الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: الدراسات النمائية
"Development Studies"
تتناول الدراسات الوصفية النمائية الوضع القائم للظاهرات والعلاقات المتداخل بعضها ببعض كما تتناول أيضا المتغيرات التي تحدث بمرور الزمن، فهي أسلوب لمعالجة مشكلات التطور والتغير التي تمر بها الظاهرة، ذلك بأنها تصف التغيرات في تطورها خلال مدة قد تطول وقد تقصر، وسنعرض بالمناقشة لنوعين من الدراسات الوصفية النمائية هما دراسات النمو ودراسات الاتجاه، هذا ولا يقتصر إجراؤها على ميدان معين، فمن الممكن إجراؤها في مختلف الميادين مارة بالمراحل التالية:
1-
ملاحظة ظاهرة أو موقف أو حادثة في فترة ما من الزمن ووصفها كما هي في ذلك الوقت.
2-
تتابع هذه الظاهرة بعد فترة من الزمن، وتوضع في واقعها الجديد والتغيرات التي تمر بها، والعوامل التي أدت إلى إحداث هذه التغيرات.
3-
بعد فترة زمنية أخرى تتابع هذه الظاهرة، وتوضع وتحدد العوامل التي أدت إلى تشكيلها في آخر صورة لها.
4-
يستمر الباحث بالمتابعة حتى يصل إلى مرحلة يتمكن خلالها من فهم تطور هذه الظاهرة والعوامل التي أدت إلى تطورها.
إن هذه الدراسات ترتبط بالأسلوبين التاريخي والتجريبي، لكنها تختلف عن الأسلوب التاريخي بكونها تمر من الحاضر إلى المستقبل، بينما يهتم الأسلوب التاريخي بدراسة سابقة ثم يتابع دراستها حتى فترة من الزمن قد لا تصل إلى الزمن الحاضر، كما أن الباحث في المنهج النمائي لا يستخدم أسلوب الضبط أو تثبيت العوامل كما يستخدم في المنهج التجريبي.
1-
دراسات النمو: يعترف الباحث من خلالها على طبيعة التغيرات التي تحدث للكائنات التي يدرسها ومعدل تغيراتها والعوامل التي تؤثر عليها، فهو إذا كان يدرس النمو البشري، لا بد له من أن يعرف العوامل المؤثرة في النمو في مراحله المختلفة ومواعيد ملاحظة هذا النمو لأول مرة ثم تدرج النمو وطفراته وتوقفه واضمحلاله كنمو العقل والجسم والحركة.
يمكن دراسة النمو بطريقتين، وفي كل منهما يقوم الباحث بسلسلة من الملاحظات المنظمة والمخططة:
أ- الطريقة الطولية "Longitudinal" تقاس فيها حالات النمو لدى الأطفال في أعمار مختلفة على فترات زمنية معينة، حيث يقوم الباحث باختيار عينة في سن معين، ويلاحظ الظاهرة التي يرغب دراستها، ثم يتابع هذه الظاهرة بعد فترة زمنية، ثم بعد فترة أخرى، حتى تبلغ العينة سنا معينا، ويسجل الباحث نتائج كل ملاحظة في جدول خاص، يبين فيه العمر وتطور الظاهرة التي يتابعها الباحث "كلغة الكلام" ومن خلال الجدول الذي أنشأه يصل الباحث إلى النتائج.
ب- الدراسات العرضية: يتم خلال اختيار أكثر من مجموعة واحدة من الأطفال، يصنفون وفق أعمار زمنية مختلفة، ثم تطبق مجموعة واحدة من المقاييس على أطفال مختلفين من كل فئة "مستوى عمري" ثم تحسب النسب للمتغيرات لكل مجموعة وتحدد هذه النسب، لكي تصور أنماط النمو العامة لكل متغير لدى الأطفال من سنة معينة إلى
أخرى، ولكي نحصل على معايير النمو علينا أن نحسب النزعة المركزية بالنسبة للأمور المقيسة.
