الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة تسع وخمسين وستمائة
في محرّمها اجتمع خلق من التتار الذين نجوا من يوم عين جالوت، والذين كانوا بالجزيرة، فأغاروا على حلب، ثم ساقوا إلى حمص، لما بلغهم مصرع الملك المظفّر، فصادفوا على حمص حسام الدّين الجو كندار، والمنصور صاحب حماة، والأشرف صاحب حمص في ألف وأربعمائة، والتتار في ستة آلاف، فالتقوهم، وحمل المسلمون حملة صادقة، فكان النّصر، ووضعوا السيف في الكفّار قتلا، حتّى أبادوا أكثرهم، وهرب مقدّمهم بيدرا [1] بأسوإ حال، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد.
وأما دمشق فإنّ الحلبيّ دخل القلعة، فنازله عسكر مصر، وبرز إليهم وقاتلهم، ثم ردّ، فلما كان في اللّيل هرب وقصد قلعة بعلبك فعصى بها، فقدم علاء الدّين طيبرس [2] الوزيري، وقبض على الحلبيّ من بعلبك وقيّده، فحبسه الملك الظّاهر بيبرس مدة طويلة.
وفي رجب بويع بمصر المستنصر بالله أحمد بن الظّاهر محمد بن النّاصر لدين الله العبّاسي الأسود، وفوّض الأمور إلى الملك الظّاهر بيبرس، ثم قدما دمشق، فعزل عن القضاء نجم الدّين بن سني [الدولة، با] بن خلّكان [3] . ثم سار المستنصر ليأخذ بغداد ويقيم بها.
[1] في «آ» و «ط» : «بندرا» وما أثبته من «العبر» (5/ 252) و «دول الإسلام» (2/ 165) .
[2]
في «آ» و «ط» : «طبرس» وفي «العبر» طبع بيروت: «قيبرس» والتصحيح من «العبر» و «عقد الجمان» (1/ 291) .
[3]
ما بين الحاصرتين استدركته من «العبر» مصدر المؤلف.
وكان في آخر العام مصاف بينه وبين التتار الذين بالعراق فعدم المستنصر في الوقعة وانهزم الحاكم قبجا [1] .
والمستنصر هو أمير المؤمنين أبو القاسم أحمد بن الظّاهر بأمر الله بن النّاصر لدين الله [2] . كان محبوسا ببغداد، حبسه التتار، فلما أطلقوه التجأ لعرب العراق، فأحضروه إلى مصر، فتلقاه السلطان بيبرس، والمسلمون، واليهود، والنصارى، ودخل من باب النّصر. وكان يوما مشهودا. وقرئ نسبه بحضرة القضاة، وشهد بصبحته، وحكم به، وبويع. بايعه القاضي تاج الدّين ابن بنت الأعز، ثم بايعه الملك الظّاهر بيبرس، والشيخ عز الدّين بن عبد السلام، ثم الكبار على مراتبهم، وذلك في ثالث عشر رجب. ونقش اسمه على السّكة، وخطب له. ولقّب بلقب أخيه. وكان شديد القوى، عنده شجاعة وإقدام، وهو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العبّاس، رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الأرتاحي أبو العبّاس أحمد بن حاتم بن أحمد بن أحمد الأنصاري المقرئ الحنبلي [3] . قرأ القراءات على والده، وسمع من جدّه لأمّه أبي عبد الله الأرتاحي، وابن ياسين، والبوصيري. ولازم الحافظ عبد الغني [4] فأكثر عنه، وتوفي في رجب.
[1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (179/ ب) : «قبجا» وفي «العبر» : «فنجا» وفي النصّ اضطراب عندهما والله أعلم. قارن بما عند الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (23/ 171) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (261) .
[2]
انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 168- 171) و «تاريخ الخلفاء» ص (476- 477) .
[3]
انظر «العبر» (5/ 253) و «الوافي بالوفيات» (6/ 300) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 273- 274) .
[4]
يعني المقدسي. انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 444) .
وفيها إبراهيم بن سهل الإشبيلي [1] . شاعر زمانه بالأندلس. غرق في البحر.
وفيها الصّفيّ بن مرزوق إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله العسقلاني الكاتب [2] .
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وكان متمولا، وافر الحرمة. وزر مرّة، وتوفي بمصر في ذي القعدة.
وفيها مخلص الدّين إسماعيل بن قرناص الحموي [3] . كان فقيها، عالما، فاضلا، شاعرا.
من شعره:
أما والله لو شقّت قلوب
…
ليعلم ما بها من فرط حبّي
لأرضاك الذي لك في فؤادي
…
وأرضاني رضاك بشقّ قلبي
وفيها شرف الدّين أبو محمد حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي ثم الصّالحي الفقيه الحنبلي [4] .
ولد سنة خمس وستمائة، وسمع الكثير من أبي اليمن الكندي وجماعة بعده، وتفقه على الشيخ الموفق، وبرع وأفتى، ودرّس بالجوزية مدة.
قال أبو شامة: كان رجلا خيّرا.
