المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة اثنتين وثلاثين وستمائة - شذرات الذهب في أخبار من ذهب - جـ ٧

[ابن العماد الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد السابع]

- ‌سنة إحدى وستمائة

- ‌سنة اثنتين وستمائة

- ‌سنة ثلاث وستمائة

- ‌سنة أربع وستمائة

- ‌سنة خمس وستمائة

- ‌سنة ست وستمائة

- ‌سنة سبع وستمائة

- ‌سنة ثمان وستمائة

- ‌سنة تسع وستمائة

- ‌سنة عشر وستمائة

- ‌سنة إحدى عشرة وستمائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وستمائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وستمائة

- ‌سنة أربع عشرة وستمائة

- ‌سنة خمس عشرة وستمائة

- ‌سنة ست عشرة وستمائة

- ‌سنة سبع عشرة وستمائة

- ‌سنة ثمان عشرة وستمائة

- ‌سنة تسع عشرة وستمائة

- ‌سنة عشرين وستمائة

- ‌سنة إحدى وعشرين وستمائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين وستمائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وستمائة

- ‌سنة أربع وعشرين وستمائة

- ‌سنة خمس وعشرين وستمائة

- ‌سنة ست وعشرين وستمائة

- ‌سنة سبع وعشرين وستمائة

- ‌سنة ثمان وعشرين وستمائة

- ‌سنة تسع وعشرين وستمائة

- ‌سنة ثلاثين وستمائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين وستمائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وستمائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وستمائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وستمائة

- ‌سنة خمس وثلاثين وستمائة

- ‌سنة ست وثلاثين وستمائة

- ‌سنة سبع وثلاثين وستمائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين وستمائة

- ‌سنة تسع وثلاثين وستمائة

- ‌سنة أربعين وستمائة

- ‌سنة إحدى وأربعين وستمائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين وستمائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين وستمائة

- ‌سنة أربع وأربعين وستمائة

- ‌سنة خمس وأربعين وستمائة

- ‌سنة ست وأربعين وستمائة

- ‌سنة سبع وأربعين وستمائة

- ‌سنة ثمان وأربعين وستمائة

- ‌سنة تسع وأربعين وستمائة

- ‌سنة خمسين وستمائة

- ‌سنة إحدى وخمسين وستمائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين وستمائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين وستمائة

- ‌سنة أربع وخمسين وستمائة

- ‌سنة خمس وخمسين وستمائة

- ‌سنة ست وخمسين وستمائة

- ‌سنة سبع وخمسين وستمائة

- ‌سنة ثمان وخمسين وستمائة

- ‌سنة تسع وخمسين وستمائة

- ‌سنة ستين وستمائة

- ‌سنة إحدى وستين وستمائة

- ‌سنة اثنتين وستين وستمائة

- ‌سنة ثلاث وستين وستمائة

- ‌سنة أربع وستين وستمائة

- ‌سنة خمس وستين وستمائة

- ‌سنة ست وستين وستمائة

- ‌سنة سبع وستين وستمائة

- ‌سنة ثمان وستين وستمائة

- ‌سنة تسع وستين وستمائة

- ‌سنة سبعين وستمائة

- ‌سنة إحدى وسبعين وستمائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين وستمائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين وستمائة

- ‌سنة أربع وسبعين وستمائة

- ‌سنة خمس وسبعين وستمائة

- ‌سنة ست وسبعين وستمائة

- ‌سنة سبع وسبعين وستمائة

- ‌سنة ثمان وسبعين وستمائة

- ‌سنة تسع وسبعين وستمائة

- ‌سنة ثمانين وستمائة

- ‌سنة إحدى وثمانين وستمائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين وستمائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين وستمائة

- ‌سنة أربع وثمانين وستمائة

- ‌سنة خمس وثمانين وستمائة

- ‌سنة ست وثمانين وستمائة

- ‌سنة سبع وثمانين وستمائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وستمائة

- ‌سنة تسع وثمانين وستمائة

- ‌سنة تسعين وستمائة

- ‌سنة إحدى وتسعين وستمائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين وستمائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين وستمائة

- ‌سنة أربع وتسعين وستمائة

- ‌سنة خمس وتسعين وستمائة

- ‌سنة ست وتسعين وستمائة

- ‌سنة سبع وتسعين وستمائة

- ‌سنة ثمان وتسعين وستمائة

- ‌سنة تسع وتسعين وستمائة

- ‌سنة سبعمائة

الفصل: ‌سنة اثنتين وثلاثين وستمائة

‌سنة اثنتين وثلاثين وستمائة

فيها ضربت ببغداد دراهم وفرّقت في البلد، وتعاملوا بها، وإنما كانوا يتعاملون بقراضة الذّهب، القيراط، والحبّة، ونحو ذلك، فاستراحوا.

قاله في «العبر» .

