الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الملاحظة، والحقيقية، والنظرية
…
المبحث الثالث: الملاحظة، والحقيقة، والنظرية
- الملاحظة:
هي "انتباه مقصود ومنظم ومضبوط للظاهرات أو الحوادث أو الأمور بغية اكتشاف أسبابها وقوانينها" وهي الخطوة الأولى في البحث العلمي ومن أهم خطواته، يقوم الباحث فيها في جميع مراحل البحث تسبق الافتراض وترافقه وتلحق به وتقود الباحث إلى صياغة الفرضيات والنظريات.
تبدأ الطريقة العلمية وفق خطتها المألوف بالملاحظات وقد تكفي الملاحظة الدقيقة.
أحيانا بحيث يستغني الباحث عن التجريب، بل إن التجريب وهو جوهر البحث قد يعتبر ملاحظة في ظروف محددة مخططة، والملاحظة قد تكون عفوية لكن الملاحظة العلمية قلما تكون كذلك، فهي ليست عملا بسيطا، تتطلب تخطيطا ذكيا واعيا، وأحيانا استخداما لوسائل وأدوات، ويتم بعضها بوساطة الحواس فقط.
يعتمد الأسلوب الكيفي في البحث على الملاحظة بنوعيها الحسية والعقلية، تعتمد الأولى في التعرف على ما يجري في الحياة اليومية، وتكون نتائجها مسجلة، أما الملاحظة العقلية فإنها تعتمد على قواعد التفكير العلمي وتمكن من استنباط الفروض واستقراء النظريات واستخراج القوانين، وكذلك التحقق من مدى استنباط الفروض واستقراء النظريات واستخراج القوانين، وكذلك التحقق من مدى صحتها أو خطئها، وهذا النوع من الملاحظة يفيد في مسح العلاقات بين الوقائع في مجملها وتفاصيلها، والربط بين الطرد أو المتشابه منها، والتعرف الحدسي على الأسباب والكشف الاستبصاري عن كنه الأمور مما يتبدى من مجرياتها.
جدير بالذكر أنه كلما كانت الملاحظة منظمة ومخططا لها كانت أكثر فائدة في تمكن الباحث من التعمق والغوص على المعاني، ومعرفة المختلف والانتباه للمستجدات والاعتبار للاستنباط والاستقراء والمعنى الدقيق للملاحظة المشاركة، ففي البحوث الاجتماعية مثلا تجري المشاركة مع المبحوثين في حياتهم اليومية والتجارب الجارية، السابقة للملاحظة والممهدة لها والمؤثرة فيها، وبذلك يستطيع الباحث أن يحلل ما يجري حوله ويفسره ويقف على الأسباب السابقة والحالية وتلك القريبة، أي أن مسلك الباحث مسلكا تحليليا كيفيا وتفسيره تفسيرا منطقيا، بحيث تبرز قيمة مرحلة الاطلاع الواسع والمتشعب واستقصاء مختلف ألوان المعرفة والبيانات والمعلومات من مصادرها، وكلما كان عمله منظما كان تحليله وتفسيره مثمرا، هذا وللملاحظة العلمية شروط:
1-
أن تكون منظمة.
2-
أن تكون موضوعية.
3-
أن تكون دقيقة كما وكيفا.
4-
أن يكون الملاحظ مؤهلا للملاحظة ومدربا وفي وضع مادي "جسدي" ومعنوي "نفسي" يمكنه من الملاحظة.
5-
أن تسجل الأمور الملاحظة بسرعة، حتى لا يحورها النسيان.
6-
أن يوضع للملاحظة خطة علمية مرنة.
أما أنواع الملاحظة فهي:
1-
الملاحظة العفوية البسيطة.
2-
الملاحظة المقصودة والمضبوطة والمنظمة.
3-
الملاحظة الفردية والملاحظة الجماعية.
4-
الملاحظة في الطبيعة وتستعمل في العلوم الطبيعية وفي العلوم السلوكية.
5-
الملاحظة في المخبر.
6 الملاحظة في العيادة.
هذا وقد يخطئ الباحث في ملاحظاته، إما لأسباب نفسية أو شخصية، ويؤثر ذلك على تفسير الملاحظة، واستقرائها والربط بينها، وتبين علاقاتها المتبادلة، لهذا تفرق بعض البحوث العلمية بين الملاحظ والمفسر، وبشكل عام تكون الملاحظة الدقيقة نتيجة للممارسة والتدريب، ونتيجة لتوافر صفات في الملاحظ: الانتباه والاهتمام والموضوعية، والإحساس والاستعانة ببعض الأدوات حين اللزوم.
- الحقيقة:
الحقيقة حدث أو واقعة أو خبرة أو تغيير تتصف بقدر كبير من الثبات، ويؤيد وجودها أدلة صادقة يمكن حصرها في بحث معين، إن غاية البحث من الملاحظة هي الوصول إلى
الوقائع أو الحقائق، والعالم أقل قطعا بالنسبة إلى الحقائق، وأكثر شكا في الوقائع، يخضعها جميعها للبحث والتمحيص، ويقف منها موقف الناقد لتحقيقها.