توفي ليلة ثامن المحرّم [5] بدمشق ودفن بالجبل.
[1] في «ط» : «الإشبيلي اليهودي» وانظر ترجمته ومصادرها في «الوافي بالوفيات» (6/ 5- 11) .
[2]
انظر «العبر» (5/ 253) و «ذيل مرآة الزّمان» (1/ 472- 473) .
[3]
انظر «ذيل مرآة الزمان» (1/ 473) .
[4]
انظر «ذيل الروضتين» ص (211) و «العبر» (5/ 253- 254) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 273) .
[5]
عند أبي شامة: «يوم تاسوعاء» .
وفيها الباخرزي- بالموحدة، وفتح الخاء المعجمة، وسكون الراء، ثم زاي، نسبة إلى باخرز من نواحي نيسابور- الإمام القدوة، الحافظ العارف، سيف الدّين أبو المعالي، سعيد بن المطهّر [1] ، صاحب الشيخ نجم الدّين الكبرى.
كان إماما في السّنّة، رأسا في التصوف. روى عن نجم الدّين بن الجناب [2] ، وعلي بن محمد الموصلي، و [أبي] رشيد الغزّال [3] ، وخرّج أربعين حديثا.
وفيها الشّارعي العالم الواعظ جمال الدّين عثمان بن مكّي بن عثمان ابن إسماعيل السّعدي الشّافعي [4] . سمع الكثير من قاسم بن إبراهيم المقدسي، والبوصيري، وطبقتهما. وكان صالحا، متفننا، جليلا، مشهورا.
توفي في ربيع الآخر.
وفيها صاحب صهيون مظفّر الدّين عثمان بن منكورس [5] . تملّك صهيون بعد والده ثلاثا وثلاثين سنة، وكان حازما، سايسا، ومهيبا. عمّر تسعين سنة، ودفن بقلعة صهيون، وتملّك بعده ابنه سيف الدّين محمد.
وفيها الملك الظّاهر غازي [6] شقيق السلطان الملك النّاصر يوسف،
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 363- 370) و «العبر» (5/ 254) و «الوافي بالوفيات» (15/ 262) و «مرآة الجنان» (4/ 151) .
[2]
تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن الحباب» والتصحيح من «السير» و «العبر» .
[3]
في «آ» و «ط» : و «رشيد الغزالي» والتصحيح من «العبر» و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين الدمشقي (180/ آ) .
[4]
انظر «العبر» (5/ 351) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 351- 352) و «النجوم الزاهرة» (7/ 205) .
[5]
في «آ» : «مبكروس» وفي «ط» : «منكروس» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «العبر» (5/ 254) و «النجوم الزاهرة» (7/ 206) .
[6]
انظر «العبر» (5/ 255) و «دول الإسلام» (2/ 166) و «النجوم الزاهرة» (7/ 206) .
وأمّهما تركية. كان مليح الصّورة، شجاعا، جوادا. قتل مع أخيه بين يدي هولاكو [1] .
وفيها ابن سيّد النّاس الخطيب الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد اليعمري الإشبيلي [2] .
ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وعني بالحديث فأكثر، وحصّل الأصول لنفسه، وختم به معرفة الحديث بالمغرب. توفي بتونس في رجب.
وفيها الصائن النّعال أبو الحسن محمد بن الأنجب بن أبي عبد الله البغدادي الصّوفي [3] .
ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمع من جدّه لأمّه هبة الله بن رمضان، وظاعن الزّبيري. وأجاز له وفاء بن اليمني [4] ، وابن شاتيل، وطائفة.
وله «مشيخة» . توفي في رجب.
وفيها المتّيجي- بفتح الميم، وكسر التاء المثناة فوق المشددة، وتحتية، وجيم، نسبة إلى متيجة من ناحية بجاية- محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عيسى ضياء الدّين الإسكندراني [5] ، الفقيه المالكي المحدّث، الرجل الصّالح. أحد من عني بالحديث، وروى عن عبد الرحمن بن موقّى [6]
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2]
انظر «العبر» (5/ 255) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و «الوافي بالوفيات» (2/ 121- 122) .
[3]
انظر «ذيل مرآة الزمان» (1/ 471) و «العبر» (5/ 255) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 343- 344) .
[4]
كذا في «ط» و «العبر» : طبع بيروت: «ابن اليمني» وفي «آ» : «ابن اليمن» ولم يرد اسمه في «العبر» طبع الكويت، وفي «سير أعلام النبلاء» «وفاء بن البهي» .
[5]
انظر «العبر» (5/ 255- 256) و «الوافي بالوفيات» (3/ 358) و «حسن المحاضرة» (1/ 379- 380) .
[6]
انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 392- 393) .
فمن بعده، وكتب الكثير، وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها ابن درباس، القاضي كمال الدّين أبو حامد محمد بن قاضي القضاة صدر الدّين عبد الملك المارانيّ المصريّ الشّافعي [1] الضّرير.
ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة، فأجاز له السّلفي، وسمع من البوصيري، والقاسم بن عساكر، ودرّس وأفتى واشتغل، وجالس الملوك، وتوفي في شوال.
وفيها مكّي بن عبد الرزاق بن يحيى بن عمر بن كامل أبو الحرم الزّبيدي المقدسي ثم العقرباني [2] . أجاز له عبد الرزاق النّجار، وسمع من الخشوعي وغيره، ومات في شوال.
وفيها الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف بن العزيز محمد بن الظّاهر غازي بن السّلطان صلاح الدّين [3] ، صاحب الشام.
ولد سنة سبع وعشرين وستمائة، وسلطنوه بعد أبيه سنة أربع وثلاثين، ودبّر المملكة شمس الدّين لؤلؤ، والأمر كلّه راجع إلى جدّته الصّاحبة صفية ابنة العادل، ولهذا سكت الملك الكامل لأنها أخته، فلما ماتت سنة أربعين اشتد النّاصر واشتغل عنه الكامل بعمّه [4] الصّالح، ثم فتح عسكره له حمص سنة ست وأربعين، ثم سار هو وتملّك دمشق بلا قتال سنة ثمان وأربعين،
[1] انظر «العبر» (5/ 256) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 352- 353) و «الوافي بالوفيات» (4/ 43) و «النجوم الزاهرة» (7/ 205) .
[2]
انظر «العبر» (5/ 256) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 344) .
[3]
انظر «العبر» (5/ 256- 257) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 204- 206) و «دول الإسلام» (2/ 166) و «النجوم الزاهرة» (7/ 205- 206) و «الأعلام» (8/ 249- 250) .
[4]
في «آ» و «ط» : «لعمّه» وما أثبته من «العبر» .
فوليها عشر سنين، وفي سنة اثنتين وخمسين [1] دخل بابنة السّلطان علاء الدّين صاحب الرّوم، وهي بنت خالة أبيه العزيز.
وكان حليما، جوادا، موطّأ الأكناف، حسن الأخلاق، محببا إلى الرّعية، فيه عدل في الجملة، وقلة جور وصفح. وكان الناس معه في بلهنية من العيش، لكن مع إدارة الخمر والفواحش. وكان للشعراء دولة بأيّامه، لأنه كان يقول بالشعر ويجيز عليه. ومجلسه مجلس ندماء وأدباء. خدع وعمل عليه حتّى وقع في قبضة التتار، فذهبوا به إلى هولاكو [2] فأكرمه، فلما بلغه كسرة جيشه على عين جالوت غضب وتنمّر وأمر بقتله، فتذلّل له، وقال:
ما ذنبي؟ فأمسك عن قتله، فلما بلغه كسرة بيدرا [3] على حمص استشاط غضبا وأمر بقتله وقتل أخيه الظّاهر، وقيل: بل قتله في الخامس والعشرين من شوال سنة ثمانية، وكان أبيض، حسن الشّكل. قاله الذهبي.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : قتل معه جميع أتباعه وأقاربه، ومن جملتهم أخوه الملك الظّاهر غازي وولده العزيز، وهو- أي النّاصر- آخر ملوك بني أيوب [4] . وبني بدمشق داخل باب الفراديس مدرسة في غاية الحسن، ووقف عليها أوقافا جليلة، وبنى بجبل الصّالحية رباطا وتربة، وهي عمارة عظيمة، ما عمر مثلها. أحضر لها من حلب من الرّخام والأحجار شيئا كثيرا، وغرم عليها أموالا عظيمة، ونهر يزيد جار فيها.
[1] لفظة «وخمسين» سقطت من «ط» .
[2]
في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[3]
في «آ» و «ط» : «بندرا» والتصحيح من هامش «آ» و «العبر» وأثبت في هامش «آ» أيضا بخط مغاير: «وهو ملك التتار» .
[4]
جاء في هامش «آ» بخط مغاير ما نصه: قوله: «وهو آخر ملوك بني أيوب» هذا غلط وذهول، فإنه سيأتي في هذا الكتاب ترجمة جماعة من ملوك بني أيوب، كالمغيث، والأمجد، والمنصور، فكيف يكون آخرهم؟.
وفيها توفي نور الدولة علي [بن يوسف] بن أبي المكارم المصري العطّار [1] الأديب الفاضل الشّاعر المجيد.
من نظمه لغزّ في كوز الزّير [2] :
وذي أذن بلا سمع
…
له جسم [3] بلا قلب
إذا استولى على صبّ [4]
…
فقل ما شئت في الصّبّ
[1] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 131) و «عيون التواريخ» (20/ 263- 264) و «النجوم الزاهرة» (7/ 202- 203) وما بين الحاصرتين مستدرك منها.
[2]
وجاء بين البيتين بيت ثالث في «النجوم الزاهرة» هو:
مدى الأيّام في خفض
…
وفي رفع وفي نصب
[3]
في «ذيل مرآة الزّمان» و «النجوم الزاهرة» : «له قلب» .
[4]
في «النجوم الزاهرة» : «إذا استولى على الحبّ» .