الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثلاث عشرة وستمائة
قال ابن الأثير [1] : فيها وقع بالبصرة برد [كثير] قيل: إن أصغره كالنارنجة [الكبيرة] ، وأكبره ما يستحي الإنسان أن يذكر.
وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن الحسين البغدادي [2] ، أخو الفخر إسماعيل غلام ابن المنّي. سمع الحديث، وتفقه في مذهب الحنابلة على أخيه، وتكلّم في مسائل الخلاف، وكان فقيها صالحا. توفي ثاني عشر ربيع الأول، ودفن عند أخيه بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها إسماعيل بن عمر بن بكر المقدسي [3] أبو إسحاق وأبو القاسم وأبو الفضل، ويلقب محب الدّين، الحنبلي. سمع بدمشق من أبي اليمن الكندي وغيره، وبمصر من البوصيري والحافظ عبد الغني [4] ، وببغداد من ابن الأخضر وطبقته، وبأصبهان من أبي عبد الله محمد بن مكّي وغيره، وكانت رحلته مع الضياء بعد الستمائة. وعني بالحديث، ووصفه جماعة بالحافظ، وتفقّه وحدّث، وتوفي في ثامن عشر شوال.
[1] انظر «الكامل في التاريخ» (12/ 314- 315) وما بين حاصرتين زيادة منه، و «العبر» (5/ 44) ولفظة «الكبيرة» مستدركة منه.
[2]
انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 89) .
[3]
انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 90) .
[4]
يعني المقدسي صاحب «الكمال» وغير، رحمه الله تعالى.
وفيها الشيخ شرف الدّين أبو الحسن أحمد بن عبيد الله بن قدامة المقدسي [1] الحنبلي.
ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وسمع من أبي الفرج ابن كليب وغيره، وحدّث، وكان فقيها فاضلا ديّنا عاملا، جمع الله له بين حسن الخلق والخلق، والأمانة والمروءة، وقضاء حوائج الإخوان، والكرم، والإحسان إلى الضعفاء والمرضى وقضاء حوائجهم، والتهجد.
وكان يقول الحقّ ولا يحابي أحدا. توفي ليلة رابع عشر ذي القعدة ودفن من الغد بسفح قاسيون، ورؤيت له منامات حسنة جدا، ورثاه غير واحد، ولما توفي هؤلاء الثلاثة الأحبار [2] المقدسيون، المحبّ، والعزّ [3] ، والشّرف، في مدة متقاربة، رثاهم شيخ الإسلام موفق الدّين بقوله:
مات المحبّ ومات العزّ والشّرف
…
أئمة سادة ما منهم خلف
كانوا أئمة علم يستضاء بهم
…
لهفي على فقدهم لو ينفع اللهف
ما ودّعوني غداة البين إذ رحلوا
…
بل أودعوا قلبي الأحزان وانصرفوا
وهي طويلة.
وفيها العلّامة تاج الدّين الكندي أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن البغدادي [4] ، المقرئ النحويّ اللغويّ. شيخ الحنفية والقرّاء والنّحاة بالشام، ومسند العصر.
ولد سنة عشرين وخمسمائة، وأكمل القراءات العشرة، وله عشرة
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 92- 93) .
[2]
في «ذيل طبقات الحنابلة» : «الأخيار» .
[3]
في «آ» : «المعز» .
[4]
انظر «إنباه الرواة» (2/ 10- 14) و «تاريخ الإسلام» (62/ 134- 141) و «العبر» (5/ 44) .
أعوام، وهذا ما لا نعلمه تهيأ لأحد سواه. اعتنى به سبط الخيّاط، فأقرأه وحرص عليه، وجهّزه إلى أبي القاسم هبة الله بن الطّبر، فقرأ عليه بست [1] روايات، وإلى أبي منصور ابن خيرون، وأبي بكر خطيب الموصل، وأبي الفضل بن المهتدي بالله. فقرأ عليهم بالروايات الكثيرة. وسمع من ابن الطّبر، وقاضي المارستان، وأبي منصور القزّاز، وخلق، وأتقن العربية على جماعة، وقال الشعر الجيد، ونال الجاه الوافر، فإن الملك المعظم كان مديما للاشتغال عليه، وكان ينزل إليه من القلعة.
