الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وثلاثين وستمائة
فيها وصلت التتار إلى دقوقا تنهب [وتسبي] وتفسد، فالتقاهم الأمير بكلك الخليفتي في سبعة آلاف، والتتار في عشرة آلاف، فانهزم المسلمون بعد أن قتلوا خلقا وكادوا ينتصرون، وقتل بكلك وجماعة أمراء أعيان.
وفيها توفي أبو محمد [1] الأنجب بن أبي السعادات البغدادي الحمّامي، عن إحدى وثمانين سنة. راو حجّة. روى عن ابن البطّي، وأبي المعالي بن اللحّاس [2] ، وطائفة، وأجاز له مسعود [3] الثقفي وجماعة.
توفي في تاسع عشر ربيع الآخر.
وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن سيدك الأواني [4] الشاعر المجيد. أشعاره رائقة مطربة، منها:
سلوا من كسا جسمي نحافة خصره
…
وكلّفني في الحبّ طاعة أمره
يبدّل نكر الوصل منه بعرفه
…
لديّ وعرف الهجر منه بنكره
فما تعرف الأرواح إلّا بقربه
…
ولا تصرف الأتراح إلّا بذكره
[1] كذا في «ط» و «المنتخب» (160/ ب) و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 470) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 14) و «العبر» (5/ 142) طبع الكويت و (3/ 222) طبع بيروت: «أبو محمد» وفي «آ» : «أبو أحمد» وفي «تاريخ الإسلام» (64/ 215) : «أبو حمد» .
[2]
تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «النحاس» فلتصحح.
[3]
تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «سعيد» فلتصحح.
[4]
لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.
ولا تنعم الأوقات إلّا بوصله
…
ولا تعظم الآفات إلّا بهجره
فأقسم بالمحمر من ورد خدّه
…
يمينا وبالمبيضّ من درّ ثغره
لقد كدت لولا ضوء صبح جبينه
…
أتيه ضلالا في دجى ليل شعره
وفيها ابن رئيس الرّؤساء أبو محمد الحسين بن علي بن الحسين بن هبة الله ابن الوزير، رئيس الرؤساء أبي القاسم بن المسلمة البغدادي النّاسخ الصّوفي [1] .
ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وسمع من ابن البطّي، وأحمد بن المقرّب، وتوفي في رجب.
وفيها قاضي حلب زين الدّين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الشافعي، ابن الأستاذ [2] . روى عن يحيى الثقفي.
توفي في شعبان بحلب عن ثمان وخمسين سنة، وكان من سروات الرّؤساء.
وفيها ابن اللّتيّ، مسند الوقت، أبو المنجّى عبد الله بن عمر بن علي ابن عمر بن زيد الحريمي القزّاز [3] . رجل مبارك حييّ [4] .
ولد سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وسمع من أبي الوقت [السّجزي] ، وسعيد بن البنّا، وطائفة. وأجاز له مسعود الثقفي والأصبهانيون، وكان آخر من روى حديث البغوي بعلو. نشر حديثه بالشام ورجع منها في آخر سنة أربع وثلاثين، فتوفي ببغداد في رابع عشر جمادى الأولى.
[1] انظر «العبر» (5/ 142- 143) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 20) و «تاريخ الإسلام» (64/ 219) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) .
[2]
انظر «العبر» (5/ 143) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 155- 156) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 146) و «البداية والنهاية» (13/ 151) .
[3]
انظر «العبر» (5/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 15- 17) و «تاريخ الإسلام» (64/ 221- 224) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) .
[4]
كذا في «آ» و «ط» : «حييّ» وفي «العبر» بطبعتيه: «خيّر» .
وفيها أبو طالب عبد الله بن المظفّر ابن الوزير أبي القاسم علي بن طراد الزّينبي العبّاسي البغدادي [1] . روى عن ابن البطّي حضورا، وعن أبي بكر بن النّقور، ويحيى بن ثابت. توفي في رمضان.
وفيها الرّضي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبّار أبو محمد المقدسي الملقّن [2] . أقرأ كتاب الله احتسابا أربعين عاما، وختم عليه خلق كثير، وروى عن يحيى الثقفي وطائفة، وكان كثير العبادة والتهجد. توفي في ثاني صفر وقد شاخ.
