الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وخمسين وستمائة
فيها شاع الخبر أن الملك المعزّ صاحب مصر يتزوج بابنة صاحب الموصل، فعظم ذلك على زوجته شجرة الدّرّ، وعزمت على الفتك به، واتفقت مع جماعة من الخدم ووعدتهم بأموال عظيمة، فركب المعزّ للعب الكرة، وجاء تعبان، فدخل الحمّام يغتسل، فلما صار عريانا رمته الخدّام إلى الأرض وخنقوه ليلا ولم يدر به أحد، فأصبح الناس من الأمراء والكبراء على عادتهم للخدمة، فإذا هو ميّت، فاختبطت المدينة، ثم سلطنوا بعده ابنه الملك المنصور عليا.
وفيها وصلت التتار إلى الموصل وخرّبوا بلادها.
وفيها توفي العلّامة ابن باطيش- بالشين المعجمة- عماد الدّين أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن سعيد بن هبة الله بن محمد الموصلي الشافعي [1] .
ولد في محرم سنة خمس وسبعين وخمسمائة، ودخل بغداد فتفقه بها، وسمع بها من ابن الجوزي وغيره، وبحلب من حنبل، وبدمشق من جماعة، وخرّج لنفسه أحاديث عن شيوخه، ودرّس وأفتى، وصنّف تصانيف حسنة.
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 319) و «العبر» (5/ 221- 222) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 131) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 275- 276) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 130- 131) .
منها «طبقات الشافعية» وكتاب «المغني في غريب المهذّب» وكان من أعيان الأئمة، عارفا بالأصول، قوي المشاركة في العلوم، لكن في كتابه «المغني» أوهام كثيرة، نبّه النووي في «تهذيبه» على كثير منها.
توفي في حلب في جمادى الآخرة، رحمه الله تعالى.
وفيها المعزّ عز الدّين أيبك التّركماني الصّالحي، صاحب مصر جهاشنكير [1] ، الملك الصالح.
كان ذا عقل ودين، وترك للمسكن. تملّك في ربيع الآخر، سنة ثمان وأربعين.
ثم أقاموا معه باسم السلطنة الأشرف يوسف بن الناصر يوسف بن أقسيس، وله عشر سنين، وبقي المعزّ أتابكه. وهذا بعد خمسة أيام من سلطنة المعزّ. فكان يخرج التوقيع وصورته: رسم بالأمر العالي السلطاني الأشرفي والملكي المعزّي، ثم بطل أمر الأشرف بعد مديدة، وجرت لأبيك أمور. إلى أن خطب ابنة صاحب الموصل، فغارت أم خليل شجرة الدّرّ وقتلته في الحمّام، فقتلوها وملّكوا ولده عليا، وله خمس عشرة سنة. وكان أيبك عفيفا، طاهر الذّيل، لا يمنع أحدا حاجة، ولا يشرب مسكرا. كثير المداراة للأمراء. وبنى المدرسة المعزّية على النيل، ووقف عليها وقفا جيدا.
وفيها شجرة الدّرّ أمّ خليل [2] كانت بارعة الحسن، ذات ذكاء وعقل
[1] كذا في «آ» و «ط» : جهاشنكير» وتكتب أيضا «جاشنكير» انظر «الوافي بالوفيات» (9/ 469) و «العبر» (5/ 222) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 198) و «النجوم الزاهرة» (7/ 4) و «عقد الجمان» (1/ 140- 141) وهو الذي يذوق طعام السلطان أو الأمير قبله مخافة أن يكون فيه سم. انظر «صبح الأعشى» (5/ 460) .
[2]
انظر «العبر» (5/ 222- 223) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 199- 200) و «عقد الجمان» (1/ 165) .
ودهاء، فأحبها الملك الصالح، ولما توفي أخفت موته، وكانت تعلّم بخطّها علامته، ونالت من السعادة أعلى المراتب [1] ، بحيث أنها خطب لها على المنابر، وملّكوها عليهم أيّاما، فلم يتم ذلك. وتملّك المعزّ أيبك فتزوج بها، وكانت ربما تحكم عليه، وكانت تركية ذات شهامة وإقدام وجرأة. وآل أمرها إلى أن قتلت وألقيت تحت قلعة مصر مسلوبة، ولم يدر قاتلها، ثم دفنت بتربتها.
