المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السادس: قبسات علمية من التراث العربي - البحث العلمى أساسياته النظرية وممارسته العملية

[رجاء وحيد دويدري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌المحتوى

- ‌مقدمة الكتاب:

- ‌محتوى تنظيم الكتاب:

- ‌الباب الأول: العلم والتفكير العلمي

- ‌الفصل الأول: العلم والبحث العلمي

- ‌المبحث الأول: العلم…ما هو

- ‌المبحث الثاني: بين العلم والمعرفة

- ‌المبحث الثالث: أهداف العلم

- ‌المبحث الرابع: التفكير العلمي وخصائصه

- ‌المبحث الخامس: تصنيف العلوم عند العرب

- ‌المبحث السادس: قبسات علمية من التراث العربي

- ‌المبحث السابع: العلم الحديث.. إحياء واجتهاد

- ‌الفصل الثاني: الباحث والبحث العلمي

- ‌المبحث الأول: قراءة تاريخية

- ‌المبحث الثاني: الباحث العلمي وخصائصه

- ‌المبحث الثالث: خصائص البحث العلمي

- ‌المبحث الرابع: أنشطة البحوث

- ‌المبحث الخامس: دور التراث العربي في إحياء البحث العلمي

- ‌المبحث السادس: المنظور المعاصر للبحث العلمي

- ‌الفصل الثالث: المفاهيم والمصطلحات في البحث العلمي

- ‌المبجث الأول: المفهوم

- ‌المبحث الثاني: مفاهيم في البحث العلمي

- ‌المبحث الثالث: الملاحظة، والحقيقية، والنظرية

- ‌المبحث الرابع: البناءات والمتحولات

- ‌الباب الثاني: مناهج البحث العلمي

- ‌الفصل الرابع: المناهج

- ‌المبحث الأول: تعريف بالمصطلحات:

- ‌المبحث الثاني: الخلفية التاريخية لمناهج البحث العلمي

- ‌المبحث الثالث: قبسات منهجية من التراث العربي الإسلامي

- ‌المبحث الرابع: تصنيفات مناهج البحث العلمي

- ‌الفصل الخامس: منهج البحث التاريخي

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: منهج البحث التاريخي عند العرب

- ‌المبحث الثاني: مراحل البحث التاريخي

- ‌المبحث الثالث: نقد الوقائع والحقائق

- ‌المبحث الرابع: التركيب التاريخي

- ‌المبحث الخامس: إنشاء البحث التاريخي

- ‌المبحث السادس: تقويم منهج البحث التاريخي

- ‌الفصل السادس: منهج البحث الوصفي

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: منهج البحث الوصفي عند العرب

- ‌المبحث الثاني: مراحل المنهج الوصفي

- ‌المبحث الثالث: أنماط البحوث الوصفية

- ‌المبحث الرابع: دراسة العلاقات المتبادلة

- ‌المبحث الخامس: الدراسات النمائية

- ‌المبحث السادس: تحليل المضمون

- ‌المبحث السابع: تقويم منهج البحث الوصفي

- ‌الفصل السابع: منهج البحث التجريبي

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: المنهج التجريبي عند العرب:

- ‌المبحث الثاني: تعريف بالمصطلحات

- ‌المبحث الثالث: المناهج التجريبية

- ‌المبحث الرابع: البحث التجريبي وسماته العلمية

- ‌المبحث الخامس: أسلوب البحث التجريبي

- ‌المبحث السادس: التصميم التجريبي وقواعده

- ‌المبحث السابع: مراحل التصميم التجريبي

- ‌المبحث الثامن: صياغة الفرضية من أجل التجريب

- ‌المبحث التاسع: مشكلة التصميم والتفصيلات الإجرائية للتجربة

- ‌المبحث العاشر: مرحلة النظرية

- ‌المبحث الحادي عشر: تقويم منهج البحث التجريبي

- ‌الباب الثالث: الطرائق الرياضية في البحوث العلمية

- ‌الفصل الثامن: التحليل الإحصائي

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: جانب من علم الإحصاء:

- ‌المبحث الثاني: الأساليب الإحصائية

- ‌المبحث الثالث: الأساليب الإحصائية الارتباطية

- ‌الفصل التاسع: الأساليب الرياضية الحديثة في البحث العلمي الأنظمة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تعريف النظام

- ‌المبحث الثاني: عناصر النظام والروابط بينها

- ‌المبحث الثالث: المدخلات والمخرجات

- ‌المبحث الرابع: منهاج تحليل النظم

- ‌المبحث الخامس: أنواع الأنظمة

- ‌المبحث السادس: استخدام الأنظمة

- ‌الفصل العاشر: الأساليب الرياضية الحديثة في البحث العلمي-النماذج

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تعريف النموذج

- ‌المبحث الثاني: بناء النموذج

- ‌المبحث الثالث: أنواع النماذج واستخدامها

- ‌المبحث الرابع: النماذج الرياضية والتجريبية والطبيعية

- ‌المبحث الخامس: أهمية النماذج

- ‌الباب الرابع: أدوات البحث العلمي

- ‌الفصل الحادي عشر: العينة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: اختيار العينة

- ‌المبحث الثاني: أنواع العينات

- ‌المبحث الثالث: مزايا العينة وعيوبها

- ‌الفصل الثاني عشر: الملاحظة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الملاحظة الدقيقة

- ‌المبحث الثاني: أنواع الملاحظة وإجراءاتها

- ‌المبحث الثالث: مزايا الملاحظة وعيوبها

- ‌الفصل الثالث عشر: المقابلة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: أسس المقابلة العلمية وطرقها