وفيها صدر الدّين عبد الرزّاق ابن الإمام أبي أحمد عبد الوهاب بن سكينة، شيخ الشيوخ البغدادي [3] . حضر على ابن البطّي، وسمع من شهدة، وترسل عن الخليفة إلى النواحي، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها أبو بكر عبد الكريم بن عبد الله بن مسلم بن أبي الحسن بن أبي الجود الفارسي [4] الزاهد الحنبلي، ابن أخي الحسن بن مسلم الزاهد المتقدم ذكره.
ولد سنة ثلاث وستين وخمسمائة بالفارسيّة، قرية على نهر عيسى، وقرأ القرآن [5] ، وسمع الحديث من أبي الفتح البرداني، وابن بوش، وغيرهما، وتفقه في المذهب، وحدّث وسمع منه ابن النجار [6] ، وعبد الصمد بن أبي الجيش، وغيرهما، ووصفاه بالصلاح والدّيانة.
[1] انظر «العبر» (5/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 18- 19) و «تاريخ الإسلام» (64/ 225) .
[2]
انظر «العبر» (5/ 144) و «تاريخ الإسلام» (64/ 227- 228) .
[3]
انظر «العبر» (5/ 144) و «تاريخ الإسلام» (64/ 229) .
[4]
انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 467) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 216) .
[5]
كذا في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «وقرأ القرآن» وفي «آ» : «القراءات» .
[6]
تحرفت في «ط» إلى «ابن البخاري» .
قال ابن النجار: كان شيخا، صالحا، متدينا، ورعا، منقطعا عن الناس في قريته، يقصده الناس لزيارته والتبرك به، وحوله جماعة من الفقراء، ويضيف من يمرّ به.
وتوفي يوم الخميس لتسع خلون من صفر، ودفن من يومه عند عمّه الحسن [1] بن مسلم بالفارسيّة.
وفيها الملك الكامل سلطان الوقت، ناصر الدّين أبو المعالي محمد ابن العادل أبي بكر محمد بن أيوب [2] .
ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة، وتملك الدّيار المصرية تحت جناح والده عشرين سنة وبعده عشرين سنة، وتملّك دمشق قبل موته بشهرين، وتملّك حرّان وآمد وتلك الدّيار، وله مواقف مشهودة، وكان صحيح الإسلام، معظّما للسّنّة وأهلها، محبا لمجالسة العلماء، فيه عدل وكرم وحياء، وله هيبة شديدة. ومن عدله المخلوط بالجبروت والظلم، شنق جماعة من أجناده على آمد في أكيال شعير غصبوه. قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان: كان سلطانا عظيم القدر، جميل الذّكر، محبا للعلماء، متمسكا بالسّنّة النبوية، حسن الاعتقاد، معاشرا لأرباب الفضائل، حازما في أموره، لا يضع الشيء إلّا في موضعه، من غير إسراف ولا إقتار.
وكان يبيت [3] عنده كل ليلة جمعة جماعة من الفضلاء، ويشاركهم في
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحسين» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 300) ومن ترجمته في المجلد السادس من كتابنا هذا ص (517) .
[2]
انظر «وفيات الأعيان» (5/ 79- 89) و «العبر» (5/ 144- 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 236- 240) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 201- 203) .
[3]
في «وفيات الأعيان» (5/ 81) : «تبيت» .
مباحثاتهم [1] ويسألهم عن المواضع المشكلة من كل فنّ، وهو معهم كواحد منهم، وكان يعجبه هذان البيتان وينشدهما كثيرا وهما:
ما كنت من قبل ملك قلبي
…
تصدّ عن مدنف حزين
وإنما قد طمعت لمّا
…
حللت في موضع حصين
وبنى بالقاهرة دار حديث ورتب لها وقفا جيدا. وقد بنى على قبر الإمام الشافعي، رضي الله عنه، قبة عظيمة، ودفن أمّه عنده، وأجرى إليها من ماء النيل ومدده بعيد، وغرم على ذلك جملة عظيمة.
