الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: مشكلة التصميم والتفصيلات الإجرائية للتجربة
أ- مشكلة تصميم التجربة:
تتجسد مشكلة تصميم التجربة في أمرين رئيسين: ما تمليه التجربة وما يقرره المجرب.
1-
العوامل التي تمليها التجربة وتشمل:
المجرب عليهم والمتحولات الحرة، والمتحولات التابعة أو التوابع:
حين تحدد الفرضية من أجل وضعها موضع الاختبار، لا بد من تحديد الجماعة التي تنطبق عليها الفرضية، في حين أن الفرضيات السلوكية حينما تصاغ صياغة واسعة، توهم بأنها تنطبق على أنواع عديدة من المجرب عليهم، وفي تقارير التجارب التي قد يقرؤها القارئ، قد لا نجد ذكرا لجماعة خاصة من المجرب عليهم، لكننا لا نكاد نمضي في قراءة التقرير حتى نجد مثل هذا التحديد أو نستخلصه.
إضافة إلى تحديد الجماعة التي تنطبق عليها الفرضية، تشمل الفرضية بدورها على تحديد للمتحول أو لعدد من المتحولات الحرة، التي لا بد من تقليبها من أجل السير في التجربة وتنفيذها، وقد لا يكون للمتحول الحر أكثر من بعد واحد، أما في المتحولات التابعة، فإن التعريف الإجرائي يضيف مزيدا من التحديد للفرضية التي تختبر، لكننا قد
نحصل على نتائج سلبية للفرضية التي نختبرها علما أن الفرضية العامة ما تزال صحيحة، وذلك بسبب ترجمتنا لمصطلحاتها إلى تعريفات إجرائية.
2-
العوامل التي يقررها المجرب:
وتشمل تصنيف المجرب عليهم وتصنيف الشروط، ففي الحالة تصنيف المجرب عليهم وتصنيف الشروط هناك ثلاثة إمكانات: أن يقارن المجرب بين شرطين مختلفين، أو قيمتين مختلفتين للمتحول الحر نفسه، والمشكلة هي إذا كان من الواجب تطبيق الشرطين على نفس الفريق من المجرب عليهم أو على فريقين مختلفين، فإذا أخذنا بالحالة الأولى "نفس الفريق" يكون الإنجاز الذي يحققه الشخص تحت شرط ما ممكن المقارنة مع إنجازه تحت الشرط الآخر، كما أن مقارنة متوسط الفريق تحت كل شرط من الشرطين أمر ممكن أيضا، لكن مقارنة الشخص مع نفسه أمر مستحيل، ومقارنة متوسطي الفريق هو الاختبار الطبيعي للفرضية وهي الإمكانية الثانية.
أما الإمكانية الثالثة فهي تصنيف المجرب عليهم، وهي إخضاع المجرب عليهم لاختبار مبدئي ثم تصنيف الأشخاص في أزواج متعادلة على أساس من إنجازهم، ثم يعين المجرب أفرادا من كل زوج لكل مهمة بصورة عشوائية، وبدلا من مقارنة متوسطي الفريقين يمكن مقارنة الإنجازات الفردية ضمن الأزواج المتعادلة حيث يبين أثر المتحول الحر، هذا وهناك متحولات أخرى في الوضع التجريبي، يمكن أن تتخذ قيما خاصة في رأي المجرب، إضافة إلى المتحول التجريبي الذي تفرضه الفرضية التي يختبرها.
أما عدد المحاولات ومدة التجريب فهناك أمور يجب الالتزام بها، أولها مدة الجلسة التجريبية بحيث تسمح للمتحول الحر بالتأثير على المتحول التابع، وثانيها أن يقاس التقدير عددا من المرات أو خلال مدة من الزمن، تكفي لإعطاء تقدير يعتمد عليه، وثالثها ألا تكون مدة الجلسة طويلة لدرجة تسبب التعب أو الملل، بحيث يؤثران على
الإنجاز ومن الأفضل تقسيم المدة بين عدد من المحاولات بدلا من قصرها على محاولة واحدة طويلة، وفترة الاستراحة التي تفصل بين المحاولات المختلفة تساعد في منع ظهور التعب أو الملل، كما أن المقارنة بين إنجاز وآخر يساعد على اكتشاف التغير في الإنجاز يحدث فيما بين الجلسات.
ومن العوامل التي يقررها المجرب طريقة تقدير المثير للأمور المثيرة، مثل الكلمات أو الأشكال الهندسية، ويبدو أن طرائق تقديم الإثارة إلى المجرب عليهم يجب أن يتم اختيارها على أساس من الاعتبارات العملية فقط، كما أن صياغة الفرضية قد تملي اختيار المواد المثيرة في وجه من وجوه التجربة، ولكن بإمكان المجرب اختيار مواده وانتقاء المثيرات وبعدد كاف.
ومن هذه العوامل أيضا قياس الاستجابة، حيث يحدد المتحول التابع الذي تحدده الفرضية يحدد قياس السلوك المطلوب في تجربة سيكولوجية، والمبدأ الهام في القياس طريقة القياس، يجب ألا تتدخل تدخلا لا لزوم له في الاستجابة المقيسة.
هذا ولا بد من الإشارة إلى إرشادات المجرب نفسه، وهي الاطلاع على البحوث السابقة عن المشكلة نفسها، والتي استهدفت اختبار فرضيات مشابهة، وكذلك الإرشادات التي يستمدها المجرب من الدراسات القائمة، عن بعض محددات السلوكية ذات العلاقة بالدراسة، والتي تقدم إرشادات ثمينة في تصميم التجربة، ومن البديهي أننا في معظم الأحيان لا نجد الأجوبة الدقيقة في الدراسات السابقة، ولكننا نجد نتائج تجريبية ذات أهمية نستعين بها في بحثنا.
