الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العامل العاشر
حكمة اللَّه ورسوله في التّربية والتّعليم، وحسن سياستهما في الدّعوة والإرشاد مما جعل الكتاب والسّنة يتقرران في الأذهان، ويسهلان على الصّحابة في الحفظ والاستظهار.
أما القرآن الكريم فحسبك أن تعرف من حكمة اللَّه في التربية والتعليم أنه أنزله على الأمة الإسلامية باللغة الحبيبة إلى نفوسهم، وبالأسلوب الخلّاب والنّظم المعجز الآخذ بقلوبهم. وأنه تدرج بهم في نزوله، فلم ينزل جملة واحدة يرهقهم به ويعجزون عنه بل أنزله منجما في مدى عشرين أو بضع وعشرين سنة، ثم ربطه بالحوادث والأسباب الخاصة في كثير من آياته وسوره، ودعمه بالدليل والحجة، وخاطب به العقول والضّمائر، وناط به مصلحتهم وخيرهم وسعادتهم، وصدر في ذلك كلّه عن رحمة واسعة بهم يكادون يلمسونها باليد ويرونها بالعين ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ، وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ، وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [ (1) ] . مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها، وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ (2) ] .
وأما السّنة النّبوية فلقد كان محمد صلى الله عليه وسلم هو المعلّم الأوّل في رعاية تلك الوسائل الموضحة، ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان أفصح النّاس لسانا وأوضحهم بيانا، وأجودهم إلقاء، ينتقي عيون الكلام وهو الّذي أوتي جوامع الكلم، ولا يسرد الحديث سردا يزري برونقه أو يذهب بشيء منه، يل يتكلّم كلاما لو عدّه العادّ لأحصاه، وكان يعيد الكلمة ثلاثا أو أكثر من ثلاث عند الحاجة كيما تحفظ عنه كما
جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «هلك المتنطّعون» [ (3) ] قالها ثلاثا، وقال:
[ (1) ][المائدة: 6] .
[ (2) ][فصلت: 46] .
[ (3) ] أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2055 كتاب العلم (47) باب هلك المتنطعون (4) حديث رقم (7/ 2670) والطبراني في الكبير 10/ 216- وذكره ابن حجر في فتح الباري 13/ 267- والتبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم 4785- والزبيدي في الإتحاف 2/ 50.
[ (4) ] أخرجه البخاري في الصحيح 8/ 5، 6 كتاب الأدب باب عقوق الوالدين- حديث رقم 5976، 5977، 3/ 339 كتاب الشهادات باب ما قيل في شهادة الزور حديث رقم 2654- ومسلم في الصحيح 1/ 91 كتاب الإيمان (1) باب بيان الكبائر وأكبرها (38) حديث رقم (143/ 87، 144/ 88) وأحمد في المسند 3/ 131، 5/ 36، 38- والبيهقي في السنن 10/ 121- والطبراني في الكبير 18/ 140-
وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبّحكم ومسّاكم، ويقول:«بعثت أنا والسّاعة كهاتين [ (1) ]- ويقرن بين إصبعيه السّبّابة والوسطى- ويقول: أمّا بعد فإنّ خير الحديث كتاب اللَّه، وخير الهدي هدي محمّد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة» ثم يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ» [ (2) ] .
ومن وسائل إيضاحه صلى الله عليه وسلم أنه كان يضرب لهم الأمثال الرّائعة الّتي تجلّي لهم المعاني.
ضرب لأصحابه المثل في ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخطر إهمالهما
[ () ] والطبري في التفسير 5/ 28- وذكره المنذري في الترغيب 3/ 221 والهيثمي في الزوائد 1/ 106- وابن عبد البر في التمهيد 5/ 72 والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 7/ 515، 8/ 538.