ولما مات أخوه الملك المعظم صاحب الشام، وقام ولده الملك النّاصر صلاح الدّين داود مقامه، خرج الملك الكامل من الدّيار المصرية قاصدا لأخذ [2] دمشق منه، وجاء أخوه الملك الأشرف مظفّر الدّين موسى، فاجتمعا على أخذ دمشق بعد فصول جرت يطول شرحها، وملك دمشق في أول شعبان سنة ست وعشرين وستمائة، وكان يوم الاثنين، فلما ملكها دفعها لأخيه الملك الأشرف، وأخذ عوضها [3] من بلاد الشرق، حرّان، والرّها، وسروج، والرّقّة، ورأس عين، وتوجه إليها بنفسه في تاسع شهر رمضان من السنة.
واجتزت بحرّان في شوال سنة ست وعشرين والملك العادل مقيم بها بعساكر الدّيار المصرية، وجلال الدّين خوارزم شاه يوم ذاك يحاصر خلاط، وكانت لأخيه الملك الأشرف.
ثم قال ابن خلّكان: خطب له بمكّة- شرفها الله تعالى- فلما وصل
[1] كذا في «ط» و «المنتخب» (160/ ب) و «وفيات الأعيان» : «في مباحثاتهم» وفي «آ» : «في مباحثهم» .
[2]
في «وفيات الأعيان» : «أخذ» .
[3]
في «آ» و «ط» : «موضعها» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
الخطيب إلى الدعاء للملك الكامل قال: صاحب مكة وعبيدها، واليمن وزبيدها، ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها [1] ، والجزيرة ووليدها، سلطان القبلتين، وربّ العلامتين، وخادم الحرمين الشريفين، أبو المعالي محمد الملك الكامل ناصر الدّين، خليل أمير المؤمنين.
ولقد رأيته بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة عند رجوعه من بلاد الشرق، واستنقاذه إيّاها من يد علاء الدّين كيقباد بن سلجوق صاحب الرّوم، وهي وقعة [2] يطول شرحها، وفي خدمته بضعة عشر ملكا، منهم أخوه الملك الأشرف. ولم يزل في علو شأنه وعظم سلطانه إلى أن مرض بعد أخذه دمشق ولم يركب، وكان ينشد في مرضه كثيرا:
يا خليليّ خبّراني بصدق
…
كيف طعم الكرى فإني عليل [3]
ولم يزل كذلك [4] إلى أن توفي يوم الأربعاء بعد العصر، ودفن بقلعة دمشق يوم الخميس الثاني والعشرين من رجب، وكنت بدمشق يومئذ، وحضرت الصبحة [5] يوم السبت في جامع دمشق، لأنهم أخفوا موته إلى وقت صلاة الجمعة، فلما دنت الصلاة قام بعض الدّعاة على العريش الذي بين يدي المنبر وترحم على الملك الكامل، ودعا لولده الملك العادل صاحب مصر، وكنت حاضرا في ذلك الموضع، فضجّ النّاس ضجة واحدة، وكانوا قد أحسوا بذلك، لكنهم لم يتحققوا. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
[1] قوله: «والشام وصناديدها» سقط من «وفيات الأعيان» الذي بين يدي فيستدرك من هنا.
[2]
في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «واقعة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» جاء في «مختار الصحاح» (وقع) : الوقعة، صدمة الحرب، والواقعة القيامة.
[3]
كذا في «ط» و «المنتخب» (160/ ب) و «وفيات الأعيان» : «فإني عليل» . وفي «آ» : «فإني نسيت» .
[4]
لفظة «ذلك» سقطت من «آ» .
[5]
في «آ» و «ط» : «الصبيحة» وما أثبته من «المنتخب» (160/ ب) و «وفيات الأعيان» .
وقال الذّهبي: مرض بقلعة دمشق بالسّعال والإسهال نيفا وعشرين ليلة، وكان في رجله نقرس، فمات.
وقال ابن الأهدل: وللكامل هفوة جرت منه- عفا الله عنه- وذلك أنه سلّم مرة بيت المقدس إلى الفرنج اختيارا، نعوذ بالله من سخط الله وموالاة أعداء الله.
وفيها أبو بكر محمد بن مسعود بن بهروز [1] البغدادي الطبيب.
سمّعه خاله من أبي الوقت [السّجزي] ، وتفرّد بالرواية بالسماع منه [2] وتوفي في رمضان وقد جاوز التسعين.
