الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: منهج البحث التاريخي
مدخل
…
الفصل الخامس: منهج البحث التاريخي "Historical Method"
تمهيد:
يعرف التاريخ بأنه "هو كل ما حدث" أو "هو رواية وتدوين كل ما حدث" وهو "فعالية علمية من فعاليات المعرفة البشرية، تتسع ساحتها لكل شئون الإنسان" وقد عرفه بعض الباحثين بأنه "التدوين الموثق للأحداث الماضية" وعرفه البعض الآخر "بأنه وصف الحقائق التي حدثت في الماضي بطريقة تحليلية ناقدة" ومن هذين التعريفين نستخلص أن علم التاريخ لا يمكن فصله بل ربطه مع المنهج التاريخي، وذلك باعتبار أن البحث أو التقصي العلمي وسيلة موضوعية هدفها الوصول إلى نتائج أو قوانين أو قواعد يمكن تعميمها واستخدامها للتنبؤ بما يحدث في المستقبل ضمن السياق التاريخي.
أما منهج البحث التاريخي فتعرفه بأنه "مجموعة الطرائق والتقنيات التي يتبعها الباحث التاريخي والمؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية، وإعادة بناء الماضي بكل وقائعة وزواياه، وكما كان عليه في زمانه ومكانه، وبجميع تفاعلات الحياة فيه" وهذه الطرائق قابلة دوما للتطور والتكامل، مع تطور جموع المعرفة الإنسانية وتكاملها ومنهج اكتسابها.
لقد دار جدل ونقاش حول طبيعة المادة التاريخية وطرائق الوصول إلى الحقائق العلمية المجردة الثابتة، وكان على المؤرخين أن يثبتوا أن التاريخ معرفة علمية دقيقة، غنية بتجربة قرون طويلة لها منهج أو طرائق في البحث والاستقصاء عن الحقيقة لا تقل
في علميتها وصحة وسائلها عن مناهج العلوم الوضعية الأخرى. وهكذا بحث عدد من المؤرخين في طرائق علم التاريخ، وأثبتوا في كتبهم ومقالاتهم أن علم التاريخ علم يعود إلى الحقيقة الثابتة والمؤكدة، وفي عام "1894م" صدر كتاب حول منهج البحث التاريخي، قام بوضعه أرنست برنهام "E. Berhiem"، جمع فيه ما كتب عن المنهج التاريخي، وكان كتابا لنخبة المثقفين، لا يتضمن طريقة صحيحة في البحث لمن يريد أما المؤرخ فوستيل دوكولانج "Fustal de Coulanges" فقد قام بتحويل قواعد المنهج التاريخي، هو الكتاب الذي ألفه المؤرخان الفرنسيان لانغلوا "Langglois" وسينوبوس "Seiglbaus"، في أواخر القرن "التاسع عشر" وأطلق عليه اسم "مدخل للدراسات التاريخية Introduction aux etudes Historiques" صدر في باريس عام "1898" وقد ترجم جزء منه إلى اللغة العربية.
تتالت الأحداث المشابهة بعد ذلك، لكن في البلاد العربية لم ينبرِ أحد لدراسة هذا الموضوع حتى الربع الثاني من "القرن العشرين" رغم أن المؤرخين العرب أدركوا كثيرا من الأساسيات العلمية لمنهج البحث التاريخي بمضمونها الحديث، وكتبوا فيها ونموذجهم الأكبر ابن خلدون1 "ت 808هـ/ 1406م" والكافحي2 "ت 879هـ/ 1474م" والسخاوي3 "ت 902هـ/ 1496م" وجلال الدين السيوطي4 "ت 911هـ/ 1505م" وعبد الرحمن الفاسي5 "ت 1096هـ/ 1684م".
بل إن المحدثين والفقهاء الذين دققوا في الأحاديث والسيرة، كانوا كذلك روادا في هذا الميدان ومنهم الغزالي6 "ت 505هـ/ 1111م" وابن الصلاح عثمان الشهزوري7 "ت 641هـ/ 1243هـ" وابن تيمية8 " "ت 729هـ/ 1328م" ومحمد بن أحمد الذهبي9 "ت 749هـ/ 1348م" عن رجال الحديث10.
1 المقدمة. الجزء الأول. بيروت، د. ت.
2 المختصر في علم التاريخ. ورد في كتاب "علم التاريخ عند المسلمين" لروزنتال، تعريب: صالح أحمد علي، بغداد ص317-370.
3 التوبيخ لمن ذم التاريخ. القاهرة 1349هـ.
4 الشماريخ في علم التاريخ.
5 زهر الشماريخ في علم التاريخ.
6 المستصفى من علم الأصول. القاهرة 1322هـ.
7 مقدمة في علوم الحديث. القاهرة 1326هـ.
8 مقدمة في أصول التفسير: جميل أفندي الشطبي "تحقيق". دمشق 1936.
9 ميزان الاعتدال في نقد الرجال القاهرة 1352.
10 ليلى الصباغ: دراسة في منهجية البحث التاريخي، منشورات جامعة دمشق، 1998-1999، ص3-13.