الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ستين وستمائة
في أوائل رمضان أخذت التتار الموصل بخديعة بعد حصار أشهر، وطمّنوا النّاس، وخرّبوا السّور، ثم بذلوا السيف تسعة أيام، وأبقوا [على] صاحبها الملك الصّالح إسماعيل أيّاما ثم قتلوه، وقتلوا ولده علاء الدّين الملك [1] .
وفيها وقع الخلف بين بركة صاحب دست القفجاق، وابن عمّه هولاكو [2] .
وفيها توفي أحمد بن عبد المحسن بن محمد الأنصاري [3] ، أخو شيخ الشيوخ، صاحب حماة. روى عن عبد الله بن أبي المجد وغيره.
وفيها العزّ الضّرير الفيلسوف الرّافضيّ، حسن بن محمد [4] بن أحمد ابن نجا الإربلي [5] . كان بصيرا بالعربية، رأسا في العقليات. كان يقرئ المسلمين والذّمّة بمنزله، وله حرمة وهيبة، مع فساد عقيدته، وتركه الصّلوات، ووساخة هيئته. قاله الذهبي.
[1] لفظة «الملك» لم ترد في «العبر» مصدر المؤلّف ولفظة «على» مستدركة منه.
[2]
في «آ» و «ط» : «هلاكو» وفي «العبر» : «هلاوو» والذي أثبته هو المتعارف عليه، وانظر التعليق على «سير أعلام النبلاء» (23/ 206) .
[3]
انظر «العبر» (5/ 258) .
[4]
في «آ» و «ط» : «حسين بن محمد» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة.
[5]
انظر «العبر» (5/ 259- 260) و «نكت الهميان» ص (142- 144) و «البداية والنهاية» (13/ 235) .
وقال غيره: كان الناس يقرؤون عليه علم الأوائل، وتتردد إليه أهل الملل [1] جميعها، مسلمها ومبتدعها، والشيعة، واليهود، والنصارى، والسّامرة. وكان ذكيا، فصيحا، أديبا، فاضلا في سائر العلوم. وكان الملك النّاصر يكرمه ولا يردّ شفاعته.
ومن نظمه في السّلوان:
ذهبت بشاشة ما عهدت من الجوى
…
وتغيّرت أحواله وتنكّرا
وسلوت حتّى لو سرى من نحوكم
…
طيف لما حيّاه طيفي في الكرى
وله:
توهّم [2] واشينا بليل [3] مزاره
…
فهمّ ليسعى بيننا بالتباعد
فعانقته حتّى اتّحدنا تعانقا
…
فلما أتانا ما رأى غير واحد
قال ابن العديم [4] : لما سمع هذين البيتين: مسكه مسكة أعمى.
توفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة.
وفيها عزّ الدّين شيخ الإسلام أبو محمد عبد العزيز بن عبد السّلام ابن أبي القاسم بن الحسن، الإمام العلّامة، وحيد عصره، سلطان العلماء، السّلميّ الدمشقيّ ثم المصريّ الشّافعي [5] .
ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة، وحضر [أحمد بن] حمزة بن
[1] لفظة «أهل» سقطت من «آ» ولفظة «الملل» تحرفت في «ط» إلى «الملك» .
[2]
جاء في «مختار الصحاح» (وهم) : توهّم: أي ظنّ.
[3]
في «آ» و «ط» : «قليل» والتصحيح من «نكت الهميان» .
[4]
في «آ» : «ابن العميد» .
[5]
انظر «العبر» (5/ 260) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و «الوافي بالوفيات» (18/ 520- 522) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 209- 255) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 197- 199) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 137- 140) .
الموازييني. وسمع من عبد اللطيف بن أبي سعد، والقاسم بن عساكر، وجماعة. وتفقه على فخر الدّين بن عساكر، والقاضي جمال الدّين بن الحرستاني. وقرأ الأصول على الآمدي، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، وفاق الأقران والأضراب، وجمع بين فنون العلم، من التفسير، والحديث، والفقه، واختلاف أقوال الناس، ومآخذهم. وبلغ رتبة الاجتهاد، ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد، وصنّف التصانيف المفيدة، وروى عنه الدّمياطي وخرّج له أربعين حديثا، وابن دقيق العيد، وهو الذي لقّبه بسلطان [1] العلماء، وخلق غيرهما.
ورحل إلى بغداد فأقام بها أشهرا. هذا مع الزّهد، والورع، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، والصّلابة في الدّين. وقد ولي الخطابة بدمشق، فأزال كثيرا من بدع الخطباء ولم يلبس سوادا، ولا سجع خطبته، [بل] كان يقولها مترسلا، واجتنب الثناء على الملوك، بل كان يدعو لهم، وأبطل صلاة الرغائب والنّصف [2] فوقع بينه وبين ابن الصّلاح بسبب ذلك.
