الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: دور التراث العربي في إحياء البحث العلمي
تمهيد: كي نقدر هذا الدور يجب أن نضع في اعتبارنا مجموعة من الحقائق:
- إن الحضارة العربية الإسلامية حضارة إنسانية النزعة والهدف، عالمية الأفق والرسالة، سمتها التسامح، تؤمن بالعلم في أصدق صورة وأعمق أصوله، مما كان له أثره البارز في تكوين الفكر العلمي لدى الغربيين منهجا وأساليب بحث ومعارف نظرية وتجارب تطبيقية في شتى العلوم إضافة إلى إسهام الفكر العربي في نقل التراث اليوناني والهندي والفارسي والحضارات القديمة في موطن العرب، حضارة بلاد ما بين النهرين وحضارة وادي نهر النيل، وهكذا كان دور حضارة العرب منطلق النور الذي عم أوروبا بعد الظلام وهو دور لا يمكن أن يجحد أو ينكر1.
كان تفوق الحضارة العربية العلمي والمادي في الشطر الأعظم من العصر الوسيط، أمرا لا ينكره أحد، فالعصر الذهبي في الشرق والمغرب العربيين كان بدءا من منتصف "القرن الثامن للميلاد" وحتى "القرن الثالث عشر الميلادي"، وفيه تفوق العرب والمسلمون علميا وماديا، فحينما سقطت طليطلة في سنة "475هـ/ 1085م" سرعان ما بدأ ريموند النظر في إنشاء معهد لترجمة الكنوز العربية إلى اللغة اللاتينية، وفي سنة
1 جرونيباوم. حضارة الإسلام. مرجع سبق ذكره، ص428.
"612هـ/ 1224م" أسس فريدريك الثاني جامعة نابولي لترجمة العلوم العربية إلى اللغة اللاتينية، وانتشرت في جميع أجزاء أوروبا، وإلى ما بعد النهضة الأوروبية الكبرى بقيت جامعات فرنسا وإنكلترا وإيطاليا تعتمد على المراجع العربية1.
وقرب نهاية العصر الوسيط دخل الشرق العربي في دور ركود ذهني واضمحلال اقتصادي، وشهد "القرن السادس عشر" خاتمة تأثير العرب في الدراسات الأوروبية، وإن بقيت منه شوارد متخلفة إلى أوليات "القرن التاسع عشر"2 ومنذ "القرن السابع عشر" أخذت الحضارتان تتباعدان، وأخذت أوروبا تستعيد ماضيها الكلاسيكي القديم فأصبح الاتصال الذهني بالمشرق ترفا بعد أن ظل أمدا طويلا بحاجة ماسة، وبعد أن كانت الحضارة الإسلامية هي المعلم، أخذت تتحول بالتدريج إلى موضوع يدرس وبهذه الصفة صار إسهامها في عملية التأويل الذاتي الغربية ثمينة لا تقدر بثمن، ورغم ذلك نجد أنه في القرن الرابع عشر "لم تقبل جامعة باريس إدخال دراسة أرسطو إلا مفسرة في شرح ابن رشد "ت 595هـ/ 1198م" كما نذكر أن دراسات ابن خلدون الاجتماعية، قد تسلفت العلوم الاجتماعية بما يربو على "أربعة قرون" لقد سبقه السكاكي "627هـ/ 1229م"، في بيان أثر البيئة في الفكر، لكن ابن خلدون تجاوز سلفه شوطا بعيدا3.
- كانت العلوم تنقل إلى الغرب إما باكتشاف "إحياء" الفكر الإغريقي ثانية عن طريق بيزنطة أو بوساطة الترجمة العربية، وليس ثمة ميدان من ميادين الخبرة الإنسانية لم يزد ثروة الغرب فيها غنى، وإن نفس وجود العالم الإسلامي كان له أثره في صوغ التاريخ الأوروبي والحضارة الأوروبية إلى حد بعيد، مما نلمس أثره في إنتاج توماس أكويناس، الذي استخدم مذهب "ابن ميمون""ت601هـ/ 1204م""وابن رشد"
1 عبد الله الدفاع روائع الحضارة العربية الإسلامية مرجع سبق ذكره، ص20.
