الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: مفاهيم في البحث العلمي
…
المبحث الثاني: مفاهيم البحث العلمي
المفهوم "Concept" إنتاج نظري "واقع فكر" يعبر عن جوهر الواقع متضمنا مختلف تحديات الواقع الملموس، الوزن مفهوم والطاقة مفهوم والقوة مفهوم، وهي مفاهيم يستعملها علماء الطبيعة، وهي أكثر تجريدا من مفاهيم: الطول، والوزن، والارتفاع
…
أما السلوكيون فإنهم يعتنون بمفهوم "الإنجاز" أكثر من عنايتهم بالمفاهيم السابقة التي يعني بها الفيزيائيون. فمفهوم الإنجاز تجريد كون بعد ملاحظة عدد من أنواع السلوك كذلك الذكاء والشر
…
أي أن المفهوم تجريد عقلاني، شمولي، إنه تجريد مبني على التعميم.
هناك نوعان كبيران من المفاهيم: المفاهيم المتعلقة بأشياء مادية، قابلة للاستيعاب اليدوي أو التصوير محتوى، وتلك المتعلقة بالأفكار، كالحرية مثلا فهي كلمة "تجريد" إلا أنها كلمة مليئة بالمعاني ومحسوسة ومفهومة ومقبولة، تعطي حالات ووقائع وظاهرات ملموسة ملاحظة1، ونورد فيما يلي مفاهيم:
المشكلة الفرضية:
- المشكلة:
نعرف المشكلة في البحث العلمي بأنها: جملة سؤالية تسأل عن العلاقة القائمة بين متحولين أو أكثر، وجواب هذا السؤال هو الغرض من البحث العلمي، وليس من الممكن دوما للباحث أن يصوغ مشكلة بصورة بسيطة وواضحة وكاملة، وكثيرا لا يكون لديه إلا فكرة غامضة ومشوشة وعامة عن المشكلة، وهذا من طبيعة تعقد المشكلات العلمية، وتعقد طرائق البحث فيها، وقد يفضي الباحث فترة طويلة من الزمن في البحث والتمحيص والتفكير قبل أن يحدد المشكلة ويصوغ الأسئلة التي يجب أن
1 مجموعة من الاقتصاديين، الموسوعة الاقتصادية، ط1 إعداد وتعريب: عادل عبد المهدي حسن الهموندي، مرجع سبق ذكره، ص467.
يطرحها، ويبحث عن أجوبة ومع ذلك فإن صياغة المشكلة صياغة صحيحة ودقيقة جزء من أهم أجزاء البحث العلمي، وخطوة أساسية من خطواته، ورغم صعوبته إلا أنه أمر ضروري ولازم.
أمر آخر هو أن الباحث العلمي إذا أراد حل مشكلة ما، فإن عليه أن يعرف بالضبط وبالتحديد ماهية هذه المشكلة، وحين تحقق تحديد المشكلة وفهمها، فإن جزءا كبيرا من الحل يتحقق، ورغم اختلاف المشكلات وعدم وجود طريقة مثلى لصياغتها، فإنه من الممكن ذكر عدد من صفات المشكلات وصفات الصياغة واستعمالها في البحث العلمي الجيد.
هناك ثمة معايير لصياغة المشكلات الجيدة:
أولها: إن المشكلة يجب أن تعبر عن علاقة بين متحولين أو أكثر بشكل واضح في الصياغة.
ثانيها: إن المشكلة يجب أن تكون مصاغة بوضوح وصراحة على شكل سؤال أو أكثر، إذ إن الأسئلة تتميز بأن تطرح المشكلة بصورة مباشرة وهذا ما يفضله معظم العاملين في البحث العلمي، وقد تصاغ بعبارة لفظية.
ثالثها: وهو أصعبها هو أن المشكلة وصياغتها يجب أن يكونا من النوع الذي يمكن من القيام ببحث خبري تجريبي، إذ إن المشكلة التي لا يمكن أن تبحث تجريبيا، ليست مشكلة علمية بحال من الأحوال، وهذا لا يعني فقط الإتيان على ذكر علاقات، بل يعني أيضا أن تكون المتحولات من النوع الذي يمكن قياسه، وهناك مشكلة هامة ليست علمية لأن التجريب عليها صعب أو مستحيل1.
رابعها: أن تعالج موضوعا حديثا.
خامسها: أن تسهم بإضافة علمية.
1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي، مرجع سبق ذكره، ص44-47.