- ‌المبحث الثاني: طرق إجراء المقابلة وأنواعها

- ‌المبحث الثالث: مزايا المقابلة وعيوبها

- ‌الفصل الرابع عشر: الاستبيان

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: قواعد تصميم الاستبيان وخطواته

- ‌المبحث الثاني: محتويات الاستبيان وأشكاله

- ‌المبحث الثالث: مزايا وعيوب الاستبيان

- ‌الفصل الخامس عشر: وسائل القياس

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: كيفية اختيار المقياس

- ‌المبحث الثاني: طرق القياس

- ‌المبحث الثالث: الاختبارات

- ‌المبحث الرابع: الأساليب الإسقاطية

- ‌المبحث الخامس: أساليب أخرى

- ‌الباب الخامس: مصادر البحث العلمي

- ‌الفصل السادس عشر: إعداد المصادر والمراجع وتقويمها

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: المصدر والمرجع

- ‌المبحث الثاني: إعداد المراجع وتقويمها

- ‌المبحث الثالث: مصادر ومراجع المعرفة العلمية

- ‌المبحث الرابع: الإنترنت

- ‌الفصل السابع عشر: الباحث والمكتبة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: التصنيف العشري

- ‌المبحث الثاني: تصنيف مكتبة الكونغرس

- ‌الفصل الثامن عشر: أساليب التوثيق الحديثة

- ‌المبحث الأول: التوثيق والتكشيف

- ‌المبحث الثاني: التقنيات الحديثة لتخزين المعلومات وتكشيفها

- ‌الفصل التاسع عشر: نسل المعلومات

- ‌المبحث الأول: نسل المعلومات

- ‌المبحث الثاني: التهميش "تدوين المصادر والمراجع

- ‌الباب السادس: خطوات البحث العلمي

- ‌الفصل العشرون: مرحلة الإعداد للبحث العلمي

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: اختيار موضوع البحث

- ‌المبحث الثاني: وضع عنوان البحث

- ‌المبحث الثالث: وضع خطة البحث

- ‌المبحث الرابع: إعداد أولي للمصادر والمراجع

- ‌الفصل الحادي والعشرون: مرحلة إعداد البحث العلمي

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تحديد مشكلة البحث وبيان أبعادها

- ‌المبحث الثاني: وضع الفروض

- ‌المبحث الثالث: تحديد المادة العلمية اللازمة وجمعها

- ‌المبحث الرابع: إعداد المادة العلمية وخزنها

- ‌المبحث الخامس: تحليل المادة العلمية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: كتابة تقرير البحث العلمي

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: التمييز بين المقالة وتقرير البحث العلمي

- ‌المبحث الثاني: كتابة تقرير البحث العلمي

- ‌المبحث الثالث: نتائج عرضها ومناقشتها

- ‌المبحث الرابع: التوصيات

- ‌المبحث الخامس: مستخلص البحث

- ‌الفصل الثالث والعشرون: الشكل، المنهاج، المحتوى

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: أسلوب الكتابة

- ‌المبحث الثاني: الجانب الشكلي

- ‌المبحث الثالث: الهوامش

- ‌المبحث الرابع: الجداول والأشكال والصور الفوتوغرافية

- ‌المبحث الخامس: المنهاج

- ‌المبحث السادس: المحتوى الفكري

- ‌الفصل الرابع والعشرون: مراجعة تقرير البحث العلمي وإخراجه وتقويمه

- ‌المبحث الأول: مراجعة تقرير البحث

- ‌المبحث الثاني: إخراج البحث

- ‌المبحث الثالث: تقويم تقرير البحث العلمي

- ‌الفصل الخامس والعشرون: ملحقات

- ‌المبحث الأول: ثبت محتويات تقرير البحث العلمي

- ‌المبحث الثاني: ثبت المصادر والمراجع "البيبليوغرافيا

- ‌المبحث الثالث: الملاحق

- ‌المبحث الرابع: جدول الخطأ والصواب

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌ثبت مصادر ومراجع الحواشي باللغة "العربية والأجنبية

- ‌ثبت المصادر والمراجع للاطلاع "باللغة العربية والأجنبية

- ‌المصطلحات والمفاهيم العلمية

الفصل: ‌المبحث السادس: قبسات علمية من التراث العربي

‌المبحث السادس: قبسات علمية من التراث العربي

لقد وجه العرب نشاطهم الفكري إلى ميادين العلوم منذ ظهور الإسلام، فقد فرض العلم على كل مسلم ومسلمة، وظهر علماء أفذاذ ولكن {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} 1 [يوسف: 12/ 76] وواجه المسلمون ثقافات استطاعوا أن يفيدوا منها على نطاق واسع، وأن يستوعبوها ضمن إطار ثقافتهم الجديدة، وقد أثمر كل ذلك مركبا ثقافيا جديدا، هو الثقافة العربية الإسلامية.

لقد أكدت البحوث الحديثة المدى الكبير الذي يدين به العالم للعلماء العرب والمسلمين، الذين حثوا على نمو المعارف، في حين كانت أوروبا تعيش في ظلام دامس، كما كان للحضارة العربية دور بارز في إمداد أوروبا بالعلوم والمعارف التي قامت عليها الحضارة الغربية.

لقد أضاف العرب إلى ما أخذوه، وجددوا وابتكروا، لقد أخذ الفكر العربي الإسلامي، لكنه أعطى، وترجم ودرس، ناقش ونقد، وقد قال رام لاندو في كتابه "مآثر العرب في الحضارة": إن المسلمين قدموا الكثير من الفتوحات في العلوم، فاجتذب ذلك العلماء والحكماء وأهل البحث والنظر ورجال الفن والأدب من جميع الأصقاع، وأنشئوا مؤسسات لنقل علوم الشعوب "بيت الحكمة، دار الحكمة، دار العلم، والجامع الكبير" كما أنشئوا المكتبات.