2 مايرهوف. Leracy of Islam، ص353.
3 جرونيباوم: حضارة الإسلام مرجع سبق ذكره، ص431.
"ت 595هـ/ 1198م" و"دانتي"
…
أيضا في ميدان الكيمياء القديمة "Alchemy"والتنجيم، كان فيها الإسلام المعلم وعالم الغرب هو التلميذ، فزاد في عدد الأفكار والخواطر التي اشترك فيها الجانبان.
- إنه لمن دواعي الأسف أن ما بأيدينا من معرفة بالعلوم القديمة العربية والإسلامية، لا يسمح لنا بإصدار حكم نهائي على مدى إسهام تراثنا في كل فرع بعينة من فروع العلم بشكل دقيق، لكن ما يعترف به الغربيون أن تراثنا زاخر علميا في مجالي الطب والفلك، أما البصريات فقد بز العرب فيها بأوضح صورة أساتذتهم الإغريق، بينما كان المؤتمر الهندي واضحا في الرياضات، ونورد هنا قول ابن طملس "ت 620هـ/ 1223م" الأندلسي، أبرز علماء الإسلام في علوم الهندسة والحساب والفلك والموسيقي على أسلافه القدامي "
…
فمن العدل أن نتذكر أنه من المحتمل أن عددا جما من مؤلفات الأقدمين قد باد
…
" وإنه لجدير بالتقدير لروحه العلمية البعيدة عن التحيز، وقد كتب هذا بعد أن ولى عصر الإنتاج وانصرم لدى أهل المغرب العربي، ثم انقطع التعلم منه إلا قليلا، كان في دولة الموحدين بمراكش
…
"أما المشرق العربي فلم ينقطع سند التعليم فيه، بل إن أسواقه نافقة وبحوره زاخرة
…
وإن كانت مدن العلم قد خربت مثل بغداد والبصرة والكوفة
…
"1.
يقودنا هذا إلى القول بدورة العلم، وهي دائمة الحركة كما رأينا، يختلف دور الأمم فيه، فالعلم "الهيلني" ابتداعا وانتشارا أكثر منه إحياء وتجديدا، لقد اعتمد الفكر "الهيلني" على الحضارات القديمة، ويعترف هيرودوت بفضل الحضارتين المصرية والبابلية "موطن العرب القديم" على الفكر الإغريقي، ويقول سارتون "1950" الذي درس الحضارات الإنسانية على اختلافها: إن العلم الروماني ليس إلا نسلا ضعيفا للعلم "الهيلني"، وما بعد الحضارة الإغريقية تشتت العلماء، وأحرق الكثير من الكتب، إلى أن جاءت
1 جرونيباوم. المرجع السابق ص429.
الحضارة العربية الإسلامية، واستنادا إلى ما ذكره ابن أبي أصيبعة في كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" وما ذكره المسعودي في كتابه "التنبيه والإشراف" فإن مدرسة الفكر انتقلت من مدرسة الإسكندرية في سنة "99هـ/ 717م" إلى أنطاكية، حيث مكث فيها حوالي سنة "230هـ/ 844م" ومنها إلى حران حتى حوالي سنة "270هـ/ 884م" وفي المرحلة الثالثة بين عامي "892هـ/ 902هـ" أي "1486م-1496م" انتقلت إلى بغداد حيث أصبحت متماسكة الحلقات، تسير بين أرجاء العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه، إلى أمهات المدن الإسلامية الأخرى في دمشق والقاهرة والقيروان وقرطبة1 وعن طريق الأندلس فيما بعد وإيطاليا وصقلية، وجد العلم طريقه إلى أوروبا محدثا بذلك دورة أخرى في التاريخ، انتقل العلم فيها بوساطة الاقتباس من الحضارة الأندلسية في القرن "الثاني عشر" تقريبا، ويرى "لوبون" أن الحضارة العربية لم تدخل أوروبا نتيجة الحروب الصليبية كما هو الرأي الشائع، بل دخلت بوساطة الأندلس وصقلية وإيطالية، وزهاء مدة "خمسة قرون أو ستة" ظلت ترجمة كتب العرب العلمية هي المصدر الوحيد للتدريس بجامعات أوروبا، ولم يظهر في أوروبا قبل "القرن الخامس عشر" عالم لم يقتصر على استنساخ كتب العرب، وكان الموسوعيون الأوروبيون حينما يتحدثون عن الأرض يرددون ببساطة آراء ابن سينا، وقبل نهاية القرن "الثالث عشر الميلادي" كانت معظم العلوم بما فيها علوم الأرض والفلسفات العربية قد تمت ترجمتها ونقلها إلى أوروبا.
