الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن هنا يقول ابن كثير: «السّنة قاضية على الكتاب وليس الكتاب قاضيا على السّنّة» ، يريد بهذه الكلمة ما وضحه السّيوطيّ بقوله: والحاصل أن معنى احتياج القرآن إلى السّنّة أنها مبيّنة له ومفصّلة لمجملاته، لأن فيه لو جازته كنوزا يحتاج إلى من يعرف خفايا خباياها فيبرزها، وذلك هو المنزل عليه صلى الله عليه وسلم وهو معنى كون السّنّة قاضية على الكتاب، وليس القرآن مبيّنا للسّنّة ولا قاضيا عليها، لأنها بيّنة بنفسها، إذ لم تصل إلى حدّ القرآن في الإعجاز والإيجاز، لأنها شرح له، وشأن الشّرح أن يكون أوضح وأبين وأبسط من المشروح» .
ولا ريب أنّ الصّحابة كانوا أعرف النّاس بمنزلة الكتاب والسّنّة، فلا غرو أن كانوا أحرص على حذقهما وحفظهما والعمل بهما.
العامل الثّامن:
ارتباط كثير من كلام اللَّه ورسوله بوقائع وحوادث وأسئلة من شأنها أن تثير الاهتمام، وتنبّه الأذهان، وتلفت الأنظار إلى قضاء اللَّه ورسوله فيها، وحديثهما عنهما وإجابتهما عليها، وبذلك يتمكّن الوحي الإلهي والكلام النّبويّ في النّفوس أفضل تمكن، وينتقش في الأذهان على مرّ الزّمان.
انظر إلى القرآن الكريم تجده يساير الحوادث والطّوارئ في تجددها ووقوعها، فتارة يجيب السّائلين على أسئلتهم بمثل قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [ (1) ] .
وتارة يفصّل في مشكلة قامت، ويقضي على فتنة طغت بمثل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، إلى قوله: مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [ (2) ] .
وهي ستّ عشرة آية نزلت في حادث من أروع الحوادث هو اتّهام أمّ المؤمنين سيدتنا الجليلة السيدة أم المؤمنين عائشة زوج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، الصّديقة بنت الصّديق، وفي هذه الآيات دروس اجتماعية قرئت، ولا تزال تقرأ على النّاس إلى يوم القيامة، ولا تزال تسجل براءة الحصان الطاهرة من فوق سبع سماوات، وتارة يلفت القرآن أنظار المسلمين إلى تصحيح أغلاطهم الّتي وقعوا فيها، ويرشدهم إلى شاكلة الصّواب كقوله في سورة آل عمران. وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ إلخ الآيات، التي نزلت في
[ (1) ] الإسراء: 85.
[ (2) ] النور: 11- 26.
غزوة أحد والتي تدل المسلمين على خطئهم في هذا الموقف الرّهيب، وتحذرهم أن يقعوا حينا آخر في مثل هذا المأزق العصيب.
وعلى هذا النّمط نزلت سور في القرآن وآيات تفوق الحصر.
وإذا نظرت في السّنّة رأيت العجب، انظر إلى قصّة المخزومية التي سرقت،
وقول الرّسول صلى الله عليه وسلم لمن شفع فيها: «وايم اللَّه، لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها» [ (1) ] ثم تأمّل حادث تلك المرأة الجهنية الّتي أقرّت بزناها بين يدي رسول اللَّه وهي حبلى من الزّنا، كيف أمر رسول اللَّه فكفلها وليّها حتى وضعت حملها ثم أتى بها فرجمت ثم صلّى رسول الرّحمة عليها؟، ولمّا سئل صلى الله عليه وسلم كيف تصلي عليها وهي زانية؟ قال:«إنّها تابت توبة لو قسّمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها للَّه عز وجل» [ (2) ] .
وتدبّر الحديث المعروف بحديث جبريل، وفيه يسأل جبريل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والسّاعة وأشراطها على مرأى ومسمع من الصّحابة، وقد
قال لهم أخيرا: «هذا جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم» [ (3) ] .
[ (1) ] أخرجه البخاري في الصحيح 8/ 287 كتاب الحدود باب كراهية الشفاعة
…
حديث رقم 6788 ومسلم في الصحيح 3/ 1315 كتاب الحدود (29) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود (2) حديث رقم (8/ 1688، 9/ 1688) وأبو داود في السنن 2/ 537 كتاب الحدود باب في الحد يشفع حديث رقم 4373 والترمذي في السنن 4/ 29 كتاب الحدود (15) باب ما جاء من كراهية أن يشفع في الحدود (6) حديث رقم 1430 والنسائي في السنن 8/ 73- 74 كتاب قطع السارق (46) باب اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر الزهري في المخزومية التي سرقت (6) حديث 4899 وابن ماجة في السنن 2/ 851 كتاب الحدود (20) باب الشفاعة في الحدود (6) حديث رقم 2547- والدارميّ في السنن 2/ 173- والبيهقي في السنن 8/ 253 والبيهقي في دلائل النبوة 5/ 88- وذكره ابن كثير في التفسير 3/ 104.
[ (2) ] أخرجه مسلم في الصحيح 3/ 1321- 1324 كتاب الحدود (29) باب من اعترف على نفسه بالزنا (5) حديث رقم (22/ 1695) ، (23/ 1695) ، (24/ 1696) وأبو داود في السنن 2/ 556 كتاب الحدود باب المرأة التي أمر النبي برجمها من جهينة حديث رقم 4440 والترمذي في السنن 4/ 33 كتاب الحدود (15) باب تربص الرجم بالحبلى حتى تضع (9) حديث رقم 1435 وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والنسائي في السنن 4/ 63 كتاب الجنائز باب الصلاة على المرجوم (64) حديث رقم 1957- وأحمد في المسند 4/ 440 والطبراني في الكبير 18/ 197- وابن حبان في صحيحه حديث رقم 1512 وذكره المنذري في الترغيب 4/ 100 والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 8/ 581.
[ (3) ] متفق عليه أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 114، كتاب الإيمان (2) باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم (37)