وفيها شرع الأشرف في بنائه خان الزّنجاري جامعا، وهو جامع التّوبة بالعقيبة [1] وكان خانا معروفا بالفجور، والخواطئ، والخمور، وسمّاه «جامع التوبة» ووقف عليه أوقافا كثيرة. وجرى في خطابته نكتة غريبة وهي، أنه كان بمدرسة الشاميّة إمام يعرف بالجمال السّبتي [2] وكان شيخا حسنا صالحا [3] وكان في صباه يلعب بملهاة تسمّى الجغانة [4] ، ثم حسنت طريقته، وصار معدودا في عداد الأخيار، فولّاه الأشرف خطيبا، فلما توفي تولى مكانه العماد الواسطي الواعظ، وكان متّهما بشرب الشراب، وكان ملك دمشق في

[1] أحد أحياء مدينة دمشق القديمة إلى الشمال من مسجد بني أمية الكبير خارج السور القديم، ولا زال هذا الجامع عامرا بفضل الله عز وجل وتقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة العيدين، وقد تعاقب على الخطابة والإمامة فيه عدد كبير من علماء دمشق الأفاضل، وقد نقل المؤلّف عن «وفيات الأعيان» (5/ 334- 335) و «تاريخ الإسلام» (64/ 10- 11) وانظر «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (156- 157) .

[2]

وكذا سمّاه ابن خلّكان، وكان يعرفه معرفة شخصية.

[3]

ولفظة «صالحا» لم ترد في «وفيات الأعيان» .

[4]

في «آ» و «ط» : «الجفانة» بالفاء، وفي «وفيات الأعيان» و «المختار من تاريخ ابن الجزري» :

«الجغانة» وهو ما أثبته. وانظر التعليق عليهما فهو مفيد.

ص: 259

ذلك الوقت الملك الصالح أبو الجيش، فكتب إليه الجمال عبد الرحيم بن الزّويتينة [1] :

يا مليكا أوضح ال

حقّ لدينا وأبانه

جامع التّوبة قد قلّ

دني منه الأمانه

قال قل للملك الصّا

لح أعلى الله شانه

يا عماد الدّين يا من

حمد النّاس زمانه

كم إلى كم أنا في ض

رّ وبؤس وإهانة

لي خطيب واسطيّ

يعشق الشّرب [2] ديانه

والذي قد كان من قب

ل يغنّي بالجغانه [3]

فكما كنت كذا صر

ت فلا أبرح حانه

ردّني للنّمط الأوّ

ل واستبق ضمانه [4]

وفيها توفي أبو صادق الحسن بن صبّاح المخزومي المصري [5] الكاتب، عن نيّف وتسعين سنة. وكان آخر من حدّث عن ابن رفاعة. توفي [في] سادس عشر رجب، وكان أديبا، ديّنا، صالحا، جليلا.

وفيها الملك الزّاهر داود ابن الملك الناصر صلاح الدّين يوسف بن أيوب [6] . كان صاحب البيرة [7] بلد من ثغور الرّوم بقرب سميساط. وكان

[1] هو عبد الرحيم بن علي الرّحبي، ابن الزّويتينة. انظر «فوات الوفيات» (2/ 318- 319) .

[2]

في «آ» : «الشراب» وفي «فوات الوفيات» : «الخمر» .

[3]

«آ» و «ط» : «بالجفانة» وفي «المختار من تاريخ ابن الجزري» و «فوات الوفيات» : «بالجغانة» وهو ما أثبته، وفي «وفيات الأعيان» :«بجغانة» .

[4]

انظر رواية البيت في «وفيات الأعيان» و «فوات الوفيات» ففيه بعض الخلاف عندهما.

[5]

انظر «العبر» (5/ 128) و «تاريخ الإسلام» (64/ 81- 82) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 372- 373) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .

[6]

انظر «العبر» (5/ 128) و «تاريخ الإسلام» (64/ 84) .

[7]

انظر «معجم البلدان» (1/ 244) .

ص: 260

فاضلا أديبا، وشاعرا مجيدا. يحب العلماء. مقصودا للشعراء وغيرهم، وهو الثاني عشر من أولاد صلاح الدّين.

وفيها شمس الدّين صواب العادلي الخادم [1] ، مقدّم جيش الكامل، وأحد من يضرب به المثل في الشجاعة. وكان له من جملة المماليك مائة خادم فيهم جماعة أمراء. توفي بحرّان في رمضان، وكان نائبا عليها للكامل.

وفيها الشّهاب عبد السّلام بن المطهّر بن أبي سعد بن أبي عصرون التّميميّ الدّمشقيّ الشّافعي [2] . روى عن جدّه، وكان صدرا محتشما، مضى في الرسالة إلى الخليفة، وتوفي في المحرّم.

وفيها ابن باسويه [3] تقي الدّين علي بن المبارك بن الحسن الواسطي، الفقيه الشافعي، المقرئ المجود. روى عن ابن شاتيل وطبقته، وقرأ القراءات على أبي بكر الباقلّاني، وعلي بن مظفّر الخطيب. وسكن دمشق، وقرأ بها. وتوفي في شعبان عن ست وسبعين سنة.

وفيها سيدي ابن الفارض ناظم «الديوان» المشهور شرف الدّين أبو القاسم عمر بن علي بن مرشد الحموي الأصل المصري [4] .

قال في «العبر» : هو حجّة أهل الوحدة [5] ، وحامل لواء الشعراء [6] .

[1] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 86) و «مرآة الجنان» (4/ 75) و «النجوم الزاهرة» (6/ 287) .

[2]

انظر «العبر» (5/ 128) و «تاريخ الإسلام» (64/ 87- 88) و «النجوم الزاهرة» (6/ 287) .