سادسها: أن تؤدي إلى الاهتمام ببحوث ودراسات أخرى.
سابعها: أن يستفاد من النتائج بحيث يمكن تعميمها.
ثامنها: أن تقدم فائدة علمية للمجتمع.
هذا وإن الاطلاع على الدراسات والبحوث السابقة تمكن الباحث من بلورة مشكلة البحث وإغنائها بحيث يطلع على الأطر النظرية والفروض التي اعتمدتها تلك الدراسات والمسلمات والنتائج. كما أنها تزود الباحث بالكثير من الإجراءات والاختبارات التي يمكن أن يفيد منها، وبالمصادر والمراجع الهامة.
الفرضية1:
الفرضية صياغة حدسية للعلاقة بين متحولية أو أكثر، أو إنها عبارة عن تخمين أو استنتاج يتوصل إليه الباحث ويأخذ به بشكل مؤقت، أي أنها أشبه برأي مبدئي للباحث في حل المشكلة، أو أن نقول: الفرض حل مؤقت أو تفسير مؤقت يضعه الباحث لحل مشكلة البحث، فهو إجابة محتملة لأسئلة البحث.
تمثل الفروض علاقة بين متغيرين، متغير مستقل ومتغير تابع، مثال: توجد علاقة بين عدد المحاضرات وبين الجدوى التعليمي للطلبة، أو هناك علاقة بين عدد ساعات دراسة الطلبة وبين تحصيلهم العلمي، فالعلاقة هنا هي بين متغيرين هما عدد الساعات والتحصيل المعرفي، وقد تكون إيجابية "تحصيل المعرفة" أو سلبية "عدمها" أو ألا يكون هناك ارتباط بين المتغير المستقل والمتغير التابع.
هذا وللفروض نوعان: فرض مباشر "Directional""صياغة الإثبات" أو فرض صفري "Nunhypothis""صياغة النفي" مثال على الأول: توجد فروق إحصائية بين اتجاهات الطلبة نحو التعليم المهني، وفي هذه الحالة يضع الباحث فرضا يؤيد وجود
1 كلمة فرض "Hypothesis" في اللغة الإنكليزية مؤلفة من مقطعين: هيبو "Hypo" ومعناها "شيء أقل من" أو "أقل ثقة من" و"Thesis" أي الأطروحة.
الفروق أما في حالة موافقة جميع الطلبة على التعليم المهني، هنا نقول: إن الفرض صفري لعدم وجود فروق، فهي منفية منذ البداية، وهذا النوع من الفروق أكثر سهولة لأنه أكثر تحديدا وبالتالي يمكن قياسه والتحقق منه1.
ثمة معايير للفرضيات الجيدة وصياغتها:
1-
أن تكون بسيطة تفسر الظاهرات دون تعقيد.
2-
أن تكون الفرضية تعبيرا عن العلاقة بين المتحولات.
3-
أن يكون الفرضية معقولة وليست خيالية، منسجمة مع الحقائق العلمية المعروفة.
4 -
أن تكون قابلة للاختبار والتجريب.
5-
لها قدرة على تفسير شامل أو تعميم شامل للظاهرة المدروسة.
6-
انسجام الفرض كليا أو جزئيا مع النظريات القائمة.
والفروض خطوة نحو الحقيقة، تتحول إلى حقائق لمجرد أدلة كافية على صحتها وتصبح الفروض قانونا حينما تثبت صحتها، وتتشابه الفروض مع النظريات في كونها تصورات أو تخيلات ذهنية لتفسير علاقة ما، لكن مجال النظرية أكثر سعة من الفروض، فالنظرية تشمل عدة فروض، وبالتالي تتطلب جهودا أكبر لإثباتها، وتكون بعد إثباتها أكثر قدرة من الفروض على تفسير أكبر قدر من الظاهرات.
أما القانون: فهو أكثر ثقة من النظرية والفرضية هو "صلة أو ترابط عميق أساسي ثابت منتظم فيما بين الظاهرات، أو فيما بين مختلف أوجه الظاهرة الواحدة، فهو انعكاس لعملية موضوعية تحصل في الطبيعة، وفي جوهر معطيات مجتمع ما، يتمتع بخاصية كونه موضوعيا، الطبيعي منه محدد يعبر عنه بمعادلات رياضية، ويمكننا التحقق منه في كل لحظة، بينما لا يمكن ذلك في قوانين المجتمع لديمومية التغير"2 لأنها تنتج عن
1 ذوقان عبيدات وآخرون. البحث العلمي. مرجع سبق ذكره ص92-95.
