الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: أهداف العلم
إن الهدف الأساسي للعلم هو التوصل إلى النظرية، والنظرية: هي بنيان من المفاهيم المترابطة والتعريفات والمقولات، التي تقدم نظرة نظامية إلى الحوادث بوساطة تحديد العلاقات بين المتحولات بهدف تفسير الحوادث والتنبؤ عنها، مثال ذلك: قد يكون الباحث نظرية عن أسباب الفشل في مهنة ما، وقد تكون متحولاته هي مقدار الذكاء، العمر، الخبرة، القلق و
…
إن الحادث المطلوب تفسيره هو الفشل في مهنة ما، والفشل في هذه الحالة يفسر بعلاقات محدودة بين كل من المتحولات المذكورة والفشل في هذه المهنة وبين مجموعة المتحولات والإخفاق في العمل، والعالم الذي يستخدم هذه المفاهيم بنجاح، يدرك سبب الإخفاق، ويصبح قادرا على تفسير هذا الإخفاق أو إلى حد ما قادرا على التنبؤ به1.
يتضح من ذلك أن التفسير والتنبؤ من جملة مضامين النظرية، وبالفعل فإن النظرية تفترض القدرة على تفسير الحوادث الملحوظة، وإذا قبلنا بأن النظرية هي الهدف الأساسي للعلم لأصبح: التفسير والفهم فرعان من هذا الهدف الأصلي، ويعني الفهم والتفسير الربط بين ما لم يكن معلوما لنا ثم كشفناه، وبين ما هو معلوم لنا ومختزن في ذهننا من قبل، أي كشف العلاقات التي تقوم بين الظاهرات المختلفة وإدراك الارتباط بين الظاهرات المراد تفسيرها، وبين الأحداث التي تلازمها أو تسبقها، ففهم الهجرة من الريف إلى المدن وتفسيرها، لا يتحقق ما لم تربط بينها وبين متغيرات وظروف أخرى خارجة عنها، ويعد وجودها سببا في حدوثها، كعوامل الطرد الموجودة في بعض القرى التي تصدر عمالها الزراعيين، وعوامل الجذب في المدن الصناعية التي تستقطبهم.
أما التنبؤ القائم على أساس الفهم، فهو من أهداف العلم الرئيسة، لأنه بعد فهم ظاهرة الهجرة من القرية إلى المدينة، وتصور وجود علاقة وظيفية بين فاعليات كل
1 المرجع السابق، ص 33.
منهما وبين الهجرة الحادثة بينهما، لا يكتفي بهذ القدر من الفهم، إذ المتوقع الإفادة من النتائج التي أمكن الوصول إليها، وذلك بمحاولة الاسنتاج من العلاقة الوظيفية التي كشف نتائج أخرى يمكن أن تنسق معها، وبعبارة أوضح، إن المبادئ المتعلقة بالهجرة الريفية، التي أمكن استقراؤها بالبحث العلمي، يمكن تعميمها على جوانب جزئية أخرى غير تلك التي بحثناها، لكي نفيد من ذلك في أوسع مجال ممكن، فالتنبؤ إذن معناه تيقن انطباق المبادئ أو القواعد العامة التي يوصل إليها البحث العلمي، على حالات أخرى في أوضاع مختلفة عن تلك التي سبق استقراؤها منها، والتنبؤ على هذه الصورة يساعد على تحقيق المزيد من الفهم والقدر الأكبر من التفسير وتحصيل الجديد من العلم، لأنه خطوة هامة في إكمال عملية البحث العلمي، وهي محاولة التحقيق من صحة المعلومات التي أمكن الحصول عليها، فإذا ثبت صحة التنبؤات، فعندئذ يجب إعادة النظر بالبيانات أو إعادة البحث في ضوء المزيد منها، أو باستخدام غيرها أو تغيير طرائق البحث.
ومن الأهداف الرئيسة للعلم، التحكم الذي يعني معالجة الأوضاع والظروف التي ظهر يقينا أنها تحدث الظاهرة، بشكل يتيح تحقيق هدف معين، والقدرة على التحكم تزداد كلما زاد الفهم وازدادت بالتالي القدرة على التنبؤ، يضاف إلى ذلك أن نجاح التحكم في الظاهرة وتكرره، هو في الوقت ذاته اختبار لمدى سلامة الفهم والتفسير، ومقدار صحة التنبؤات بخصوص الظاهرة المبحوثة، ففهم ظاهرة الهجرة الريفية وآثارها في المدينة الصناعية وتفسيرها وما يترتب على هذا الفهم والتفسير من قدرة على التنبؤ بما يحدث في أوضاع وظروف أخرى مماثلة، يساعد في تعديل هذه الأوضاع وتلك الظروف بالشكل الذي يمنع حدوث الظاهرة، أو يخفف من حدتها أو يغير مسارها1.
1 حسن ساعاتي. تصميم البحوث الاجتماعية. دار النهضة العربية، بيروت، 1982، ص32-33.