[3]

تصحفت في «آ» و «ط» إلى «باشوية» وتحرفت في «العبر» بطبعتيه وفي «النجوم الزاهرة» (6/ 292) إلى «ماسوية» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 394- 395) وقد قيدها المنذري فيه: «بالباء الموحدة، وبعد الألف سين مهملة مضمومة، وبعد الواو الساكنة ياء آخر الحروف مفتوحة وبعدها تاء التأنيث» وانظر «تاريخ الإسلام» (64/ 91- 92) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 622) .

[4]

انظر «وفيات الأعيان» (3/ 454- 456) و «العبر» (5/ 129) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 129) و «تاريخ الإسلام» (64/ 93- 96) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .

[5]

أقول: يعني أهل وحدة الوجود، نسأل الله العافية من هذه العقيدة. (ع) .

[6]

في «العبر» بطبعتيه: «وحامل لواء الشعر» .

ص: 261

وقال الشيخ عبد الرّؤوف [1] المناوي في «طبقاته» : الملقب في جميع الآفاق بسلطان المحبّين والعشّاق، المنعوت بين أهل الخلاف والوفاق بأنه سيّد شعراء عصره على الإطلاق. له النظم الذي يستخف أهل الحلوم والنثر، الذي تغار منه النّثرة [2] بل سائر النجوم.

قدم أبوه من حماة إلى مصر، فقطنها وصار يثبت الفروض للنساء على الرجال بين يدي الحكّام، ثم ولي نيابة الحكم، فغلب عليه التّلقيب بالفارض، ثم ولد له بمصر عمر في ذي القعدة سنة ست وستين وخمسمائة، فنشأ تحت كنف أبيه في عفاف وصيانة، وعبادة وديانة، بل زهد وقناعة، وورع أسدل عليه لباسه وقناعه. فلما شبّ وترعرع اشتغل بفقه الشافعية، وأخذ الحديث عن ابن عساكر، وعنه الحافظ المنذري وغيره. ثم حبّب إليه الخلاء وسلوك طريق الصّوفية، فتزهّد وتجرّد، وصار يستأذن أباه في السياحة فيسيح في الجبل الثاني من المقطّم، ويأوي إلى بعض أوديته مرّة، وفي بعض المساجد المهجورة في خربات القرافة مرّة، ثم يعود إلى والده، فيقيم عنده مدة، ثم يشتاق إلى التجرّد ويعود إلى الجبل، وهكذا حتّى ألف الوحشة وألفه الوحش، فصار لا ينفر منه، ومع ذلك لم يفتح عليه بشيء حتّى أخبره البقّال أنه إنما يفتح عليه بمكّة. فخرج فورا في غير أشهر الحجّ ذاهبا إلى مكّة، فلم تزل الكعبة أمامه، حتى دخلها، وانقطع بواد بينه وبين مكّة عشر ليال، فصار يذهب من ذلك الوادي وصحبته أسد عظيم إلى مكّة فيصلي بها الصلوات الخمس، ويعود إلى محلّه من يومه، وأنشأ غالب نظمه حالتئذ، وكان الأسد يكلّمه ويسأله أن يركب عليه فيأبي، وأقام كذلك نحو خمسة عشر عاما، ثم رجع إلى مصر فأقام بقاعة الخطابة بالجامع الأزهر، وعكف عليه الأئمة،

[1] هو محمد عبد الرؤوف المناوي، المتوفى سنة (1031) هـ. (ع) .

[2]

النّثرة: كوكب في السماء كأنه لطخ سحاب كوكبين، تسميه العرب نثرة الأسد وهي من منازل القمر، وهي في علم النجوم من برج السّرطان. انظر «لسان العرب» (نثر) .

ص: 262

وقصد بالزيارة من الخاصّ والعام، حتى إن الملك الكامل كان ينزل لزيارته.

وسأله أن يعمل له قبرا عند قبره بالقبّة التي بناها على ضريح الإمام الشافعي فأبى، وكان جميلا، نبيلا، حسن الهيئة والملبس، حسن الصحبة والعشرة، رقيق الطبع، عذب المنهل والنبع، فصيح العبارة، دقيق الإشارة، سلس القياد، بديع الإصدار والإيراد، سخيّا، جوادا، توجه يوما إلى جامع عمرو، فلقيه بعض المكّارية، فقال: اركب معي على الفتوح، فمرّ به بعض الأمراء، فأعطاه مائة دينار، فدفعها للمكّاري. وكان أيام النيل يتردد إلى المسجد المعروف بالمشتهى في الرّوضة، ويحبّ مشاهدة البحر مساء، فتوجّه إليه يوما، فسمع قصّارا يقصر ويقول:

قطّع قلبي هذا المقطع

لا هو يصفو أو يتقطّع

فصرخ وسقط مغمى عليه، فصار يفيق ويردد ذلك ويضطرب، ثم يغمى عليه، وهكذا. وكان يواصل أربعينيات فاشتهى هريسة فأحضرها، ورفع لقمة إلى فيه، فانشقّ الجدار، وخرج شاب جميل [1] فقال: أف عليك، فقال: إن أكلتها، ثم طرحها وأدّب نفسه بزيادة عشر ليال.

ورأى المصطفى صلى الله عليه وسلم في نومه فقال: «إلى من تنتسب» ؟ فقال:

يا رسول الله! إلى بني سعد قبيلة حليمة، فقال:«بل نسبك متّصل بي» يعني نسبة محبة وتبعية.

