الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: اختيار موضوع البحث
هي الخطوة الأولى في كل بحث، يختار الباحث فيها موضوعا يود استكشاف نواحيه ودراسته، وبتعبير آخر طرح مشكلة، هذه الخطوة الإيجابية هي التي تطلق إشارة البدء في العمل وتوجهه وتحدده، والباحث الأصيل هو الذي يعرف كيف يختار المشكلة، أو يعرف كيف يسأل ليأتي جواب له أهميته بالنسبة له، أهمية واقعية وقيمة وجودية، تتجاوب مع واقع قائم في المحيط المدروس.
يجد ناشئة الباحثين صعوبة في اختيار موضوعاتهم، وكثيرا ما يلجئون إلى بعض الباحثين بخاصة أساتذة الجامعات لتحديد موضوع البحث، وهي طريقة غير مستحسنة، فقد يقترح عليهم هؤلاء موضوعات لا تتفق والميول الحقيقية لهم، فيعثرون فيها وقلما يحسنونها، لهذا فإن اهتداء الباحث إلى بحث يحدده من خلال قراءته، وعكوفه على ما كتبه الباحثون من قبله في مجال بحثه، يجعله يستبين موضوعا يتفق وميوله، ولا بد للباحث من ثقافة واسعة كي يهتدي إلى بحث طريف أصيل، وبتعبير آخر تكون المشكلة موضوع البحث مبادرة ذاتية من الباحث، منبثقة من فضوله العلمي الخاص1.
ومن فوائد هذه الطريقة أن القراءة الواسعة والاطلاع تنشئ في عقل الباحث كثيرا من الأفكار والخواطر التي يمكن استغلالها فيما يبحث ويختار من موضوعات، وتنشئ في نفسه إحساسا عميقا بأنه سينفذ إلى أفكار وآراء لم يصل إليها من سبقه في البحث، وبهذا يخلص الباحث نفسه من الانقياد لأفكار الباحثين السابقين له، يدون الأفكار ليناقشها، ويضيف عليها أفكاره، لهذا كان التكون الأول للشخص الباحث أمرا ضروريا، وفي هذه الحالة يختار الباحث موضوعه الذي سيجعله المشكلة العلمية البحثية.
فإذا انبثقت المشكلة في ذهنه واتضحت أطرها عبر مطالعاته السابقة، يتم في هذه الحالة تحديده الأولي لها بيسر، وإلا فلا بد من أن يقوم بمزيد من القراءات والمطالعات الأولية، لكشف الأطر العامة للمشكلة، ومقابلات مع أشخاص بحثوا في مشكلة قريبة
1 Evan، K. M. "Planing Small Scale Research". Windser N. E. R. 1971، p30.
من المشكلة التي سيقوم ببحثها، ليضع من ثم هيكلا للمشكلة التي تجمعت بعض خيوطها لديه، ويقوم بتحليلها إلى عناصر ويضع مخططا مبدئيا للنقاط التي سيعالجها بالبحث والدراسة1.
ولقد ثبت بالتجربة أن طلبة البحوث الأكاديمية الذين يتوفقون لاختيار الموضوعات يكونون أكثر تفوقا بالعمل من أولئك الذين يفرض عليهم بحث معين، ومن أخطر الأشياء أن يبدأ الباحث حياته العلمية عالة على غيره من الباحثين ممن سبقوه، فإن ذلك يصبح خاصية من خواص بحوثه، وقد لا يستطيع أن يتحول فيما بعد باحثا بالمعنى الدقيق لكلمة باحث.
ومهما كان الأمر على الباحث عدم الإسراع في هذه المرحلة، عليه أن يتخير ويحدد ما له فائدة وقيمة علمية في مجال التخصص، وأن يكون منطلقا لدراسة علمية أوسع، إن طلبة الدراسات العليا يقومون باختيار موضوعاتهم، إما بناء على رغبة صادقة تتركز في ميادين معينة أو أنهم أثبتوا جدارة فيها، أو رغبة منهم بالتخصص في ميادين اختاروها لأنفسهم حينما حصلوا على درجة الماجستير لتصبح قاعدة للتخصص في مرحلة الدكتوراة، ولا شك أن الميل المرتبط بالتفوق يقوي الحدس، الأمر الذي يمهد لظهور أفكار سديدة.