نخص بالذكر فترة الحكم العباسي الذي بدأ عام "133هـ/ 750م" لأنها من فترات التاريخ اللامعة الزاهرة، "إننا نجد أن الأسلوب العلمي لم يكن مطبقا في بلدان العالم

1 ونشير هنا إلى أن الغزالي يلوح أن المسعودي ينفرد في كتابه "التنبيه: ص76" في اعتقاده في التقدم العلم غير المحدود، وهو يؤول الآية القرآنية المقصود منها في سياقها أن تؤكد إحاطة الله بكل شيء علما، بأنها إشارة إلى زيادة علم كل مؤلف عن علم سابقه بحكم استفادته من خبرة من تقدموه "غوستاف غرونيباوم. حضارة الإسلام. ص441".

ص: 39

القديم مثل مصر والصين والهند، ونجد القليل منه في اليونان، ولا نجده في روما، ولكن العرب امتازوا بالروح العلمية الاستطلاعية، مما يجعلهم يدعون بجدارة آباء العلم الحديث، لقد بنى العرب على الأساس العلمي الذي استقوه من غيرهم أبحاثا عظيمة، وتوصلوا إلى اكتشافات عظيمة، لقد صنعوا أول مكبر، وصنعوا أول بوصلة، وطبقت شهرة أطبائهم وجراحيهم آفاق أوروبا، وكانت بغداد مركز إشعاع فكري وقرطبة عاصمة إسبانيا العربية مثيلة بغداد في دنيا الغرب، وكانت في العالم العربي ومراكز علمية أخرى ازدهرت فيها العلوم"1.

رغم ذلك لم يحظ إسهام العرب والمسلمين في العلوم باهتمام لائق وعناية مرجوة من الباحثين في البلاد العربية، ويدعي علماء الغرب أن إنجازات العرب، اقتصرت على العلوم الدينية والأدبية، ومن هنا بدأت انطلاقة هدفها إحياء التراث العربي علوم وأعلام، لأن إحياء القديم وربطه بالحاضر من أقوى الدعائم التي بنت الأمم عليها كيانها، ونورد فيما يلي ترجمة مختصرة لتراثنا المخطوط، نأمل أن تكون انطلاقة خير للمستقبل.

تظهر معالم الأصالة للحضارة العربية في العلوم أسلوبهم الدقيق الذي نهجوه، لا شك أن لليونان أثر علمي، لكنهم اعتمدوا على العقل والاستدلال المنطقي وأهملوا المنهج العلمي الذي يعتبر في العصر الحديث محور الارتكاز، ونعرف فيما يلي عرضا محايدا لبعض ما يتضمنه تراثنا المخطوط:

في مجال الرياضيات عصب الحضارة الإنسانية، جاء علماء العرب وأفادوا في فروعه المختلفة، ينسب علماء الغرب فكرة "الكسر العشري" إلى العالم الغربي سيمون ستيفن

1 البندبت جواهر لال نهرو. لمحات عن تاريخ العالم ط1، نقله إلى العربية لجنة من الأساتذة، المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1957، ص32-35.

ص: 40

"993هـ/ 1585م" في حين أن غياث الدين بن مسعود المعروف بالكاشي "ت 829هـ/ 1436م" قد سبقه إلى ذلك بـ "164سنة"، وفي علم الجبر1 يقول مؤرخ العلوم المشهور "فلورين كيوجوري":"إن العقل ليندهش عندما يرى ما عمله العرب المسلمون في علم الجبر، ويحق القول إن الخوارزمي "ت 235هـ/ 850م" هو واضع علم الجبر على أسسه الصحيحة وينسب علماء الغرب بحث الحالة المستحيلة التي بحثها الخوارزمي إلى العالم السويسري ليونارد أويلر "ت 1198هـ/ 1783م"، الذي جاء متأخرا عن الخورازمي "963" سنة، وفي حين أن الكرخي2 "ت 421هـ/ 1030م" هو الذي طور نظرية ذات الحدين والغرب يعتقد أن العالم الإنكليزي إسحاق نيوتن "ت 1140هـ/ 1727م" هو الذي ابتكرها، كما إن عمر الخيام "ت 517هـ/ 1123م" عممها والكاشي "ت 829هـ/ 1425م" دعمها وقد توصل الكاشي إلى مدقق التقريب للنسبة في الدائرة، وهي الطريقة التي أدت إلى اختراع الآلة الحاسبة.

ونذكر في مجال علم الهندسة السيجزي3، عاش في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري "القرن العاشر الميلادي" وعمر الخيام اللذين دفعا عجلة تطور علم الهندسة المستوية وسبقهم أيضا في المجال الخوارزمي والحجاج بن يوسف بن مطر "220هـ/ 835م" وثابت بن قرة "ت 288هـ/ 900م" وقد خطيا خطوة عظيمة نحو الهندسة التحليلة التي بلورها عمر الخيام وأرسي قواعدها رينيه ديكارت. ونذكر أيضا الحسن بن الهثيم، ونصير الدين الطوسي.

1 تعني كلمة الجبر: التعويض.

2 يرجح مؤرخو الرياضيات "الكرجي" نسبة إلى كرج" ونقع بين همذان وأصفهان "ياقوت الحموي" معجم البلدان. ح4، دار صادر بيروت، د. ت. ص446.

