الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وستين وستمائة
فيها انتهت عمارة المدرسة الظّاهرية بين القصرين بمصر، ورتّب في تدريس الإيوان القبلي القاضي تقيّ الدّين محمد بن رزين، وفي الإيوان الشمالي مجد الدّين بن العديم، وفي الإيوان الشّرقي فخر الدّين الدّمياطي في تدريس الحديث، وفي الغرب كمال الدّين المحلّي.
وفي جمادى الآخرة وصل الخبر بأن امرأة عجوزا من الحسينية عندها امرأتان تجيب لهم شبابا فيثور عليهم رجال عندها فيقتلونهم ويعطوهم لوقّاد الحمّام يحرقهم، وإذا كثر القتلى يعطوهم لملاح يغرّقهم، وكان والي الحسينية شريكهم، فحسب الذين قتلوا فكانوا خمسمائة نسمة، فأمر السلطان أن يسمّروا جميعا في الحسينية.
وفيها اشتدّ الغلاء بالقاهرة، حتّى بيع الإردبّ [1] القمح بمائة وخمسين دينارا، ففرّق الملك الظّاهر الصّعاليك على الأغنياء والأمراء، وألزمهم بإطعامهم.
وفيها أحضر إلى بين يدي الظّاهر طفل ميّت له رأسان وأربعة أعين وأربعة أيدي، وأربعة أرجل.
[1] جاء في «المعجم الوسيط» (1/ 13) : الإردبّ: مكيال يسع أربعة وعشرين صاعا.
وذكر محيي الدّين بن عبد الظّاهر أن بعض أهل قوص وجد في حفرة فلوسا كثيرة وعلى كل فلس منها صورة ملك واقف في يده اليمنى ميزان وفي يده اليّسرى سيف، وعلى الوجه الثاني رأس مصور بآذان وعيون كثيرة مفتوحة، وبدائر الفلوس سطور. واتفق حضور جماعة من الرّهبان فيهم راهب عالم بلسان اليونان، فقرأ ما على الفلس، فكان تاريخه إلى ذلك الوقت ألفي سنة وثلاثمائة سنة، وكتابته أنا غلياث الملك، ميزان العدل، والكرم في يميني لمن أطاع، والسيف في شمالي لمن عصى، وفي الوجه الآخر أنا غلياث الملك أذني مفتوحة لسماع كلمة المظلوم، وعيني مفتوحة أنظر بها مصالح ملكي.
وفيها توفي قاضي حلب كمال الدّين أحمد بن قاضي القضاة زين الدّين عبد الله بن عبد الرحمن بن الأستاذ الأسدي الشّافعي، المعروف بابن الأستاذ [1] ، وهو لقب جدّ والده عبد الله بن علوان.
ولد سنة إحدى عشرة وستمائة، وسمع من جماعة، واشتغل في المذهب، وبرع في العلوم والحديث، وأفتى ودرّس. وولي القضاء بحلب في الدولتين النّاصرية والظّاهرية.
قال الذهبي: وكان صدرا معظّما، وافر الحرمة، مجموع الفضائل، صاحب رئاسة ومكارم وأفضال وسؤدد. وولي القضاء [2] مدّة فحمدت سيرته، وروى عنه أبو محمد الدّمياطي. وكان يدعو له لما أولاه من الإحسان. انتهى.
[1] انظر «العبر» (5/ 267) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 17- 18) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 144- 146) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 162- 163) و «السلوك لمعرفة دول المملوك» (1/ 2/ 523) و «النجوم الزاهرة» (7/ 214) .
[2]
في «آ» و «ط» : «القضاء» وما أثبته هو الصواب.
ومن تصانيفه «شرح الوسيط» في نحو عشر مجلدات، لكن عزّ وجود شيء منه، والظّاهر أنه عدم في فتنة التتار بحلب، فإنه أصيب بماله وأهله فيها، ثم أعيد إلى دولته في الدولة الظّاهرية.
وقال السبكي: وله «حواش [1] على فتاوى ابن الصّلاح» تدلّ على فضل كثير [2] واستحضار للمذهب جيّد. توفي في نصف شوال.