[ (1) ] أخرجه البخاري في الصحيح 7/ 93 كتاب الطلاق باب اللعان حديث رقم 5301، 8/ 190 كتاب الرقاق باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت
…
حديث رقم 6504، 6505 ومسلم في الصحيح 4/ 2268 كتاب الفتن وأشراط الساعة (52) حديث رقم (133/ 2951) ، 134، 951، (135/ 2951) - والترمذي في السنن 4/ 429 كتاب الفتن (34) باب ما جاء في
قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين يعني السبابة والوسطى
(39)
حديث رقم 2213، 2214 والنسائي في السنن 3/ 189 كتاب صلاة العيدين (19) باب كيف الخطبة (22) حديث رقم 1578 وابن ماجة في السنن 1/ 45 المقدمة باب اجتناب البدع والجدل (7) حديث رقم 45- وأحمد في المسند 3/ 124، 30، 131، 193، 237، 275، 283، 319، 5/ 103، 8 والبيهقي في السنن 3/ 206، 213- وابن خزيمة في صحيحه حديث رقم 1785- والطبراني في الكبير 2/ 227، 6/ 208، 243، 66 وابن عساكر 4/ 199، 5/ 433، 7/ 121 وابن سعد 1/ 2/ 98- والبخاري في التاريخ الكبير 3/ 355 والخطيب في التاريخ 6/ 281- وذكره المنذري في الترغيب 1/ 83 والهندي في كنز العمال حديث رقم 38348، 38349، 38350، 39571- والهيثمي في الزوائد 1/ 314، 315.
[ (2) ] أخرجه مسلم في الصحيح 2/ 592 كتاب الجمعة (7) باب تخفيف الصلاة والخطبة (13) حديث رقم (43/ 867) والبيهقي في السنن 3/ 207- وذكره ابن حجر في فتح الباري 2/ 405- والتبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم 141.
[ (3) ] أخرجه البخاري في الصحيح 3/ 278 كتاب الشركة باب هل يقرع
…
حديث رقم 2493 وأحمد في المسند 4/ 269- والبيهقي في السنن 10/ 288 وذكره المنذري في الترغيب 3/ 225 وابن كثير في التفسير 3/ 579 والهندي في كنز العمال حديث رقم 5533.
ومن وسائل إيضاحه صلى الله عليه وسلم أسئلته التي كان يلقيها على أصحابه، ونأخذ مثالا واحدا من ذلك:
عن أبي هريرة- رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون من المفلس» ؟ قالوا:
المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار ولا متاع، فقال:«إنّ المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النّار» [ (1) ] .
وكان صلى الله عليه وسلم يستعين بالرّسم في توضيح المعاني وتقريبها إلى الأذهان- رغم أنه كان أميّا لا يقرأ ولا يكتب ولم يتعلم الهندسة ولا غيرها.
روى البخاري في صحيحه عن ابن مسعود- رضي الله عنه قال: «خط لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خطّا مربعا، وخطّ وسطه خطّا، وخطّ خطوطا إلى جنب الخطّ- أي الّذي في الوسط- وخط خطّا خارجا فقال: «أتدرون ما هذا» قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، قال:«هذا الإنسان» يريد الخط الّذي في الوسط- وهذا الأجل محيط به- يريد الخط المربع وهذه الأعراض تنهش- يشير إلى الخطوط التي حوله- إن أخطأ، هذا نهشه هذا، وهذا الأمل- يعني الخطّ الخارج.
ومن سياسته الحكمية في التّربية والتّعليم أنه كان ينتهز فرصة الخطأ ليصحح لهم الفكرة في حينها.
من ذلك ما يقصّه علينا سيدنا: أنس- رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلما أخبروا كأنهم تقالوه [ (2) ]، وقالوا: أين نحن من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر؟ قال أحدهم: أمّا أنا فأصلّي الليل أبدا وقال الآخر: وأنا أصوم الدّهر أبدا، وقال الآخر: وأنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا، فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليهم فقال:«أنتم الّذين قلتم كذا وكذا!!! واللَّه إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم للَّه، ولكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» [ (3) ] .
[ (1) ] أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 1997 كتاب البر والصلة والآداب (45) باب تحريم الظلم (15) حديث رقم (59/ 2581) والترمذي في السنن 4/ 529- 530 كتاب صفة القيامة والرقائق والورع (38) باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص (2) حديث رقم (2418) وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والطبري في التفسير 28/ 99- وذكره التبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم 5127.
[ (2) ] أي عدوها قليلة.
[ (3) ] متفق عليه أخرجه البخاري في الصحيح 9/ 104، كتاب النكاح (67) باب الترغيب في النكاح (1)