الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنّاظر في السّنّة يجدها في كثرتها الغامرة تدور على مثل تلك الوقائع والحوادث والأسئلة.
وقد قرر علماء النّفس أنّ ارتباط المعلومات بأمور مقارنة لها في الفكر، تجعلها أبقى على الزّمن وأثبت في النفس، فلا بدع أن يكون ما ذكرنا داعية من دواعي حفظ الصحابة لكتاب اللَّه وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم على حين أنهم هم المشاهدون لتلك الوقائع والحوادث المشافهون بخطاب الحقّ، المواجهون بخطاب الحق، المواجهون بكلام سيّد الخلق في هذه المناسبات الملائمة والأسباب القائمة التي تجعل نفوسهم مستشرفة لقضاء اللَّه فيها، متعطشة إلى حديث رسوله عنها، فينزل الكلام على القلوب، وهي متشوّقة كما ينزل الغيث على الأرض وهي متعطّشة تنهله بلهف، وتأخذه بشغف، وتمسكه وتحرص عليه بيقظة، وتعتز به وتعتد عن حقيقة، وتنتفع به وتنفع، بل تهتز به وتربو، وتنبت من كل زوج بهيج.
العامل التّاسع:
اقتران القرآن دائما بالإعجاز، واقتران بعض الأحاديث النبويّة بأمور خارقة للعادة، تروع النّفس، وتشوق النّاظر وتهول السّامع وإنما اعتبرنا ذلك الإعجاز وخرق العادة من عوامل حفظ الصّحابة، لأنه الشّأن فيما يخرج على نواميس الكون وقوانينه العامّة أنه يتقرّر في حافظة من شاهده، وأنه يتركز في فؤاد كل من عاينه فردا كان أو أمّة، حتى لقد يتخذ مبدأ تؤرخ بحدوثه الأيّام والسّنون، وتقاس بوجوده الأعمار.
أمّا القرآن الكريم فإعجازه سار فيه سريان الماء في العود الأخضر، لا تكاد تخلو سورة ولا آية منه، وأعرف الناس بوجوه إعجازه وأعظمهم ذوقا لأسرار بلاغته هم أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم لأنّهم يصدرون في هذه المعرفة وهذا الذّوق عن فطرتهم العربية الصّافية وسليقتهم السّليمة السّامية، ومن هذا كان القرآن حياتهم الصّحيحة به يقومون ويقعدون وينامون ويستيقظون ويعيشون ويتعاملون، ويلتذّون ويتعبدون وهذا هو معنى كونه روحا في قول اللَّه سبحانه: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [ (1) ] وليست هناك طائفة في التّاريخ تمثل فيها القرآن روحا كما تمثّل في هذه الطّبقة العليا الكريمة طبقة الصّحابة الذين وهبوه حياتهم فوهبهم الحياة، وطبعهم طبعة جديدة حتى
[ () ] حديث رقم (50) - ومسلم في الصحيح 1/ 45 كتاب الإيمان (1) باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان (1) حديث (7/ 10) .
[ (1) ][الشورى: 52] .
صاروا أشبه بالملائكة، وهكذا سواهم اللَّه بكتابه خلقا آخر. فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ.
وأما السّنّة النّبوية فقد اقترن بعضها بمعجزات خارقة وأمامك أحاديث المعجزات، وهي كثيرة فيها المعجب والمطرب غير أنّا نربأ بك أن تكون فيها كحاطب ليل على حين أن بين أيدينا في الصّحيح منها الجمّ الغفير والعدد الكثير، «ولا ينبئك مثل خبير» .
وهذا نموذج واحد،
عن أبي العبّاس سهل بن سعد السّاعديّ رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأعطينّ هذه الرّاية غدا رجلا يفتح اللَّه على يديه، يحبّ اللَّه ورسوله، ويحبّه اللَّه ورسوله» فبات النّاس يدوكون [ (1) ] ليلتهم أيّهم يعطاها، فلما أصبح النّاس غدوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلّهم يرجو أن يعطاها. فقال: أين عليّ بن أبي طالب؟ فقيل: يا رسول اللَّه، هو يشتكي مرضا بعينيه، قال: فأرسلوا إليه فأتي به، فبصق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعينيه، ودعا له، فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الرّاية، فقال عليّ رضي الله عنه يا رسول اللَّه أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ اللَّه تعالى فيه، واللَّه لأن يهدي اللَّه بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم [ (2) ] » [ (3) ] .
وهذه الوصيّة من رسول اللَّه لعليّ جديرة أن تقطع لسان من يقول: إنّ الإسلام انتشر بحدّ السّيف
كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [ (4) ] .
[ (1) ] يعني يخوضون.
[ (2) ] أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 145 كتاب الجهاد والسير باب فضل من أسلم على يديه رجل حديث رقم 3009 ومسلم في الصحيح 4/ 1871 كتاب فضائل الصحابة (44) باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه حديث رقم (32/ 2404) ، (33/ 2405) والترمذي في السنن 5/ 596 كتاب المناقب (50) باب 21 حديث رقم 3724- وابن ماجة في السنن 1/ 45 المقدمة باب فضائل أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فضل علي بن أبي طالب حديث رقم 121- وأحمد في المسند 1/ 99، 185، 4/ 52 والبيهقي في السنن 6/ 362، 9/ 131- وابن سعد 2/ 1/ 82 والطبراني في الكبير 18/ 237، 238 وأبو نعيم في الحلية 4/ 356 وذكره الهيثمي في الزوائد 9/ 126، 127.
[ (3) ] أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 123 كتاب الجهاد والسير باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم حديث رقم 2942، 4/ 145 كتاب الجهاد والسير باب فضل من أسلم على يديه حديث رقم 3009، 5/ 88 كتاب المناقب باب مناقب علي بن أبي طالب حديث رقم 3701 ومسلم في الصحيح 4/ 1872 كتاب فضائل الصحابة (44) باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (4) حديث رقم (34/ 2406) - وأحمد في المسند 5/ 333 والبيهقي في السنن 9/ 107 وذكره ابن عبد البر في التمهيد 2/ 218 والهيثمي في الزوائد 5/ 337.
[ (4) ][الكهف: 5] .