وفيها أبو الطّاهر الكتّاني إسماعيل بن صارم [3] الخيّاط العسقلاني ثم المصري [4] . روى عن البوصيري، وابن ياسين، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها الزّين الحافظي، سليمان بن المؤيد بن عامر العقرباني [5] الطّبيب، طبّ [6] الملك الحافظ صاحب جعبر فنسب إليه، ثم خدم الملك النّاصر يوسف فعظم عنده، وبعثه رسولا إلى التتار فباطنهم ونصح لهم، فأمّره هولاكو [7] ، وصار تتريا خائنا للمسلمين، فسلّط الله عليه مخدومه، فقتل بين يديه لكونه كاتب الملك الظّاهر، وقتل معه أقاربه وخاصته، وكانوا خمسين.
وفيها شيخ الشّيوخ شرف الدّين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري الدمشقي ثم الحموي [8] الشّافعي الأديب.
كان أبوه قاضي حماة، ويعرف بابن الرفّاء.
[1] في «آ» و «ط» : «حواشي» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» .
[2]
في «طبقات الشافعية الكبرى» : «على فضل كبير» .
[3]
في «آ» و «ط» : «إسماعيل بن سالم» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4]
انظر «تذكرة الحفاظ» (4/ 1443) و «الوافي بالوفيات» (9/ 121) و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) .
[5]
انظر «العبر» (5/ 267- 268) .
[6]
انظر «لسان العرب» (طبب) .
[7]
في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[8]
انظر «العبر» (5/ 268) و «الوافي بالوفيات» (18/ 546- 556) و «الإعلام بوفيات الأعلام»
ولد هو بدمشق سنة ست وثمانين وخمسمائة، وكان مفرط الذّكاء.
ورحل به أبوه، فسمع من ابن كليب «جزء ابن عرفة» ومن أبي المجد «المسند» كلّه. وله محفوظات كثيرة، وفضائل شهيرة، وحرمة وجلالة ولين جانب، يكرم من يعرف ومن لا يعرف. مات بحماة، ودفن بظاهرها في ثامن رمضان بتربة كان أعدّها له.
ومن شعره قوله:
سبى فؤادي فتّان الجمال إذا
…
طلبت شبها له في النّاس لم أصب
قرأت خطّ عذاريه فأطمعني
…
بواو عطف ووصل منه عن كثب
وأعربت لي نون الصّدغ معجمة
…
بالحال عن نجح مقصودي وعن طلبي [1]
حتّى رنا فسبت قلبي لواحظه
…
والسّيف أصدق إنباء من الكتب [2]
لم أنس ليلة طافت بي عواطفه
…
فزارني طيفه صدقا بلا كذب
حيّا بما شئت من ورد بوجنته
…
نهبته بابتسامي وهو منتهبي
نشوان أسأل عن قلبي فينكره
…
تيها ويسأل عنّي وهو أعرف بي
وكلّما قال ممن أنت قلت له
…
ممّن إذا عشقوا جاءوك بالعجب
لا تسألوا حبّكم عن حبّه فله
…
من الإضافة ما يغني عن السّبب
وراقبوا منه حالا غير حائلة
…
عمّا عهدتم وقلبا غير منقلب
وفيها العماد بن الحرستاني أبو الفضائل عبد الكريم بن القاضي جمال الدّين عبد الصّمد بن محمد الأنصاري الدمشقي الشّافعي [3] .
ص (277) و «فوات الوفيات» (2/ 354- 363) و «النجوم الزاهرة» (7/ 214- 215) .
[1]
في «آ» و «ط» : «ومطلبي» وما أثبته من «الوافي بالوفيات» .
[2]
صدر بيت لأبي تمّام وهو في «ديوانه» وعجزه:
في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب
[3]
انظر «العبر» (5/ 268- 269) و «السلوك» (1/ 2/ 523- 524) و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) .
ولد في رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي، والقاسم، وتفقه على أبيه، وأفتى وناظر، وولي قضاء الشّام بعد أبيه قليلا، ثم عزل. ودرّس بالغزالية مدّة، وخطب بدمشق. وكان من جلّة العلماء. له سمت ووقار وتواضع. وولي الدّار الأشرفية بعد ابن الصّلاح، ووليها بعده أبو شامة، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها الضّياء بن البالسي [1] أبو الحسن علي بن محمد بن علي [2] ، المحدّث الخطيب، العدل الشّروطي.