وفيها شرف الدّين محمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محفوظ القرشي الدّمشقي ابن ابن [3] أخي الشيخ أبي البيان [4] . كان أديبا، شاعرا، صالحا، زاهدا، ولي مشيخة رباط أبي البيان، وروى عن ابن عساكر، وتوفي في رجب.
وفيها أبو نصر بن الشّيرازي القاضي شمس الدّين محمد بن هبة الله ابن محمد بن هبة الله بن يحيى الدمشقي الشافعي [5] .
[1] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ آ) إلى «مهزوز» والتصحيح من «العبر» (5/ 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 241) و «البداية والنهاية» (13/ 151) و «النجوم الزاهرة» (6/ 302) وقد ضبط فيها جميعا بكسر الباء، والصواب بضمها كما نصّ عليه الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في «توضيح المشتبه» (1/ 619) حيث قال: بهروز: بضم أوله، وسكون الهاء، تليها راء مضمومة، ثم واو ساكنة.
[2]
في «العبر» بطبعتيه: «عنه» .
[3]
لفظة «ابن» الثانية لم ترد في «العبر» بطبعتيه فتستدرك.
[4]
انظر «العبر» (5/ 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 242- 243) .
[5]
انظر «العبر» (5/ 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 243- 245) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 106- 107) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 117- 118) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 113- 114) .
ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وأجاز له أبو الوقت [السّجزي] وطائفة، وسمع من أبي يعلى بن الحبوبي [1] ، وطائفة كثيرة، وله «مشيخة» في جزء. ودرس وأفتى، وناظر ودرّس، وصار من كبار أهل دمشق في العلم، والرّواية، والرّئاسة، والجلالة. ودرّس مدة بالشامية الكبرى.
قال ابن شهبة: ولي قضاء بيت المقدس، ثم ولي تدريس الشامية البرّانية، ثم ولي قضاء دمشق في سنة إحدى وثلاثين وستمائة. وكان فقيها، فاضلا، خيّرا، ديّنا، منصفا، عليه سكينة ووقار. حسن الشكل، يصرف أكثر أوقاته في نشر العلم. مات في جمادى الآخرة.
وفيها خطيب دمشق الدّولعي- بفتح الدال المهملة وبعد الواو واللام عين مهملة، نسبة إلى الدّولعيّة قرية بالموصل- جمال الدّين محمد بن أبي الفضل بن زيد بن ياسين أبو عبد الله التّغلبي [2] الشّافعي.
ولد بالدّولعية في جمادى الآخرة سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وتفقه على عمّه ضياء الدّين الدّولعي خطيب دمشق أيضا. وسمع منه ومن جماعة، منهم: ابن صدقة الحرّاني، وولي الخطابة بعد عمّه وطالت مدته في المنصب. وولي تدريس الغزالية مدة، وكان له ناموس وسمت حسن. يفخّم كلامه.
قال أبو شامة: وكان المعظّم قد منعه من الفتوى مدة، ولم يحجّ لحرصه على المنصب، مات في جمادى الأولى ودفن بمدرسته التي أنشأها بجيرون.
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحيوني» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» و «طبقات الشافعية الكبرى» .
[2]
في «آ» و «ط» : و «العبر» بطبعتيه و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 111) :
«الثعلبي» وهو تصحيف، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (64/ 245) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 24) .
وفيها نجم الدّين أبو المفضّل مكرم بن محمد بن حمزة بن محمد المسند القرشيّ الدّمشقي المعروف بابن أبي الصّقر [1] .
ولد في رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وسمع من حمزة بن الحبوبي [2] ، وحمزة بن كروّس، وحسّان الزّيّات، و [وسعيد بن سهل] الفلكي، وعلي بن أحمد بن مقاتل، وطائفة. وتفرّد، وطال عمره، وسافر للتجارة كثيرا. وتوفي في رجب.
وفيها الملك مظفّر الدّين أبو الفتح، موسى بن العادل [3] . ولد هو وأخوه الكامل في سنة واحدة، وهي سنة ست وسبعين وخمسمائة، وماتا أيضاً في هذه السنة [4] ، وكان مولده بالقاهرة. وروى عن ابن طبرزد، وتملّك حرّان وخلاط، وتلك الدّيار مدة، ثم تملّك دمشق تسع سنين، فأحسن وعدل، وخفّف الجور.