[ولم يكن يؤذن بين يديه يوم الجمعة إلّا مؤذن واحد][3] .
ولما سلّم الصالح إسماعيل قلعة الشّقيف وصفد للفرنج، نال منه الشيخ على المنبر، ولم يدع له. فغضب الملك من ذلك وعزله وسجنه، ثم أطلقه. فتوجه إلى مصر، فتلقاه صاحب مصر الصّالح أيوب وأكرمه، وفوّض إليه قضاء مصر دون القاهرة والوجه القبلي، مع خطابة جامع مصر، فأقام
[1] في «آ» و «ط» : «سلطان» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف.
[2]
جاء في حاشية «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة ما نصه: «قال الذهبيّ: كانوا دبر الصلاة يقولون: إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ. 33: 56 فأمرهم أن يقولوا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له
…
الحديث» .
[3]
ما بين الحاصرتين زيادة من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف.
بالمنصب أتمّ قيام، وتمكن من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ثم عزل نفسه من القضاء، وعزله السّلطان من الخطابة، فلزم بيته يشغل النّاس ويدرّس. وأخذ في التفسير في دروسه [1] ، وهو أول من أخذه في الدروس.
وقال الشيخ قطب الدّين اليونيني: كان مع شدته، فيه حسن محاضرة بالنّوادر والأشعار.
وقال الشريف عز الدّين: كان علم عصره في العلم، جامعا لفنون متعددة، مضافا إلى ما جبل عليه من ترك التكلف، مع الصّلابة في الدّين، وشهرته تغني عن الإطناب في وصفه.
وقال ابن شهبة: ترجمة الشيخ طويلة، وحكاياته في قيامه على الظّلمة وردعهم كثيرة مشهورة، وله مكاشفات.
وقال الذهبي: كان يحضر السماع ويرقص.
توفي بمصر في جمادى الأولى من السنة، وحضر جنازته الخاصّ والعام، السلطان فمن دونه، ودفن بالقرافة في آخرها.
ولما بلغ السلطان خبر موته قال: لم يستقر ملكي إلّا السّاعة، لأنه لو أمر الناس في بما أراد لبادروا إلى امتثال أمره.
وفيها التّاج [2] عبد الوهاب بن زين الأمناء أبي البركات الحسن بن محمد بن الدمشقي بن عساكر [3] . سمع الكثير من الخشوعي وطبقته، وولي مشيخة النّورية بعد والده، وحجّ. فزار ولده أمين الدّين عبد الصمد، وجاور قليلا، ثم توفي في جمادى الأولى بمكّة.
[1] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «دروسه» وفي «آ» : «درسه» .
[2]
لفظة «التاج» سقطت من «آ» .
[3]
انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 176) و «العبر» (5/ 260- 261) و «عيون التواريخ» (20/ 274) .
وفيها نقيب الأشراف بهاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحسيني بن أبي الجنّ [1] . سمع حضورا، وله أربع سنين من يحيى الثّقفي، وابن صدقة، وتوفي في رجب.
وفيها ابن العديم الصّاحب العلّامة كمال الدّين أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي [2] . من بيت القضاء والحشمة.
ولد سنة بضع وثمانين وخمسمائة، وسمع من ابن طبرزد، وبدمشق من الكندي، وببغداد، والقدس، والنّواحي. وأجاز له المؤيد وخلق. وكان قليل المثل، عديم النّظير فضلا ونبلا، ورأيا وحزما، وذكاء وبهاء، وكتابة وبلاغة.
درّس وأفتى وصنّف، وجمع «تاريخا» لحلب في نحو ثلاثين مجلدا [3] . وولي خمسة من أيّامه على نسق القضاء، وقد ناب في سلطنة دمشق، وعلّم عن الملك النّاصر. وكان خطّه في غاية الحسن. باع النّاس منه شيئا كثيرا على أنه خطّ ابن البواب. وكانت له معرفة تامة بالحديث، والتاريخ، وأيّام الناس.
وكان حسن الظنّ بالفقراء والصالحين.
[1] انظر «العبر» (5/ 261) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) .
[2]
انظر «معجم الأدباء» (16/ 5- 57) و «العبر» (5/ 261) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ، ص (276) و «فوات الوفيات» (3/ 126- 129) و «البداية والنهاية» (13/ 236) و «النجوم.
الزّاهرة» (7/ 208- 210) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 466) و «درّ الحبب» (1/ 10) .