ولد سنة خمس وستمائة. وسمع من ابن البنّ، وأجاز له الكندي، وعني بهذا الشأن، وكتب الكثير. وتوفي في صفر.
وفيها الملك المغيث فتح الدّين عمر بن العادل أبي بكر بن الملك الكامل بن العادل [3] . حبس [4] بعد موت عمّه الصالح بالكرك، فلما قتلوا ابن عمّه المعظّم، أخرجه معتمد الكرك الطّواشي وسلطنه بالكرك. وكان كريما، مبذّرا للأموال. فقلّ ما عنده، حتّى سلّم الكرك إلى صاحب مصر، ونزل إليه فخنقه. وكذا [5] خنق عمّه أباه، وعاش [6] كل منهما نحوا من ثلاثين سنة.
وقال ابن شهبة في سبب موته: أن الظّاهر بيبرس أمر أيدمر الحلّي [7] نائب القاهرة أن يقتله سرّا ولا يظهر ذلك، ويدفع لقاتله ألف دينار، فطلب أيدمر رجلا شرّيرا عنده شهامة وأطلعه على ذلك، فدخل إليه فخنقه، وأخذ
[1] في «ط» : «البانسي» وهو خطأ.
[2]
انظر «العبر» (5/ 269) .
[3]
انظر «العبر» (5/ 269) و «النجوم الزاهرة» (7/ 215- 216) .
[4]
تحرفت في «آ» و «ط» إلى «جلس» والتصحيح من «العبر» .
[5]
في «ط» : «وكذلك» .
[6]
تحرفت في «ط» إلى و «دباش» من غير تنقيط الباء ظنا منه بأنها نون.
[7]
انظر «الوافي بالوفيات» (10/ 5) .
الألف دينار [1] ، وجعل يشرب الخمر في بيته على بركة الفيل، فأخرج من الذّهب، فقال له ندماؤه: من أين لك هذا الذهب؟ فأخبرهم في حال سكره أنه قتل الملك المغيث وأعطي ألف دينار، فشاع ذلك بين النّاس، فبلغ الملك الظّاهر فعظم عليه ذلك، وأنكر على أيدمر، وطلب الرجل، فاستعاد منه ذلك الذّهب وقتله.
وفيها البابشرقي [2] أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري [3] التّاجر بجيرون [4] . روى عن الخشوعي، وطائفة. وتوفي في ربيع الأول.
وفيها ابن سراقة، الإمام محيي الدّين أبو بكر محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الشّاطبي [5] ، شيخ دار الحديث الكاملية بالقاهرة.
ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وسمع من أبي القاسم أحمد بن بقيّ، وبالعراق من أبي علي بن الجواليقي وطبقته، وله مؤلفات في التصوف. وكان أحد الأئمة المشهورين بغزارة العلم.
ومن شعره:
وصاحب كالزّلال يمحو
…
صفاؤه الشّكّ باليقين
لم يحص إلّا الجميل حتّى [6]
…
كأنّه كاتب اليمين
[1] لفظة «دينار» سقطت من «آ» .
[2]
نسبة إلى الباب الشرقي لدمشق القديمة.
[3]
انظر «العبر» (5/ 269- 270) و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) .
[4]
قال الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد في تعليقه على «العبر» : تطلق جيرون على المحلّة التي أمام باب الجامع الأموي الشرقي المسمى باب جيرون. وأحال على كتابه خطط دمشق. وانظر «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي ص (62) و «معجم البلدان» (2/ 199) .
[5]
انظر «العبر» (5/ 270) و «الوافي بالوفيات» (1/ 208- 209) و «النجوم الزاهرة» (7/ 216) و «حسن المحاضرة» (1/ 381) .
[6]
في «الوافي بالوفيات» و «النجوم الزاهرة» : «مني» .
وهذا عكس قول المنازي [1] :
وصاحب خلته خليلا
…
وما جرى غدره ببالي
لم يحص إلّا القبيح حتّى [2]
…
كأنّه كاتب الشّمال
وفيها الملك الأشرف، مظفّر الدّين موسى بن المنصور إبراهيم بن المجاهد أسد الدّين شيركوه [3] ، صاحب حمص.