قال الذهبي: كان فيه دين وتواضع للصالحين. وله ذنوب عسى الله أن يغفرها له. وكان حلو الشمائل، محبّبا إلى رعيته، موصوفا بالشجاعة، لم تكسر له راية قطّ. انتهى.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان جوادا، عادلا، سخيّا، لو دفع الدّنيا إلى أقل الناس لم يستكثرها عليه. ميمون الطليعة، ما كسرت له راية قطّ. متعففا عن المحارم، ما خلا بامرأة قطّ إلّا زوجته أو محرمه.
[1] انظر «العبر» (5/ 146) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 34- 35) و «تاريخ الإسلام» (64/ 249- 250) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) .
[2]
تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحبوني» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3]
انظر «العبر» (5/ 146- 147) و «تاريخ الإسلام» (64/ 250- 256) .
[4]
أي في سنة خمس وثلاثين وستمائة.
قال أبو المظفّر [1] : لما صعدت [2] إلى خلاط اجتمعت معه في منظرة، فقال: والله ما مددت عيني إلى حريم أحد قطّ، لا ذكر ولا أنثى، ولقد كنت يوما قاعدا هاهنا، فقال الخادم: على الباب عجوز تستأذن من عند بنت شاه أرمن صاحب خلاط سابقا، فأذنت لها، فناولتني ورقة تذكر أن الحاجب عليا قد قصدها وأخذ ضيعها، وقصد هلاكها، وتخاف منه أن تخرج، فكتبت على الورقة بإطلاق الضيعة، ونهي الحاجب عنها، فقالت العجوز: هي تسأل الإذن بالحضور [بين يديك] فلها سرّ تذكره للسلطان، فقلت: بسم الله، فغابت ساعة ثم جاءت ومعها امرأة ما يمكن في الدنيا أحسن من قدّها، ولا أظرف من شكلها، كأن الشمس تحت نقابها، فحذمت [3] ووقفت، فقمت لها، لكونها بنت شاه، فسفرت عن وجهها، فأضاءت منه المنظرة، فقلت: غطّي وجهك واذكري حاجتك، فقالت: مات أبي واستوليتم على البلاد، ولي ضيعة أعيش منها، أخذها الحاجب مني، وما أعيش إلّا من عمل النقش، وأنا ساكنة في دور الكراء. قال: فبكيت وأمرت لها [من الخزانة] بقماش وسكن يصلح لها، وقلت: بسم الله في حفظ الله، وودّعته [4]، فقالت العجوز: ما جاءت إلّا لتحظى بك الليلة. قال: فأوقع الله في قلبي تغيّر الزّمان، وتملّك غيري، وتحتاج بنتي [5] أن تقعد مثل هذه القعدة، فقلت: يا عجوز! معاذ الله، والله ما هو من شيمتي، ولا خلوت بغير محارمي، خذيها وانصرفي،
[1] انظر «مرآة الزمان» (8/ 470- 471) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف وما بين الحاصرتين في السياق زيادة منه.
[2]
في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ آ) : «ولما صعد» والتصحيح من «مرآة الزمان» مصدر المؤلف.
[3]
في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «فخدمت» والتصحيح من «مرآة الزمان» .
[4]
في «آ» و «ط» : «ودعته» بإسقاط الواو الأولى والتصحيح من «المنتخب» (161/ آ) .
[5]
في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ آ) : «بنيّ» وما أثبته من «مرآة الزمان» .
وهي العزيزة الكريمة، ومهما كان لها من الحوائج فهذا الخادم تنفذ إليه، فقامت وهي تبكي وتقول بالأرمنية: صان الله حريمك، [قال:] فلما خرجت، قالت لي النفس: في الحلال مندوحة عن الحرام، تزوجها، فقلت للنفس:
يا خبيثة: أين الحياء والكرم والمروءة؟ والله لا فعلته أبدا.