توفي في سادس شوال، ونزل الناس بموته درجة في القراءات وفي الحديث، لأنه آخر من سمع من القاضي أبي بكر، والقاضي أبو بكر آخر من سمع من أبي محمد الجوهري، والجوهري آخر من روى عن القطيعي، والقطيعي آخر من روى عن الكريمي وجماعة. قاله في «العبر» .
قلت ومن شعره [2] :
تمنّيت في عصر [3] الشّبيبة أنّني
…
أعمّر والأعمار لا شكّ أرزاق [4]
فلمّا أتاني ما تمنّيت [5] ساءني
…
من العمر ما قد كنت أهوى وأشتاق
وها أنا في إحدى وتسعين حجّة
…
لها في إرعاد مخوف وإبراق
يقولون ترياق لمثلك نافع
…
وما لي إلّا رحمة الله ترياق
وفيها عبد الرحمن بن علي الزّهري الإشبيلي [6] أبو محمد، مسند الأندلس في زمانه. روى «صحيح البخاري» سماعا من أبي الحسن شريح،
[1] في «ط» : «ست» .
[2]
انظر «الأبيات في وفيات الأعيان» (2/ 341- 342) و «تاريخ الإسلام» (62/ 139) .
[3]
تحرفت في «آ» و «ط» إلى «عشر» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» .
[4]
في «آ» : «رزاق» .
[5]
في «تاريخ الإسلام» : «فلما أتى ما قد تمنيت» .
[6]
انظر «العبر» (5/ 46) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 55) .
وعاش بعد ما سمعه ثمانين سنة، وهذا شيء لا نعلمه وقع لأحد بالأندلس غيره. توفي في آخر هذا العام.
وفيها الملك الظاهر غازي [بن يوسف][1] ، صاحب حلب، ولد السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيوب.
ولد بمصر سنة ثمان وستين وخمسمائة، وحدّث عن عبد الله بن برّي وجماعة، وكان بديع الحسن، كامل الملاحة، ذا غور ودهاء ورأي ومصادقة لملوك النواحي، فيوهمهم أنه لولا هو لقصدهم عمه العادل، ويوهم عمه أنّه لولا هو لاتفق عليه الملوك وشاقوه، وكان سمحا جوادا، تزوّج بابنتي عمّه.
قال ابن خلّكان [2] : كان ملكا، مهيبا، حازما، متيقظا، كثير الاطلاع على أحوال رعيته وأخبار الملوك، عالي الهمّة، حسن التدبير والسياسة، باسط العدل، محبا للعلماء، مجيزا للشعراء. أعطاه والده مملكة حلب في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة بعد أن كانت لعمّه الملك العادل، فنزل عنها وتعوّض غيرها.
ويحكى عن سرعة إدراكه أشياء حسنة، منها: أنه جلس يوما لعرض العسكر، وديوانيّ [3] الجيش بين يديه، فكان كلما حضر واحد من الأجناد سأله الديوانيّ [3] عن اسمه لينزلوه حتّى حضر واحد فسألوه، فقبّل الأرض، فلم يفطن أحد من أرباب الديوان لما أراد، فعاودوا سؤاله [4]، فقال الملك الظاهر: اسمه غازي، وكان كذلك، وتأدب الجندي أن يذكر اسمه لما كان موافقا اسم السلطان، وعرف هو مقصوده، وله من هذا الجنس شيء
[1] انظر «العبر» (5/ 46) و «تاريخ الإسلام» (62/ 151- 155) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[2]
انظر «وفيات الأعيان» (4/ 6) .
[3]
في «وفيات الأعيان» : «وديوان» و «الديوان» وما جاء في كتابنا هو الصواب.
