الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
[قال شيخنا الإمام شيخ الإسلام، ملك العلماء الأعلام، حافظ العصر وممليه، وحامل لواء السنّة فيه، إمام المعدلين والمخرجين: أبو الفضل شهاب الدّين أحمد بن عليّ ابن محمّد بن محمّد بن عليّ بن أحمد بن حجر العسقلانيّ الشّافعيّ. أبقاه اللَّه [ (1) ] في خير وعافية] [ (2) ] .
الحمد للَّه الّذي أحصى كلّ شيء عددا، ورفع بعض خلقه على بعض، فكانوا طرائق قددا، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له شريك في الملك ولا يكون أبدا، وأشهد أن [ (3) ] محمدا عبده ورسوله وصفيّه [ (4) ] وخليله. أكرم به عبدا سيّدا، وأعظم به حبيبا مؤيدا، فما أزكاه أصلا ومحتدا، وأطهره مضجعا ومولدا، وأكرمه أصحابا، كانوا نجوم الاهتداء، وأئمة الاقتداء، صلى اللَّه عليه وعليهم صلاة خالدة [ (5) ] ، وسلاما مؤبّدا [وسلّم تسليما][ (6) ] .
أما بعد، فإن من أشرف العلوم الدينية علم الحديث النبويّ، ومن أجلّ معارفه تمييز أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ممن خلف بعدهم.
وقد جمع في ذلك جمع من الحفاظ تصانيف [ (7) ] بحسب ما وصل إليه اطلاع كل منهم، فأول من عرفته صنف في ذلك أبو عبد اللَّه البخاريّ: أفرد في ذلك تصنيفا، ينقل منه أبو القاسم البغويّ وغيره، وجمع أسماء الصحابة مضموما إلى من بعدهم جماعة من طبقة مشايخه، كخليفة بن خيّاط، ومحمّد بن سعد، ومن قرنائه كيعقوب بن سفيان، وأبي بكر ابن أبي [ (8) ] خيثمة، وصنف في ذلك جمع بعدهم كأبي القاسم البغويّ، وأبي بكر بن أبي
[ (1) ] في د تعالى.
[ (2) ] ما بين المعقوفين سقط في أ، ج، ت، هـ.
[ (3) ] في ت سيدنا.
[ (4) ] في أ، د وحبيبه.
[ (5) ] سقط في هـ.
[ (6) ] سقط في أ، ب، ج، هـ.
[ (7) ] في د في تصانيف.
[ (8) ] سقط في أ، د.
داود، وعبدان، ومن قبلهم بقليل كمطين، ثم كأبي عليّ بن السّكن، وأبي حفص بن شاهين، وأبي منصور الماورديّ، وأبي حاتم بن حبّان، وكالطّبرانيّ ضمن معجمه الكبير، ثم كأبي عبد اللَّه بن مندة، وأبي نعيم، ثم كأبي عمر بن عبد البرّ، وسمّى كتابه «الاستيعاب» ، لظنه أنه استوعب ما في كتب من قبله، ومع ذلك ففاته شيء كثير، فذيّل عليه أبو بكر بن فتحون ذيلا حافلا، وذيل عليه جماعة في تصانيف لطيفة، وذيل أبو موسى المديني على ابن مندة ذيلا كبيرا.
وفي أعصار هؤلاء خلائق يتعسّر حصرهم ممن صنف في ذلك أيضا إلى أن كان في أوائل القرن السابع، فجمع عزّ الدّين بن الأثير كتابا حافلا سماه «أسد الغابة» جمع فيه كثيرا من التصانيف المتقدمة، إلا أنه تبع من قبله، فخلط من ليس صحابيا بهم، وأغفل كثيرا من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم، ثم جرّد الأسماء التي في كتابه مع زيادات عليها الحافظ أبو عبد اللَّه الذّهبيّ، وعلم لمن ذكر غلطا [ (1) ] ولمن لا تصح صحبته، ولم يستوعب ذلك ولا قارب.
وقد وقع لي بالتّتبّع كثير من الأسماء التي ليست في كتابه ولا أصله على شرطهما، فجمعت كتابا كبيرا في ذلك ميزت فيه الصحابة من غيرهم، ومع ذلك فلم يحصل لنا [من ذلك][ (2) ] جميعا الوقوف [ (3) ] على العشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرّازيّ، قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة، كلهم قد روى عنه سماعا أو رؤية.
قال ابن فتحون في ذيل «الاستيعاب» - بعد أن ذكر ذلك: أجاب أبو زرعة بهذا سؤال من سأله عن الرّواة خاصة، فكيف بغيرهم؟ ومع هذا فجميع من [في الاستيعاب يعني ممن [ (4) ] ذكر فيه] [ (5) ] باسم أو كنية [ (6) ] ، وهما ثلاثة آلاف وخمسمائة، وذكر أنه استدرك عليه على شرطه قريبا ممن ذكره.
قلت: وقرأت بخط الحافظ الذهبي من ظهر كتابه «التجريد» : لعل الجميع ثمانية آلاف إن لم يزيدوا لم ينقصوا، ثم رأيت بخطه أنّ جميع من [في «أسد الغابة» سبعة آلاف][ (7) ] وخمسمائة [وأربعة وخمسون نفسا][ (8) ] .
[ (1) ] في د غلط.
[ (2) ] سقط في ج.
[ (3) ] في ج من له الوقوف.
[ (4) ] في ج بمن.
[ (5) ] ما بين المعقوفين بياض في ت.
[ (6) ] في أكنيته.
[ (7) ] ما بين المعقوفين بياض في ت.
[ (8) ] سقط في أ، د.
ومما يؤيد قول أبي زرعة ما ثبت في [الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة][ (1) ] تبوك: والناس كثير لا يحصيهم ديوان.
