الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصول مدرسة الكوفة
كان أهل الكوفة يرون أن عبد اللَّه بن مسعود وأصحابه أثبت النّاس في الفقه، واعتقدوا أنّهم في الدّرجة العليا من التّحقيق وكانت قلوبهم أميل شيء إلى أصحابهم كما قال علقمة لمسروق: هل أحد منهم أثبت من عبد اللَّه؟ وقال أبو حنيفة: إبراهيم أفقه من سالم، ولولا فضل الصحبة لقلت علقمة أفقه من ابن عمر، وعبد اللَّه هو عبد اللَّه، وقد جمعوا من فتاوى ابن مسعود وقضايا علي وفتاواه وكل ما تيسّر لهم جمعه، وصنعوا في آثار أصحابهم كما صنع أهل المدينة، وخرجوا كما خرج هؤلاء ولم يكن عندهم من الأحاديث والآثار ما يقدرون به على استنباط الفقه على الأصول التي اختارها أهل الحديث، ولم تنشرح صدورهم للنّظر في أقوال علماء البلدان وجمعها، وكان عندهم من الفطانة والحدس وسرعة انتقال الذّهن من شيء إلى شيء ممّا يقدرون به على تخريج جواب المسائل على أقوال أصحابهم وكلّ ميسّر، لما خلق له و «كلّ حزب بما لديهم فرحون، فمهدوا الفقه على قاعدة التخريج.
مقارنة بين المدرستين
كان طابع كلتا المدرستين فقهيّا، غير أن مدرسة المدينة كانت تعتمد في الاستنباط الفقهي على النصوص لقيامها في المدينة تلك البلد التي عاش فيها النبيّ صلى الله عليه وسلم والخلفاء الرّاشدون وأكثر الصّحابة، فالأحاديث فيها كثيرة والآثار متوافرة، وقد توجّهت هممهم وانشرحت صدورهم لجمع أحاديث الرّسول وآثار الخلفاء الرّاشدين والصّحابة المقربين بها، فحصل لهم من ذلك الشّيء الكثير أغناهم في كثير عن استعمال الرّأي، فما من مسألة مسائل إلا وجدوا فيها حديثا مرفوعا متّصلا أو مرسلا أو موقوفا، صحيحا أو حسنا أو صالحا للاعتبار، أو وجدوا أثرا من آثار الخلفاء الرّاشدين والصّحابة عندهم، وقلّما تعرض مسألة ليس فيها نصّ من كتاب أو سنّة أو أثر صحابي ولم يكن عندهم من العمران ما تتّجه به المسائل وتتكاثر فالحياة بمنأى عن المؤثرات الخارجية والأعراف الأخرى فهي لا زالت يدويّة متكررة، ما يحدث اليوم قد حدث بالأمس القريب أو البعيد، وإن وقعت حادثة ليس لها سابقة وقلّما يكون أعملوا رأيهم على نحو ما كان يفعل سلفهم من الصّحابة مع مراعاة اقتضاء النّصّ وإيمائه، ولم يذهبوا بعيدا، فكانت بذلك أقرب إلى السّنن النّبوية وإلى الحديث.
وأمّا مدرسة الكوفة، فإنّها وإن كانت تقليدية من حيث المبدإ واعتمادها على الأحاديث والآثار المروية عن طريق الصحابة الذين عاشوا بينهم ووثقوا بهم إلا أن الأحاديث