[4]
في «آ» و «ط» : «فعاود وسأله» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
كثير، وتوفي بقلعة حلب ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الآخرة، ودفن بالقلعة.
ثم بنى الطواشيّ شهاب الدّين أتابك ولده الملك العزيز مدرسة تحت القلعة، وعمر فيها تربة ونقله إليها. والعجب أنه دخل حلب مالكا لها في الشهر بعينه واليوم سنة اثنتين وثمانين [وخمسمائة] . انتهى ملخصا.
وكانت وفاته بالإسهال، وتسلطن بعده ولده الملك العزيز وله ثلاثة أعوام.
وفيها الجاجرمي، مؤلّف «الكفاية» في الفقه، الإمام معين الدّين أبو حامد محمد بن إبراهيم الفقيه الشافعي.
قال ابن خلّكان [1] : كان إماما، فاضلا، متقنا، مبرّزا. سكن نيسابور، ودرّس بها، وصنّف في الفقه كتاب «الكفاية» وهو في غاية الإيجاز، مع اشتماله على أكثر المسائل [2] التي تقع في الفتاوى، وهو في مجلد واحد.
وله كتاب «إيضاح الوجيز» أحسن فيه، وهو مجلدين، وله طريقة مشهورة في الخلاف والفوائد [3] المشهورة منسوبة إليه. واشتغل عليه الناس وانتفعوا به بكتبه من بعده، خصوصا «القواعد» فإن الناس أكبوا على الاشتغال بها.
وتوفي بكرة نهار الجمعة عاشر رجب بنيسابور.
والجاجرمي: بفتح الجيمين وسكون الراء، نسبة إلى جاجرم، بلدة بين نيسابور وجرجان خرج منها جماعة من العلماء [4] . انتهى.
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 265) .
[2]
في «آ» و «ط» : «على كثير المسائل» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[3]
في «وفيات الأعيان» : «والقواعد» .
[4]
انظر «معجم البلدان» (2/ 92) .
وفيها العزّ [1] محمد بن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحافظ ابن الحافظ أبو الفتح.
ولد سنة ست وستين وخمسمائة، ورحل إلى بغداد، وهو مراهق، فسمع من ابن شاتيل [2] وطبقته، وسمع بدمشق من أبي الفهم عبد الرحمن بن أبي العجائز وطائفة، وكتب الكثير، وعني بالحديث. وارتحل إلى أصبهان وغيرها، وكان موصوفا بحسن القراءة وجودة الحفظ والفهم.
قال الضياء: كان حافظا، فقيها، حنبليا، ذا فنون. ثم وصفه بالديانة المتينة، والمروءة التّامة.
وقال أبو شامة [3] : صحب الملك المعظّم عيسى، وسمع بقراءته [4] الكثير، وكان حافظا، ديّنا، زاهدا، ورعا.
وقال الذهبي: روى عنه ابنا تقي الدّين أحمد، وعز الدّين عبد الرحمن، والحافظ ضياء الدّين، والشهاب القوصي، والشيخ شمس الدّين عبد الرحمن بن أبي عمر، وابن البخاري، وآخرون.
توفي- رحمه الله ليلة الاثنين، تاسع عشر شوال، ودفن بسفح قاسيون.
قال الحافظ الضياء: قال بعضهم: كنا نقرأ عنده ليلة مات، فرأيت على بطنه نورا مثل السّراج.
[1] في «العبر» (5/ 47) طبع الكويت: «العزيز» وهو خلاف لما في المصادر الأخرى، وأبعد محقق «العبر» طبع بيروت فبدّل «العز» إلى «العزيز» ، ولقبه «عز الدين» كما في «تاريخ الإسلام» (62/ 158) واختصر إلى «العز» في بعض المصادر.
[2]
تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن شامل» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[3]
انظر «ذيل الروضتين» ص (99) .
[4]
في «آ» : «بقراءة» .