الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة أربع عشرة وستمائة
ايها توفي أبو الخطّاب بن واجب أحمد بن محمد بن عمر القيسي البلنسي، الإمام المالكي.
ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. وأكثر عن جدّه أبي حفص بن واجب، وابن هذيل، وابن قزمان صاحب ابن الطلّاع، وطائفة. وأجاز له أبو بكر بن العربي.
قال [ابن] الأبّار: هو حامل راية الرواية بشرق الأندلس، وكان متقنا، ضابطا، نحويا، عالي الإسناد، ورعا، قانتا، له عناية كاملة بصناعة الحديث.
ولي القضاء ببلنسية وشاطبة غير مرة، ومعظم روايتي عنه. انتهى.
وفيها الشيخ العماد أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي [1] الحنبلي، أخو الحافظ عبد الغني.
ولد بجمّاعيل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وهاجر سنة إحدى وخمسين مع أقاربه، وسمع من عبد الواحد بن هلال وجماعة، وببغداد من شهدة، وصالح بن الرّحلة، وبالموصل من خطيبها، وحفظ «الخرقي» [2]
[1] انظر «العبر» (5/ 49- 55) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 93- 106) و «تاريخ الإسلام» (62/ 173- 183) .
[2]
يعني «مختصر الخرقي» .
و «الغريب» للعزيزي. وألقى الدروس، وناظر، واشتغل، وقرأ القراءات على أبي الحسن البطائحي، وكان متصديا لإقراء القرآن والفقه، ورعا، تقيا، متواضعا، سمحا، مفضالا، صوّاما، قوّاما، صاحب أحوال وكرامات، موصوفا بطول الصلاة.
قال الشيخ الموفق: ما فارقته إلّا أن يسافر، فما عرفته أنه عصى الله معصية.
وقال الحافظ الضياء: كان عالما بالقرآن، والنحو، والفرائض، وغير ذلك من العلوم. وصنّف كتاب «الفروق» في المسائل الفقهية. وكان من كثرة اشتغاله وإشغاله لا يتفرغ للتصنيف والكتابة، وكان يشغل بالجبل إذا كان الشيخ موفق الدّين في المدينة، فإذا صعد الموفق نزل هو فأشغل بالمدينة.
وكان يشغل بجامع دمشق من الفجر إلى العشاء لا يخرج إلّا لما لا بد له منه.
يقرئ القرآن والعلم، فإذا لم يبق له من يشتغل عليه اشتغل بالصلاة، وكان داعية إلى السّنّة، وتعلّم العلم والدّين، وما علم أنه أدخل نفسه في شيء من أمر الدنيا، ولا تعرض له، ولا نافس فيها. وكان يحترز في الفتاوى احترازا كثيرا. وكان كثير الورع والصدق، سمعته يقول لرجل: كيف ولدك؟ فقال:
يقبّل يدك، فقال: لا تكذب. وكان كثير الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، خرج مرّة إلى قوم من الفسّاق فكسر ما معهم، فضربوه ونالوا منه، حتّى غشي عليه، فأراد الوالي ضرب الذين نالوا منه، فقال: إن تابوا ولزموا الصلاة فلا تؤذهم [1] ، وهم في حلّ من قبلي، فتابوا ورجعوا عما كانوا عليه.
وسمعت الإمام أبا إبراهيم محاسن بن عبد الملك التّنوخي يقول: كان الشيخ العماد جوهرة العصر، وكان كثير التواضع، يذمّ نفسه ويقول: ايش
[1] في «آ» و «ط» : «فلا تؤذيهم» والصواب ما أثبتناه.
يجيء مني، وكان يكثر في دعائه من قول: اللهم اجعل عملنا صالحا واجعله لوجهك الكريم خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا.