3 من العلماء الذين قالوا بدوران الأرض، ولم ينتشر تعليم حركة الأرض الدورية عند الغرب إلا في القرن "السادس عشر م".

ص: 41

أما علم المثلثات المستوية والمجسمة فهو من اختراع المسلمين نذكر منهم البتاني "ت 318هـ/ 929م" ونشير إلى أن الدول العربية تستعمل مصطلحات التوابع المثلثية باللغتين الفرنسية والإنكليزية، رغم أنها من أصل عربي وقد ذكر مؤرخ العلوم جورج سارتون وديفيد بوجين أن جميع مؤلفات "ريجيو مونتانوس" ألماني الأصل "ت 881هـ/ 1476م" اعتمدت على كتب علماء العرب والمسلمين، ونقل عنهم الكثير من البحوث.

لقد بلور فكرة اللوغارتيمات ابن حمزة المغربي من علماء "القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي" ويدعى جوهان نابيير الأسكتلندي "ت 1023هـ/ 1614م" ومن بعده هنري برجز "ت 1040هـ/ 1630م" اكتشاف علم اللوغرتيمات في حين أن دورهما يقتصر على تطوير فكرة المغربي.

وفي مجال العلوم الطبيعية فقد ثبت أن كبلر أخذ معلوماته في الضوء ولا سيما ما يتعلق بانكساره في الجو من كتب ابن الهيثم، وقد اعترف بذلك العالم الفرنسي الشهير "فياردو " وقد نهل من كتبه كبلر وروجر بيكون وغيرهما، لقد سبق بيكون في طريقته الاستقرائية، وسما عليه، وكان أوسع أفقا وأعمق فكرا.

درس العرب علم الفيزياء، ويذكر رونالد هيل المهندس الإنكليزي أن من يدرس نتاج الرزاز الجزري في علم الميكانيكا يتأكد من تذوق العرب لأفكار هذا العلم، وقد جرت العادة في نسبة قوانين الحركة إلى إسحاق نيوتن "ت 140هـ / 1727م" في حين أن الشيخ الرئيس ابن سينا "ت 428هـ / 1036م" هو مكتشف القانون الأول وهبة الله بن ملكا البغدادي "ت 560هـ / 1164م" اكتشف القانون الثاني والثالث، أما إسحاق نيوتن فقد طور قوانين الحركة خلال استعمالها حتى صارت عصب علم الميكانيكا الحديث.

إن أول من اهتم بعلم الجاذبية أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني المشهور

ص: 42

بابن الحايك "ت 334هـ/ 945م" ونذكر في هذا الشأن أبا الريحان البيروني "433هـ/ 1041م" ومحمد بن أحمد الإدريسي "ت 560هـ/ 1164م" وهبة الله بن ملكا البغدادي، وقد أشار كل من نيكولا كوبرنيكوس "ت 950هـ/ 1543م" ويوهان كبلر "1040هـ/ 1630م" إلى أنهما تلقيا علمهما في هذا المجال من علماء العرب والمسلمين، كما استخدم كل من جاليليو "ت 1052هـ/ 1642م" وإسحاق نيوتن نظريات كل من الهمداني والبيروني والخازني والإدريسي وهبة الله بن ملكا البغدادي في التجارب العلمية في حقل الجاذبية الأرضية1.

أما في فرع البصريات فقد لقب ابن الهيثم بأبي البصريات، بعد أن وضع كتاب "المناظر" وفي هذا الشأن يقول غوستاف جرونيباوم: "

بز العرب بالبصريات أساتذتهم الإغريق بأوضح صورة" ويذكر جهود ليوناردو فيوباكي "النصف الأول من القرن الثالث عشر" بأنه رجل أسعفه الحظ بأن أخذ من المعلمين المسلمين في شمالي إفريقيا2.

كان علم الفلك "علم الهيئة" أو "علم النجوم" أو "علم الفلك" لدى العرب والمسلمين علما استقرائيا، حولوه من الحيز النظري إلى مجال التجريب العلمي العملي، قدموا أدلة ناطقة على كرية الأرض3، واكتشفوا حركتها حول الشمس قبل كوبرنيكوس "ت 955هـ/ 1548م" بعدة قرون، ووصلوا إلى قياس محيط الأرض بما يقرب من الرقم الحقيقي، الذي حسب بوساطة الحاسب الآلي والأقمار الصناعية، وما تزال معادلة البيروني في حساب محيط الأرض مستعملة حتى الآن، في الشرق والغرب، كما أن كثيرا من النجوم ما تزال تحمل أسماء عربية: سهيل، الجوزاء، النسر، مما يشير إلى تأثير الحضارة العربية في الحضارة الغربية المعاصرة في مجال الفلك.

1 على عبيد الله الدفاع. روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم ط1. مؤسسة الرسالة، بيروت 1998 ص51-75.

2 جرونيباوم. مرجع سبق ذكره ص429.

3 انظر كتاب المسعودي "مروج الذهب" والشريف الإدريسي "نزهة المشتاق".

ص: 43

نذكر ممن جالوا في علم الفلك محمد بن إبراهيم الفزاري، الذي ترجم كتاب "سندهانتا""كتاب السندهند" وتعني باللغة الهندية "الدهر الداهر" وصنف على غراره واستخلص منه الخوارزمي زيجا، وقد ذكر ذلك ديفيد بنقري وديفيد بوجين سميث وجورج سارتون وغيرهم.