2 مجموعة من الاقتصاديين. الموسوعة الاقتصادية. مرجع سبق ذكره، ص380-381.
نشاط الأفراد في وضعية تاريخية دائمة التغير، هذا والقوانين ليست مطلقة، بل محدودة بالظروف الزمنية والمكانية أو غير ذلك، كما أنها تقريبية محددة بزمان معين، قد تستبدل بقوانين أخرى أكثر دقة وإحكاما1.
- أهمية المشكلات والفرضيات:
تعتمد هذه الأهمية على هدف البحث، وتبدو من خلال:
1-
أنها وسائل العمل في النظرية، ويمكن استخلاصها من النظرية ومن الفرضيات الأخرى.
2-
أن الفرضيات يمكن اختبارها والتأكد من صحتها أو خطئها، وذلك بخلاف الحقائق المعزولة التي لا يمكن اختبارها، إن ما يختبر هو الصلات، وبما أن الفرضية تعبر عن صلاتها فإنها ممكنة الاختبار وبالتالي فهي تستعمل في البحث العلمي، بهدف تفسير الحقائق والكشف عن الأسباب وتحليل الظاهرة المدروسة، أما إذا كان الهدف من البحث العلمي الوصول إلى حقائق ومعارف أو القيام بدراسة مسحية فلا قيمة للفروض، إن الفروض بجوهرها معينة على التنبؤ وتعبر عن صلة، ومن ثم إمكان الاختبار الذي يدلل على صحة القول أو خطئه.
3-
الفرضيات وسائل قوية في تقديم المعرفة، ذلك لأنها تمكن الإنسان من الخروج من خارج ذاته، فالبرغم من أن الإنسان هو الذي يصوغ الفرضية فالفرضية، موجودة ويمكن اختبارها والبرهنة على صحتها، أو عدم صحتها، من وجهة نظر الباحث، وهذه أمور كلها هامة لدرجة نستطيع القول بأنه: لولا الفرضيات لما وجد العلم وأنه لا علم بلا فرضيات.
ولا تقل المشكلات التي تقف وراء الفرضيات أهمية عن هذه الفرضيات، البحث
1Good Carter. V. "Definition of The Research Problem and Formation of the The Working. Hypothesis". Harfored Educational Revision 13، January، 1943، pp. 77-78.
العلمي يوجد لوجود مشكلة أو لوجود وضع مشكلة، وأنه يوجد في البداية وضع غير محدد، تكون فيه الأفكار غامضة والأمور مشكوك فيها، المفكر حائرا، والمشكلة لا يمكن حلها إلا بعد أن يستشعر المفكر هذه الحيرة ويطرح هذه التساؤلات ويضع تلك الفرضيات.
يمكن حل المشكلة في القضاء على عدم المحاولة المحدودية والتخلص من الغموض وبالرغم من أن المفكر قد لا يملك في البداية أية فكرة غامضة عن المشكلة التي تواجهه، فإن عليه فيما بعد أن يحدد المشكلة التي يحلها، وبالرغم من أن هذا الأمر يبدو بدهيا لكن واحدا من أصعب الأمور في البحث العلمي هو تحديد المشكلة تحديدا واضحا وكاملا وبتعبير آخر إن ما يجب هو أن نحدد الذي نبحث فيه، ومتى تمت معرفة ذلك يكون الباحث قد قطع شوطا بعيدا.
- مزايا المشكلات والفرضيات:
أول ميزة هي أنها توجه الباحث بما يجب عمله، والثانية أنها تمكن الباحث من استخلاص ظاهرات خيرية محددة، تشتمل عليها المشكلات والفرضية، والميزة الثالثة أن المشكلات والفرضيات تسبب تقدم البحث العلمي بوساطة مساعدتها الباحث على الموافقة على النظرية أو عدم الموافقة عليها.
هناك فروق هامة بين المشكلات والفرضيات، فالفرضيات المصاغة صياغة صحيحة يمكن اختبارها رغم أن بعض الفرضيات واسعة جدا، بحيث يتعذر اختبارها، إلا أنها إن كانت جيدة فإنه يمكن استخلاص فرضيات للاختبار منها، والذي يختبر هنا هي الصلة أو الصلات التي تعبر عنها الفرضية، وليس الحقائق فالمشكلة لا يمكن حلها إلا إذا حولت إلى صيغة فرضية، والمشكلة سؤال قد يكون واسعا لا يمكن اختباره بصورة مباشرة.