اللهم خلّصني من مظالم نفسي، ومظالم كل شيء قبل الموت، ولا تمتني ولأحد عليّ مظلمة يطلبني بها بعد الموت. ولا بد من الموت فاجعله على توبة نصوح بعد الإخلاص من مظالم نفسي ومظالم العباد قتلا في سبيلك على سنتك وسنة رسولك، شهادة يغبطني بها الأولون والآخرون، واجعل النّقلة إلى روح وريحان [ومستراح] في جنّات النعيم، ولا تجعلها إلى نزل من حميم وتصلية جحيم.
قال الضياء: توفي- رحمه الله ليلة الخميس وقت عشاء الآخرة، وكان صلى تلك الليلة المغرب بالجامع ثم مضى إلى البيت، وكان صائما فأفطر على شيء يسير، ولما جاءه الموت جعل يقول: يا حيّ يا قيوم برحمتك أستغيث، واستقبل القبلة وتشهّد ومات.
وقال سبط ابن الجوزي: غسّل وقت السحر، وأخرجت جنازته إلى جامع دمشق، فما وسع الناس الجامع، وصلى عليه الموفق بحلقة الحنابلة بعد جهد جهيد، وكان يوما لم ير في الإسلام مثله. كان أول الناس عند مغارة الدّم ورأس الجبل إلى الكهف، وآخرهم بباب الفراديس. وما وصل إلى الجبل إلى آخر النهار. قال: وتأملت الناس من أعلى قاسيون إلى الكهف إلى قريب الميطور [1] ، لو رمى الإنسان عليهم إبرة لما ضاعت.
فلما كان في الليل نمت وأنا متفكر في جنازته، وذكرت أبيات سفيان الثوري التي أنشدها في المنام:
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الميظور» وتحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «المنظور» والتصحيح من «غوطة دمشق» ص (181) للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي، طيّب الله ثراه، وقال فيه: الميطور: في أرض الصالحية آخر حدودها تحت نهر يزيد.
نظرت إلى ربّي كفاحا فقال لي
…
هنيئا رضائي عنك يا بن سعيد
فقد كنت قوّاما إذا أقبل الدّجى
…
بعبرة مشتاق وقلب عميد
فدونك فاختر أيّ قصر تريده
…
وزرني فإني منك غير بعيد
وقلت: أرجو أن العماد يرى ربّه كما رآه سفيان عند نزول حفرته، ونمت فرأيت العماد في النوم وعليه حلّة خضراء، وعمامة خضراء، وهو في مكان متسع كأنه روضة، وهو يرقى في درج مرتفعة، فقلت: يا عماد الدّين، كيف بت؟ فإني والله متفكر [1] فيك، فنظر إليّ وتبسم على عادته، وقال:
رأيت إلهي حين أنزلت حفرتي
…
وفارقت أصحابي وأهلي وجيرتي
فقال: جزيت الخير عنّي فإنني
…
رضيت فها عفوي لديك ورحمتي
دأبت [2] زمانا تأمل الفوز والرّضى
…
فوقّيت نيراني ولقّيت جنّتي
قال: فانتبهت مرعوبا وكتبت الأبيات.
وتوفي- رحمه الله ورضي عنه- فجأة في سابع عشر ذي القعدة.
وفيها عبد الله بن عبد الجبّار العثماني أبو محمد الاسكندراني [3] التاجر المحدّث. سمع من السّلفي فأكثر، وتوفي في ذي الحجة عن سبعين سنة.
وفيها ابن الحرستاني، قاضي القضاة جمال الدّين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الخزرجي الدمشقي [4] الشافعي.
[1] في «آ» و «ط» : «مفكر» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2]
تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «رأيت» فتصحح.
[3]
انظر «ذيل الروضتين» ص (106- 108) و «تاريخ الإسلام» (62/ 189- 190) و «النجوم الزاهرة» (6/ 221) .
[4]
انظر «العبر» (5/ 50- 51) و «تاريخ الإسلام» (62/ 193- 197) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 80- 84) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 71- 73) .
