الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: بين العلم والمعرفة
العلم هو الاستدلال الفكري، أما المعرفة فهي العلم التلقائي "Intuitive"، وهي أوسع وأشمل من العلم، تتضمن معارف علمية وأخرى غير علمية، والتمييز بينهما يبنى على أساس قواعد المنهج وأساليب التفكير التي تتبع في تحصيل المعارف، فإذا اتبع الباحث قواعد المنهج العلمي وخطواته في التعرف على الظاهرات والكشف عن الحقائق الموضوعية، فإنه يصل إلى المعرفة العلمية، ولن يستطاع بلوغ الكفاية في العلم حتى تقدر المعرفة حق قدرها.
يقول غسوتاف جرونيباوم "Gustave E. Von Grunebaum": "ثمة مجموعة أخرى من الاتجاهات الأساسية دخلت في طور الإنسان المثالي، وإن يك ذلك على مستوى أقل أهمية شيئا ما، أعظمها نفوذا ذلك التقدير العظيم والتوفير العميق للمعرفة من حيث هي، وبغض النظر عن واقع محتوياتها، فإنها آية لا غنى عنها في الدلالة على الإنسانية الحقة، كما أن الجهالة أشد العيوب المشوهة لها"1.
كما أوضح زيمان "Ziman" عندما صاغ اصطلاحه المعروف وهو "المعرفة العامة" بأنه لكي تصبح المعرفة حقيقية أو اكتشافا، ينبغي أن تدخل في نطاق الملكية العامة للبشر، وأن تصبح جزءا من تراثها العام، وقد أكد زيمان أيضا خاصية المعرفة العلمية بوصفها المعرفة التي ينعقد بشأنها اتفاق عام في الرأي من حيث صيغتها ومنفعتها2.
وفي القرن "السادس عشر"، ظهر فرنسيس بيكون "Francis Bacon" في مقولته المشهورة، التي كثيرا ما يستشهد بها وهي "المعرفة هي القوة ووعي بالطاقة الكامنة في المفاهيم الجديدة للعلم"3.
لقد تم الحصول على المعرفة على مراحل وهي:
1غوستاف جرونيباوم. حضارة الإسلام، ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد، دار مصر للطباعة 1956، ص298.
2 Dickinson، J. P. "Science and Scientific Research in Modern Society". Secod Edition، J. P. 53. 1986.
3 المرجع السابق ص204 وما ورد في كتابي فرنسيس بيكون "مقالات" الذي صدر في عام "1957م". و "نوفيوم أورقانوم" الذي صدر في عام "1620م" خير شاهد على تطلعاته لابتداع نظام فلسفي جديد مكان الفلسفة الأرسطوطالية، يكون مبنيا على الملاحظة الموضوعية للظاهرات الطبيعية وتصنيفها وتعليلها، ولم تترجم هذه التطلعات التي وضعها باللاتينية إلى اللغة الإنكليزية إلا بعد ثلاثة قرون من ظهوره "ديكنسون ص204".
المرحلة الأولى: مرحلة المعرفة الحسية والخبرة الذاتية، وما تزال قائمة بيننا حينما يعجز الإنسان عن تفسير مواقف أو مواجهتها، وتنطبق هذه المرحلة على مرحلة طفولة العلم، حينما كان الإنسان يحاول أن يجد حلا دون أن يستطيع التحرك بطريقة منظمة، وبهذا نقول: إن المحاولة والخطأ تعتبر أول مراحل تطوير العلم.
والمرحلة الثانية: هي مرحلة الاعتماد على مصادر الثقة والتقاليد السائدة، كالاعتماد على الحكماء القدامى في تعليل بعض الظاهرات، كاعتماد الحضارة الغربية في القرون الوسطى على تعاليم أفلاطون وأرسطو وغيرهم، لقد كان الاعتماد أهم من التقصي والتحقيق، وما تزال هذه الطريقة متبعة حتى عصرنا الحالي.
أما المرحلة الثالثة: هي مرحلة التأمل والحوار، وهي مرحلة التدليل العقلي والمنطقي، فقد توصل أرسطو بوساطة التفسير العقلي من المعروف إلى غير المعروف باتباعه لعملية استدلالية أو استنتاجية "Deductive Process" تعتمد في أساسها على القياس المنطقي "Syllogism" لكن طريقة الاستنتاج أو الاستدلال "Deductive" تخدع الباحث أحيانا، لأنها لا تركز اهتمام الباحث على البحث عن الحقيقة ذاتها بل تشغل عقله بالعمليات العقلية والحوار الماهر.
والمرحلة الرابعة: هي مرحلة المعرفة العلمية والتحقيق العلمي "Scientific inquiries" أي مرحلة وضع الفروض وإجراء التجارب ثم استخلاص النتائج وتعتبر هذه الطريقة أكثر دقة إذا أمكن تحويل المعلومات المتعلقة إلى تعبير كمي "Quantitative Expression".
وكما يقول "أوغست كونت": إن المعرفة العلمية جاءت في مرحلة متأخرة من تطور العقل الإنساني، حينما استطاع أن يفسر الظاهرات تفسيرا علميا، يربط تلك الظاهرات ربطا موضوعيا، هذا النوع من المعرفة هو المعرفة العلمية التجريبية، تقوم على أساس الملاحظة المنظمة للظاهرات أو وضع الفروض والتحقق منها بالتجربة.
وتجميع البيانات وتحليلها، ولا تقف المعرفة العلمية عند المفردات الجزئية التي يقوم الإنسان ببحثها، بل تتجاوز ذلك حتى يصل إلى قوانين ونظريات عامة، تربط هذه المفردات بعضها ببعض، وتمكنه من التنبؤ بما يحدث للظاهرات المختلفة تحت ظروف معينة.
إن ما أشرنا إليه من مراحل يتفق مع ما يشير إليه الفيلسوف الأمريكي بيرس حول طرائق الحصول على المعرفة.
يشير بيرس "Pierse" إلى أن طرائق المعرفة أربع:
أولاها طريقة التشبث: "Method of Tenacity"، وفيها يتشبث الإنسان بالحقيقة بقوة، والإعادة المتكررة للحقائق تزيد من الاعتقاد بصحتها، أما الطريقة الثانية للمعرفة فهي طريقة السلطة، والسلطة العلمية هي إحدى السلطات الهامة، ونقصد بها دعم أقوال عالم مشهور وقبولها على أنها حقيقة واقعية، أما الطريقة الثالثة للمعرفة فهي طريقة المعرفة البسيطة المسبقة "Apriori Method" أو الحدس، وتقوم هذه الطريقة على أساس أن الحقائق المقبولة حقائق تثبت نفسها بنفسها "Self-Evident"، تتفق هذه الحقائق مع العقل، وليس من الضروري أن تتفق مع التجريب، والطريقة الرابعة هي الطريقة العلمية، فللمعرفة العلمية ضوابط ومعايير تضبط عمل العالم وتوجه نشاطاته وتراقب استنتاجاته بقصد التوصل إلى حقائق يمكن الاعتماد عليها1 هذا وقد يتم الحصول على المعرفة بالمصادفة مثل اكتشاف أرخميس لقانون الكثافة، واكتشاف جالفاني "للكهرباء" في جسد الحيوان، واكتشاف باستير تحويل الجراثيم إلى عوامل للمناعة وغيرها.
1 فاخر عاقل: أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية، ط2 دار العلم للملايين، بيروت 1982، ص26.