الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه كلها قد تمت إلى حد ما خلال القرن "العشرين"، وأصبح شيء واحد يقلق الغرب هو هذا السلاح المدمر الذي تفنن التكنولوجي في صنعه وتجديده وتطويره.
يهمنا العودة إلى العصور الوسطى، حيث نجمع في مجال تراثنا المخطوط بين التاريخ والإنجازات والمنهج بهدف توضيح جوانبه، والكشف عن دوره في الحضارة المعاصرة، كان الاهتمام العلمي لدى العرب يشمل كل شيء. وكان هدفه الإحاطة بخلاصة كل ما يستطاع بلوغه من المعرفة، وكان العرب يبدون إرشادا أعظم وتعقلا أمتن في اختيارهم لما يدرسون من أمور1. مما أوضحناه في موضع آخر.
1 انظر أقوال ماكدونالد في دائرة المعارف الإسلامية "Ency. of Islam" ليدن 1913-1943. ص1046 ومقدمة المسعودي في كتابه "التنبيه والإشراف" ص1-8، ترجمة كارادي فو "Garredevow"، باريس، 1896، التي تمثل نصاعة ذهن العصر، حيث يعدد فيها الموضوعات التي كتب فيها.
المبحث الثاني: الباحث العلمي وخصائصه
يعرف الباحث العلمي بأنه هو المخطط والمنظم والمنفذ والموجه لمختلف مراحل البحث العلمي، وصولا إلى النتائج العلمية والمنطقية، وبهدف الوقوف على دوره في البحث العلمي نتناول جانبين هامين:
1-
الإعداد.
2 الصفات الشخصية.
1-
الإعداد "Formation"1: ويشمل التدريب الفكري والفني واكتساب خبرة العمل، فعلى الباحث المتدرب أن يدرس عددا من العلوم المحددة كي يتمكن من العمل
1 إن كلمة "Formation" فرنسية الأصل، إلا أن دخولها الإنجليزية أو استيلاء الناطقين بالإنجليزية عليها أمر تشهد عليه بوضوح وثيقة أصدرتها الحكومة البريطانية "عام 1980" وهي تقرير فينستون "Finiston" فقد استخدمت الكلمة لا لتشمل التدريب الفكري والفني ولكن لتشمل أيضا اكتساب خبرة العمل "ديكنسون. ص102".
على النحو المناسب كباحث علمي، ولا يمكن أن يعتبر تدريبه مكتملا حتى يكتسب قدرا من المهارة في عدد من التقنيات، ومن أمثلة ذلك التعبير عن الأشياء بلغة الرموز، والقدرة على معالجة العلاقات القائمة فيما بينها، وصياغة ومعالجة الأفكار بلغة صورية، وتقويم مدى صحة هذه العمليات، ومعالجة البيانات وفهم مدلولها، وتعميم التجارب في صورة تفضي إلى نتائج هامة متميزة، ثم عرض الأعمال التي اضطلع بها الآخرون في الماضي والعمل الذي يضطلع به الباحث نفسه في الحاضر، كجزء من عملية تتحقق على مراحل، وترمي إلى إثراء وتنمية مستقبل المعرفة وتطبيقاتها، وأن يكون الباحث العلمي قادرا على التعبير عن نفسه بطلاقة وبشكل جذاب، بوساطة الكتابة في المقام الأول، ويضاف إلى ذلك أن المعرفة الجديدة، لا يمكن أن توجد على نحو مقالي ما لم تصبح بوساطة النشر جزءا من الذخيرة المعرفية المشتركة والمتاحة للجميع.
