الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: المنهاج
البحث استقصاء عن موضوعات أو مسائل معينة، يتبع فيها الفكر منهجا علميا في إطار منهاج منطقي عام، يطبق في كل منهما منهجا أو أكثر من مناهج أعمال الفكر للكشف عن الحقيقة في العلوم، بوساطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة، لهذا فإن منهاج البحث هو عصب البحث العلمي، ويظهر في عرضه حذق ومهارة الباحث لصنعة تصميم هذا البحث.
يشمل منهاج البحث أهداف ومفهوماته ومجالاته، والمنهج الذي يقوم عليه البحث والطريقة التي أجري بها، وتحديد الوسيلة التي جمعت بها البيانات، وأداتها إن كانت ذات أداة، وكيفية إنجاز العمل الميداني "Field work" إن كان ذلك، ثم الصعوبات التي اعترضت البحث إن وجدت وكيفية التغلب عليها.
إن تحديد الأهداف والمفهومات والمجالات، تجعل الرؤية واضحة منذ البداية بخاصة أن الأهداف التي يتحكم فيها الباحث ويحددها في البداية، تصبح فيما بعد هي المتحكمة في بحثه والموجهة له، كذلك حال تحديد المفهومات1 "المشكلة" موضوع
1 المفاهيم "Concept" هي مجموعة الرموز التي يستخدمها الفرد لتوصيل ما يريده من معان لغيره من الأفراد أو أن المفهوم ليس هو الظاهرة ولكنه رمزها، ولكن موضوع علمي مفاهيمه المتميزة والخاصة بعملية الاتصال والبحث، وليس للمفهوم معنى إلا بقدر ما يشير إلى الواقعة التي يمثلها.
البحث وبيان القصد من استخدام المصطلحات التي ترد في بحثه، مما يعين القارئ على إدراك ما يقصده الباحث، وبهذا تكون المعاني واضحة من خلال استخدام هذه المصطلحات.
وقد يضطر الباحث إلى اللجوء إلى تعريفات إجرائية1، تغطي أو تصل الفجوة بين المستوين النظري والفكري من جهة والمستوى، الأمبريقي "التجريبي" الذي تتم ملاحظته من جهة أخرى، فيما تقتضي متطلبات بحثه ذلك، يتوصل إليها الباحث من خلال عمليات يقوم بها ليكشف عن وجود الصفة التي تمثل المفهوم.
أما مجالات البحث فعلى الباحث أن يحددها وفق طبيعة مشكلة البحث: المجال الجغرافي لبحثه، الزمني، المكاني، البشري
…
ويوضح ما أوجب تحديده على النحو الذي أورده، وفي البحوث الميدانية، على الباحث أن يحدد في حالة استخدام العينة كيفية تحديد العينة من حيث الحجم والنوع و
…
ومن خلال ما ذكرناه على الباحث أن يشير إلى ما استغرقه من وقت وشرح أسباب ذلك.
ومن الأهمية بمكان أن يبين الباحث المنهج الذي اختاره، ليس هناك بحث علمي بدون منهج، يدور معه وجودا وعدما، وصدقا أو زيفا، فمناهج العلم متعددة، ولكل منها دواع للاختيار، وعلى الباحث أن يبين أسباب اختياره للمنهج أو المناهج وكيفية استخدامه إياها، ومع اختيار المنهج يحدد الباحث الاتجاه الذي اتجهه في بحثه، إن كان وصفيا أو برهانيا، ففي الحالة الأولى على الباحث أن يعرض تفاصيل المشكلة موضوع البحث، لتبين الأجزاء التي تكون بنائها وارتباطها بعضها ببعض في أداء وظائفها، أو بهدف تشخيص المشكلة موضوع البحث، أو بهدف كشف الخلفية
1 يعتمد البحث العلمي على نوعين من التعاريف: التعريف المفهومي "Conseptual" والتعريف الإجرائي "Operational" يقوم الأول بتعريف مفهوم بوساطة مفاهيم أخرى أكثر بساطة في معظم الأحيان، والثاني هو الذي يغطي أو يصل الفجوة بين المستوى النظري والفكري، وبين المستوى التجريبي الذي تتم ملاحظته.
النظرية لموضوع البحث، والتماس الطريق أمام العمل الميداني، أما في حالة الاتجاه البرهاني فعلى الباحث أن يبين أولا السبب أو الأسباب التي دعته إلى اتخاذ هذا الاتجاه، والغرض الذي أراد أن يتحقق من صحته أو خطئه، وأن يوضح بدقة مسيرته في هذا الاتجاه أن ذاك.