ومن خوارقه العجيبة أنّه رأى جملا لسقاء، فكلف به وهام، وصار يأتيه كل يوم ليراه، وناهيك ب «ديوانه» الذي اعترف به [2] الموافق والمخالف، والمعادي والمحالف. سيما القصيدة التائية [3] . وقد اعتنى بشرحها جمع من

[1] أقول: هذا من المبالغات التي لا دليل عليها. (ع) .

[2]

لفظة «به» سقطت من «آ» .

[3]

هي في «ديوانه» ص (46- 116) طبع دار صادر ببيروت، ومطلعها:

سقتني حميّا الحبّ راحة مقلتي

وكأسي محيّا من عن الحسن جلّت

ص: 263

الأعيان، كالسّراج الهندي الحنفي، والشمس البسطامي [1] المالكي، والجلال القزويني الشّافعي، غير متعاقبين ولا مبالين بقول المنكرين الحسّاد. شعره ينعت بالاتحاد، وكذا شرحها الفرغاني، والقاشاني، والقيصري، وغيرهم.

وعلى الخمريّة وغيرها شروح عدة.

وقال بعض أهل الرسوخ: إن «الديوان» كله مشروح.

وذكر بعض الأكابر أن بعض أهل الظّاهر في عصر الحافظ ابن حجر كتب على التائية شرحا وأرسله إلى بعض عظماء صوفية الوقت ليقرضه [2] فأقام عنده مدة ثم كتب عليه عند إرساله إليه:

سارت مشرّقة وسرت مغرّبا

شتّان بين مشرّق ومغرّب

فقيل له في ذلك، فقال: مولانا الشّارح اعتنى بإرجاع الضمائر والمتبدإ والخبر والجناس والاستعارة، وما هنالك من اللغة والبديع، ومراد الناظم وراء ذلك كلّه. وقد أثنى على «ديوانه» حتّى من كان سيء الاعتقاد، ومنهم ابن أبي حجلة الذي عزّره السّراج الهندي بسبب الوقيعة فيه، فقال:

هو من أرقّ الدواوين شعرا وأنفسها درّا، برّا وبحرا. وأسرعها للقلوب جرحا وأكثرها على الطّلول [3] نوحا، إذ هو صادر عن نفثة مصدور، وعاشق مهجور، وقلب بحرّ النّوى مكسور، والناس يلهجون بقوافيه وما أودع من القوى فيه، وكثر حتّى قلّ من لا رأى «ديوانه» أو طنّت بأذنه قصائده الطنّانة.

قال الكمال الأدفوي: وأحسنه القصيدة الفائية [4] التي أولها:

[1] في «ط» : «البساطي» وهو خطأ.

[2]

ويقال أيضا: «ليقرظه» وكلاهما بمعنى.

[3]

في «آ» : «الطول» .

[4]

وهي في «ديوانه» ص (151- 155) طبع دار صادر ببيروت.

ص: 264

قلبي يحدّثني بأنّك متلفي

[1]

واللّاميّة [2] التي أولها:

هو الحبّ فاسلم بالحشا ما الهوى سهل

[3]

والكافية [4] التي أولها:

ته دلالا فأنت أهل لذاكا

[5]

قال: وأما التائية فهي عند أهل العلم- يعني الظّاهر- غير مرضية، مشعرة بأمور رديئة.

وكان عشاقا بعشق مطلق الجمال، حتّى أنه عشق بعض الجمال. بل زعم بعض الكبار أنه عشق برنيّة [6] بدكان عطّار.

وذكر القوصي [7] في «الوحيد» أنه كان للشيخ جوار بالبهنسا يذهب

[1] وعجزه:

روحي فداك عرفت أم لم تعرف

[2]

وهي في «ديوانه» ص (134- 139) .

[3]

وعجزه:

فما اختاره مضنى به، وله عقل

[4]

وهي في «ديوانه» ص (156- 161) .

[5]

وعجزه:

وتحكّم، فالحسن قد أعطاكا

[6]

جاء في «لسان العرب» (برن) : البرنيّة: شبه فخّارة ضخمة خضراء

وقيل: إناء من الخزف.

[7]

هو عبد الغفّار بن أحمد بن عبد المجيد الأقصري ثم القوصي، المعروف بابن نوح، من مشاهير متصوفة مصر. مات سنة (708 هـ) . وكتابه الذي أشار إليه المؤلف- رحمه الله تعالى- هو «الوحيد في سلوك أهل التوحيد» وهو مخطوط لم يطبع بعد. انظر «حسن المحاضرة» (1/ 424) و «كشف الظنون» (2/ 2005) و «الأعلام» للزركلي (4/ 31) .

ص: 265

إليهن فيغنّين له بالدّف والشبابة، وهو يرقص ويتواجد، ولكل قوم مشرب، ولكلّ مطلب. وليس سماع الفسّاق كسماع سلطان العشّاق [1] . ولم يزل على حاله راقيا في سماء كماله، حتى احتضر، فسأل الله أن يحضره في ذلك الهول العظيم جماعة من الأولياء، فحضره جماعة، منهم: البرهان الجعبري، فقال- فيما حكاه سبط صاحب الترجمة-: رأى الجنّة مثلت له، فبكى وتغيّر لونه، ثم قال:

إن كان منزلتي في الحبّ عندكم

ما قد رأيت فقد ضيّعت أيّامي [2]

قال: فقلت له: يا سيدي! هذا مقام كريم. فقال: يا إبراهيم رابعة [3] وهي امرأة تقول: وعزّتك ما عبدتك رغبة في جنّتك، بل لمحبّتك، وليس هذا ما قطعت عمري في السلوك إليه، فسمعت قائلا يقول له: فما تروم فقال:

أروم وقد طال المدى منك نظرة

[4]

البيت [5] .

