الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثلاث وثمانين وستمائة
في شعبان كانت الزّيادة الهائلة بدمشق باللّيل، وكان عسكر المصريين [نزّالا][1] بالوادي، فذهب لهم ما لا يوصف، وخربت البيوت، وانطمّت الأنهار، وكسر الماء أقفال باب الفراديس، ودخل حتّى وصل إلى مدرسة المقدّمية، وكسر جسر باب الفراديس.
وفيها توفي ابن المنيّر العلّامة ناصر الدّين أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الجروي الإسكندراني المالكي [2] ، قاضي الإسكندرية وفاضلها المشهور.
ولد سنة عشرين وستمائة، وبرع في الفقه، والأصول، والنّظر، والعربية، والبلاغة، وصنّف التصانيف، وتوفي في أول ربيع الأول.
وفيها الملك أحمد بن هولاكو [3] المغلي. ولي السّلطنة بعد أخيه أبغا. أسلم وهو صبي، ويسّر له قرين صالح، وهو الشيخ عبد الرحمن الذي قدم الشام رسولا، وسعى في الصلح. مات وله بضع وعشرون سنة. وكان قليل الشّرّ مائلا إلى الخير.
ومات أيضا عبد الرّحمن في الاعتقال بقلعة دمشق بعده.
[1] مستدركة من «العبر» (5/ 242) .
[2]
انظر «العبر» (5/ 342) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 363- 364) و «حسن المحاضرة» (1/ 316- 317) .
[3]
في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
وفيها ابن البارزي قاضي حماة، وابن قاضيها، وأبو قاضيها، الإمام نجم الدّين عبد الرّحيم بن إبراهيم ابن هبة الله الجهني الشّافعي [1] .
ولد بحماة سنة ثمان وستمائة، وسمع من موسى بن عبد القادر، وكان بصيرا بالفقه والأصول والكلام، له ديانة متينة وصدق وتواضع وشعر بديع.
منه:
إذا شمت من تلقاء أرضكم برقا
…
فلا أضلعي تهدا ولا أدمعي ترقا
وإن ناح فوق البان ورق حمائم
…
سحيرا فنوحي في الدّجى علّم الورقا
فرقّوا لقلب في ضرام غرامه
…
حريق وأجفان بأدمعها غرقى
سميريّ من سعد خذا نحو أرضهم
…
يمينا ولا تستبعدا نحوها الطّرقا
وعوجا على أفق توشّح شيحه
…
بطيب الشّذا المسكي [2] أكرم به أفقا
فإنّ به المغني الذي بترابه
…
وذكراه يستشفى لقلبي ويسترقى
ومن دونه عرب يرون نفوس من
…
يلوذ بمغناهم حلالا لهم طلقا
بأيديهم بيض بها الموت أحمر
…
وسمر لدى هيجائهم تحمل الزّرقا
وقولا محبا للشآم [3] غدا لقى
…
لفرقة قلب بالحجاز غدا ملقى
تعلّقكم في عنفوان شبابه
…
ولم يسل عن ذاك الغرام وقد أنقى
وكان يمنّي النّفس بالقرب فاغتدى
…
بلا أمل إذ لا يؤمّل أن يبقى
عليكم سلام الله أمّا ودادكم
…
فباق وأمّا البعد عنكم فما أبقى [4]
توفي في تبوك في ذي القعدة، فحمل إلى المدينة المنوّرة.
[1] انظر «العبر» (5/ 343) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «فوات الوفيات» (2/ 306- 308) و «النجوم الزاهرة» (7/ 364) .
[2]
في «آ» و «ط» : «المكي» والتصحيح من «فوات الوفيات» .
[3]
في «فوات الوفيات» : «محبّ بالشآم» .
[4]
هذا البيت لم يرد في «فوات الوفيات» .
وفيها علاء الدّين صاحب الديوان عطاء مالك بن الصّاحب بهاء الدّين محمد بن محمد الخراساني الجويني [1] ، أخو الوزير الكبير شمس الدّين. نال هو وأخوه من المال والحشمة والجاه العظيم ما يتجاوز الوصف في دولة أبغا. وكان أمر العراق راجعا إلى علاء الدّين، فساسه أحسن سياسة، طلب في هذه السنة فاختفى ومات في الاختفاء.
وقتل أخوه شمس الدّين.
وفيها ابن مهنّا ملك العرب، ورئيس آل فضل [2] عيسى بن مهنّا.
كان له المنزلة العالية عند السلطان. توفي في ربيع الأول.
وقام بعده ولده الأمير حسام الدّين مهنّا صاحب تدمر.
وفيها الصّدر الكبير المنشئ بهاء الدّين ابن الفخر عيسى الإربلي [3] . له الفضيلة التّامة، والنّظم الرّائق، والنّثر الفائق. صنّف مقامات حسنة، ورسالة «الطيف» .
ومن شعره:
أيّ عذر وقد تبدّى العذار
…
إن ثناني تجلّد واصطبار
فأقلّا إن شئتما أو فزيدا
…
ليس لي عن هوى الملاح قرار
هل مجير من الغرام وهيها
…
ت أسير الغرام ليس يجار
يا بديع الجمال قد كثرت في
…
ك اللّواحي وقلّت الأنصار
[1] انظر «العبر» (5/ 343) .
[2]
في «ط» : «رئيس آل فضل، ملك العرب» وما جاء في «آ» موافق لما عند الذهبي في «العبر» مصدر المؤلّف، وهو مترجم فيه (5/ 344) وفي «دول الإسلام» (2/ 186) و «النجوم الزاهرة» (7/ 363) .
[3]
لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.