وثبت عن الثّوريّ فيما [أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه [ (2) ]، قال:] [ (3) ] من قدّم عليا على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفا [مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض،][ (4) ] فقال النووي: وذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم باثني عشر عاما بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردّة والفتوح- الكثير ممن لم يضبط أسماؤهم، ثم مات في خلافة عمر في الفتوح وفي الطاعون العام وعمواس وغير ذلك من لا يحصى كثرة.
وسبب خفاء أسمائهم أن أكثرهم أعراب، وأكثرهم حضروا حجّة الوداع. واللَّه أعلم.
وقد كثر سؤال جماعة من الإخوان في تبييضه، فاستخرت اللَّه تعالى في ذلك، ورتبته على أربعة أقسام في كل حرف منه:
فالقسم الأول- فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه، أو عن غيره، سواء كانت الطريق صحيحة، أو حسنة، أو ضعيفة، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان.
وقد كنت أولا رتبت هذا القسم الواحد على ثلاثة أقسام، ثم بدا لي أن أجعله [ (5) ] قسما واحدا، وأميّز ذلك في كل ترجمة.
القسم الثاني: من ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة [ (6) ] من النساء والرجال، ممن مات صلى الله عليه وسلم وهو في دون سن التمييز، إذ ذكر أولئك في الصحابة إنما هو على سبيل الإلحاق، لغلبة الظنّ على أنه صلى الله عليه وسلم رآهم لتوفّر [ (7) ] دواعي أصحابه على إحضارهم أولادهم عنده عند ولادتهم ليحنّكهم ويسمّيهم ويبرّك عليهم، والأخبار بذلك كثيرة شهيرة: ففي صحيح مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلّى اللَّه عليه وعلى آله وسلم «كان يؤتى بالصبيان فيبرّك عليهم» [ (8) ] .
[ (1) ] بياض في ت.
[ (2) ] سقط في ج.
[ (3) ] بياض في ت.
[ (4) ] بياض في ت.
[ (5) ] في ج أجمعه.
[ (6) ] في د أصحابه.
[ (7) ] في أ، د لتوفير.
[ (8) ] أخره مسلم في الصحيح 1/ 237 عن عائشة كتاب الطهارة (2) باب حكم بول للطفل الرضيع وكيفية
وأخرجه الحاكم في كتاب «الفتن» [ (1) ] في المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف قال: ما كان يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعا له- الحديث. وأخرج ابن شاهين [ (2) ] في كتاب الصحابة في ترجمة محمد بن طلحة بن عبد اللَّه من طريق محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة [ (3) ] عن ظئر محمد بن طلحة، قال: لما ولد محمد بن طلحة أتيت به النبيّ صلى الله عليه وسلم ليحنّكه ويدعو له، وكذلك كان يفعل بالصبيان [ (4) ] ، لكن أحاديث هؤلاء عنه من قبيل المراسيل عند المحققين من أهل العلم بالحديث، ولذلك أفردتهم عن أهل القسم الأول.
القسم الثالث- فيمن ذكر في الكتب المذكورة من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا رأوه، سواء أسلموا في حياته أم لا، وهؤلاء ليسوا أصحابه باتفاق من أهل العلم بالحديث، وإن كان بعضهم قد ذكر بعضهم في كتب معرفة الصحابة فقد أفصحوا بأنهم لم يذكروهم إلا بمقاربتهم لتلك الطبقة، لا أنهم من أهلها.
وممن أفصح بذلك ابن عبد البرّ، وقبله أبو حفص بن شاهين، فاعتذر عن إخراجه ترجمة النجاشي بأنه صدق النبيّ صلى الله عليه وسلم في حياته وغير ذلك، ولو كان من هذا [ (5) ] سبيله يدخل عنده في الصحابة ما احتاج إلى اعتذار.
وغلط من جزم في نقله عن ابن عبد البر بأنه يقول بأنهم صحابة، بل مراد ابن عبد البر بذكرهم واضح في مقدمة كتابه بنحو مما [ (6) ] قررناه، وأحاديث هؤلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة بالاتفاق بين أهل العلم بالحديث، وقد صرح ابن عبد البر نفسه بذلك في التمهيد وغيره من كتبه.
القسم الرابع- فيمن ذكر في الكتب المذكورة على سبيل الوهم والغلط، وبيان ذلك
[ () ] غسله (31) حديث رقم (101/ 286) وابن أبي شيبة في المصنف 7/ 378، والتبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم 4150.
[ (1) ] في ج، د من.
[ (2) ] في أ، د وروينا.
[ (3) ] في ج الطلحة.
[ (4) ] أورده الهيثمي في الزوائد 8/ 52 عن ظئر محمد بن طلحة وقال رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة وهو متروك.
[ (5) ] في ج من كان هذا.
[ (6) ] في د ما.
البيان الظاهر الّذي يعوّل عليه على طرائق أهل الحديث، ولم أذكر فيه إلا ما كان الوهم فيه بيّنا. وأما مع احتمال عدم الوهم فلا، إلّا أن كان ذلك الاحتمال يغلب على الظن بطلانه.
وهذا القسم الرابع لا أعلم من سبقني إليه، ولا من حام طائر فكره عليه، وهو الضالة المطلوبة في هذا الباب الزاهر، وزبدة ما يمخضه [من هذا][ (1) ] الفن اللبيب الماهر.
واللَّه تعالى أسأل أن يعين على إكماله، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، ويجازيني به خير الجزاء في دار إفضاله، إنه قريب مجيب.
وقبل الشروع في الأقسام المذكورة أذكر فصولا مهمّة يحتاج إليها في هذا النوع.
[ (1) ] سقط في ج.