2-
الصفات الشخصية:
- الخيال والأصالة: عنصران لا غنى عنهما للإبداع وإن كان هناك عدد مثير للدهشة من العلماء الذين لا يعتقدون أن للأصالة أهمية في البحث، وقد حدد "مداوار" بإيجاز وظيفة الأصالة والخيال والإبداع في العملية العلمية كما يلي: كل اكتشاف وكل توسع في الفهم يبدأ كتصور خيالي قلبي، لما قد تكون عليه الحقيقة، ينشأ كتخمين مهم يصدر من داخل النفس، وهناك صفة أخرى من نوع مختلف تماما، لا يمكن بدونها أن تتحول صفتا الأصالة والخيال إلى الإبداع والإنجاز وهي:
- المثابرة: ومثال مشهور للمثابرة نجده عند كل من ماري وبيير كوري "mary and Piere Curie" في اكتشاف عنصرين هما الراديوم والبولونيوم، ومن تراثنا العربي تتعدد الأمثلة.
- سمة أخرى يجب أن تتوافر هي حب العلم: فهو الزاد الأساسي الذي يعين الباحث على التقدم في بحثه والوصول إلى نتائج سليمة.
- سعة الأفق: وتشمل قدرة الباحث على الاعتراف بأنه من الممكن أن يكون على خطأ، وقد يؤدي الافتقار إلى هذه القدرة إلى الغرور أو الرضا المفرط عن النفس، وترتبط بسعة الأفق ارتباطا وثيقا قدرة الباحث على:
- نقد الفكرة أو العمل، سواء كان له أم لغيره، فقد يتوافر فيه الوعي والعقلانية والتجرد عن الهوى ويتطلب مثل هذا النقد:
- من التواضع ما يحول دون المبالغة في التقدير ما يسلم به مقدما من فروض ذات طابع شخصي كما يتطلب القدرة على طرحها جانبا حتى يمكن اتباع الفروض التي يسلم بها باحثون آخرون، في نفس المجال وحينئذ يعتمد البحث العلمي على:
- الحصافة: والتحلي بصفات متضادة، فعلى الباحث العلمي أن يعبر عن فرديته، ولكن عليه أيضا أن يفعل ذلك في إطار الأوضاع الاجتماعية السائدة، وقد كتب جارفيلد "Garfield" قائلا: إن الاتصال وهو هنا يشمل عملية التدريس والتفاعل هما جوهر التقدم العلمي وعليه فوق ذلك أن يكون:
- ذا جاذبية علمية مؤثرة، تشعر القارئ معه أنه يقوده إلى الحقيقة بالمنطق والعلم والتأثير، وأنه إن جادل بالحق، ونشير إلى خصيصة هامة وهي:
- الأخلاقية: وأهمها الحياد الفكري والأمانة في الاقتباس وعدم القذف والمهاجمة لعلماء آخرين، والاعتراف بفضل السابقين والمعاصرين والمسارعة إلى تصحيح الأخطاء بروح رياضية لا بدافع الشهرة والمجد حتى لا يفقد البحث مغزاه الأساسي من هدف واتجاه.
- الحذر، ونوعية التجرد والنزاهة تعتبر جزءا من هذا الحذر، ومن مصادر الحذر الإغراء أثناء فترة إجراء التجربة لرفض أو عدم تسجيل للقياسات التي لا تتفق مع فكرة مكونة سلفا عما يجب أن تكون عليه تلك المقاييس، ونشير إلى مصدر آخر رئيس للحذر في جميع البيانات يطلق عليها "خطأ اختيار العينة" كاختيار الحصاة مضللة عن المجموعة الكبيرة من أنواع صخور الشاطئ.
- عدم التحيز: فالبحث يتضمن عنصرا لجميع البيانات لتحليلها من أجل صنع القرارات، أو للتنبؤ بأحداث المستقبل، لكن من واقع أمثلة من البحوث أساسا، ظهر مدى أهمية مجموعة واسعة التنوع يمكن أن تؤثر أو تسبب التحيز في كل من البيانات النوعية أو الكمية، كما هو الحال في بحوث السوق، حيث أن السن والجنس والطبقة الاجتماعية أو الوظيفة قد تؤثر على مواقف الفرد السياسية والاجتماعية وأفضليات الشخصية.