وهكذا بالدراسات الطولية تلاحظ مفحوصين أقل، وتقيس متغيرات أكثر، أما في الدراسات العرضية فالمفحوصون أكثر والمتغيرات أقل إلا أن الدراسات الطولية تتميز بأنها أكثر دقة لأنها تجري على مجموعة واحدة أي لها حدود، وتتم متابعة هذه المجموعة على فترات زمنية، كما أن الباحث يمكنه أن يلاحظ أكثر من متغير في دراسته، أيضا للدراسات الطولية حدود حيث تتناول عينة صغيرة من الأفراد، وقد ينتقل أفراد العينة من مكان الدراسة حيث لا يستطيع الباحث متابعتهم في الأماكن الجديدة التي انتقلوا إليها.
لكن ما يؤخذ على الدراسة الطولية هو إمكانية تغير أساليب الدراسة وتطورها، فقد يكتشف الباحث أساليب دراسة أكثر إتقانا من الأسلوب الذي بدأ، وقد يتعرض أفراد العينة إلى أحداث هامة، في هذه الفترة الزمنية الطويلة، مما يؤثر على نموهم سلبا أو إيجابا.
أما الدراسات العرضية ففي المعتاد تصف عوامل نمو أقل من الدراسات الطولية لكنها تشمل عددا من المفحوصين أكبر كما ذكرنا، وهكذا فإننا نستطيع أن نقيس المجموعة نفسها من الأطفال في عدد عديد من المتغيرات، وفي أعمال مختلفة ونحدد أنماط نموهم الفردية لتلك العوامل خلال هذه السنين. كما أن هذه الدراسة يمكن أن تتم في فترة قصيرة نسبيا، ولها حدود حيث لا يستطيع الباحث ملاحظة ودراسة متغيرات متعددة كما هو الحال في الدراسات الطولية، ويؤخذ على الدراسات العرضية أنها لا تجري على مجموعة واحدة كما هو الحال في الدراسة الطولية، وبذلك قد تتأثر النتائج بالفروق بين أفراد المجموعات المختلفة، وبذا يحصل الباحث على نتائج أقل دقة، رغم ذلك فهي أكثر استعمالا لكونها أقل كلفة ومدتها، ولا شك في أن تحديد العينة
في كل من الطريقين أمر عسير ويتطلب دقة وصبرا، وفي كل الأحوال فإن لكل طريقة فائدتها الخاصة مما يحمل الباحث، وفقا لظروف بحثه على اختيار هذه الطريقة أو تلك.
2-
دراسة الاتجاهات: ترمي إلى الحصول على بيانات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو سواها وتحليلها لتحديد الاتجاهات الغالبة والتنبؤ بما يحتمل حدوثه في المستقبل القريب أو البعيد.
يقوم الباحثون المهتمون بالتعرف على الاتجاهات بدراسة معينة تتكرر معينة تكرر سنوات عدة ويحددون الاتجاهات على أثرها، أو يجمعون معلومات من المصادر الوثائقية التي تصف الأحداث الماضية والحاضرة، وبعد مقارنة بين البيانات واستقراء لها ودراسة معدل التغيرات واتجاهاتها يتنبئون بأحداث المستقبل، وواضح أن هذا النوع من الدراسة يجمع بين المنهج التاريخي ودراسة الوثائق وغيرها.
يلجأ المسئولون عن وضع الخطط الاجتماعية والاقتصادية إلى هذه الطريقة، ويكثرون من استخدامها، وفي عملهم هذا فوائد وضرورة، لكن فيه أيضا الكثير من المغامرة، على اعتبار أن الاتجاهات دائمة التغير، وقد تطرأ ظروف ليست في الحسبان تغير الاتجاهات تغيرات جذرية، لذلك نستطيع القول: إذا كان التنبؤ بالاتجاهات قصير المدى فإنه يكون أكثر أمانا وضمانا من التنبؤات التي تتناول المدى الطويل البعيد، ولهذا ينظر إلى التنبؤات على أنها مؤشرات تساعد على فهم التطور المستقبلي للظاهرات المختلفة وليس على أنها مسلمات وحقائق.
وهكذا رأينا أن البحوث الوصفية توصلنا إلى حقائق دقيقة عن الظروف القائمة وتستنبط العلاقات الهامة القائمة بين الظاهرات المختلفة، وتفسر معنى البيانات وتمد الباحثين بمعلومات مفيدة وقيمة، وبذلك تساعد التخطيط والإصلاح، ووضع الأسس الصحيحة للتوجيه والتغير، وتعيننا على فهم الحاضر وأسبابه ورسم خطط المستقبل واتجاهاته.