وهكذا نرى أن الدعائم الأولى للحضارة الأوروبية الحديثة، ارتكزت على أسس متينة من الحضارة الإسلامية، التي تركت بصماتها واضحة في شتى مجالات الفكر الأوروبي وعلومه، من ذلك شيوع مصطلحات عربية أو ذات أصل عربي في اللغات الأوروبية على اختلافها، وقد تأثر بذلك بخاصة اللغات الإسبانية والبرتغالية والإنكليزية
1 الوقت الذي كانت فيه قرطبة مركز حضارة الأندلس تزهو بمكتباتها السبع عشرة، كان أساتذة جامعة "اكسفورد" يعتبرون غسل الجسم أكبر الأخطار التي تهدد حياة الإنسان "فيليب حتي: موجز لتاريخ العرب".
والفرنسية والإيطالية والألمانية، ونقل عن العرب العلوم والفلسفات العربية كما هي بأسمائها الأصلية، وفي أغلب الأحيان لم يشيروا إلى مصادرها، كما أخذوا عن العرب منهجهم العلمي في البحث1.
ونورد رأي المستشرق "إدواربروي" أستاذ تاريخ الحضارات في جامعة "السوريون في باريس" في دور الحضارة الإسلامية2، جميل بالإنسان أن يرتفع إلى مستوى الإنصاف انجلى غبار الفتح الإسلامي عن إمبراطورية جديدة، ولا أوسع، وعن حضارة ولا أسطع، وعن مدينة ولا أروع، عول عليه الغرب في تطوره الصاعد ورقيه البناء بعد أن نفخ الإسلام في سَم موات "من التراث الإنساني القديم" روحا جديدة عادت معه الحياة فنبض "أي التراث الإنساني" وأشع وأثرى، ولهذه الأسباب مجتمعة، كان لا بد أن يحتل تاريخ العالم الإسلامي محلا مرموقا في ثقافة رجل العصر، كما كان لا بد لرجل العصر هذا من أن يفهم جيدا أن المدينة لا يقتصر مدلولها على شعب أو بلد متحيز في الزمان، فالتراث الحضاري الإنساني للجميع، وعلى رجل العصر أن يعرف جيدا، أنه قبل "توما الأكويني" الذي رأى النور في إيطاليا، طلع "ابن سينا" وأن مساجد دمشق وبغداد وقرطبة ارتفعت قبابها، قبل "كاتدرائية نوتردام" في باريس بزمان، وألا ينتقص من شأن العالم العربي الإسلامي "من خلال واقعه الراهن"، بل علينا اعتبار الأزمنة والأمكنة، والذي لا يزال على الرغم من جزئياته وخصائصه، تاريخ هذه البشرية الجامعة الجمعاء.
يقول غوستاف لوبون: "إن العرب استطاعوا أن يبدعوا حضارة جديدة
…
وكان تأثير العرب في الغرب عظيما، يرجع إليهم الفضل في حضارة أوروبا"، ويقول المستشرق الألماني شخت: "لقد تتلمذت أوروبا على العرب مدة "خمسة قرون" نهلت
1 حسين محمد كامل. أثر العرب والإسلام في النهضة الأوروبية اليونسكو، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر القاهرة 1970.