فتهلل وجهه وقضى نحبه، فقلت: إنه أعطي مرامه. انتهى.

وقد شنّع عليه بذلك المنكرون.

[1] قلت: بل كل ذلك سواء، فقد صحّ عنه- صلى الله عليه وسلم قوله:«ما أسكر قليله فكثيره حرام» وليس هذا الرقص والتواجد من صنيع المسلمين المتمسكين بتعاليم كتاب الله عز وجل وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته الكرام، ولا التابعون، ولا الأئمة الأربعة ولا المتقدمون من أتباعهم، وإنما ابتدعه نفر من متأخري الصوفية عن جهل وقلة فهم لأحكام وتعاليم الشرع الحنيف، نسأل الله العفو والعافية والتثبيت على النهج المستقيم بفضله وكرمه ورحمته.

[2]

البيت في «ديوانه» ص (207) .

[3]

يعني رابعة العدوية.

[4]

وعجزه:

وكم من دماء دون مرماي طلّت

[5]

وهو في «ديوانه» ص (39) .

ص: 266

فقال بعضهم: لما كشف له الغطاء، وتحقّق أنه هو غير الله، وأنه لا حلول ولا اتحاد، قال ذلك.

وقال بعضهم: قاله لما حضره ملائكة العذاب الأليم، أستغفر الله سبحانه، هذا بهتان عظيم.

والحاصل أنه اختلف في شأن صاحب الترجمة، وابن عربي، والعفيف التّلمساني، والقونوي، وابن هود، وابن سبعين، وتلميذه الشّشتري، وابن مظفّر، والصفّار من الكفر إلى القطبانية. وكثرت التصانيف من الفريقين في هذه القضية، ولا أقول كما قال بعض الأعلام سلّم تسلم والسلام، بل أذهب إلى ما ذهب إليه بعضهم أنه يجب اعتقادهم وتعظيمهم، ويحرم النظر في كتبهم على من لم يتأهل لتنزيل ما فيها من الشطحات على قوانين الشريعة المطهّرة [1] ، وقد وقع لجماعة من الكبار الرجوع عن الإنكار. انتهى كلام المناوي مختصرا.

وما أحسن قوله في التائية:

وكلّ أذى في الحبّ منك إذا بدا

جعلت له شكري مكان شكيّتي [2]

وله ما رأيته في دواوينه، وهو معنى في غاية اللّطف والرّقّة:

خلص الهوى لك واصطفتك مودّتي

إني أغار عليك من ملكيكا

ولو استطعت منعت لفظك غيرة

إني أراه مقبّلا شفتيكا

وأراك تخطر في شمائلك التي

هي فتنة فأغار منك عليكا

ورؤي في النوم فقيل له: لم لا مدحت المصطفى في «ديوانك» ؟

فقال:

أرى كلّ مدح في النّبيّ مقصّرا

وإن بالغ المثني عليه وكثّرا

[1] أقول: الشطحات لا تقبل من أي شخص كان. (ع) .

[2]

البيت في «ديوانه» ص (50) .

ص: 267

إذا الله أثنى بالذي هو أهله [1]

عليه فما مقدار ما يمدح الورى

ويقال: إنه لما نظم قوله:

وعلى تفنّن واصفيه بحسنه

يفنى الزّمان وفيه ما لم يوصف [2]

فرح فرحا شديدا وقال: لم يمدح صلى الله عليه وسلم بمثله، وبعض الناس يقول:

باطن كلامه كلّه مدح فيه صلى الله عليه وسلم، وغالب كلامه لا يصلح أن يراد به ذلك، والله أعلم.

توفي- رحمه الله تعالى- في جمادى الأولى عن ست وخمسين سنة إلا شهرا، ودفن بالمقطّم.

وفيها الشيخ شهاب الدّين السّهروردي [3] ، قدوة أهل التوحيد، وشيخ العارفين أبو حفص، وأبو عبد الله، عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد التّيمي البكري الصّوفي الشّافعي.

ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بسهرورد، وقدم بغداد، فلحق بها هبة الله بن الشّبلي، فسمع منه، وصحب عمّه أبا النّجيب، وتفقه وتفنّن، وصنّف التصانيف، منها «عوارف المعارف» في بيان طريقة القوم، وانتهت إليه تربية المريدين، وتسليك العبّاد، ومشيخة العراق.

قال الذهبي: لم يخلّف بعده مثله.

وقال ابن شهبة في «طبقاته» : أخذ عن أبي القاسم بن فضلان، وصحب الشيخ عبد القادر، وسمع الحديث من جماعة. وله «مشيخة» في

[1] إشارة منه إلى قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 68: 4 [القلم: 4] .

[2]

البيت في «ديوانه» ص (154) .

[3]

انظر «وفيات الأعيان» (3/ 446- 448) و «العبر» (5/ 129) و «تاريخ الإسلام» (64/ 96- 99) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 65) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 103- 104) .

ص: 268

جزء لطيف. روى عنه ابن الدّبيثي، وابن نقطة، والضياء، والزّكي البرزالي، وابن النجّار، وطائفة.

