الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس عشرة وستمائة
فيها جاءت رسل جنكزخان ملك التتار محمود الخوارزمي، وعلي البخاري بتقدمة مستظرفة إلى خوارزم شاه، وتطلب [1] منه المسالمة والهدنة، فاستمال خوارزم شاه محمودا الخوارزمي وقال: أنت منا وإلينا، وأعطاه معضدة جوهر، وقرّر [2] معه أن يكون عينا للمسلمين. ثم قال له: أصدقني، أيملك جنكزخان طمغاج الصين؟ قال: نعم. قال: فما ترى؟ قال: الهدنة.
فأجاب، وسرّ جنكزخان بإجابته. واستقرّ الحال إلى أن جاء من بلاده تجّار إلى ما وراء النهر وعليها خال خوارزم شاه، فقبض عليهم وأخذ أموالهم شرها منه. ثم كاتب خوارزم شاه يقول: إنهم تتار في زيّ التجار، وقصدهم يجسّوا البلاد، ثم جاءت رسل جنكزخان إلى خوارزم شاه تقول: إن كان ما فعله خالك بأمره فسلّمه إلينا، وإن كان بأمرك فالعذر قبيح، وستشاهد ما تعرفني به، فندم خوارزم شاه وتجلّد، وأمر بالرّسل فقتلوا لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا 8: 42 [الأنفال: 42] . فيا لها من حركة عظيمة الشؤم أجرت بكل قطرة بحرا من الدماء.
وفيها توفي محدّث بغداد أبو العبّاس البندنيجي- بفتح الباء الموحدة والمهملة وسكون النون الأولى وكسر الثانية ثم تحتية وجيم، نسبة إلى
[1] في «العبر» بطبعتيه: «ويطلب» .
[2]
في «آ» و «ط» : «وقدّر» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه.
بندنيجين [1] بلفظ المثنى بلد قرب بغداد- أحمد بن أحمد بن أحمد بن كرم [2] بن غالب البغدادي الأزجي، الحافظ المحدّث المعدّل الحنبلي.
ولد في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وتلقّن القرآن من أبي حكيم النّهرواني، وقرأه [3] بالروايات على أبي الحسن البطائحي وغيره.
وسمع الحديث الكثير من أبي بكر بن الزّاغوني، وأبي الوقت، وخلق.
قال الدّبيثي: كان وافر السماع، كثير الشيوخ، حسن الأصول، حدّث بالكثير وسمع منه جماعة.
وقال ابن ناصر الدّين [4] : هو محدّث بغداد. كان حافظا مكثرا، لكنه غير عمدة، رماه ابن الأخضر وكذّبه وقبله غيره.
وقال ابن رجب في «طبقاته» [5] : توفي معه في ثالث عشر [6] رمضان أبو محمد عبد الكافي بن بدر بن حسّان الأنصاري الشّامي الأصل المصري النجّار الحنبلي، وكان صالحا كثير الصيام والتعبد. سمع من البوصيري، والأرتاحي، وعبد الغني الحافظ [7] ، وربيعة بن نزار، وغيرهم، وعلّق عنه المنذري شيئا. توفي وله نحو الستين سنة. انتهى.
[1] انظر «معجم البلدان» (1/ 499) قال ياقوت: موضع يسمّى وندنيكان وعرّب على البندنيجين ولم يفسر معناه
…
وحدثني العماد بن كامل البندنيجي الفقيه قال: البندنيجين اسم يطلق على عدة محال متفرقة غير متصلة البنيان، بل كل واحدة منفردة لا ترى الأخرى، لكن نخل الجميع متّصلة، وأكبر محلّة فيها يقال لها باقطنايا
…
وقد خرج منها خلق من العلماء، محدّثون وشعراء وفقهاء وكتّاب.
[2]
تحرف في «آ» و «ط» إلى «ابن كر» والتصحيح من «العبر» (5/ 55) و «تاريخ الإسلام» (62/ 216) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 108) .
[3]
في «آ» و «ط» و «قرأ» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[4]
في «التبيان شرح بديعة البيان» (173/ ب) .
[5]
انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 109) .
[6]
في «ط» : «عشري» .
[7]
يعني الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله تعالى.
أي ودفن الأول بباب حرب من بغداد والثاني بالمقطّم من مصر.
وفيها الشمس العطّار أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السّلمي البغدادي الصيدلاني [1] ، نزيل دمشق.
ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة، وسمع الناس منه «صحيح البخاري» غير مرّة. وكان ثقة. توفي في شعبان.
وفيها صاحب الموصل السلطان الملك القاهر عز الدّين أبو الفتح مسعود بن السلطان نور الدّين أرسلان شاه بن مسعود الأتابكي [2] .