2 إدواربروي. تاريخ الحضارات العام، 3/ 109، فجر الإسلام، باريس. المجلد الثالث.
في أثنائها من حياض العلوم العربية، وبهذا أعدت نفسها لما تنتج الآن من البحوث العلمية الحديثة"1.
"فأي برهان أنصع من هذا على اتصال شجرة المعرفة الإنسانية واستمرارها من عصر لعصر وتعاون الأجيال على رعايتها والعناية بها، رغم اختلاف الأديان واللغات والعصور؟ وأي برهان هو آكد من هذا على ما قام به العرب من دور جليل في تطوير المعرفة الإنسانية والسير بمشعل الحضارة الإنسانية خلال العصور التي تسمى مظلمة وما هي مظلمة بحال؟ هنا نرى دور العرب من الوضوح بحيث يكاد يلمس باليد، لمن درس وبحث وطلب الحقيقة في بطون المؤلفات"2. والاجتماع منعقد بين دارسي النهضات على أن بذور المستقبل تفصل عن تراب الماضي، وأن النظرة إلى الوراء إنما هي شرط لتصويب النظرة إلى الأمام، وأن في الحياة العربية الماضية من الحوافز والتجارب والمبادرات والإبداعات ما لا يمكن أن تستغني عنه في تطلعها نحو الآتي، فهل نأمل أن نعود كما كنا خير أمة أخرجت للناس.
إن أعظم كشف طبي قدر أن يكون على يد عالمين عربيين هو كشف الدورة الدموية وذلك قبل أن يعرفه الأوروبيون ببضعة قرون، هذان العالمان هما الطبيبان علي بن عباس المجوسي، وابن النفيس، وكان حديث ابن النفيس في مجال التشريح كاد يتوصل به إلى علم لم يكن قد عرف بعد هو علم التشريح المرضي "الباتولوجيا"، ومهد لكشف الأوعية الدموية، الذي تحقق بعده بعدة قرون. وفي "عام 1547م" ترجم كتابه إلى اللاتينية ثلاثة من علماء أوروبا يصفون الدورة الدموية في الرئة بنفس الألفاظ التي استخدمها ابن النفيس.
طبع البحوث العربية بطابع الأسلوب العلمي، حنين بن إسحاق العبادي في كتابه
1 غوستاف لوبون. حضارة العرب. ترجمة عادل زعيتر: مطبعة عيسى بابي الحلبي "د. ت"، ص179.
2 حسين مؤنس. تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس، ط2، مكتبة مدبولي، القاهرة 1986، ص55.
كتابه "العشر مقالات في العين" ويقول مؤرخ الطب الغربي إدوار براون: إن يوحنا ماسويه قد وضع كتاب "دغل العين"، وهو أقدم كتاب وضع في طب العيون من مختلف اللغات القديمة، ويقول الدوميلي وماكس مايرهوف: إن كتاب "تذكرة الكحالين" الذي صنفه "علي بن عيسى" في "القرن العاشر" يعلو على جميع الكتب الأوروبية حتى "القرن التاسع عشر"، وعلى هذا المستوى كتاب "المنتخب في علاج أمراض العين" لعمار بن علي الموصلي بالقاهرة، ترجمه إلى الألمانية هير شبرج مع آخرين، وهو الذي اخترع الإبرة المجوفة التي تمتص ماء العين "Cataracta".
كان العرب أول من استخدم المخدر1، وسموه بالمرقد، ونبهوا إلى شكل الأظافر عند المصدورين، ووصفوا صب الماء البارد لإيقاف النزف، وعالجوا الجنون علاج الأمراض الطبيعية. وبشكل عام ظلت دراسة الطب في أوروبا عالة على العرب أكثر من "أربعة قرون".