كان الفرغاني "ت 235هـ/ 849م" أول من حاول قياس محيط الأرض، وكانت مؤلفاته تدرس في جامعات أوروبا حتى القرن التاسع الهجري "الخامس عشر الميلادي" وقد ترجم المستشرقون كتاب "صور الأقاليم" لجعفر البلخي1 "ت 323هـ/ 934م" إلى اللاتينية والفرنسية ثم الإنكليزية، وابن الآدمي "عاش قبل سنة 308هـ/ 920م" وقد درس كتابه "نظم العقد" في الجامعات الأوروبية، والبتاني وقد اكتشف أخطاء بطليموس وخالفه في كثير من آرائه، والمروزي "ت 350هـ/ 844م" وهو أول من عمل إصطرلابا في الإسلام، وهو موجود في "الزيج الممتحن" وقد أشار إلى هذا الزيج العالم "نللينو"1 والكومي "ت 357هـ/ 967م" كما ذكره بروكلمان، والأعلم الشريف "ت 375هـ /985م" وأبو الحسن الصوفي "ت 376هـ/ 986م" وقد حسب دائرة البروج3 ومبادرة الاعتدالين، فوجدها درجة لكل "66" سنة، بينما وجدها بطليموس

1 يقول المستشرق لوث "Lauth" إن البلخي انتحل مؤلفات غيره من العلماء، ويبدو أن الاقتباس في نظره انتحال.

2 معنى الإصطرلاب ميزان الشمس، وقد فسر حاجي خليفة كلمة إصطرلاب في كتابه "كشف الظنون" فقال: هي "كلمة يونانية تتكون من إسطر بمعنى "النجم" ولابون بمعنى "المرأة" ومن ذلك قيل لعلم التنجيم: "إسترنوميا" "Astronomy" والإصطرلاب اختراع إغريقي استعمله بطليموس "150م" وأول من ألف عنه كتابا إبراهيم الفزاري، كما صنع الزرقالي "ت 480هـ/ 1087م" إصطرلابا استفاد منه علماء أوروبا وعلى رأسهم كوبرنيكوس "ت 955هـ/ 1543م" "حسين مؤنس. تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس، ط2، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم القاهرة 1986 ص5. ويقول حسين نصر: العلوم في الإسلام "إن أصل الإصطرلاب يعود إلى عهد الجاهلية ثم تطور في القرن الرابع للهجرة، العاشر للميلاد، إلى ما يسمى بالصفيحة، ولقد تفنن ابن الصفار "ت 426هـ/ 1043م" في طريقة استخدامه في كتابه "كتاب العمل بإصطرلاب" دفاع ص199".

3 أول من استعمل كلمة برج في مكانها الصحيح العالم اليوناني الشهير في علم الفلك كليوستراتوس التنيدي "القرن السادس ق. م" كما طور الدورة الفلكية التي تتكون من ثمانية أعوام التي ورثها عن علماء بابل.

ص: 44

درجة واحدة لكل مائة سنة، ووجدها علماء العصر الحديث درجة واحدة لكل "71" سنة، وقد اهتدى البوزجاني "ت 388هـ/ 998م" إلى معادلة توضح مواقع القمر سماها "معادلة السرعة" ادعى العالم الفلكي الدانماركي تخوراهي "ت 399هـ/ 1008م" أنه أول من عرف هذا الخلل في حركة القمر، وقد أطلق علماء الفلك الأمريكيين اسم البوزجاني على فوهة بركان على سطح القمر تخليدا له.

ألف ابن يونس الصدفي "ت 399هـ/ 1009م" الزيج الحاكمي، وصار متداولا في جميع أنحاء العالم، فقد ترجم العالم الفرنسي "كوسان" بعض فصوله إلى اللغة الفرنسية عام "1219هـ/ 1804م" وطبع قسم منه، أما الكوهي "ت 405هـ/ 1014م" فقد صارت مصنفاته من المراجع المعتمدة في جامعات العالم، وقد استنسخ وانتحل علماء الغرب معظم مؤلفاته، ويعتبر زيج ابن الصفار "ت 426هـ/ 1043م" أهم مصادر المعلومات في علم الفلك للباحثين، وقد تميز زيجه بحسن العبارة وقرب المأخذ.

وضع البيروني "القانون المسعودي" في الهيئة والنجوم، وهو مبني على البحث والترجمة الشخصية1، وكانت طريقته تقوم على التأمل والمشاهدة والملاحظة والاستنباط، أما جابر بن أفلج "ت في القرن السادس الهجري" إشبيلي المولد فقد كان لكتبه الأثر الملموس في تقدم علم المثلثات في أوروبا، وبقي كتابه "الهيئة في إصلاح المجسطي" متداولا في جميع أنحاء المعمورة، ومعتمدا في التدريس في مدارس وجامعات أوروبا والطوسي "ت 673هـ/ 1274م" انتقد كتاب المجسطي، وبقي كتابه "شكل القطاعات" مرجعا هاما وضروريا لعلماء الغرب، اعتمد عليه العالم الألماني ريجيو مونتانس "ت 881هـ/ 1476م" في تأليف كتاب "علم حساب المثلثات" والمغربي "ت 672هـ/ 1273م" وهو أندلسي نال شهرة في كتابه "تاج الأزياج وغنية المحتاج" وابن الشاطر2 "ت 777هـ/ 1375م" من مواليد دمشق، قدم نماذج فلكية في "الزيج

1 أجاد اللغات: الفارسية، اليونانية، السريانية، السنسكريتية إلى جانب اللغة العربية.

2 كان رئيس المؤذنين في المسجد الأموي بمدينة دمشق.

