الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدواعي والعوامل التي توافرت في الصحابة حتى استظهروا القرآن والحديث النبوي الشريف وثبتوا فيهما
إن محاولة الطّعن في أصحاب سيّدنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هي محاولة للطّعن في القرآن الكريم والسّنّة النبويّة المشرفة فالطّاعن فيهم يريد زعزعة النّاس بكتاب اللَّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مقصده في ذلك افتتان المسلمين عن دينهم فكثرت الأيدي الآثمة من النيل بكتاب اللَّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فاستكثروا على الصّحابة- رضوان اللَّه عليهم- أن يكونوا قد حفظوا الحديث الشّريف، وهذا ما ستراه في الدّفاع عن إمام الحافظين سيدنا أبي هريرة- رضي الله عنه ومع كل ذلك أبي اللَّه إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون.
وإليك ما كتب العلّامة الزّرقانيّ في «مناهل العرفان» فقال: ويزعم أن شبهات القوم كلها متشابهة، وطرق دفعها هي الأخرى متشابهة، فإن واجب الحيطة والحذر يقتضينا أن نقيم خطّا منيعا من خطوط الدّفاع عن الكتاب والسّنة، وأن نؤلف هذا الخطّ من جبهتين قويتين:
الجبهة الأولى: تطاول السّماء بتجلية الدواعي والعوامل التي توافرت في الصحابة حتى جعلت منهم كثرة غامرة يحفظون القرآن والحديث، وينقلونهما نقلا متواترا مستفيضا.
والجبهة الثانية: تفاخر الجوزاء بنظم الدّواعي والعوامل التي توافرت فيهم رضوان اللَّه عليهم، حتى جعلتهم يتثبّتون أبلغ تثبّت وأدقه في القرآن وجمع القرآن، وكل ما يتّصل بالقرآن، وفي الحديث الشّريف، وكل ما يتّصل بالحديث الشريف.
وإنّي أستمنح اللَّه فتوحا وتوفيقا في هذه المحاولة الجليلة، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ [ (1) ] .
أوّلا: عوامل حفظ الصّحابة للكتاب والسّنّة
العامل الأوّل:
أنهم كانوا أميين لا يعرفون القراءة، ولا يحذقون الخطّ والكتابة اللَّهمّ إلّا نزر يسير لا
[ (1) ] الأنفال: 42 وانظر مناهل العرفان 1/ 283 وما بعدها.
يصاغ منهم حكم على المجموع، وترجع هذه الأميّة السّائدة فيهم إلى غلبة البداوة عليهم وبعدهم عن أسباب الحضارة، وعدم اتّصالهم اتصالا وثيقا بالأمّتين المتحضّرتين آنذاك الفرس والروم.
ومعلوم أن الكتابة والقراءة وإمحاء الأميّة في أيّة أمّة رهين بخروجها من عهد السّذاجة والبساطة إلى عهد المدنية والحضارة.
ثم إن هذه الأميّة تجعل المرء منهم لا يعوّل إلا على حافظته وذاكرته فيما يهمّه حفظه وذكره، ومن هنا كان تعويل الصّحابة على حوافظهم يقدحونها في الإحاطة بكتاب اللَّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأن الحفظ هو السّبيل الوحيدة أو الشّبيهة بالوحيدة إلى إحاطتهم بها، ولو كانت الكتابة شائعة فيهم لاعتمدوا على النقش بين السّطور بدلا من الحفظ في الصّدور.
نعم، كان هناك كتّاب للوحي، وكان بعض الصّحابة يكتبون القرآن لأنفسهم، إلا أن هؤلاء وهؤلاء كانوا فئة قليلة، ولعلك لم تنس أن كتابة القرآن في عهد الرّسول صلى الله عليه وسلم كان الغرض منها زيادة التوثّق والاحتياط للقرآن الكريم بتقييده وتسجيله.
أما السّنة النّبوية
فقد نهى النّبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن كتابتها أوّل الأمر مخافة اللّبس بالقرآن، إذ قال عليه الصلاة والسلام:«لا تكتبوا عنّي، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه، وحدّثوا عنّي فلا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوَّأ مقعدة من النّار» [ (1) ] .
نعم. خشي الرّسول صلى الله عليه وسلم أن يختلط القرآن بالسّنّة إذا هم كتبوا السّنّة كما كانوا يكتبون القرآن، أو أن تتوزّع جهودهم وهي لا تحتمل أن يكتبوا جميع السّنّة وجميع القرآن فقصرهم على الأهمّ أوّلا وهو القرآن، خصوصا إذا لاحظنا أن أدوات الكتابة كانت نادرة لديهم إلى حدّ بعيد، حتى كانوا يكتبون في اللخاف والسّعف والعظام كما علمت.
فرحمة بهم من ناحية، وأخذا لهم بتقديم الأهمّ على المهمّ من ناحية ثانية، وحفظا للقرآن أن يشتبه بالسّنّة إذا هم كتبوا السّنّة بجانب القرآن نظرا إلى عزّة الورق، وندرة أدوات الكتابة، رعاية لهذه الغايات الثّلاث نهى الرّسول عن كتابة السّنّة.
أما إذا أمن اللّبس، ولم يخش الاختلاط، وكان الأمر سهلا على الشّخص فلا عليه أن
[ (1) ] أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2298- 2299 كتاب الزهد والرقائق (53) باب التثبت في الحديث وحكم كتاب العلم (16) حديث رقم (72/ 3004) وأحمد في المسند 3/ 21، 39، 56. والدارميّ في السنن 1/ 119- والحاكم في المستدرك 1/ 127- وابن عدي في الكامل 3/ 926، 5/ 1771 وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم 29168.