وإذا كانت المشكلات والفرضيات تساعد على التقدم العلمي، فإن الباحث الذي
لا يجري بحثا على أساس من فرضية مسبقة عن صلة بين متحولين أو أكثر، فإن الحقائق التي يكتشفها لا تبرهن على شيء أو تنفي شيئا، ولا يجوز للباحث أن يجمع الحقائق ويصوغ النظريات، ثم ينتقي من هذه الحقائق ما يناسب نظريته ويهمل ما لا يناسبها، بل أن يجمع الحقائق ومن ثم يفترض الفرضية، ثم يضعها موضع الاختبار العلمي الموضوعي، محددا سلفا ما يتوقعه من صلة أو صلات، فإذا أثبت الاختبار صحة الفرضية صارت نظرية أو قانونا، وهكذا فإن الفرضة توجه الباحث دون تحيز، والبحث يكون إما عن صحة الفرضية أو عدم صحتها.
وأخيرا نشير إلى أن الفرضية تصوغ النظرية في قالب يجعلها ممكنة الاختبار، ولكي نبحث نظرية ما، ونختبرها لا بد أن نستخلص الصلات المقترحة في النظرية، وصياغة الصلة أمر سهل، ولكن اختبارها أمر صعب، لأن من الصعوبة بمكان تحديد معنى بعض المصطلحات تحديدا يمكن قياسها به، والعمل كما هو معلوم يستهدف في جملة ما يستهدف القياس، ومن هنا يتضح لنا أن الفرضيات جسور هامة تصل بين النظرية والبحث الخبري.
عمومية الفرضيات وخصوصيتها:
وهي إحدى الصعوبات التي يواجهها طلبة الدراسات العليا في تحضير بحوثهم، ذلك بأنه إذا كانت المشكلة مفرطة في العمومية فإنها على الأغلب تكون غامضة لا يمكن اختبارها، رغم أنها تبدو وكأنها فرضيات علمية قابلة للبحث والتجريب.
أما الإفراط في التحديد ورغم أن تحديد المشكلات أمر ضروري للبحث العلمي لتصبح المشكلة قابلة للبحث والقياس ولكن المبالغة فيه تعني التجزئة، والمبالغة في التحديد شر من التعميم وهي كفيلة بالقضاء على وجود المشكلة وفي بحوث الدراسات العليا "الدكتوراة بخاصة" لا يسمح بأن تكون المشكلة محدودة أكثر مما يجب، وأفضل الأمور الوسط والوصول إليه رهن بالمعرفة والخبرة والممارسة وإشراف الأستاذ الموجه1.
1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية، مرجع سبق ذكره ص54.
نشير أخيرا إلى ما يقال أحيانا من أن الفرضيات ليست ضرورية للبحث وأنها تحد من خيال الباحث، وأن عمل الباحث العلمي أن يجد المجهول وليس أن يوضح المعلوم، وغير ذلك من الأقوال، إن هذه الأقوال تشير إلى جهل الباحث بمهمة الفرضية وتسبب ضياعه، لأن الفرضية أقوى أداة توصل إلى العلم، فمن عمل الباحث أن يشك في جميع التفسيرات التي تقدم إليه، وهو يصر على إخضاع التفسيرات للتجريب، ومن أجل ذلك لا بد له من صياغة تفسيرات قابلة للاختبار والتجريب، والواقع أن هذه التفسيرات هي الفرضيات، والحق أن العالم لا يفعل أكثر من صياغة فرضيات من الحوادث وأسبابها ونتائجها ويخضعها فيما بعد لمزيد من الملاحظة والتجريب والاختبار، وإذا لم يتمكن الباحث من أن يضع التفسير في صيغة قابلة للاختبار الفعلي التجريبي، فإن تفسيره يكون ميقافيزيقيا وليس علميا، وسوء ثبتت صحة الفرضية أو لم تثبت فإنه من الصعب تصور حدوث أي تقدم على الإطلاق بدون فرضيات فهي أقوى أداة أوجدها الإنسان للتوصل إلى العلم الذي يمكن الاعتماد عليه1.
1 فاخر عاقل. المرجع السابق ص30-58.
وأيضا: Harlow، H. "the formation of learngin sets". Psychological pevision، LVI، 1949. pp51-60.