ولد سنة عشرين وخمسمائة، وسمع سنة خمس وعشرين من عبد الكريم بن حمزة، وجمال الإسلام [1] ، وطاهر بن سهل الإسفراييني والكبار. ودرّس وأفتى، وبرع في المذهب، وانتهى إليه علو الإسناد، وكان صالحا عابدا من قضاة العدل.
قال ابن شهبة: تفرّد بالروايات عن أكثر شيوخه، ورحل إلى حلب وتفقّه بها على المحدّث الفقيه أبي الحسن المرادي [2] ، وناب في القضاء عن ابن أبي عصرون، ثم ولي قضاء الشام في آخر عمره سنة اثنتي عشرة، ودرّس بالعزيزية، وكان يجلس للحكم بالمجاهدية. وكان إماما عارفا بالمذهب، ورعا، صالحا، محمود الأحكام، حسن السيرة، كبير القدر.
وقال أبو شامة: حدثني الشيخ عز الدّين بن عبد السّلام أنه لم ير أفقه منه، وعليه كان ابتداء اشتغاله، ثم صحب فخر الدّين بن عساكر، فسألته عنهما فرجح ابن الحرستاني وقال: إنه كان يحفظ كتاب «الوسيط» للغزالي.
قال: ولما طلب للقضاء امتنع من الولاية حتى ألحوا عليه فيها، وكان صارما عادلا على طريقة السلف في لباسه وعفته، بقي في القضاء سنتين وسبعة أشهر.
وقال سبط ابن الجوزي: كان زاهدا عفيفا عابدا ورعا نزها، لا تأخذه في الله لومة لائم، اتفق أهل دمشق على أنه ما فاتته صلاة بجامع دمشق في جماعة إلّا إذا كان مريضا.
توفي في رابع ذي الحجة، وهو ابن خمس وتسعين سنة.
[1] هو علي بن المسلّم السّلمي الدمشقي. انظر ترجمته في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 345- 346) .
[2]
تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المراري» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
وفيها علي بن محمد بن علي الموصلي [1] أبو الحسن، أخو سليمان. سمع من الحسين سبط الخيّاط، وأبي البدر الكرخي، وجماعة.
وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها ابن جبير الكناني، الإمام الرئيس محمد بن أحمد بن جبير البلنسي [2] . نزيل شاطبة.
ولد سنة أربعين وخمسمائة، وسمع من أبيه، وعلي بن أبي العيش المقرئ، وأجاز له أبو الوليد بن الدبّاغ، وحجّ فحدّث في طريقه.
قال [ابن] الأبّار: عني بالآداب فبلغ فيها الغاية، وتقدم في صناعة النظم والنثر، ونال بذلك دنيا عريضة، ثم زهد ورحل مرتين إلى المشرق، وفي الثالثة توفي بالإسكندرية في شعبان.
وفيها أبو عبد الله بن سعادة الشّاطبي [3] المعمّر محمد بن عبد العزيز ابن سعادة. أخذ قراءة نافع عن أبي عبد الله بن غلام الفرس، والقراءات عن ابن هذيل، وأبي بكر محمد بن أحمد بن عمران. وسمع من ابن النّعمة، وابن عاشر، وأبي عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة. أكثر عنه [ابن] الأبّار، وكان مولده سنة ست عشرة وخمسمائة أو قبل ذلك، وتوفي بشاطبة في شوال.
وفيها الشجاع محمود الدّماغ [4] : كانت له ثروة عظيمة، وقف مدرسة للشافعية والحنفية داخل باب الفرج، تعرف بالدّماغية.
[1] انظر «العبر» (5/ 51) .
[2]
انظر «العبر» (5/ 51) وهو صاحب «الرّحلة» الشهيرة. وقال العلّامة الزركلي رحمه الله في «الأعلام» (5/ 320) : يقال: إنه لم يصنّف كتاب «الرّحلة» وإنما قيّد معاني ما تضمنته، فتولى ترتيبها بعض الآخذين عنه.
[3]
انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 605) و «العبر» (5/ 51- 52) .
[4]
انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 209) .