وقدم عليه النظام بن أبي الحديد ومعه نعل النّبيّ- صلى الله عليه وسلم فقام له قائما، ونزل فأخذ النّعل ووضعه على عينيه وبكى، وأجرى على النظام النفقات، وأراد أن يأخذ منه قطعة تكون عنده، ثم رجع وقال: ربما يجيء بعدي من يفعل مثل فعلي فيتسلسل الحال ويؤدي إلى استئصاله فتركه، ومات النظام بعد مدة وأوصى له بالنّعل، فلما فتح دمشق اشترى دار قايماز النجمي وجعلها دار حديث، وترك النّعل بها، وبنى مسجد أبي الدّرداء بقلعة دمشق، والمسجد الذي عند باب النصر، وخان الزّنجاري وهو جامع العقيبة، ومسجد القصب خارج باب السلاح، وجامع جرّاح، وجامع بيت الأنبار، وجامع حرستا، وزاد وقف دار الحديث النّوريّة، والتربة التي بالكلّاسة، وكان حسن الظنّ بالفقراء. وكان له في بستانه الذي بالنّيرب أماكن مشهورة مزخرفة، مثل صفة بقراط وغيرها يخلو بها، وأباح لأهل دمشق الفرجة بها تطييبا لقلوب الرّعية.
ومن شعره يخاطب الخليفة الناصر:
العبد موسى ذو الضّراعة طوره
…
بغداد آنس عندها نار الهدى [1]
عبد أعدّ لدى الإله وسيلة
…
دنيا ودينا أحمدا ومحمّدا
هذا يقوم بنصره في هذه
…
عند الخطوب وذاك شافعه غدا
[1] رواية البيت في «تاريخ الإسلام» :
العبد موسى طوره لمّا غدا
…
بغداد آنس عندها نار الهدى
وتوفي يوم الخميس رابع المحرم، فتسلطن بعده أخوه الصالح إسماعيل، وركب ركوب السلطنة، وترجل الناس بين يديه، وصادر جماعة من أهل دمشق، وركب التعاسيف، فجاء عسكر الكامل وحصر دمشق، وقطع المياه، وأحرق العقيبة، وقصر حجّاج، ونصبوا المجانيق، ووقّع الصلح، على أن أعطوا الصالح بعلبك وبصرى، وتسلّم الكامل دمشق.
وفيها الحكيم الفاضل سديد الدّين أبو الثناء محمود بن عمر الحانويّ [1] عرف بابن زقيقة [2] الشيباني [3] . صنّف كتاب «قانون الحكماء وفردوس النّدماء» وكتاب «الغرض المطلوب في تدبير المأكول والمشروب» وغير ذلك. وله ديوان شعر، منه فيما يتعلق بالطبّ:
توقّ الامتلاء وعدّ عنه
…
وإدخال الطّعام على الطّعام
وإكثار الجماع فإنّ فيه
…
لمن والاه داعية السّقام
ولا تشرب عقيب الأكل ماء
…
لتسلم من مضرّات الطّعام
ولا عند الخوى والجوع حتّى
…
تلهّى باليسير من الإدام
وخذ منه القليل ففيه نفع
…
لدى العطش المبرّح والأوام
وهضمك فاصلحنه [4] فهو أصل
…
وأسهل بالأيارج كلّ عام
وفصد العرق نكّب عنه إلّا
…
لدى مرض بطيب الطبع حامي
ولا تتحركنّ عقيب أكل
…
وصيّر ذاك بعد الانهضام
ولا تطل السّكون فإنّ منه
…
تولّد كلّ خلط فيك خام
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ ب) : «الحابولي» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» .
[2]
في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ ب) : «ابن دقيقة» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» و «الأعلام» .
[3]
انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 247 و 331) و «الأعلام» (7/ 178) الطبعة الرابعة.
[4]
كذا في «آ» و «ط» : «فأصلحنه» وفي «المنتخب» (161/ ب) : «فأصلحه» .
وقلّل ما استطعت الماء بعد الرّ
…
ياضة واجتنب شرب المدام [1]
وخلّ السّكر واهجره مليّا
…
فإنّ السكر من فعل الطّغام [2]
وأحسن صون نفسك عن هواها
…
تفز بالخلد في دار السّلام
وفيها شمس الدّين بن سنيّ الدولة قاضي القضاة أبو البركات يحيى ابن هبة الله بن سنيّ الدولة الحسن بن يحيى بن محمد بن علي بن صدقة الدّمشقي الشافعي [3] ، والد قاضي القضاة صدر الدّين أحمد.
ولد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وتفقه على ابن أبي عصرون، والقطب النيسابوري، واشتغل بالخلاف، وسمع من أحمد ابن الموازيني وطائفة، وولي قضاء الشام.