وقال ابن النجار: كان شيخ وقته في علم الحقيقة، وانتهت إليه الرئاسة في تربية المريدين، ودعاء الخلق إلى الله تعالى. وبالغ في الثناء عليه.

وعمي في آخر عمره وأقعده، ومع ذلك فما أخلّ بشيء من أوراده.

وقال ابن خلّكان: كان شيخ الشيوخ ببغداد، وكان له مجلس وعظ، وعلى وعظه قبول كثير. وله نفس مبارك. حكى لي من حضر مجلسه أنه أنشد يوما على الكرسي:

لا تسقني وحدي فما عوّدتني

إني أشحّ بها على جلّاسي

أنت الكريم ولا يليق تكرّما

أن يصبر [1] النّدماء دون الكاس

فتواجد الناس لذلك، وقطعت شعور كثيرة، وتاب جمع كبير.

وله تآليف حسنة، منها: كتاب «عوارف المعارف» وهو أشهرها.

وله شعر منه:

تصرّمت وحشة اللّيالي

وأقبلت دولة الوصال

وصار بالوصل لي حسودا

من كان في هجركم رثى لي

وحقّكم بعد إذ [2] حصلتم

بكلّ من فات لا أبالي

تقاصرت عنكم قلوب

فيا له موردا حلالي

عليّ ما للورى حرام

وحبّكم في الحشا حلالي

تشرّبت أعظمي هواكم

فما لغير الهوى ومالي

فما على عادم أجاجا

وعنده أعين الزّلال

[1] في «وفيات الأعيان» : «أن يعبر» .

[2]

في «وفيات الأعيان» : «بعد إن» .

ص: 269

وكان كثير الحجّ، وربما جاور في بعض حججه، وكان أرباب الطريق من مشايخ عصره يكتبون إليه صور فتاوى يسألونه عن شيء من أحوالهم.

سمعت بعضهم أنه كتب إليه: يا سيدي إني إن تركت العمل، أخلدت إلى البطالة، وإن عملت داخلني العجب، فأيّهما أولى؟ فكتب جوابه: اعمل واستغفر الله من العجب. وله من هذا شيء كثير.

وذكر في «عوارف المعارف» أبياتا لطيفة، منها:

أشمّ منك نسيما لست أعرفه

أظنّ لمياء جرّت فيك أذيالا

وفيه أيضا:

إن تأمّلتكم فكلّي عيون

أو تذكّرتكم فكلّي قلوب

توفي في مستهل المحرم ببغداد، رحمه الله تعالى. انتهى ملخصا.

وفيها الشيخ غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر المقدسي النابلسي [1] القدوة الزاهد، أحد عبّاد الله الأخفياء الأتقياء، والسّادة الأولياء.

ولد سنة اثنتين وستين وخمسمائة بقرية بورين [2] من عمل نابلس، وسكن القدس عام أنقذه السلطان صلاح الدّين من الفرنج [3] سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة [4] . وساح بالشام، ورأى الصّالحين، وكان مؤثرا للخمول، صاحب أحوال وكرامات.

[1] انظر «العبر» (5/ 129- 130) و «تاريخ الإسلام» (64/ 101- 103) .

[2]

قال الأستاذ الفاضل محمد محمد شراب في كتابه النافع «معجم بلدان فلسطين» ص (172) طبع دار المأمون للتراث بدمشق: بورين: بلدة تقع على مسافة عشرة أكيال إلى الجنوب من نابلس، وترتفع ما بين 600- 650 مترا عن سطح البحر، حيث تعتبر بقعتها جزءا من جبال نابلس، وذكر ما نسب إليها من العلماء، فراجع تتمة كلامه فيه فهو مفيد.

[3]

جاء في هامش النسخة «ط» : في غير الأصل: «عام أنقذه الله من الفرنج» .

[4]

انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (22) وتعليقي عليه، طبع دار ابن كثير.

ص: 270

قال ابنه عبد الله: انقطع تحت الصخرة في الأقباء السليمانية ست سنين [1] ، وصحب الشيخ عبد الله الأرموي بقية عمره، وعاشا جميعا مصطحبين.

وقد أفرد سيرة الشيخ غانم [في «جزء» ][2] : أبو عبد الله محمد بن الشيخ علاء الدّين. وتوفي الشيخ غانم في غرّة شعبان، ودفن بالحضيرة [3] التي بها صاحبه ورفيقه الشيخ عبد الله الأرموي بسفح قاسيون.

وفيها محمد بن عبد الواحد بن أبي سعيد المديني الواعظ أبو عبد الله [4] ، مسند العجم.

ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وسمع من إسماعيل الحمّامي، وأبي الوقت [السّجزي] ، وأبي الخير الباغبان.

قال ابن النجار: واعظ مفت [5] ، شافعيّ. له معرفة بالحديث وقبول عند أهل بلده. وفيه ضعف. بلغنا أنه استشهد بأصبهان على يد التتار في أواخر رمضان. انتهى.

وقال الذهبي: وفي دخولهم [6] إليها قتلوا أمما لا تحصى.

وفيها محمد بن عماد بن محمد بن حسين الحرّاني [7] الحنبلي التاجر، نزيل الإسكندرية. روى عن ابن رفاعة، وابن البطّي، والسّلفي،

[1] في «تاريخ الإسلام» للذهبي: «سنة ستين» .

[2]

زيادة من «تاريخ الإسلام» .

[3]

في «تاريخ الإسلام» : «بالحضرة» .