ص: 45

الجديد" وقد ادعى العالم البولندي كوبرنيكوس "955هـ/ 1548م" هذه النماذج لنفسه، وسايره من جاء بعده من علماء الغرب هذا الادعاء حتى القرن "الرابع عشر الهجري" "القرن العشرين الميلادي" وقد عثر في عام "1393هـ/ 1973م" على مخطوطات عربية في بولندة مسقط رأس كوبرنيكوس اتضح منها انتحال كوبرنيكس لهذه المخطوطات وإثباتها لنفسه، وقد نشر المستشرق الإنكليزي "ديفيد كنج" في مقالة له في "قاموس الشخصيات العلمية، أنه قد ثبت له في سنة "1390هـ/ 1970م" أن كثيرا من النظريات الفلكية المنسوبة لكوبرنيكوس قد أخذها من العالم المؤقت ابن الشاطر.

صنع ابن الشاطر آلة ضبط وقت الصلاة سماها "البسيط" وضعها في المسجد الأموي في دمشق ووجه اهتمامه الشديد إلى قياس زاوية انحراف دائرة البروج، وانتهى إلى نتيجة مفرطة في الدقة هي:"23 درجة و31 دقيقة" وقد توصل علماء العصر الحديث إلى أن القيمة المضبوطة هي: "23 درجة و31 دقيقة و19.8 ثانية"، وقد برهن ابن الشاطر على خطأ بطليموس في تفسير النظام الحقيقي لجهاز الشمس، ولم يعرف ذلك إلا في أواسط القرن الرابع عشر الهجري "وسط القرن العشرين"1.

لقد أشار المستشرق ديفيد بوجين بالمكانة العلمية لابن المجدي "ت 850هـ/ 1446م" كنابغة من نوابغ علماء الرياضيات والفلك، وكذلك سبط المارديني وهو دمشقي الأصل "ت 907هـ/ 1501م" وكان يرى أن البحث والتنقيب متاع العقل، والروداني "ت1094هـ/ 1682م" وهو مغربي الأصل توفي في دمشق، عالم فلكي وصاحب صنعة يدوية2.

نشير أيضا إلى أن المسلمين عنوا أيضا بعلم الميقات، وأنشئوا علما كاملا بمنازل

1 كارل ألفونسو نللينو "C. A. Nallino": علم الفلك تاريخه عند العرب في القرون الوسطى. روما 1911.

2 علي عبد الله الدفاع: روائع الحضارة الإسلامية، مرجع سبق ذكره ص135- 248.

ص: 46

القمر ساعدهم على التكهن بالظاهرات الجوية والأحداث الأرضية، وأطلق على هذا العلم اسم "علم الأنواء" والنوء هو طلوع ضوء القمر في بداية كل منزلة، واتخذ المسلمون التقويم القمري حتى يومنا هذا، وبعض أشكال التقويم الشمسي على مر التاريخ الإسلامي1.

تمتد جذور علم الطب عند العرب إلى ماض سحيق ولسنا هنا بصدد ذكر هذا الماضي وإنما نذكر المجالات التي نبغ فيها أطباء العرب، وكان تطور الطب ونضجه في عصر بني العباس، فقد نقل علماء العرب2 مؤلفات جالينوس وكانت موسوعة معارف، وكان شيخ المترجمين حنين بن إسحاق العبادي يجيد اللغات السريانية والفارسية واليونانية وكتابه "العشر مقالات في العين"، أقدم مؤلف اصطنع المنهج العلمي في طب العيون، نشره وترجمه إلى الإنكليزية طبيب العيون المستشرق "ماكس مايرهوف" وبانتهاء مدرسة حنين3 في الترجمة بدأ عصر الإنتاج الخصب في المشرق العربي، منذ أواخر القرن "التاسع" حتى بلغ عصر الإنتاج الخصب في المشرق العربي، منذ أواخر القرن "التاسع" حتى بلغ عصره الذهبي في القرن "الحادي عشر"، وأخذ بالتناقص منذ بدء القرن الثالث عشر حتى أواخر القرن الثالث عشر، حيث افتقد الإنتاج والأصالة والابتكار إلا ما جاء على أيدي أفراد.

كانت المناهج الاستقرائية أوسع ما تكون في علم الطب، مكنت علماء العرب من العلو فوق الوقائع الجزئية إلى القانون العام، وأول من ألف الرسائل المعروفة بالمجربات

1 سيد حسين نصر. العلوم في الإسلام. مجلة المعرفة. العدد "15" الكويت.

2 نقصد بعلماء العرب كل من أسهم في تقديم العلم من أهل العصور الوسطى، وعاشوا في بلاد عربية، ودانوا لسلطان العرب بجمعهم تراث واحد.

3 يقال: إنه ترجم خمسا وتسعين كتابا إلى السريانية وثلاثين إلى العربية، إلى جانب ما صححه وراجعه من ترجمات وما ألفه في طب العيون، وكان مثار اهتمام من قبل المستشرقين المحدثين من أمثال برجشتر أسر "Bergestrasser" وماكس مايرهوف ولوسيان لوكير وهبرسبرج، وكتابه "العشر مقالات في العين" أقدم مؤلف اصطنع المنهج العلمي في طب العيون، وقال عنه لوسيان لوكير المستشرق الفرنسي: إنه كان أعظم شخصية أنجبها القرن الثالث للهجرة "التاسع للميلاد" وأنه من أساطين الفكر، وقد ذكر ابن أبي أصيبعة أن لحنين في العربية أكثر من مائة كتاب في شتى فروع الطب وأكد لوكيز ذلك.