ومن اعتبارات المنهاج أيضا التي تتطلب اهتماما من البحث هي الطريقة التي اعتمدها مقتنعا أنها مجرد وسائل لا أهدافا وغايات، والأسلوب الذي اختاره، ولما كان اختيار الأسلوب كميا أم كيفيا، أو الاثنين معا يتمشى مع اختياره الطريقة، فإن كتابة التقرير كتابة منظمة تضع ذلك بالاعتبار، بخاصة إذا كان الباحث قد أجرى بحثه مستخدما أكثر من طريقة، والأهم من ذلك أن يبين الباحث الكيفية التي استخدم بها الطريقة التي اختارها والأسلوب الذي استخدمه، وأدوات تجميع البيانات "استبيان، مقابلة، ملاحظة
…
".
ونؤكد على البيانات التي جمعها الباحث وكيفية جمعها، ووضع الاستنتاجات منها لتكوين التعميمات الموثوق فيها، واختباره صحة هذه التعميمات وكفايتها لتدعيم وتأييد النتائج التي يصل إليها وسلامة تناولها ومعالجتها، وعدم استخراج نتائج خاطئة منها، أي وجوب الفهم الصحيح لها.
ورغم أن البيانات التي يحصل عليها الباحث من خلال قيامه بعمل ميداني يتطلب تعيين مصدرها وكيفية الحصول عليها، وهي مصدر رئيس لبحثه، إلا أن ما يحصل عليه من خلال اطلاعه على شتى المصادر المكتبية كالكتب والدوريات والنشرات الرسمية وتقارير البحوث السابقة والوثائق
…
وأيضا غير المكتبية لها دورها الهام في البحث، ولا بد من إبرازها وبيان الكيفية التي انتفع بها منها، حتى يتبين مدى قيمتها، كما أن على الباحث أن يشير إلى وسائل جمع البيانات التي استخدمها، وأن يورد صورا عنها في ملحق النزير، لأنها ذات أهمية كبيرة في إبراز جهده ومدى
دقته في البحث وذات أثر كبير في تقويم بحثه، ونشير هنا إلى أهمية البيانات الإحصائية، فقد تكون وصفية أو استنتاجية، وعلى الباحث أن يبين ذلك، وأن يتجنب التعليل الإحصائي الخاطئ، لأن الإحصاء لا يكون بعون الباحث ودراسته إذا كانت الدراسة تعاني من أخطاء في تصميم1 البحث.
نشير إلى العمل الميداني بخاصة، حيث يعتمد في كثير من البحوث العلمية، وقد يجمع الباحث بين نتائج عمله الميداني وبين الدراسات النظرية التي يستقيها من المصادر، والآراء في هذا المجال مختلفة، يعتمد بعضها على الفصل بين الدراسات النظرية والعملية، بينما يرى البعض الآخر الدمج بينهما، والهدف من الفصل فيما يبينه أصحابه هو بيان الجهد العملي للباحث، كما يفيد في تكوين صورتين متكاملتين للمشكلة موضوع البحث، فضلا عن أنه يمثل ما يفعله كل باحث في الواقع، إذ أنه يبدأ أولا بالاطلاع على المصادر ليتمكن من الإحاطة بالمشكة من وجهة نظرية، ثم يصمم البحث وينجزه في جميع مراحله وخطواته.
بينما يرى أصحاب رأي إدماج النظري مع العملي في كتابة التقرير، أن ميزة هذا الاتجاه تظهر بخاصة في عملية مقارنة نتائج البحث بنتائج بحوث أخرى، تناولت مشكلة موضوعه في أزمنة وأمكنة أخرى، وعملية تفسير النتائج في ضوء ذلك، فضلا عن التغلب على مشكلة ما يحدث من تكرار عند تفسير النتائج بمقارنتها بما يكون قد سبق ذكره، في حالة تقسيم تقرير البحث إلى قسمين:
إن بحوث طلبة الدراسات العليا تنحى غالبا منحى الفصل بين الدراسات النظرية والعملية، وذلك بهدف إبراز جهدهم المبذول وتوضيح ما خلصوا إليه من خلال الدراسات النظرية، وما أنجزوه من عمل ميداني، ونذكر في هذا الشأن ملاحظتين:
1 التصميم لغة هو المضي في الأمر على رأي بعد إرادته، والمضي يعني مسيرة تستغرق وقتا، والمسيرة عملية حركة ذات مراحل، يتقدم خلالها المصمم خطوة خطوة، من البداية إلى النهاية، أما الأمر فهو الفكرة السابقة على التصميم والداعية إليه "ابن منظور. لسان العرب. جـ15، فصل المصادر، حرف "الميم".