[3]
قلت: وسمّاه «بغية الطلب في تاريخ حلب» قال ابن شاكر الكتبي: أدركته المنية قبل إكمال تبييضه واختصره في كتاب آخر سمّاه: «زبدة الحلب في تاريخ حلب» وقد طبع المجلد الأول من «المختصر» ذكر ذلك العلّامة الزركلي في «الأعلام» (5/ 40) .
وقال ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» : وذيّل عليه- يعني على «بغية الطلب» - القاضي علاء الدّين ابن خطيب النّاصرية، قاضي القضاة الشافعية بحلب ذيلا إلا أنه قصير إلى الرّكبة، وقفت عليه فلم أجده جال حول الحمى، ولا سلك فيه مسلك المذيّل عليه من الشروط، إلّا أنّه أخذ علم التاريخ بقوة الفقه، على أنه كان من الفضلاء العلماء، ولكنه ليس من خيل هذا الميدان، وكان يقال في الأمثال: من مدح بما ليس فيه، فقد تعرّض للضّحكة.
ومن شعره من أبيات:
فيا عجبا [1] من ريقه وهو طاهر
…
حلال وقد أضحى عليّ محرّما
هو الخمر لكن أين للخمر طعمه
…
ولذّته مع أنّني لم أذقهما
سألزم نفسي الصّفح عن كلّ من جنى
…
عليّ وأعفو عفّة وتكرّما
وأجعل مالي دون عرضي وقاية
…
ولو لم يغادر ذاك عندي درهما
وقائلة يا ابن العديم إلى متى
…
تجود بما تحوي ستصبح معدما
فقلت لها عنّي إليك فإنّني
…
رأيت خيار النّاس من كان منعما
أبي اللؤم، لي أصل كريم وأسرة
…
عقيلته سنو النّدى والتّكرّما
توفي- رحمه الله تعالى- بمصر في العشرين من جمادى الأولى، ودفن بسفح المقطّم.
وفيها الضّياء عيسى بن سليمان بن رمضان أبو الرّوح التّغلبي المصري القرافي الشّافعي [2] . آخر من روى «صحيح البخاري» عن منجب المرشدي مولى مرشد الدّين [3] . توفي في رمضان عن تسعين سنة.
وفيها الشّمس الصّقليّ أبو عبد الله محمد بن سليمان بن أبي الفضل الدّمشقي [4] الدّلال في الأملاك. سمع من ابن صدقة الحرّاني، وأبي الفتح المندائي [5] ، وقرأ الختمة على أبي الجود.
ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وتوفي في أواخر صفر.
[1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (181/ آ) : «فيا عجبا» وفي «فوات الوفيات:
فوا عجبا» .
[2]
انظر «العبر» (5/ 261- 262) و «النجوم الزاهرة» (7/ 210) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) وقد تصحفت «التغلبي» فيه إلى «الثعلبي» فتصحح.
[3]
ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (21/ 125) فليراجع.
[4]
انظر «العبر» (5/ 262) و «الوافي بالوفيات» (3/ 127) .
[5]
تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «المندلي» والتصحيح من «العبر» ومن ترجمته في ص (33) من هذا المجلد.
وفيها ابن عرق الموت، أبو بكر محمد بن فتّوح بن خلّوف بن يخلف بن مصال الهمداني الإسكندراني [1] . سمع من التّاج المسعودي، وابن موقا، وأجازه أبو سعد بن أبي عصرون والكبار، وتفرّد عن جماعة. توفي في جمادى الأولى.
وفيها ابن زيلاق [2] ، الشّاعر المشهور الأجلّ محيى الدّين محمد بن يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة الموصلي العبّاسي [3] الكاتب. كان شاعرا، مجيدا، حسن المعاني.
من شعره:
بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنا
…
سهادا يذود الجفن أن يألف الجفنا
وأبرزت وجها أخجل [4] البدر طالعا
…
ومست بقدّ علّم الهيف الغصنا
وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلا
…
فحاكاه لكن زاد في دقّة المعنى
قتلته التتار بالموصل حين تملّكوها.
وفيها أبو بكر بن علي بن مكارم بن فتيان الأنصاري المصري [5] .
روى عن البوصيري وجماعة، وتوفي في المحرّم.
[1] انظر «العبر» (5/ 262) و «الوافي بالوفيات» (4/ 314- 315) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) .
[2]
تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «ابن زبلاق» فتصحح.
[3]
انظر «العبر» (5/ 262) و «فوات الوفيات» (4/ 384- 395) و «البداية والنهاية» (13/ 236) و «الأعلام» (4/ 259) .
[4]
في «فوات الوفيات» : «يخجل» .
[5]
انظر «العبر» (5/ 262) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) .