وفيها البادرائي [2] العلّامة نجم الدّين أبو محمد عبد الله بن أبي الوفاء محمد بن الحسن الشافعي الفرضي.
ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وسمع من جماعة، وتفقه، وبرع في المذهب، ودرّس بالنّظامية، وترسّل غيّر مرّة وحدّث بحلب، ودمشق، ومصر، وبغداد وبنى بدمشق المدرسة الكبيرة المشهورة به، وتعرف بالبدرائية.
قال الذهبي: كان فقيها، عالما، ديّنا، صدرا، محتشما، جليل القدر، وافر الحرمة، متواضعا، دمث الأخلاق، منبسطا. وقد ولي القضاء ببغداد على كره، وتوفي بعد خمسة عشر يوما في ذي القعدة، وعافاه الله تعالى من كائنة التتار.
وقال السيوطي في «لباب الأنساب» [3] : البادرائي: بفتح الموحدة والدال والراء المهملتين، نسبة إلى بادرايا، قرية من عمل واسط.
[1] في «ط» و «العبر» : «أعلى الرّتب» وكلاهما بمعنى.
[2]
في «آ» و «ط» : «البدرائي» وفي «سير أعلام النبلاء» (23/ 332) وغيره من مصنفات الحافظ الذهبي: «الباذرائي» بالذال وهو خطأ، والتصحيح من «المنتخب» لابن شقدة (174/ آ) و «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدّين (1/ 318- 319) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 132- 133) مصدر المؤلف، و «عقد الجمان» (1/ 160) ، وانظر كلام المؤلف في آخر ترجمته.
[3]
انظر «لب اللباب في تحرير الأنساب» للسيوطي ص (25) مصورة مكتبة المثنى ببغداد.
وفيها اليلداني المحدّث المسند، تقي الدّين عبد الرحمن بن أبي الفهم عبد المنعم بن عبد الرحمن القرشي الدمشقي. أبو محمد اليلداني الشافعي [1] .
كان من الحفّاظ المكثرين والأثبات المصنفين. ولد بيلدا [2] قرية من قرى دمشق، في أول سنة ثمان وستين وخمسمائة، وطلب الحديث، وقد كبر ورحل، وسمع من ابن كليب، وابن بوش، وطبقتهما. وكتب الكثير، وذكر أن النّبيّ- صلى الله عليه وسلم قال له في النوم:«أنت رجل جيّد» .
توفي بقريته- وكان خطيبها- في ثامن ربيع الأول.
وفيها المرسي العلّامة شرف الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن.
محمد بن أبي الفضل السّلمي الأندلسي المحدّث المفسّر النّحويّ [3] .
ولد سنة سبعين وخمسمائة في أولها، وسمع «الموطأ» من أبي محمد ابن عبيد الله [الحجريّ][4] . ورحل إلى أن وصل إلى أقصى خراسان.
وسمع الكثير من منصور الفراوي، وأبي روح [الهرويّ][5] ، والكبار. وكان
[1] انظر «العبر» (5/ 223- 224) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 311- 312) و «عيون التواريخ» (20/ 115) و «الوافي بالوفيات» (18/ 176- 177) و «النجوم الزاهرة» (7/ 59) و «عقد الجمان» (1/ 159) .
[2]
في «العبر» و «سير أعلام النبلاء» : «بيلدان» قلت: وتقع هذه القرية إلى الجنوب الشرقي لدمشق على مسافة ستة كليومترات تقريبا، وقد اتصلت الآن بضواحي المدينة كغيرها من قرى غوطتي دمشق الشرقية والغربية، وانظر كتاب «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي رحمه الله تعالى ص (183) .
[3]
انظر «العبر» (5/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 312- 318) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 69- 72) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 451- 452) و «طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 155- 156) و «عقد الجمان» (1/ 159- 160) .
[4]
تكملة من ترجمته في المجلد السادس صفحة (500) .
[5]
تكملة من ترجمته في الصفحة (144) من هذا المجلد.
كثير الأسفار والتطواف، جمّاعة لفنون العلم، ذكيا، ثاقب الذهن. له تصانيف كثيرة، مع زهد، وورع، وفقر، وتعفف.
سئل عنه الحافظ الضياء فقال: فقيه، مناظر، نحويّ، من أهل السّنّة.
صحبنا وما رأينا منه إلّا خيرا.
وقال الذهبي: توفي في نصف ربيع الأول في الطريق، ودفن بتل الزّعقة، رحمه الله تعالى.