أما العلوم المساعدة في الطب فقد اهتم العرب بعلمي "النبات والكيمياء"، اشتهر بعلم النبات رشيد الدين الصوري "ت 629هـ/ 1241م"، وكان منهجه في دراسة النبات على نحو ما هو عليه في أيامنا الحاضرة، وقد استفاد العرب من النبات في الصيدلة "علم الأدوية" عند العرب. وكانت كلية الطب في سالرنو تدرس الطب والصيدلة بالعربية واللاتينية، وبقيت على ذلك نحو "تسعمائة عام" وقد فرق العرب بين علم النبات وهو بالعلم أشبه وبين علم الصيدلة وهو بالعمل أشبه، وكل منهما مشترك بالآخر.
يقول الأستاذ "ميير هوف" إن علم الصيدلة العربي استمر في أوروبا حتى منتصف "القرن التاسع عشر"، هذا وإن أول صيدلية افتتحت في العالم كانت في إيطاليا، ولم
1 في العصور الحديثة يعود اكتشاف تسكين الآلام بالمورفين مع ضبط جرعته إلى فريدريك ويلهيام شتونر "عام 1803"، والتخدير الذي يعطل الإحساس بالألم إلى وليم مورتن "عام 1846"، والكمامة المعقمة إلى ويليام هانتز "عام 1891".
يتحول الأمر من الأعشاب إلى المساحيق والأقراص والأشربة إلا بعد أن ازدهرت الكيمياء في "القرن التاسع عشر"1، ونذكر من الأطباء الذين كانوا يعالجون بالأعشاب: الحسن بن إبراهيم بن الحسين بن خورشيد الطبري الناتلي "كان حيا سنة 380هـ/ 990م ظنا" وإسحاق بن عمران، وكتابهما في إستانبول وفي الأسكوريال2.
وقد خلف لنا علماء العرب كتبا كثيرة في الصيدلة منها "تذكرة ابن داود"، وكانت من مراجع الصيادلة في القرون الماضية، وبدأ علماء أوروبا في "عام 1964" وأيضا في أمريكا يعيدون قراءة كتابه للاستفادة مما ذكره حول النباتات التي ستخدم طبيا.
إن من أهم وأندر المؤلفات التي وضعت في هذا المجال كتاب جابر بن حيان "ت 198هـ/ 813م""السموم ودفع مضارها"، سار فيه وفق النهج العلمي، الذي لا يختلف في جوهره عما هو جار الآن، وكتاب "القانون" لا بن سينا، تضمن خمسة أبواب اثنان منها "2/ 5" في الأدوية المركبة والأدوية المفردة "الأقرباذين"، وله مختصر أقرباذين ابن سينا" مصور بمعهد التراث بحلب برقم "391/ 13/ مجموع".
ونذكر أبا جعفر الغافقي "ت 550هـ/ 1155م" ويعده ماكس ما يرهوف أعظم الصيادلة أصالة وأرفع النباتيين مكانة عند المسلمين طوال العصور الوسطى، كما وضع ابن البيطار "646هـ/ 1249م" رئيس العشابين "أي نقيب الصيادلة" في مصر أكبر موسوعة في هذا المجال بكتابه "الجامع في الأدوية المفردة،" وقد تضمن أكثر من ألف وأربعمائة صنف من الأدوية المختلفة على حروف المعجم.
هذا وقد اختار مجمع الصيادلة في إنجلترا أعظم اثنين تدين لهما علوم الصيدلة بالفضل هما "جالت" اليوناني و"ابن سينا" العربي.
1 أمين رويحة. التداوي بالأعشاب، ط7، بيروت 1983م، ص15-17.
2 زهير حميدان. أعلام الحضارة العربية الإسلامية في العلوم الأساسية والتطبيقية، 1/ 169-324، وزارة الثقافة، دمشق 1995م.
