الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: المصدر والمرجع
وبهدف التوضيح وليس التكرار، إن علماء البحث العلمي والدراسات المنهجية اليوم يقسمون المصادر وفروعها إلى مصادر "أولى" وإلى مصادر "مشتقة" ويطلقون على الأولى اسم "مصادر أصلية" أو أصول أو مصادر فقط، وهي أول مادة مباشرة متصلة بالحقيقة المدروسة، أما المصادر المشتقة فهي تلك المقتبسة من المصادر الأولى، وقد تكون "مصادر ثانية" إذا كان الاقتباس مباشرا، وقد تكون من الدرجة الثالثة، إذا ما بنيت على مصادر ثانية، فتاريخ الطبري1 مثلا الممتد حتى سنة "302هـ" هو مصدر ثان للعصر الراشدي والأموي والعباسي حتى بدء فترة حياته، وتاريخ ابن الأثير "الكامل" هو مصدر من الدرجة الثالثة بالنسبة لهذه العصور لاعتماده على الطبري2 فيها.
وفي الحقيقة إن مثل هذا التقسيم لا يمكن أن يكون له صفة الإطلاق، إذ أن كثيرا من المصادر لا سيما المكتوبة ذات طبيعة مزدوجة، أي هي أصل ومشتق في آن واحد، فقليلون هم الذين يكتفون بتدوين ما شاهدوه مباشرة، ويقدمون مادة لمشاهداتهم المباشرة بدراسات معتمدة على الأصول السابقة، فتاريخ الطبري أصل بالنسبة للنصف الثاني من القرن "الثالث الهجري" الذي كان معاصرا له، لكنه مشتق
1 محمد بن جرير الطبري. تاريخ الأمم والملوك. القاهرة "1357هـ/ 1939م.
2 في اللسان عن ابن الأعرابي "مادة طبر" والمعنى: قفز أو اختبأ، ومعنى "طبار" الداهية، و"الطبار" ضرب من التين وهو أكبر تين رآه الإنسان.
بالنسبة للعصر الراشدي والأموي، وكذلك ابن الأثير أصل بالنسبة للنصف الثاني من القرن "السادس الهجري وأوائل السابع".
وهكذا فإن ما يرجع الباحث إليه بقصد الحصول على معلومات أو حقائق أولية إما أن تكون:
1-
مصادر أصلية: وهي أقدم ما يحوي مادة موضوع ما، وهي الوثائق والدراسات الأولى عنه، وتشمل المخطوطات القيمة التي لم يسبق نشرها والوثائق ومذكرات القادة والساسة وحيثيات الحكم المسببة للأحكام القضائية والخطابات الخاصة واليوميات والدراسات الشخصية للأمكنة واللوحات التاريخية والكتب التي يكون مؤلفوها شاهدوا الفترة التي هي موضوع البحث والإحصائيات
…
2-
مصادر ثانوية: وتسمى "المراجع" وتعتمد في مادتها العلمية على مصادر الأصلية الأولى وعلى كل فالمصدر مرجع دون العكس.
وهناك من يرى أن كلمة "المراجع" تعني كل شيء رجع إليه الباحث أثناء بحثه، فأفاد منه فائدة ثانوية، ولا يمانع البعض بإطلاق كلمة مصدر على كلا النوعين، وعدم الميل إلى تلك التفرقة، والمهم أن البحث الأصيل هو الذي يعتمد على المصادر الأصلية، ومن أجل إبراز الأهمية العلمية للمصدر الأصيل، فإنه لدى توافر مصادر متعددة عن نقطة واحدة في البحث، يثبت في الهامش المصدر الأقدم، لأنه هو الأصيل، وقد يثبت المصدر المتأخر إذا كان الأول المنقول عنه مفقودا، أو مخطوطا يصعب قراءته "ويفضل العودة إلى المطبوع أكثر منه إلى المخطوط" أو احتوى المصدر المتأخر جوانب في البحث لم يستوفها المصدر المتقدم، ويفصل بين المصدر والمصدر بفاصلة منقوطة.
إن ما يسمى بالمرجع هو ما يرجع للاطلاع المؤقت، والمعرفة معلومة أو أكثر من وقت لآخر، يقتبس منه نقطة محدودة، أو معلومات معينة بذاتها، والمراجع التي تتسم بالشمول في التغطية، والتركيز في العرض، والتنظيم المعين "هجائي، زمني، موضوعي، مكاني" تقدم المعرفة البشرية في صور وأشكال مختلفة بسهولة وسرعة، كما أنها تقود الباحث إلى معرفة مصادر البحث الأصلية، التي تحتوي المزيد من الحقائق والدقائق والمعلومات المفصلة، لهذا كانت معرفة المراجع بأنواعها المختلفة وطريقة استخدامها أمرا حيويا بالنسبة للباحثين العلميين على اختلاف تخصصاتهم، بخاصة إذا كانت هذه المراجع تتعلق ببحوث علمية حديثة، تعتبر آخر ما توصل إليه العلم1.
1 عبد الرحمن عميرة أضواء على البحث والمصادر، ط4. مطبعة الجيل، بيروت 1986.