[4]

انظر «العبر» (5/ 130) و «تاريخ الإسلام» (64/ 106) .

[5]

في «آ» و «ط» : «مفتي» وما أثبته من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .

[6]

أي في دخول التتار إلى أصبهان.

[7]

انظر «العبر» (5/ 130) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 379- 381) و «تاريخ الإسلام» (64/ 107- 108) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .

ص: 271

وطائفة كثيرة باعتناء خاله حمّاد الحرّاني. وتوفي في عاشر صفر، وكان ذا دين وعلم وفقه، عاش تسعين سنة. وروى عنه خلق كثير.

وفيها شعرانة، وجيه الدّين، محمد بن أبي غالب زهير بن محمد الأصبهاني [1] الثّقة الصّالح. سمع «الصحيح» [2] من أبي الوقت [السّجزي] وعمّر دهرا، ومات شهيدا.

وفيها محمد بن غسّان بن غافل بن نجاد [3] الأمير سيف الدولة الحمصي ثم الدمشقي. روى عن الفلكيّ، وابن هلال، وطائفة. وتوفي في شعبان عن ثمانين سنة.

وفيها أبو الوفاء محمود بن إبراهيم بن سفيان بن مندة العبدي الأصبهاني [4] ، بقية آل مندة ومسند وقته. روى الكثير عن مسعود الثّقفي، والرّستمي، وأبي الخير الباغبان، وغيرهم. وعدم تحت السيف، رحمه الله.

وفيها أبو موسى الرّعيني عيسى بن سليمان بن عبد الله الرّعيني الأندلسي المالقي الرّندي الحافظ. كان حافظا متقنا أديبا نبيلا.

قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» [5] :

ثم أبو موسى الرّعيني عيسى

خير له بضبطه النّفيسا

وفيها أبو يحيى وأبو الفضل، عيسى بن سنجر بن بهرام بن جبريل

[1] انظر «العبر» (5/ 130) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 379) و «تاريخ الإسلام» (64/ 105- 106) .

[2]

يعني «صحيح البخاري» .

[3]

انظر «العبر» (5/ 131) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 381) و «تاريخ الإسلام» (64/ 108- 109) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .

[4]

انظر «العبر» (5/ 131) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 382- 383) و «تاريخ الإسلام» (64/ 109- 110) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .

[5]

انظر «بديعة البيان» الورقة (24) مصورة المكتبة الأحمدية بحلب.

ص: 272

ابن خمارتكين بن طاشتكين الإربلي المعروف بالحاجري، الملقب حسام الدّين [1] .

قال ابن خلّكان: هو جندي ومن أولاد الأجناد، وله «ديوان» شعر تغلب عليه الرّقّة، وفيه معان جيدة، وهو مشتمل على الشعر، والدّوبيت، والمواليا.

ولقد أحسن في الكلّ مع أنه قلّ من يجيد في مجموع الثلاثة. وله أيضا «كان وكان» واتفقت له فيه مقاصد حسان. وكان صاحبي وأنشدني كثيرا من شعره، فمن ذلك قوله- وهو معنى جيد-:

ما زال يحلف لي بكلّ أليّة

أن لا يزال مدى الزّمان مصاحبي

لما جفا نزل العذار بخدّه

فتعجّبوا لسواد وجه الكاذب

وأنشدني لنفسه أيضا:

لك خال من فوق عر

ش شقيق قد استوى

بعث الصّدغ مرسلا

يأمر النّاس بالهوى

وأنشدني لنفسه أبياتا منها في صفة الخال:

لم يحو ذاك الخدّ خالا أسودا

إلّا لنبت شقائق النّعمان

وله، وقال لي: ما يعجبني فيما عملت مثل هذا الدّوبيت، وهو آخر شيء عملته إلى الآن وهو:

حيّا وسقى الحمى سحاب هامي

ما كان ألذّ عامه من عام

يا علوة ما ذكرت أيّامكم

إلّا وتظلّمت على الأيام

وكان لي أخ يسمى ضياء الدّين عيسى، وكان بينه وبين الحاجري المذكور مودة أكيدة، فكتب إليه من الموصل في صدر كتاب، وكان الأخ بإربل:

[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 501- 505) و «النجوم الزاهرة» (6/ 290- 291) .

ص: 273

الله يعلم ما أبقى سوى رمق

منّي فراقك يا من قربه أمل

فابعث كتابك واستودعه تعزية

فربما متّ شوقا قبل ما يصل

وكنت قد خرجت من إربل في أواخر شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وهو معتقل بقلعتها لأمر يطول شرحه، بعد أن كان حبس بقلعة خفتيد [1] كان ثم نقل منها، وله في ذلك أشعار منها قوله:

قيد أكابده وسجن ضيّق

يا ربّ شاب من الهموم المفرق

ومنها:

يا برق إن جئت الدّيار بإربل

وعلا عليك من التّداني رونق

بلّغ تحيّة نازح حسراته

أبدا بأذيال الصّبا تتعلّق

قل يا حبيب [2] لك الفداء أسيركم

من كلّ مشتاق إليكم أشوق

والله ما سرت الصّبا نجدية

إلّا وكدت بدمع عيني أشرق

وبلغني بعد ذلك أنه خرج من الاعتقال، واتصل بخدمة الملك المعظم مظفّر الدّين صاحب إربل، وتقدم عنده وغيّر لباسه، وتزيّا بزي الصّوفية. فلما توفي مظفّر الدّين سافر من إربل ثم عاد إليها وقد صارت في مملكة أمير المؤمنين المستنصر بالله ونائبه بها الأمير شمس الدّين أبو الفضائل باتكين، وكان وراءه من يقصده، فاتفق أنه خرج من بيته يوما قبل الظهر، فوثب عليه شخص وضربه بسكين فأخرج حشوته، فكتب في تلك الحال إلى باتكين المذكور وهو يكابد الموت:

أشكوك يا ملك البسيطة حالة

لم تبق رعبا في عضوا ساكنا

[1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» : «خفتيد» بالدال المهملة كذا قيدها ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (3/ 505) . وفي «معجم البلدان» (2/ 380)«خفتيذ» بالذال المعجمة.

