ فضائلا
…
فيه وأعجز أن أعدّ مأثره
كم طالب أقلامه من بعده
…
جفّت ولم تمسك يداه محابره
[ (1) ] الرفع أولى ويكون خبر المبتدإ محذوف تقديره هو.
أسفا عليه نقول يا نفس اصبري
…
فتقول: ما أنا عند هذا صابره
درست دروس العلم بعد وفاته
…
ومعاهد الإملاء أضحت دائره
أسفي على قاضي القضاة مؤبّد
…
زفرات قلبي كلّ وقت ثابره
أسفي على شيخ العلوم ومن غدت
…
أفكار كلّ الخلق فيه حائرة
أسفي على من كان بين صحابه
…
كالبدر في وسط النّجوم الزّاهره
ولقد نعى قبل المنية نفسه
…
إذ كلّ نفس للمنيّة صائره
لا رأى أجل الحياة قد انقضى
…
أضحى يشير إلى الصّحاب مبادره
ويقول أبياتا وليست نظمه
…
لكن بلفظ منه أضحت فاخره
وزمخشريّ ناظم أبياتها
…
هي أربع معدودة متواترة
كلّ الورى من بعده اشتغلوا بها
…
فاسمع فأوّلها أقول مذاكرة
قرب الرّحيل إلى ديار الآخرة
…
فاجعل إلهي خير عمري آخره
وارحم مبيتي في القبور ووحدتي
…
وارحم عظامي حين تبقى ناخره
فأنا المسيكين الّذي أيّامه
…
ولّت بأوزار غدت متواتره
فلئن رحمت فأنت أرحم راحم
…
فبحار جودك يا إلهي زاخره
ها آخر الأبيات قد أوردتها
…
فيما نظمت تبرّكا ومكاثره
وأعود أذكر بعد ذلك حالتي
…
وأبثّ أحزانا بقلبي حاضره
وأقول: مات أبو المكارم والنّدى
…
ملقي الدّروس وذو العلوم الباهره
ما كان أحسن لفظه وحديثه
…
ما كان قطّ يملّه من عاشره
ولو انّه يفدى لكنت له الفدى
…
وأودّ لو أنّي سددت مقاصره
لهب بقلبي بعده لا ينطفي
…
ودموع عيني لم تزل متقاطره
فاللَّه يسقي قبره ماء الحيا
…
أبدا ويورده سحابا ماطره
ثمّ الصّلاة على النّبيّ وصحبه
…
وعلى جميع التّابعين أوامره
يا درّة فقدت وكانت فاخره
…
في بدء خير حوّلت للآخرة
من كلّ علم حاز أكبره فره
…
عزّ الفخار تصل بحارا زاخره
شطن الرّجا كانت لطالب برّه
…
من بعد أشجان بفضل ماخره
تعنو الرّؤوس إلى وجوه بديعه
…
وإذا عصته أتت إليه ذاخره
وهو المكرّم والكريم بناته
…
مع علمه لو أمّ كعبا فاخره
ليلى بعاذرها فشاغل قلبها
…
ولمن سواه بذي الدّعاوي شاجره
تجري عليه مودّعا روحي ولن
…
تشغل ولو صارت عظاما ناخره
قد كان أوّل شاغل قلبي هوى
…
وبهونه فالصّبر عدّى آخره
[الطويل] :
شهاب المعالي بينما هو طالع
…
فعاجلنا فيه القضا والقوارع
إلى اللَّه إنّا راجعون وحسبنا
…
ونعم الوكيل اللَّه فيما نواقع
فقد أورث الآفاق حزنا وذلّة
…
وأظلمت الأكوان ثمّ المطالع
وأطلق دمع العين تجري سحائبا
…
وأجرى عيون السّحب فهي هوامع
وصيّر طرفي لا يملّ من البكا
…
وأحرق قلبا بالجوانح هالع
وفرّق جمع الشّمل من بعد إلفه
…
وألّف درّ الدمع في الخدّ لامع
فوجدي وصبري في الرّثاء بيانيا
…
فوجدي موجود وصبري ضائع
فصبرا لما قد كان في سابق القضا
…
فليس لمقدور المنيّة دافع
وطلّقت نومي والتّلذّذ والهنا
…
وألزمت نفسي أنّني لا أراجع
وصاحب سهدي والتّأسّف والأسى
…
فواصلتها لمّا جفتني المضاجع
وإنّي غريب لو أقمت بمنزلي
…
وإنّي وحيد لا معين أراجع
فلهفي على شيخ الحديث وعصره
…
فمجلسه للعلم والفضل جامع
فلهفي على تلك المجالس بعده
…
لفقد أولي التّحقيق قفر بلاقع
فلهفي على جدّي وشيخي وقدوتي
…
وشيخ شيوخ العصر إذ لا منازع
فأوقاته مقسومة في عبادة
…
وفضل لمحتاج ببرّ يتابع
فقد كان ظنّي أن تكون معاوني
…
على كلّ خير مثل ما قيل مانع
فعند إلهي قد جعلت وديعتي
…
كريم لديه لا يخيب الودائع
فرحب الفضا قد ضاق من بعد بعده
…
عليّ وفيه بحر فكري واسع
فيا موت، زر إنّ الحياة ذميمة
…
فمن بعد هذا الحبر إني راجع
إمام الهدى والعلم والحلم والتّقى
…
وحافظ هذا الوقت للحقّ خاضع
ففي النّظم حسّان وفي الجود حاتم
…
وفي العلم ليث وهو في الثّبت نافع
عفيف السّجايا باسط اليد بالنّدا
…
جزيل العطايا ناسك متواضع
بزهد له قد كان يحكي ابن آدم
…
له ورع بالصّبر للنّفس قانع
فأيّامه صوم وفي اللّيل هاجد
…
مقيل خشوع ساجد الرّأس راكع
فمنهاجه حاو لتنبيه غافل
…
وبهجته زانت كما الرّوض نافع
وفتح لباريه حواه فوائدا
…
يزيل التباسا فهو للشّكل رافع