نشير أيضا إلى إلمام المجرب بمعلومات عن العمليات السلوكية والتحليل الإحصائي للمعلومات وهناك اعتبارات عملية ذات أهمية كبيرة، وهي المهارة في مداورة الصعوبات العملية دون أن يعرض المجرب اختبار الفرضية للخطر، وهو هدفه المنشود1.
1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية. المرجع السابق ص189-211.
ب- التفصيلات الإجرائية:
بحثنا الخطوط العريضة لتصميم التجارب، ونمعن النظر هنا في الأوضاع المخبرية:
1-
قيم المتحول الحر: تتنوع العوامل التي تبدو كمتحولات حرة في البحوث، وينوع المجربون أمورا من مثل شدة المثير، الوقت المسموح به للعمل، تعقد المشكلات المطلوب حلها، لهذا هناك اعتبارات توجهنا في انتقاء بعض القيم الكمية الخاصة للمتحولات الحرة، وذلك لاستعمالها في تجربة ما.
لننتخب متحولا حرا من أجل دراسته، ونختبر قيما مختلفة له، لأنها ستؤثر في الإنجاز بصورة متباينة، وإذا كنا نتوقع أن مثل هذا الفرق سيظهر في القياسات التي تكون للمتحول التابع، فمن الضروري أن نختار قيما للمتحول الحر تكون هي نفسها متباينة بمقدار ينتج فروقا بينة في السلوك، أي ينتج أثرا ذي معنى.
وبالرغم من ضرورة تنويع قيم المتحول الحر، تنويعا يكفي لإظهار أثرها في الإنجاز، فإنه من واجبنا عدم المبالغة، حتى لا نفقد العلاقة التي ندرسها، وخير ما يرشدنا إلى تعيين القيم التي نعينها للمتحول الحر في دراسة ما، قد ينجم عن تعرفنا على البحوث السابقة للظاهرة السلوكية نفسها، وهو أمر يلجأ إليه في كثير من تخطيطات البحث وذلك أنه من الممكن أن يكون عدد من هذه القيم كان قد استعمل في تجارب سابقة، وإذا كنا نغير بعض الشروط نعيد التجربة نفسها، فقد نختار القيم ذاتها التي كان قد استعملها المجرب السابق بحيث أن تجربتنا ونتائجها تصبح ممكنة المقارنة مع تجربته ونتائجها، أما إذا كنا نعمل على إقامة علاقة وظيفية بين المتحولات الحرة والمتحولات التابعة فقد نختار قيما وسيطة بالنسبة للقيم التي استعملت سابقا، وذلك من أجل أن نحدد الوظيفة الحسابية لهذا التتابع من القيم.
2-
المجرب عليهم: تبدأ البحوث السيكولوجية بأن يطلب الباحث من المجرب عليهم التعاون معه وتقبل تعليماته، ويعود هذا إلى إمكانية الباحث من صياغة
التعليمات، وفي مقدمتها التشويق للإسهام في التجربة، وإثارة روح المنافسة بين المجرب عليهم، أمر آخر هو ضرورة وضوح التعليمات ودقتها كي تكون النتائج صحيحة، والتأكد من استيعاب المجرب عليهم التعليمات لا أن يتظاهروا بذلك آملين أن يفهموا التعليمات من خلال ممارستهم للعمل المطلوب، وقد يستدعي الأمر تكرار بعض النقاط الهامة، بخاصة التعليمات التي تتطلب أعمالا مغايرة للعادات المألوفة، ومن المناسب تكرار لك قبل بداية التجربة.
إضافة إلى التعليمات التي تعطي عادة قبل بداية التجربة، قد يكون من المفيد أحيانا إعطاء التعليمات أثناء القيام بها، وبعد مرحلة معينة منها، مما يعمل على إعادة تشويق المجرب عليهم، وكثيرا ما يفيد في تنفيذ التجربة تغيير أوقات التجريب، وإعطاء تعليمات إضافية من أجل زيادة تبصر المجرب عليهم فيما يقومون به، هذا وهناك طرائق أخرى في إعطاء التعليمات سوى التعليمات الشفوية وذلك كالطرائق الكتابية مما يكون له الأثر الملموس في تشويق وتعزيز وإطلاع المجرب عليه على مدى حسن قيامه بالعمل.
3-
تسيير التجربة: وهو أمر على جانب كبير من الأهمية، وأهم وجوهها: التدريب المبدئي للمجرب عليهم وإعطائهم بعض الاقتراحات التي تساعدهم على القيام بمهمتهم، على أن لا يؤثر هذا التدريب في النتائج، وكثيرا ما يلجأ إلى تسجيل نتائج التدريب المبدئي وحسبانها في التحليل الأخير إذا لزم الأمر، هذا وللتدريب المبدئي أهمية في صياغة الفرضية، إذ إنها تتطلب جمع معلومات من المجرب عليهم.
أما الأمر الثاني فهو عزل المثيرات غير المرغوب فيها، وهو أمر شائع معروف في كثير من البحوث، وذلك على اعتبار أن هدف هذه البحوث هو في الأعم الأغلب تبيان أثر مثير ما في الإنجاز، لذلك فإن من واجب المجرب أن يحرص على أن لا يؤثر في النتائج إلا المثيرات المدروسة، وهذا أمر تحرص عليه الدراسات التي تتناول العمليات الحسية الإدراكية بخاصة وكل الدراسات السلوكية بعامة1.
1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية. المرجع السابق ص182-218.