[2]

في «وفيات الأعيان» : «يا جعلت» .

ص: 274

إن تستبح إبلي لقيطة [1] معشر

ممن أؤمل غير جأشك مازنا

ومن العجائب كيف يمشي خائفا

من بات في حرم الخلافة آمنا

ثم توفي بعد ذلك من يومه يوم الخميس ثاني شوال، وتقدير عمره خمسون سنة.

والحاجري: بفتح الحاء المهملة، وبعد الألف جيم مكسورة، وبعدها راء، نسبة إلى حاجر بليدة بالحجاز، لم يبق اليوم منها سوى الآثار، ولم يكن الحاجريّ منها، بل نسب إليها لكونه استعملها في شعره كثيرا. انتهى ملخصا.

وفيها أبو الفتوح الوثّابي محمد بن محمد بن أبي المعالي الأصبهاني [2] . يروي عن جدّه كتاب الذّكر بسماعه من ابن طبرزد، ويروي عن رجاء بن حامد المعداني، راح تحت السيف في فتنة التتار، وله ثمان وسبعون سنة.

وفيها جامع بن إسماعيل بن غانم بن صائن الدّين الأصبهاني الصّوفي، المعروف بباله [3] ، راوي «جزء» لوين عن محمد بن أبي القاسم الصّالحاني.

وفيها شمس الدّين محمود بن علي بن محمود بن قرقين [4] الدّمشقي، الجندي الأديب الشاعر. روى عن أبي سعد بن أبي عصرون، وتوفي في شوال.

[1] في «آ» و «ط» : «ابن اللقيطة» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» مصدر المؤلّف.

[2]

انظر «العبر» (5/ 131) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 544) ضمن ترجمة شيخه رجاء بن حامد المعداني.

[3]

انظر «العبر» (5/ 131- 132) .

[4]

في «آ» و «ط» : «قرقر» والتصحيح من «العبر» (5/ 132) و «تاريخ الإسلام» (64/ 114- 115) .

ص: 275

وفيها ابن شدّاد قاضي القضاة بهاء الدّين أبو العزّ يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الحلبي الشافعي [1] .

ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وقرأ القراءات والعربية بالموصل على يحيى بن سعدون القرطبي. وسمع من حفدة العطاردي وطائفة، وبرع في الفقه والعلوم، وساد أهل زمانه، ونال رئاسة الدّين والدّنيا، وصنّف التصانيف.

قال ابن شهبة: سمع من جماعة كثيرة ببغداد وغيرها، وأعاد بالنظامية في حدود سنة سبعين، ثم انحدر إلى الموصل، ودرّس بمدرسة الكمال الشهرزوري، ثم حجّ سنة ثلاث وثمانين، وزار الشام واصتل بالسلطان صلاح الدّين وحظي عنده، وولاه قضاء العسكر وقضاء بيت المقدس، وصنّف له كتابا في فضل الجهاد. ولما توفي اتصل بولده الظاهر وولاه قضاء حلب ونظر أوقافها، وأجزل رزقه وعطاءه، وأقطعه إقطاعا جزيلا، ولم يكن له ولد ولا قرابة، فكان ما يحصل له يتوفر عنده، فبنى به مدرسة وإلى جانبها [2] ، دار حديث وبينهما [3] تربة، وقصده الطلبة للدّين والدّنيا، وعظم شأن الفقهاء في زمانه لعظم قدره وارتفاع منزلته.

قال عمر بن الحاجب: كان ثقة عارفا بأمور الدّين، اشتهر اسمه وسار ذكره، وكان ذا صلاح وعبادة، وكان في زمانه كالقاضي أبي يوسف في زمانه. دبّر أمر الملك بحلب، واجتمعت الألسن على مدحه، وطوّل ابن خلّكان ترجمته، وهو ممن أخذ عنه.

[1] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 84- 85) و «العبر» (5/ 132) و «تاريخ الإسلام» (64/ 117- 121) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 383- 387) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 120- 122) .

[2]

في «آ» و «ط» : «وإلى جنبها» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.

[3]

في «آ» و «ط» : «وبينها» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.

ص: 276

توفي في رابع صفر، ودفن بتربته بحلب، وذلك بعد أن ظهر أثر الهرم عليه. ومن تصانيفه «دلائل الأحكام» على التنبيه في مجلدين، وكتاب «الموجز الباهر» في الفقه، وكتاب «ملجأ الحكّام» [1] في الأقضية في مجلدين، و «سيرة صلاح الدّين» أجاد فيها وأفاد.

[1] واسمه الكامل كما في «وفيات الأعيان» : «ملجأ الحكّام عند التباس الأحكام» .

ص: 277