ص: 47

"Experiment" أبو العلاء زهر القرطبي "ت 470هـ/ 1077م"، والد الطبيب ذائع الصيت ابن زهر "Avan zoor""ت 558هـ/ 1162م" أعقبه آخرون كالبغدادي وابن المدور وابن الناقد في القرن السادس الهجري وأبو المعالي في القرن "السابع الهجري".

كان الطب عند العرب وقائيا وعلاجيا، لأن المحافظة على الوجود أجل من طلب المفقود كما يقول علي بن عباس المجوسي "ت 384هـ/ 994م" في كتابه "الكامل في الصناعة الطبية، أو الكناشة1 الملكية" وقد عبر عن هذه النظرية أيضا ابن سينا شعرا في أرجوزة من أراجيزه الطبية"2.

لقد توصل العرب في العصور الوسطى إلى الكثير من أسس الطب الوقائي ومقوماته، في حين لم تبدأ فتوحات هذا الطب في أوروبا إلا بعد أن وضحت العلاقة بين الفقر والمرض، وكان للعرب لفتة طبية عن أهمية الهواء والغذاء ومكانتهما في حياة البدو وسكان الحضر3 ونجد في تراث الطب وصايا هدت إليها خبرة الطبيب العربي، مما لا يزال يتبناه الطب الحديث.

أما في مجال الطب العلاجي، فقد كان للعرب الفضل في الكشف عما سموه بالأسباب والعلامات، وقد رتبها الرازي طبقا لأهميتها، وهذا ما يسميه أطباء اليوم "بهيراركية العلامات" وضعوا قواعد للتشخيص والتفريق بين الأمراض المتشابهة،

1 الكناش أو الكناشة هي أوراق تجعل كالدفتر لتدوين المذكرات الطبية، فيها فوائد وشوارد، وتجمع على كنانيش، انظر كناش يعقوب الكشكري في الطب، كتب قبل عام "310هـ/ 922م" حققه الدكتور نشأت حمارنة، مجلة التراث العدد 67 ص113.

2 يتضمن التراث العربي كثيرا من الأراجيز، وقد أتت تسميتها من بحر "الرجز" والنظم شعرا كان متبعا لتسهيل حفظ المعلومات وقد قال ابن سينا في الأرجوزة الكبرى "الألفية في الطب":

هذه أرجوزة اكتمل

فيها جميع الطب علم وعمل

الطب حفظ صحة برء مرض

من سبب في بدن منذ عرض

3 مقدمة ابن خلدون. المكتبة التجارية القاهرة، د. ت. ص292-293.

ص: 48

وبحثوا العلاج الطبيعي، وتشعب الطب العربي الإسلامي في العصور الوسطى فروعا، يقول ابن قيم الجوزية "ت 751هـ/ 1350م":

"الطبيب هو الذي يختص باسم الطبائعي، وبمردوده "وهو الكحال أي طبيب العيون" وبمبضعه "وهو الجرائي أي الجراح" وبموسه وهو "الخاتن" وبمحاجمه ومشرطه وهو "الحجام وبخلعه ووصله ورباطه وهو "لمجبر" وبمكواته وهو "الكواء" وبقربته وهو "الحاقن".

لقد عرف التخصص في طب الأسنان، كما عرف جبر الأجزاء في الجسم، وقد أصبح علما قائما بذاته حتى يومنا هذا، ويرجع وقوفنا على براعة العرب في طب العيون إلى "يوليوس هيرشبرج""Hirchbirg" أستاذ طب العيون بجامعة برلين سابقا، إذ أفرد سبعة مجلدات عن طب العيون عند العرب، نذكر هذا في حين أن أوروبا حرمت آنذاك صناعة الطب لأن المرض عقاب من الله.

ترجمت الموسوعات الطبية التي وضعها العرب اللاتينية، وألم بها أطباء أوروبا، نهلوا من معينها حتى مطلع العصور الحديثة، وفي مقدمتها كتاب "القانون" لابن سينا وهو جمع لخلاصة الطب عند العرب واليونان والسريان والأقباط وملاحظات جديدة وضعها عن الالتهاب الرئوي وعدوى السل مع وصف لسبعمائة وستين دواء. وقد اعتمد القسم الأول من القانون في المنهاج الرسمي لمن يرشح نفسه لنيل درجة علمية عليا في الطب في جامعة "مونبلييه" في فرنسا في سنة "741هـ/ 1430م" وترجم إلى اللغات اللاتينية والرومانية والتركية والألمانية وطبع ونشر عشرات المرات. وقد ذكر مؤلفات ابن سينا وطباعتها "القانون وغيره" ألبرت فون هيللر "A. V. Haller" في كتابين صدرا في سنتي "1185هـ/ 1771م" و"190هـ/ 1776م" وبحسب تصنيف الأب قنوات بلغت آثار ابن سينا الطبية "42" كتابا ورسالة وأرجوزة ومقالة كان آخرها أرجوزة طبية في المجريات، نظمها قبل وفاته بأربعين يوما، وتتألف من "35" بيتا ومن ورقة واحدة1.

1 مطلعها:

بدأت باسم الله في النظم الحسن

اذكر ما جربته طول الزمن

وختامها:

هذا الذي جربته في عمري

نظمته للمقتفي أثري

ص: 49

تميز ابن سينا باعتماده على الملاحظة والتجربة، كان أول من قال بالعدوي، ووصف التهاب السحايا، وعرف الدودة المستديرة "الأنكلوستوما" وميز بين أنواع اليرقان، ووصف السكتة الدماغية "الموت الفجائي" وأبدع "المرقد" أي المخدر، وأبدع "الزرقة" التي تعطي تحت الجلد

ومن تراث العرب الطبي موسوعة طبية "الحاوي" للرازي1 "ت 314هـ/ 926م" وتدل مؤلفاته على الدقة والأمانة العلمية والمنهج العلمي السليم2، وهو أول من طبق معلومات الكيمياء الحديثة على الطب، وقد طبعت مقالته عن الجدري أربعين طبعة باللغة الإنكليزية ما بين عامي 1087-1866م واستنار بهذه المقالة جميع الأطباء في مختلف أنحاء العالم.