أما علم الكيمياء "علم الصنعة" فإن المستشرقين ومنهم: سارتون، هولميارد، كارل بوير، ول ديورانت، وبول كراوس، ومايرهوف، وزيغريد، وغيرهم أشاروا إلى دور العرب في مجال علم الكيمياء واستفادة الغرب منهم، ويتفق مؤرخو هذا العلم على أن نشأته علما تجريبيا كان مقدرا على أن يكون على يد علماء وفي مقدمتهم:
جعفر الصادق أبو عبد الله "ت 149هـ/ 766م"، وهو من الرواد الأوائل في هذا العلم، وأستاذ جابر بن حيان في هذا المجال، وكان جابر أول من أثبت دعائم هذا العلم، وكانت تسمى قبله "الصنعة" وبقيت الكيمياء طوال العصور الوسطى تسمى "علم جابر" أو "صنعة جابر" وله كشوف كثيرة في هذا المجال، منها طريقة فصل الذهب عن الفضة وما تزال هذه الطريقة متبعة حتى الآن في تقدير عيارات الذهب في السبائك، وبلور نظرية "الاتحاد الكيميائي" التي تقول: إنه يكون باتصال العناصر المتفاعلة بعضها مع بعض، وهذا يوحي بالنظرية المشهورة التي نسبها علماء الغرب خطأ إلى العالم الإنكليزي جون دالتون "ت 1260هـ/ 1844م" أي بعد جابر بن حيان بما ينوف عن "عشرة قرون".
يعد الغربيون والشرقيون أبا بكر الرازي، تلميذ جابر بن حيان مؤسس الكيمياء الحديثة. وفي رأي الدوميلي أنه أسس الكيمياء علما تجريبيا قبل أن ينشأ عند الأوروبيين بمئات السنين، ويقول عنه هولميار "Holmyard" إنه أول مبدع في علم الكيمياء على أسس علمية صحيحة، وقد بلغت مؤلفاته "220" مؤلفا مفتديا إياها ببصره، تتسم بالمنهج العلمي والأمانة في الاقتباس والدقة بالمصطلحات، وسهولة الفهم، وهو أول من استخدم الزئبق في تركيب المراهم والفحم الحيواني في إزالة الألوان والروائح من المواد العضوية، وفرق بين كربونات الصوديوم والبوتاسيوم و
…
وهناك سالم الحراني1 كان حيا سنة "198هـ/ 813م" كيميائي صنعوي. أما الحسن الهمذاني "ت 334هـ/ 945م" فله كتاب "الجوهرتان العقيقتان المائعتان من الصفراء والبيضاء"،
1 فؤاد سيزكين: تاريخ التراث العربي 4/ 402-403، ترجمة: عبد الله حجازي.
ترجمة إلى الألمانية ونشره "كريستوفر تول"، ونشره مع النص العربي سنة "1986"، في جامعة أوبسالا في السويد، ونسخه الخطية موجودة1، وأبو قاسم المجريطي "ت 398هـ/ 1007م"، وهو واضع أسس الاتحاد الكيمياوي المعروف باسم قاعدة بقاء المادة، وينسب علماء الغرب ذلك لكل من بريستلي ولافوزييه، وأبو المنصور الموفق "القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي"، وهو مؤسس علم الكيمياء الصناعية، التي لها مكانتها في المناهج الجديدة في جامعات العالم، والحسين بن عبد الله بن سينا، درس هذا العلم وكعادته يحكم العقل والمنطق، وقد خالف كثيرا من الآراء الخرافية التي كانت سائدة آنذاك2 والتي تناولها علماء الكيمياء، وهو أول من ابتكر طريقة علمية لإعداد زيت وحمض الكبريت والكحول وغيرها. أما القاسم العراقي "ت 580هـ/ 1184م" فقد احتضنت أوروبا مؤلفاته لشمولها، وعز الدين الجلدكي "ت 743هـ/ 1342م" فقد وضع اللبنة الأولى والأساسية لابتكار قانون النسب الثابتة في الاتحاد الكيمياوي، وهو القانون الذي ينسب علماء الغرب اكتشافه إلى جوزيف برادست "1214هـ/ 1799م" الذي أتى بعد الجلدكي "بخمسة قرون"، وهو أول من فكر بابتكار وباستخدام الكمامات في معامل الكيمياء.