ولد سنة تسعين وخمسمائة، وتملّك بعد أبيه، وله سبع عشرة سنة، وكان موصوفا بالملاحة والعدل والسماحة، قيل: إنّه سمّ ومات في ربيع الآخر وله خمس وعشرون سنة، وعظم [على] الرّعية فقده.
وولي بعده بعهد منه ولده نور الدّين أرسلان شاه، ويسمّى أيضا عليّا، وله عشر سنين، فمات في أواخر السنة أيضا.
وفيها زينب الشّعريّة الحرّة أمّ المؤيّد [3] بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن أحمد بن سهل الجرجاني ثم النيسابوري الشعري [4] الصّوفي.
ولدت سنة أربع وعشرين [وخمسمائة] ، وسمعت من ابن الفراوي
[1] انظر «العبر» (5/ 55) و «تاريخ الإسلام» (62/ 218- 219) .
[2]
انظر «العبر» (5/ 55- 56) ولفظة «على» مستدركة منه و «تاريخ الإسلام» (62/ 244- 245) .
[3]
تصحفت في «ط» إلى «المؤبد» بالباء.
[4]
انظر «وفيات الأعيان» (2/ 344- 345) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 85- 86) و «العبر» (5/ 56) و «الأعلام» (3/ 66) .
عبد الله لا من أبيه، ومن زاهر الشّحّامي، وعبد المنعم بن القشيري [1] ، وطائفة.
توفيت في جمادى الآخرة وانقطع بموتها إسناد عال.
وفيها أبو القاسم الدّامغاني [2] . قاضي القضاة، عبد الله بن الحسين ابن أحمد بن علي بن قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، الفقيه الحنفي [3] العلّامة عماد الدّين. سمع من تجنّي الوهبانية، وولي القضاء بالعراق سنة ثلاث وستمائة إلى أن عزل سنة إحدى عشرة، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها القاضي شرف الدّين بن الزّكي القرشي أبو طالب، عبد الله بن زين القضاة عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى بن علي الدّمشقي الشافعي.
قال ابن شهبة [4] : ناب في القضاء عن ابن عمّه القاضي محيي الدّين ابن الزّكي، وعن أبيه زكي الدّين الطاهر، ودرّس بالرواحية، فكان أول من درّس بها. ودرّس بالشامية البرانية.
وقال ابن كثير [5] : إنه أول من درّس بها أيضا.
[1] تحرفت في «آ» إلى «القيري» .
[2]
انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 448) و «ذيل الروضتين» ص (110) و «تاريخ الإسلام» (62/ 225- 226) و «العبر» (5/ 56) و «البداية والنهاية» (13/ 82) و «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» (2/ 301- 303) .
[3]
قلت: وهو الصواب، ولكن وصفه المنذري في «التكملة» والذهبي في «تاريخ الإسلام» بأنه شافعي المذهب. وعقب الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف على ذلك في المصدرين بقوله:
والمعروف عن بيت الدامغاني أنهم من رؤساء الحنفية المشهورين.
[4]
لم أجد ترجمته في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة الذي بين يدي، وأظن المؤلف- رحمه الله قد وهم فأحال عليه، والصواب أنه نقل عن «العبر» فالكلام بتمامه فيه (5/ 56) وهو مترجم أيضا في «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 535) .
[5]
نقل المؤلف هذا الكلام عن «طبقات الشافعية» لابن كثير، وهو غير متوفر بين أيدينا، وترجم له في «البداية والنهاية» (13/ 81) .
وقال سبط ابن الجوزي: كان فقيها نزها لطيفا عفيفا.
وقال الشهاب القوصي: كان ممن زاده الله بسطة في العلم والجسم.
توفي في شعبان.
وفيها الشّهاب فتيان بن علي بن فتيان بن ثمال الأسدي الحنفي الدمشقي المعروف بالشّاغوري.
قال ابن خلّكان [1] : كان فاضلا شاعرا ماهرا، خدم الملوك ومدحهم وعلّم أولادهم. وله ديوان شعر فيه مقاطيع حسان، وأقام مدة بالزّبداني [2] وله فيها أشعار لطيفة، فمن ذلك قوله في جهة الزّبداني- وهي أرض فيحاء جميلة المنظر، تتراكم عليها الثلوج في زمن الشتاء، وتنبت أنواع الأزهار في أيام الربيع، ولقد أحسن فيها كل الإحسان وهي-:
قد أجمد الخمر كانون بكل قدح
…
وأخمد الجمر في الكانون حين قدح
يا جنّة الزّبداني أنت مسفرة
…
عن كلّ حسن إذا وجه الزّمان كلح
فالثّلج قطن عليه السّحب تندفه [3]
…
والجوّ يحلجه والقوس قوس قزح
وله وقد دخل إلى حمّام ماؤها شديد الحرارة، وكان قد شاخ:
أرى ماء حمّامكم كالحميم
…
نكابد منه عناء وبؤسا
وعهدي بكم تسمطون الجداء [4]
…
فما بالكم تسمطون التّيوسا
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 24- 26) و «تاريخ الإسلام» (62/ 237- 238) .