هناك أسس أخرى لاختيار موضوع البحث هي: بروز أهمية كبيرة لظاهرات معينة أو جدال حول مسألة معينة ويراد حسمه بالبحث العلمي، أو ورود الموضوع تلقائيا على خاطر الباحث وانبثاقه في ذهنه أثناء فترة انشغاله بالتفكير في موضوع يجعله مركز نشاطه البحثي، وقد يطرح أثناء مناقشة علمية، أو حديث عام، أو نتيجة الصدفة أثناء قراءات الباحث واطلاعاته.
ومهما كانت أسباب اختيار البحث، على الباحث أن يلتزم بمعايير ذاتية وأخرى علمية وأخيرة تتعلق بظروف تنفيذ البحث من حيث المعايير المدانية والزمنية والمادية.
1 Pick L. J. Ford E. W Smith. "A Student Handbook on note Taking، Essay Witing study and thesis Presentation" london. 1961، p39.
1-
أن يتم اختيار البحث ذاتيا وبتأن للأسباب التي ذكرناها أعلاه.
2-
أن يلاقي البحث المختار حبا من الباحث، ويعني ذلك الرغبة الصادقة المخلصة في كشف مختلف جوانب البحث الغامضة بموضوعية، والوصول إلى الحقيقة، وما دام حب البحث لذاته وابتغاء الحقيقة هو الهدف والمحدد لسير عمل الباحث، فلا يهم أن يكون الموضوع متناقضا أو منسجما مع ميول الباحث وعواطفه.
3-
أن تكون المشكلة المطروحة بقدر طاقة الباحث على العمل من النواحي الفكرية وإمكانية حصوله على مصادر البحث ومراجعه، وإن وجود قاعدة واسعة من القراءة والاطلاع من الأمور الهامة في إجراء البحوث، بحيث يتخير الباحث مجموعة من المصادر في حقل التخصص، متنوعة من حيث الزمن والمدارس والمناهج، مما يقوده إلى اكتشاف بحوث وموضوعات تقوده إلى مزيد من الدراسة والبحث.
4-
أن تكون المشكلة المختارة جديدة في عنوانها ومضمونها، أي أن تضيف معرفة جديدة، وهنا يتساءل الباحث فيما إذا كانت هذه المشكلة قد بحثت من قبل، وإذا رغب ببحثها إما أن يكون السبب تغيير المنهج أو الطريقة، أو وقوفه على أصول تسوغ إعادة البحث من جديد، أو إذا كان متشككا بنتائج البحث، مستندا في كل ذلك على أساس علم يبرر علمه.
هذا وبإمكان الباحث الإلمام بالبحوث المنجزة، المنشورة وغير المنشورة، وكذلك البحوث غير المنجزة، والتي يقوم الباحثون بإنجازها ولم تنشر تقاريرها بعد، وذلك من خلال الحاسب الآلي "الكومبيوتر" حيث تعمد الدول المتقدمة إلى إنشاء مراكز تبادل المعلومات العلمية، وفي المجال الأكاديمي أخذت بعض الدول العربية بإصدار نشرات تتضمن إنتاجها العلمي من البحوث المنجزة خلال سنوات إنجازها.
5-
معيار هام وهو ألا يكون البحث المختار واسعا جدا أو ضيقا جدا، وكلما كان ضيقا كان أكثر صلاحية للبحث والدراسة، بحيث يلم الباحث وبخاصة المبتدئ
بأطراف البحث وتفاصيله، ويتعمق بأغواره، ويحيط بمادته ومصادره، آخذا بالاعتبار أن حدود البحث الواسعة قد تعرض إلى نقص جوانب فيه، قد تكون جوانب رئيسة، مما يعرض البحث إلى الضعف والضحولة بالقياس إلى من سلفه من الباحثين في المجال نفسه، ومما يجعله مضطرا للاستعانة بغيره، بآراء من سبقه من الباحثين، وقد يتحول إلى مسجل دون آراءهم وأفكارهم ونتائج بحوثهم، دون أن يستطيع الإضافة إليها شيئا ذا بال، كما أن دراسة موضوع محدد في تفصيل وشمول أفضل بكثير من تقديم دراسات عامة حول موضوع واسع لا يخدم البحث العلمي في اتجاهاته الحديثة.