نشير إلى ما سمي بـ "العلوم الخفية" أو السحر وكان محرما أو مكروها، وقد حوله بعضهم إلى علم قائم بذاته، يعتمد في كثير من الأحيان على الكيمياء، وقد استعملت الرموز للفلزات والكواكب في الكيمياء والتنجيم، ويقسم جابر بن حيان هذه الرموز إلى "28" جزءا، يقابل كل منها حرفا من حروفا الأبجدية العربية، ثم جاءت دراسات الرازي لتدخل تطويرا كبيرا على علم الكيمياء، أبرزه تقسيم المواد إلى معادن ونبات وحيوان، نقلا عن تصنيف الجواهر، وقد صنف الكاشي العلوم الخفية ولخصها في خمسة علوم هي:
1 يرى الشيخ حمد الجاسر في مقال له في مجلة المجمع العربي بدمشق م44/ 555، أن جميع هذه النسخ رديئة، وفيها كثير من التحريف.
2 نذكر في هذا الشأن حسن الطغرائي "ت 515هـ/ 1121م"، وقد فشل في تحويل المعادن الرخيصة إلى ثمينة فصاغ لاميته المشهورة، ومن آثاره:"الرد على ابن سينا في الكيمياء" و"الأسرار في صحة صناعة الكيمياء".
الكيمياء والليمياء "السحر" والهيمياء "إخضاع الروح" والسيمياء "خداع البصر" والريمياء "الشعوذة والحيل".
يقول الأستاذ "هوكينغ" في مقالة عن حضارة العرب ومستقبلها عن أسباب جمود الفكر العربي بعد هذه النهضة "إن أسباب الانطلاقة هي الجوع1، الحضارة، الإنشاء العالمي، التعاون المثمر الصادق بين مختلف الذهنيات، والعقل العربي الواسع الفعال". ثم يتساءل "هل لتلك العوامل أن تعود يوما؟ " ويجيب بأن "الأمة العربية ذات فعالية وطاقة حيوية وذاتية، يدل عليهما عدم مقدرة الحضارة الرومانية أن تطغى على هاتين المزيتين، بل هو طغى على جميع البلاد التي انتشرت فيها ثقافته وشريعته ولسانه وتعليمه، فامتزج بالإسلامية امتزاجا لم تستطع المدنية الرومانية العظيمة أن تفعل مثله" ثم يقول مؤكدا: "وسوف نرى عندما تزول اللفحة المحرقة التي أصابت العرب وخدرت نفوسهم أن العناصر المقومة لذاتيتهم وعلومهم ومدنيتهم كالثروة والاستعداد النفسي والشجاعة الفكرية والشروع بالعمل والاختبار الاجتماعي، سوف تعود إليهم ومن الممكن أن نعجل بعودتهم إليهم، فالعرب شعب لا يرقد طويلا بل يستيقظ ويعمل ويقدم نجاحا حيث وجد أفراده في "نياغارا" أو "شيكاغو" أو "نيويورك" أو "جاوة" أو "مانشستر" أو "اليابان" أو "أستراليا" إنهم يتعلمون العلم ويحبون الأدب والفن والفلسفة ويشتغلون في الصناعة والتجارة والزراعة ولهم والزراعة ولهم في كلها كل مقام وأثر مرموق"2.
ونقول: إن الغرب لم يتحرر من ماضيه في القرون الوسطى إلا عن طريق العلم وعن طريق التضحية لأجل العلم، يجب أن نتعلم ونفكر بذهنية علمية، ونتبع أساليب الغرب في البحث والكشف، واستقصاء الحقائق "التي ورثوها عن أجدادنا العلماء" وأن نطبق دساتير العلم ومبادئه في كل عمل ومشروع من مشاريع حياتنا، إن ما يلزمنا هو العلم ونشر العلم.
1 الفقر الطبيعي.
2 عبد الرحمن كيالي: "ثقافة الأطباء العلماء" مجلة المعرفة، 7/ 6-14، دمشق "أيلول 1962".