[2]
الزّبداني: بلدة كبيرة تقع إلى الشمال الغربي من دمشق، تبعد عنها قرابة (45) كيلو مترا، ذات طبيعة جميلة ومناخ معتدل، تنتج أصنافا مختلفة من أجود أنواع الفواكه، ويقصدها أغنياء أهل دمشق وغيرها من حواضر العرب للاصطياف. وانظر «معجم البلدان» (3/ 130) .
[3]
في «آ» و «ط» : «مندفة» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[4]
في «آ» و «ط» : «الجدي» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
وله:
علام تحرّكي والحظّ ساكن
…
وما نهنهت في طلب ولكن
أرى نذلا تقدّمه المساوي
…
على حرّ تؤخّره المحاسن
توفي بدمشق ودفن بمقابر باب الصغير.
وفيها صاحب الرّوم الملك الغالب عزّ الدّين كيكاوس بن كيخسرو ابن قلج أرسلان السّلجوقي، سلطان قونية، وأقصرا، وملطية، وأخو السلطان علاء الدّين كيقباذ [1] . كان ظلوما غشوما سفّاكا للدماء، قيل: إنه مات فجأة مخمورا فأخرجوا أخاه علاء الدّين وملّكوه بعده، وذلك في شوال. قاله في «العبر» [2] .
وفيها ركن الدّين أبو حامد محمد بن العميد الفقيه الحنفي السمرقندي [3] ، مصنّف الطريقة العميدية المشهورة. كان إماما في الخلاف، وشرح «الإرشاد» وصنف كتاب «النفائس» وكان حسن الأخلاق، كثير التواضع. توفي في جمادى الآخرة ببخارى.
وفيها شهاب الدّين عبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر بن علي بن عبد الدّائم بن الغزّالي البغدادي [4] الحنبلي الواعظ أبو محمد.
ولد في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وسمع الكثير بإفادة أبيه وبنفسه من الحافظ ابن ناصر، وسعد بن البنا، وأبي بكر بن الزّاغوني، وأبي الوقت، وغيرهم. وعني بهذا الشأن، وله في الخطّ طريقة
[1] في «آ» و «ط» : « «كبعباد» هكذا مهملة من دون تنقيط، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (22/ 138) .
[2]
(5/ 57) .
[3]
انظر «العبر» (5/ 57) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 76- 77 و 97- 98) .
[4]
انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 106) .
حسنة معروفة، ووعظ مدة، ومال إلى مدح الحلّاج وتعظيمه، ولقد أخطأ في ذلك.
قال ابن النجّار: سمعت بقراءته كثيرا وسمعت منه، وكان سريع القراءة والكتابة، إلّا أنه قليل المعرفة بأسماء المحدّثين، وحدّث وسمع منه جماعة، وأجاز المنذريّ [1] وغيره، وروى عنه ابن الصّيرفي، وتوفي يوم [2] الثلاثاء نصف شعبان ودفن بباب حرب.
وفيها السلطان الملك العادل سيف الدّين أبو بكر محمد بن الأمير نجم الدّين أيوب بن شاذي [3] .
ولد ببعلبك حال ولاية أبيه عليها، ونشأ في خدمة نور الدّين مع أبيه، وكان أخوه صلاح الدّين يستشيره ويعتمد على رأيه وعقله ودهائه، ولم يكن أحد يتقدم عليه عنده، ثم تنقلت به الأحوال واستولى على الممالك، وسلطن ابنه الكامل على الدّيار المصرية، وابنه المعظّم على الشام، وابنه الأشرف على الجزيرة، وابنه الأوحد على خلاط، وابن ابنه المسعود على اليمن، وكان ملكا جليلا سعيدا، طويل العمر، عميق الفكر، بعيد الغور، جمّاعا للمال، ذا حلم وسؤدد وبرّ كثير، وكان يضرب المثل بكثرة أكله، وله نصيب من صوم وصلاة، ولم يكن محبّبا إلى الرّعية لمجيئة بعد الدولتين النّورية والصلاحية. وقد حدّث عن السّلفي، وخلّف سبعة عشر ابنا، تسلطن منهم الكامل، والمعظّم، والأشرف، والصالح، وشهاب الدّين غازي صاحب ميّافارقين، وتوفي في سابع جمادى الآخرة وله بضع وسبعون سنة.
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «للمنذريّ» .
[2]
لفظة «يوم» سقطت من «ط» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «ليلة» .
[3]
انظر «وفيات الأعيان» (5/ 74- 79) و «العبر» (5/ 58) .