الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: مناهج البحث العلمي
الفصل الرابع: المناهج
المبحث الأول: تعريف بالمصطلحات:
هناك ثلاثة مصطلحات منهجية ترد في بحوث الباحثين وهي: النهج، والمنهاج، والمنهج، لكل منها استخداما خاصا يعين في توضيح جانب أساسي هام من تصميم البحوث، فالنهج لغة الطريق المستقيم الواضح، والمنهاج هو الخطة المرسومة، والمنهج هو الطريق البين إلى الحق في أيسر سبله1 وقد وردت في القرآن الكريم {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 5/ 48] والمنهاج هنا يعني الطريق المحدد الواضح لمعرفة دين الله.
وبهدف التوضيح نميز بين هذه المصطلحات بالمثال الآتي: في البحث العلمي هناك نهج فكري يتمكن الباحثون بوساطته من الكشف عن الحقائق باتباع منهاج مرسوم، يستخدم فيه أكثر من منهج علمي، وتعتمد المناهج على طرائق خاصة للتقصي لتمكن من تحقيق الهدف من البحث وفق التصميم العلمي الذي وضع له، يعين في توضيح جانب أساسي هام من تصميم البحوث.
والذي أوقع المؤلفين العرب في عدم الوضوح والخلط، نقلهم مما كتب في هذا
1 المعجم الوسيط 2/ 966، مادة نهج.
الموضوع باللغات الأوروبية، التي ليس فيها إلا مادة لغوية واحدة وهي "Method" التي تكتب بأشكال متقاربة في هذه اللغات على اختلافها، وذلك لأن أصل الكلمة مأخوذ من الكلمة اللاتينية "Methodus"، المأخوذة بدورها عن اليونانية، وقد استعملها أفلاطون بمعنى البحث أو النظر أو المعرفة، بينما استعملها أرسطو بمعنى بحث، أما الكلمة في معناها الأصلي فتعني الطريق أو المنهج الذي يؤدي إلى الهدف المقصود، بعد التغلب على عقبات ومصاعب1، ولعدم وجود كلمة أخرى غير كلمة "Method" فقد استعملها علماء المناهج الأوروبيين، لتدل على المنهج وعلى اصطلاحي نهج ومنهاج، كما استعملوها كذلك بمعنى طريقة للبحث، وبمعنى وسيلة لجمع البيانات أيضا كأداة للوسيلة.
هذا ونشير إلى أن لكلمة method"2" معاني اصطلاحية مختلفة، فهي تعني إجراء أو عملية لإحراز شيء أو لتحقيق هدف، كما تعني إجراء نظاميا تفنينيا3، وبخاصة في البحث العلمي أو أسلوبا للاستقصاء يصلح للتخصص أو فن بعينه، وتعنى أيضا خطة نظامية لعرض مادة للتعليم أو التوجيه، كما تعني أيضا فرعا من المعرفة أو الدراسة، يتناول مبادئ وتفنينيات التحقيق العلمي، وعلى من يترجم هذه الكلمة إلى اللغة العربية أن ينتقي الكلمات التي تؤدي إلى هذه المعاني المختلفة4.
لقد تكونت فكرة المنهج "Method" بالمعنى الاصطلاحي المتعارف عليه اليوم ابتداء من القرن "السابع عشر" على يد فرنسيس بيكون "Francis Bacon""969هـ-1036هـ"، "1561م-1626م" وبورويال وجون ستيوارت ميل، وديكارت،
1 عبد الرحمن البدوي. مناهج البحث العلمي. دار النهضة العربية، القاهرة، 1963 ص1، 5.
2 ارجع إلى: Webster's New Colligate Dictionary. Method. op. Cit.
3 اصطلاح وضع ترجمة لكلمة "التكنولوجيا" لأنه يؤدي المعاني المتضمنة فيها، والتي لا يدل عليها كلها الاصطلاح الشائع "التقنية" فالتقنية توحي بالإبداع والحذق ودقة الصنعة وجودتها. "حسن الساعاتي: تصميم البحوث الاجتماعية، ص27".
4 حسن الساعاتي. تصميم البحوث الاجتماعية. مرجع سبق ذكره، ص28.
وكلود برنارد، وغيرهم من المحدثين: دور كايم، وبرتران رسل، وجون ديوي، ومن العلماء الأمريكيين المعاصرين وليم توماس وستيوارت تشابن، مورينو، وغيرهم من علماء معاصرين أيضا مرموقين بريطانيين وفرنسيين وألمانيين، وأصبح معنى اصطلاح المنهج "الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بوساطة طائفة من القوعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحديد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة"1.