تختلف إمكانية الوصول إلى الحقيقة من حال إلى حال، ومن بحث لآخر، فثمة حقائق شخصية "خاصة" تكمن في أعماق الفرد ولا يستطيع الإنسان الآخر الوصول إليها بسهولة، أو بصورة تامة، وإن كانت حقائق واقعة وبالنسبة لصاحبها "الآمال" وبدهي أن سلوك الفرد كثيرا ما يوحي بآماله، وأمانيه ويعبر عن مخاوفه وأسباب قلقه، وبهدف التوصل إلى مثل هذه الحقائق لا بد من فحص وتمحيص قد يكونا ممزوجين بالظن والتخمين.
نذكر هنا الملاحظة الشخصية وهي الاستبطان "Introspection"، وهي ملاحظة الإنسان لذاته ونظره في خبراته ووصفه لها وتعبيره عنها، وبما أن العلم موضوعي لهذا لا يمكن الاعتماد على الاستبطان من قبل المراقب الخارجي لاختلاف الملاحظة الشخصية بين الأشخاص "الخوف" وفي العلوم السلوكية يغلب العنصر الشخصي على العنصر الموضوعي عكس العلوم الطبيعية، لهذا يسعى علماء العلوم السلوكية لجعل علومهم تجريبية إحصائية كمية، ولقد فرق دالين بين مستويات ثلاثة للحقائق هي:
1-
مستوى الحقائق التي يكون الإنسان فيها واعيا لها عن طريق الخبرة الحسية المباشرة، وهي ليست إلا إحساسات، هي خبرات خام، تدرك مباشرة والإحساس بداية الإدراك، وهذا بدوره تفسير الإحساس.
2-
مستوى الحقائق التي يتعرف عليها الباحث، بوساطة وصفه خبراته المباشرة وتفسيرها، حيث يفسر المحس إحساساته في ضوء خبراته الماضية ومعارفه ليحصل على حقائق.
3-
مستوى الحقائق التي يتعرف عليها الباحث بوساطة قيامه بالاستقراء والاستنتاج، وعمليتي التجريب والتعميم، وهنا يعمل الباحث عقله، ويستخدم عمليتي التجريد
والتعميم، ويقوم بفاعلتي الاستقراء والاستنتاج، وحيثما أمكن يلجأ إلى التجريب فيصل إلى الحقائق الموضوعية، وهكذا تأكد الإنسان أن الأرض كرية.
هذا وإن المستويات الثلاثة متكاملة متواصلة، فبدون إحساس لا نصل إلى الحقائق، وبدون إدراك وتفسير لا نصل إلى الحقائق وبدون استدلال لا نصل إلى الحقائق1.
- النظرية:
تعرف النظرية بأنها: "كل مجرد من المفاهيم يتحد في سياق منطقي تقوم عليه معرفة علمية للظاهرات"2 والمقصود من النظرية في البحث العلمي: توضيح العلاقة بين السبب والأثر "Cause effectrelationship" بين المتغيرات، بهدف الشرح أو التنبؤ بظاهرات معينة، وبتعبير أوضح: النظرة أفكار مرتبطة ومنظمة تساعدنا على تفسير مجموعة من الظاهرات المعروفة أو المرصودة وتصلح أن تكون أساسا للتوقع أو التنبؤ3.
إن الباحث الذي يلاحظ والذي يجمع الحقائق ينتهي إلى "نظرية" تنظيم الحقائق، وتربط بين الوقائع، وتعطي تعليلا أوليا يسميه العلماء "فرضية" يجربونها" فإن ثبتت صحتها قبلت وأصبحت "قانونا" أو "حقيقة عامة" على الأقل، وإلا رفضت وعمد إلى "نظرية" أو "فرضية" أخرى حيث يعيد الباحث الكرة من التجريب والتمحيص والبحث، ومن العسير أن نرسم خطا فاصلا بين كل من الفرض والنظرية، والفرق بينهما هو في الدرجة لا في النوع، فالنظرية في مراحلها الأولى تسمى "الفرض" وعند اختبار الفرض بمزيد من الحقائق بحيث يتلاءم الفرض معها، فإن هذا الفرض يصبح نظرية.
ينتهي الباحث الذي يجمع ويلاحظ الحقائق إلى فرضية أو نظرية مؤقتة "Provisional Theory" قد تشمل شرحا وتفسيرا فإن كان خطأ تعاد الكرة من جديد من التجريب والتمحيص، وإن صحت فإنها تستمر، وقد تستمر النظرية لفترة طويلة من الزمن، حتى تكتشف طرق أخرى للبحث تؤدي إلى اكتشاف حقائق جديدة تطور الفرضية أو النظرية المؤقتة التي وضعت من قبل الباحث. ويمكننا تشبيه ذلك بنظرية "بطليموس" ومن بعده نظرية "كوبرنيكوس".
1 Van Dalen، D. B. "Understanding Educational Research". OP. cit ch3.
2 مجموعة من الاقتصاديين. الموسوعة الاقتصادية. مرجع سبق ذكره. ص499.
3 Thomas، R.S. Conkling، E. C، and Geates، M. H، "The Geography of Econ Omic Activity". M.C. Grew-Hill، New York 1968. p. 886.