وله:
ما العيش إلّا خمسة لا سادس
…
لهم وإن قصرت بها الأعمار
زمن الرّبيع وشرخ أيّام الصّبا
…
والكأس والمعشوق والدّينار
وله فيه:
إنّما العيش خمسة فاغتنمها
…
واستمعها بصحّة من صديق [1]
من سلاف وعسجد وشباب
…
وزمان الرّبيع والمعشوق
وفيها فاطمة بنت الحافظ عماد الدّين علي بن القاسم بن مؤرّخ الشّام أبي القاسم بن عساكر [2] .
ولدت سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وسمعت من ابن طبرزد وجماعة، وأجاز لها الصّيدلاني، وتوفي في شعبان.
وفيها ابن الصّائغ- بالصّاد المهملة والغين المعجمة- قاضي القضاة عزّ الدّين أبو المفاخر محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل الأنصاري الشافعي الدمشقي [3] .
ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وسمع من ابن اللّتي وجماعة، ولازم القاضي كمال الدّين التّفليسي، حتّى صار من أعيان أصحابه. وكان عارفا بالمذهب، بارعا في الأصول والمناظرة. درّس بالشّامية مشاركة مع شمس الدّين المقدسي، ثم ولي وكالة بيت المال، ثم ولي قضاء الشّام، وعزل بابن خلّكان، فظهرت منه نهضة وشهامة، وقيام في الحقّ بكل ممكن. وكان عزله في أول سنة سبع وسبعين، وبقي له تدريس العذراويّة، ثم أعيد إلى
[1] في «ط» : «من صدوق» وأثبت لفظ «آ» .
[2]
انظر «العبر» (5/ 344) .
[3]
في «آ» : «الدمشقي الشافعي» وهو مترجم في «العبر» (5/ 344) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 146- 147) .
منصبه في أول سنة ثمانين، ثم إنهم أتقنوا قضيته فامتحن في رجب سنة اثنتين وثمانين، وأخرجوا عليه محضرا بنحو مائة ألف دينار، وتمّت له فصول، إلى أن خلّصه الله، ثم ولّوا مكانه القاضي بهاء الدّين ابن الزّكيّ، وانقطع هو بمنزله في بستانه إلى أن توفي في تاسع ربيع الآخر، ولما حضرته الوفاة جمع أهله وتوضأ وصلّى بهم، ثم قال: هلّلوا معي، وبقي يهلّل معهم [1] إلى أن توفي مع قول: لا إله إلّا الله. ذكره البرزالي.
وفيها ابن خلّكان قاضي بعلبك بهاء الدّين أبو عبد الله محمد بن [محمد بن] إبراهيم [2] .
كان أسنّ من أخيه قاضي القضاة بخمس سنين، وسمع «الصحيح» من ابن مكرم، وأجاز له المؤيّد الطّوسي وطائفة، وكان حسن الأخلاق، رقيق القلب، سليم الصّدر، ذا دين وخير وتواضع. توفي في رجب.
وفيها الملك المنصور صاحب حماة ناصر الدّين محمد بن الملك المظفّر تقي الدّين محمود بن المنصور محمد بن [3] تقي الدّين عمر بن شاهنشاه بن أيوب [4] . تملّك بعد أبيه سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وله عشر سنين رعاية لأمّه الصّاحبة ابنة الكامل. وكان لعّابا مصرّا على أمور، الله يسامحه. قاله في «العبر» .
وفيها ابن النّعمان القدوة الزّاهد أبو عبد الله محمد بن موسى بن النّعمان التّلمساني [5] . قدم الإسكندرية شابا، فسمع بها من محمد بن
[1] في «ط» : «وبقي يهلّل بهم» .
[2]
انظر «العبر» (5/ 345) و «الوافي بالوفيات» (1/ 203- 204) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[3]
لفظة «ابن» سقطت من «آ» .
[4]
انظر «العبر» (5/ 345- 346) و «السلوك» (1/ 3/ 725) .
[5]
انظر «العبر» (5/ 346) و «مرآة الجنان» (4/ 200) و «النجوم الزاهرة» (7/ 364) .
عماد، والصّفراوي. وكان عارفا بمذهب مالك، راسخ القدم في العبادة والنّسك، أشعريّا منحرفا على الحنابلة. توفي في رمضان، ودفن بالقرافة، وشيّعه أمم. قاله في «العبر» .
وفيها تقيّ الدّين محمد بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي الفقيه الحنبلي [1] . سمع بدمشق من أبي القاسم بن صصرى وغيره، وببغداد من أبي الحسن القطيعي وطبقته. وكان فاضلا متفنّنا [2] صالحا. وهو والد الشيخ شهاب الدّين أحمد بن جبارة.
توفي في ذي الحجّة بسفح قاسيون ودفن به.
وفيها تقيّ الدّين أبو الميامن مظفّر بن أبي بكر بن مظفّر بن علي الجوسقي ثم البغدادي [3] الحنبلي، الفقيه الأصولي النظّار، المعروف بالحاج.
ولد في مستهلّ رجب، سنة ثلاث عشرة وستمائة، وسمع من أبي الفضل محمد بن محمد بن الحسن السبّاك، وتفقه، وبرع في المذهب والخلاف والأصول، وناظر وأفتى، ودرّس بالمدرسة البشرية [4] لطائفة الحنابلة. وكان من أعيان الفقهاء وأئمة المذهب. وحدّث، وسمع منه القلانسي وغيره، وتوفي ببغداد في آخر نهار السبت، رابع عشري ربيع الأول، ودفن بحظيرة قبر الإمام أحمد، ولم يخلّف في بغداد مثله. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 312) .
[2]
كذا في «آ» : «متفنّنا» وفي «ط» : «مفنّنا» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف:
«متقنا» .
[3]
انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 311- 312) .
[4]
في «ذيل طبقات الحنابلة» : «البشيرية» .