إن الحجم والكم في البحث العلمي ليس ذا قيمة علمية، وكثيرا ما يتعرض الباحث لبحث متعدد الجوانب، تحف به سعة الموضوع، وفي هذه الحالة علية أن يختار جانبا يفتقر إلى دراسة مستقلة متعمقة ويستنبط منها ما هو حري بالإضافة إلى البحوث والعلمية، ولا يعني ما ذكرناه أن يكون البحث ضيقا جدا فهو بحد ذاته لا يتحمل في حدوده تأليف رسالة علمية، كما يعاني الباحث كثيرا في معالجتها.
6-
ألا يكون موضوع البحث من الموضوعات التي يشتد الخلاف حولها، أو أنه موضوع علمي معقد أو غامض، وفي هذه الحالة يحتاج البحث إلى فحص وتمحيص، ومن الصعب أن يكون الباحث موضوعيا في الوقت الذي تكون فيه الحقائق والوقائع مختلفا فيها، كما أن الموضوعات العلمية المعقدة تحتاج إلى تقنية عالية، وهي بحد ذاتها صعبة على الباحث المبتدئ في هذه المرحلة، أما الموضوعات الغامضة فيتبعها غموض الفكرة، بحيث لا تمكن الباحث أن يضيف المعلومات والبيانات التي تكون ركيزة هامة في إعداد مثل هذه البحوث بسهولة، مما يجعل من الصعوبة بمكان الخروج برؤية وتصور واضح للموضوع.
7-
أن يكون البحث ذا فائدة علمية، فالبحوث العلمية لها أهميتها في بناء الفكر والنظرية، وهذه بحد ذاتها تفيد جهات أخرى لغايات عملية تطبيقية.
8-
أن يستفاد من تعميم نتائج البحث، بأن يختار الباحث بحثا له طابع الشمول، يسهل تعميم نتائج على الحالات المشابهة، مما يعطي البحث أهمية وقيمة علمية واجتماعية كبيرة.
9-
يميز البحث الجيد بأنه يوجه الاهتمام إلى موضوع ما، وتقويم المشكلة يكون من خلال قدرتها على إثارة اهتمام الباحثين، بمعالجة جوانب أخرى من البحث، ولهذا فإن كشف بحث ما عن مجالات جديدة تحتاج إلى بحث هي في حد ذاتها نتيجة هامة للبحث، إن البحث الجيد يكشف عن مشكلات هامة تتطلب أبحاثا جديدة متعددة مكملة أو ضابطة أو مصممة.
10-
إن مدى إمكانية الاستعانة بالخبراء أو المتخصصين في موضوع البحث أمر هام بهدف الوصول إلى التصميم الفعال والشمولي للبحث المراد تنفيذه، وفق الأهداف المتوخاة منه.
11-
تتطلب بعض البحوث التأكد من توافر ظروف العمل الميداني، لتنفيذ الباحث منهاجه، وهو أمر ضروري ومن الأهمية بمكان، بمعنى أن المصادر البشرية لجمع البيانات بوساطة "الاستبيان" أو المقابلة الشخصية مستعدة للتعاون والإدلاء بالمطلوب، وقد يتطلب البحث نوعا من المشاركة بالملاحظة فإن لم تتوفر هذه الظروف فلا مناص للباحث من العدول عن بحثه إلى بحث آخر.
12-
إن الزمن الذي يستغرقه البحث بالغ الأهمية بالنسبة للباحث، ويتراوح ذلك بين الوقت القصير والوقت الطويل، تبعا لموضوع البحث من جهة ونشاط الباحث من جهة معينة أو مفروضا ووضع الباحث إن كان متفرغا لتنفيذ البحث أو غير متفرغ، ومدى توافر مصادر المعلومات والبيانات
…
13-
من المعايير الهامة في اختيار مشكلة البحث طاقة الباحث المادية، وتعير بعض الدول انتباهها للإمكانات المادية بشكل جيد، وبعضها لا تعيره الاهتمام المناسب كما هو الحال في الدول العربية، ولهذه الإمكانات أهمية بالنسبة لبعض البحوث، بخاصة حينما تكون لهذه البحوث آثارا على المجتمع، ولعل ما يشكو منه الباحثون ويسعون إليه هو رفع مستوى الإنفاق على البحث العلمي فيها.