ولد سنة سبع وعشرين وستمائة، وتملّك حمص سنة أربع وأربعين، فأخذت منه سنة ستّ. ثم تملّك [4] الرّحبة. ثم سار إلى هولاكو [5] فأكرمه وأعاد إليه حمص [6] ، وولاه نيابة الشام مع كتبغا. فلما قلع الله التتار، راسل [7] الملك المظفّر فأمّنه وأقرّه على حمص. فغسل هناته بيوم حمص وكسر التتار.
ونبل قدره. وكان ذا [8] حزم ودهاء وشجاعة وعقل مقداما، شجاعا. كسر التتار وكانوا في ستة آلاف، وكان هو في ألف وخمسمائة، وقتل أكثر التتار، ولم ينج منهم إلّا القليل، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد. وكان عفيفا، يحبّ العلم وأهله. توفي بحمص في صفر، فيقال سقي [9] ، وتسلّم الظّاهر بلده وحواصله.
[1] هو أحمد بن يوسف السّليكي المنازي. تقدمت ترجمته في وفيات سنة (437) من المجلد الخامس صفحة (173) .
[2]
في «الوافي بالوفيات» و «النجوم الزاهرة» : «مني» .
[3]
انظر «وفيات الأعيان» (2/ 481) و «العبر» (5/ 270- 271) و «البداية والنهاية» (13/ 243) .
و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) .
[4]
في «آ» و «ط» : «ثم ملك» وأثبت لفظ «العبر» مصدر المؤلف.
[5]
في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[6]
في «ط» : «وأقرّه على حمص» .
[7]
في «ط» : «وأرسل» .
[8]
تحرفت في «العبر» طبع الكويت إلى «إذ» وصححت في «العبر» طبع بيروت ووهم محققه في التعليق عليها فقال: «في «ب» (ذا) » وكان الصواب أن يكتب «إذ» كما جاء في المطبوع منه في الكويت!.
[9]
يعني: السّمّ.
وفيها الجوكندارا العزيز بن حسام الدّين لاجين، من أكبر أمراء دمشق. كان محبّا للفقراء، مؤثرا لراحتهم، يجمعهم على السماعات والسّماطات التي يضرب بها المثل. ويخدمهم بنفسه. توفي في المحرم كهلا. قاله في «العبر» [1] .
وفيها الرّشيد العطّار الحافظ أبو الحسين، يحيى بن علي بن عبد الله ابن علي بن مفرّج القرشي الأموي النّابلسي ثم المصري المالكي [2] .
ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وسمع من البوصيري، وإسماعيل ابن ياسين، والكبار. فأكثر وأطاب، وجمع «المعجم» وحصّل الأصول، وتقدم في الحديث، وولي مشيخة الكاملية سنة ستين، وتوفي في ثاني جمادى الأولى.
وفيها العبّاريّ [3] أبو القاسم [محمد] بن منصور الإسكندرانيّ [4] الزّاهد. كان صالحا، قانتا، مخلصا، منقطع القرين في الورع. كان له بستان يعمله ويتبلّغ منه، وله ترجمة مفردة جمعها ناصر الدّين بن المنيّر [5] .
توفي في سادس شعبان [6] .
[1] انظر «العبر» (5/ 271) .
[2]
انظر «العبر» (5/ 271) و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) و «حسن المحاضرة» (1/ 356) .
[3]
في «ط» : «القيادي» وهو خطأ.
[4]
انظر «ذيل الروضتين» ص (231) و «العبر» (5/ 271) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (277) و «البداية والنهاية» (13/ 243) و «طبقات الأولياء» ص (319- 320) وقد تحرفت فيه «محمد بن منصور» إلى «محمد عيسى» فتصحح. ولفظة «محمد» التي بين.
الحاصرتين مستدركة من المصادر المتقدم ذكرها.
[5]
سترد ترجمته في أول وفيات سنة (683) من هذا المجلد صفحة (666) فراجعها.
[6]
قلت: ومن المصادفات أنني أنهيت تحقيق ترجمة المترجم في ظهيرة يوم التاسع من شعبان لعام (1410) هـ، أي بعد (748) سنة وثلاثة أيام من وفاته، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، وجمعني وإيّاه يوم القيامة تحت لواء سيد المرسلين بفضله وكرمه.