هذا والعلم الذي يبحث في الطرق التي يستخدمها الباحثون لدراسة المشكلة والوصول إلى الحقيقة هو "علم المناهج Methodology" وأصبح هذا العلم مصطلحا يستخدم في استعمالات شتى متباينة من بينها الإشارة إلى الأساليب التي يستخدمها علم من العلوم في جميع البيانات وفي اكتساب المعرفة، على أن المعنى الأساسي الذي ظل يشير إليه المصطلح هو الدراسة التجريدية للأساس المنطقي الذي يقوم عليه العلم بالذات، وهذا الاستعمال يجعل من علم المناهج مساويا لفلسفة العلم، وفي ضوء هذا المعنى فإن المثال الكلاسيكي لعلم المناهج هو كتاب ستيوارت ميل "John Stuart Mill" المنطق "System of Logic" في "1316هـ/ 1898م" وقد نشر ميل في هذا الكتاب أساليب استقصاء الحقائق وتقدير أو تقويم البيانات أو الأدلة، كما يشتمل الكتاب أساليب استقصاء الحقائق وتقدير أو تقويم البيانات أو الأدلة، كما يشتمل الكتاب على مناقشة عدد من الموضوعات كالاستدلال والاستقراء وفكرة قانون الطبيعة وطبيعة العلية "أو السببية" والتجربة وصياغة المفاهيم والتصنيف وما شابه ذلك، وثمة مؤلف أكثر حداثة عن فلسفة العلم هو كتاب ناجل "Nagel. E" المسمى بناء العلم "The structure of Science" صدر في عام "1381هـ/ 1961م".
لقد ثارت مشكلة تتعلق بتكوين "علم المناهج" ذاته، وذلك بالنسبة لنصيب العالم المتخصص ونصيب الفيلسوف من هذا التكوين، هل الفيلسوف أم العالم هو الذي يضع القواعد للمناهج العلمية؟ وفي الواقع فإن كلا من الأسلوب الاستقرائي
1 عبد الرحمن البدوي. مناهج البحث العلمي. مرجع سبق ذكره، ص5.
"Induction" الذي يتبعه العلماء التجريبيون عادة يكمل الأسلوب القياسي، أو المنطقي الذي يميل إليه الفلاسفة، فطريقهما واحد متكامل1.
أشرنا سابقا إلى وجوب اهتمام الجامعات بتربية الكوادر العلمية، ومن هنا أصبحت دراسة مناهج البحث جزءا لا يتجزأ من تربيتهم وبرامج دراستهم، إن أول ما يستهدف إليه الإلمام بمناهج البحث هو مساعدة الدارس على تنمية قدراته على فهم أنواع البحوث والإلمام بالمفاهيم والأسس والأساليب التي يقوم عليها البحث العلمي، ومثل هذه الدراسة لا غنى عنها لطالب الدراسات العليا، بخاصة أنها تساعده على الاختيار السليم لمشكلة معينة لبحثه وتحديدها، وصياغة فروضها واختيار وتحديد النسب والأساليب لدراستها، والتوصل إلى نتائج يوثق بصحتها، وبعبارة أخرى فإن مثل هذه الدراسة تزوده بالمعرفة، والمهارات التي تجعله أكثر قدرة على تصميم خطة بحثه، وحسن تنفيذها وفق منهج البحث العلمي.
كذلك فإن دراسة مناهج البحث تزود الدارس بالخبرات التي تمكنه من القراءة التحليلية النافذة للبحوث وملخصاتها وتقويم نتائجها، أو الحكم على ما إذا كانت الأساليب المستخدمة في هذه البحوث تدفع إلى الثقة بنتائجها ومعدل الاستفادة منها في مجالات التطبيق والعمل، ويزيد من أهمية هذه الوظيفة أن التقدم العلمي في وقتنا الحاضر جعلنا مستهلكين لنتائج البحوث العلمية في عديد من مجالات حياتنا، إن لم يكن في جميع هذه المجالات، ويؤكد هذا أن دراسة مناهج البحث ضرورة لا غنى عنها للباحثين المشتغلين في مجالات البحث العلمي.
ومن ناحية أخرى، فإن الخبرة التي توفرها هذه الدراسة، يحتاج إليها المشتغلون في مهن وأعمال أخرى غير البحث العلمي، فهي ضرورية للعالم والمهندس والطبيب والإداري وغيرهم، تساعدهم على تحقيق فهمٍ أفضل، وتقويم لنتائج بحوثهم العلمية، كما أنها تزيد من قدراتهم على اتخاذ القرارات الحكيمة، إزاء المشكلات والصعوبات التي تواجههم في مجالات عملهم، وسوف نأتي في موضع آخر على المناهج الرئيسية المستخدمة.
1 أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه. مرجع سبق ذكره ص32.
ارجع أيضا إلى: Bernard. Claude، Introduction al، etude dela Medcie، Ex perimentale de la methode dans les sciences" 2 series، 1920