قال الذهبي: وحمدت سيرته، وكان إماما فاضلا، مهيبا، [جليلا][4] .
حدّث بمكة، وبيت المقدس، وحمص، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم المعروف بالشواء [5] ، الملقب شهاب الدّين، الكوفي الأصل الحلبي المولد والمنشأ والوفاة [6] . كان أديبا، فاضلا، متقنا لعلم العروض والقوافي، شاعرا. يقع له في النظم المعاني البديعة، وله ديوان شعر في أربع مجلدات.
[1] جاء في «مختار الصحاح» (دوم) : المدام والمدامة: الخمر.
[2]
جاء في «مختار الصحاح» (طغم) : الطّغام: أوغاد النّاس.
[3]
انظر «ذيل الروضتين» ص (166) و «تاريخ الإسلام» (64/ 257- 258) و «العبر» (5/ 147) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 547) و «البداية والنهاية» (3/ 151) .
[4]
لفظة «جليلا» سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «تاريخ الإسلام» مصدر المؤلّف.
[5]
تحرفت في «مرآة الجنان» إلى «الشفاء» فتصحح فيه.
[6]
انظر «وفيات الأعيان» (7/ 231- 236) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 28) و «تاريخ الإسلام» (64/ 258- 259) و «مرآة الجنان» (4/ 89- 90) .
وكان ملازما لحلقة الشيخ تاج الدّين المعروف بابن الحرّاني الحلبي النحوي اللّغوي، وأكثر ما أخذ الأدب عنه وبصحبته انتفع.
قال ابن خلّكان: كان بيني وبين الشهاب الشوّاء مودة أكيدة ومؤانسة كثيرة. وكان حسن المحاورة، مليح الإيراد مع السكون والتأني، وأول شيء أنشدني من شعره قوله:
هاتيك يا صاح ربا لعلع
…
ناشدتك الله فعرّج معي
وانزل بنا بين بيوت النّقا
…
فقد غدت آهلة المربع
حتى نطيل اليوم وقفا على السّ
…
اكن أو عطفا على الموضع
وأنشد لنفسه أيضا:
ومهفهف عني الزّمان بخدّه
…
فكساه ثوبي ليله ونهاره
لا مهّدت عذري محاسن وجهه
…
إن غضّ عندي منه غضّ [1] عذاره
وله في غلام أرسل أحد صدغيه وعقد الآخر:
أرسل صدغا ولوى قاتلي
…
صدغا فأعيا بهما واصفه
فخلت ذا في خدّه حيّة
…
تسعى وهذا عقربا واقفه
ذا ألف ليست لوصل، وذا
…
واو ولكن ليست العاطفة
وله في شخص لا يكتم السّرّ:
لي صديق غدا وإن كان لا ين
…
طق إلّا بغيبة أو محال
أشبه النّاس بالصدى إن تحدّث
…
هـ حديثا أعاده في الحال
وله- وهو معنى لطيف-:
هواك يا من له اختيال
…
ما لي على مثله احتيال
[1] في «آ» و «ط» : «إن غضّ مني غص» وما أثبته من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.
قسمة أفعاله لحيني
…
ثلاثة ما لها انتقال
وعدك مستقبل، وصبري
…
ماض، وشوقي إليك حال
وله في غلام [قد][1] ختن:
هنّأت من أهواه عند ختانه
…
فرحا وقلت وقد عراه وجوم
يفديك من ألم ألمّ بك امرؤ
…
يخشى عليك إذا ثناك نسيم
أمعذّبي كيف استطعت على الأذى
…
جلدا، وأجزع ما يكون الرّيم
لو لم تكن هذي الطهارة سنّة
…
قد سنّها من قبل إبراهيم
لفتكت جهدي بالمزيّن إذ غدا
…
في كفّه موسى وأنت كليم
ومعظم شعره على هذا الأسلوب، وكان من المغالين في التشيع وأكثر أهل حلب ما يعرفونه إلّا بمحاسن الشوّاء، والصواب ما ذكرته. وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر المحرم بحلب، ودفن بظاهرها، ولم أحضر الصلاة عليه لعذر عرض لي، رحمه الله، فلقد كان نعم الصاحب. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
[1] مستدركة من «وفيات الأعيان» .