عالم آخر هو ابن النفيس "ت 687هـ/ 1288م" كان من عباقرة أطباء التشريح، يقول المؤلف "رام لاندو" أن ابن النفيس يظهر في مؤلفاته الأصالة والتجديد، وقد سبق ميخائيل سرفيتوس الذي عاش في القرن السادس عشر، والذي ادعى أنه مكتشف الدورة الدموية الصغرى "الدورة الرئوية" وبقي علماء الطب يتداولون هذا الادعاء حتى القرن الحالي. وقد كان هذا الاكتشاف منسوبا إلى العالم الإنكليزي المشهور في حقل الطب وليام هارفي الذي ولد في عام "1578م"، وذكر الأستاذ حيدر مات في كتابه "إسهام علماء المسلمين في الحضارة" أن اكتشافات ابن النفيس قد سبقت علماء أوروبا بثلاثة قرون، وأن كلا من سرفيتوس وكولومبوس وهارفي الذين وضعوا الدورة الدموية الصغرى قد اطلعوا على نظريات ابن النفيس في كتبه المترجمة، وتتجلى مآثره الطبية في كتابه "شرح القانون" ومن المؤسف أنه لم يطبع3.

1 ولد أبو بكر الرازي في مدينة الري جنوب شرق طهران، وهي المدينة التي ولد فيها هارون الرشيد وابنه المنصور، كان في بداية حياته يتعامل بالصرافة ويضرب العود، وسنة وفاته على غير اتفاق بين مؤرخيه "324هـ/ 935م".

2 م. مايرهوف "Log. Ofislam" ص" 323-324" نقلا عن الرازي في الجدري والحصبة، براون.

3 بول غليونجي. ابن النفيس: سلسلة كتب أعلام العرب، العدد 57، القاهرة د. ت.

ص: 50

كانت كتب أبي القاسم الزهراوي "ت384هـ/ 994م" المصدر الهام الذي استقى منه من ظهر من الجراحين، بعد القرن "الرابع عشر"، كما يقول العالم الفيزيولوجي "هالر" وصف سحق الحصاة في المثانة التي أعدت اختراعا عصريا، وهو أول من ربط الشرايين لمنع النزف، على ما ورد في "دائرة المعارف البريطانية" وبهذا سبق "أمبروزا باري" بأجيال، وأول من وضع أصول علم الجراحة، وطبع كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف" وهو دائرة معارف طبية وجراحية باللغة اللاتينية عام "903هـ/ 1497م" وقد قام "لوسيان لوكير" بنشره وهو أحد الكتب السبعة التي قام عليها العلاج والصيدلة في أوروبا.

ومن الجدير بالذكر أحمد بن الأشعث "ت 360هـ/ 971م" وكتابه "الغازي والمغتذي" أقدم مخطوطة عربية طبية، وأحمد الطبري "ت 366هـ/ 976م" وكناشة أقدم ما كتب في الطب وقد وصف الشقيقة العينية، نشره، د. فؤاد سيزكين بالتصوير، والحسن القمري "ت 390هـ/ 999م" وقد وضع أقدم معجم طبي كما ذكر الدكتور سيزكين وكناش "غنى ومنى" وقد ترجم إلى اللاتينية كما يقول:"وستنفيلد" وذكره "لوسيان لوكير""Leacher. L." وأمية أبو الصلت الأندلسي "ت 529هـ/ 1134م" ويعتبره مؤرخو العلوم من عمالقة الطب في العالم، وهبة الله بن ملكا البغدادي "ت 560هـ/ 1164م" معروف بأوحد الزمان، اهتم بالأمراض النفسية وعالجها بطريقة نال إعجاب علماء القرن العشرين حتى صارت نظرياته متواترة في هذا المجال بين أطباء العالم.

أما الفتوحات العلمية فإن الشرح يطول بنا إن توخينا استقصاءها، نذكر منها: استخدام أمعاء الحيوان في التقطيب، وعلاج داء السكتة، واستخراج الماء الأبيض "الكتاركتا" وإدخال الملينات في الصيدلة، والاهتمام بالأمراض النفسية في تشخيص الأمراض الباطنية وعلاجها، والكتابة في أمراض الأطفال، واستخدم الماء البارد في الحميات، وكشف البول السكري1 "الرازي" أما بالنسبة "لابن سينا" فمن فتوحاته العلمية، أنه كان صاحب الفضل في علاج القناة الدمعية، وتحديد أنواع اليرقان وبين شلل الوجه من مصدر في الدماغ، وبينه عن سبب محلي، وكان أول من شخص داء "الأنكلوستوما"، والمرض الناشئ منها المسمى بالرهقان "أو الأنكلوسفونا" وكشف بدقة أعراض حصاة المثانة السريرية و

1 يعود الفضل في اكتشاف الأنسولين لمرض السكر إلى فريدريك باتينج عام "1912" وكان الطب العلمي الحديث "الكشوف والمخترعات" عند الغربيين خلال مائة سنة الأخيرة بوجه خاص. انظر في هذا الشأن: Elizabeth Rider. "The Story of great medical Discoveries"1945.

ص: 51