ونضيف أن الحقيقة المطلقة بعيدة، مما يدعو الباحث إلى الحوار والنقاش وأن تكون الفكرة التي يطرحها مما يقبله العقل.
ما ذكرناه من صفات ليست نادرة، ولا تقتصر على المشتغلين بالبحث العلمي، لكن استخدامها على نحو فعال، يطلب أكثر ما يطلب في مجال البحوث العلمية، وهو أمر ثابت تاريخيا، كما لاحظ "جارفيلد" أيضا أنه إن ما حدث من تقدم في الطب والعلوم إنما جاء نتيجة لجهود الباحثين الذين جمعوا العقلية العلمية والتي تجمع بين التدريب وحب الاستطلاع، بين الخبرة والحدس بين الموضوعية المجردة من الهوى والاهتمام، بين المنطق الاستنتاجي والتجريب الإحصائي، بين النظرة الديناميكية، المتطورة التي تهدف إلى ما هو أمثل وأصلح وأكمل.
إن سمات العقلية العلمية يفرقها المنهج العلمي، وقد مر الفكر الإنساني بمراحل حتى بلغ هذا المنهج، وقد مر الفكر الإنساني بمراحل حتى بلغ هذا المنهج ومستلزماته، فهو نتاج قرون طويلة من التجربة، ونذكر في هذا الشأن قول نيوتن:"إذا كنت قد رأيت أكثر مما رأى معظم الرجال فذلك لأنني وقفت على أكتاف عمالقة"1، اعترافا منه بفضل من سبقه في مجال البحوث العلمية والآراء والنظريات التي طرحوها والتي أدت إلى النهوض بالفكر الإنساني وبلوغه مستوى لا يزال آخذا بالتطور.
1- ديكنسون، جون. ب: العلم والمشتغلون بالبحث العلمي في المجتمع الحديث ترجمة: شعبة الترجمة باليونسكو الكويت 1407هـ/ 1987م ص70.
ومن منطلق الاهتمام المتزايد بالبحوث العلمية من قبل الدول وبخاصة المتقدمة وإدراك الدول النامية لأهمية البحث العلمي في دراسة مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وفي التخطيط للتنمية القومية في شتى المجالات، ومن مظاهر هذا الاهتمام زيادة الاهتمام بالإنسان الذي يقوم بتنظيم وتوجيه مراحل البحث العلمي، والعمل على تكامل الصفات التي وردت أعلاه، وتهيئة المناخ المناسب لأسلوب العمل، مما يتطلب الزيادة المطردة فيما يخصص للبحث العلمي من أموال في الميزانيات القومية وميزانيات المؤسسات العلمية والإنتاجية، ومنها أيضا إنشاء وزارات ومعاهد ومراكز ومجالس قومية متخصصة للبحث العلمي1، وتشجيع العلماء والباحثين وتوفير أدوات وأجهزة البحث الحديثة، رغم ذلك فإن البحث العلمي يحتاج إلى أكثر من ذلك كله، يحتاج إلى الكوادر العلمية والفنية الممتازة من الباحثين في المجالات التخصصية المختلفة2، وتقع على الجامعات وبخاصة في فروع وأقسام الدراسات العليا مسئولية تربية هذه الكوادر، ومن هنا أصبحت دراسة مناهج البحث جزءا لا يتجزأ من تربيتهم وبرامج دراستهم.
1 بلغت نسبة الإنفاق على التعليم من إجمال الموازنة العامة لعام "1995-1996" المملكة العربية السعودية "20%" دولة الإمارات العربية المتحدة "15.6%" الجمهورية اليمنية "13.8%" دولة قطر "8.8%" سلطنة عمان "7.9%" سورية "7.8%""اسكوا، المجموعة الإحصائية، نيويورك، 1997، ص195".
2 ما زال الوطن العربي يشكو من نقص في هذا المجال، بلغت نسبة العلماء وفنيو البحث "6" من كل عشرة آلاف في مصر. رجاء وحيد دويدري: جغرافية الوطن العربي في إفريقية. دمشق 1997، ص413.