الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: البناءات والمتحولات
يعمل العلماء على مستويين: مستوى النظرية والفرضية ومستوى الملاحظة، ويتراوح العلماء بين هذين المستويين، فالعالم حينما يصوغ مقولات ربطية ويستعمل المفاهيم والبناءات فإنه يعمل في مستوى النظرية والفرضية والبناء، وحينما يجمع المعلومات التي تمكنه من اختبار فرضية ينتقل من مستوى البناء إلى مستوى الملاحظة، كقوله:"عدم هطول الأمطار بسبب تدهورا في الثروة المائية" فالهطول والتدهور مفهومان تربط بينهما كلمة يسبب، وعلى الباحث أن يعرف هذين البناءين بشكل يجعل الملاحظة ممكنة.
يتشابه المصطلحان "مفهوم" و"بناء" بمعناهما، رغم ذلك نميز بينهما، فالمفهوم يعبر عن تجريد حصل نتيجة تعميم من الحالات الخاصة: الوزن مفهوم يعبر عن ملاحظات عديدة تناولت أشياء خفيفة أو ثقيلة، كذلك الكتلة والقوة والطاقة يستعملها علماء الطبيعة، وهي أقل تجريدا من مفاهيم الطول والوزن والارتفاع وأمثالها، وفي العلوم التربوية يعني طالبها بمفهوم "الإنجاز" وهو تجريد كون بعد ملاحظة عدد من أنواع السلوك كذلك الذكاء والشرف و
…
- البناء "Constrict": مفهوم، لكن له معنى إضافيا حينما يتبنى غرضا علميا معينا، فالذكاء مفهوم، أما حينما يكون بناء، فإنه يعني شيئا يزيد أو ينقص عن مفهوم
الذكاء، فالإنجاز المدرسي هو وظيفة من وظائف الذكاء، وهو "الذكاء" محدد ومعرف بطريقة يمكن ملاحظته وقياسه.
- المتحولات: وهي البناءات والخصائص التي يدرسها العلماء أمثال الدخل، الطبقات الاجتماعية الذكاء، الإنجاز. فالمتحول هو خاصية تكون لها قيم مختلفة، أو المتحول أمر يتحول والتعريف الدقيق لمصطلح متحول هو: رمز يمكن أن تنسب له قيم، وقد يكون للمتحول قيمة أو أكثر فالجنس متحول له قيمتان، والدين متعدد المتحولات "Polytomies"، ومن الشائع في العلوم السلوكية وبحوثها تحويل المتحولات المستمرة إلى متحولات ثنائية أو متعددة، وهكذا فالذكاء وهو متحول يقسم إلى ذكاء عال وآخر متوسط وثالث منخفض، والحرارة قد تكون عالية أو متوسطة أو منخفضة، ولكن بعض المتحولات يستحيل تحويلها إلى متحولات مستمرة مثل الجنس.
ميزنا بين المفهوم والبناء، ونميز الآن بين البناء والمتحول: نعرف الكلمات أو البناءات بطريقتين عامتين: أولهما تعريف بكلمات أخرى وهذا ما تفعله المعاجم وثانيهما أن نعرف كلمة بالدلالة على الأعمال أو أنواع السلوك التي تعبر عنها أو تشتمل عليها، وهكذا بدلا من قولنا: إن الذكاء هو القدرة على التفكير المجرد، نقول: من يستطيع فهم هذا الموضوع هو من مستوى ذكي، ولكن في كلامنا هذا عدم دقة رغم أننا نلجأ إلى الطريقتين لهذا نورد تفريقا بين التعريفات التكوينية "Constitutive" والتعريفات الإجرائية "Operational".
التعريف التكويني: يعرف البناء ببناءات أخرى مثلا نعرف الوزن بأنه ثقل الأشياء أي عرفنا مفهوما بمفهوم آخر أما التعريف الإجرائي: فيحدد معنى البناء أو المتحول بوساطة تعيين الفعاليات أو الإجراءات الضرورية لقياسه، وهو بمعنى آخر نوع من دفتر التعليمات الذي يعطي للباحث يحدد فيه الفعل والطريقة، أي أنه يحدد المتحول أو يعرفه عن طريق الإشارة إلى ما يجب على الباحث عمله من أجل قياسه. وهناك نوعان من
التعريفات الإجرائية:
1-
المقيس.
2-
التجريبي.
فالأول يصف كمية قياس متحول ما، مثلا نعرف الإنجاز بوساطة قياس المنجزات كما، أما التعريف الإجرائي التجريبي فيذكر تفاصيل العمليات "الإجراءات" التي يقوم بها الباحث في تقليبه وتعامله مع المتحول، والباحثون العلميون يواجهون ضرورة قياس المتحولات في العلاقات التي يدرسونها ففي بعض الأحيان يكون القياس سهلا وفي بعضها الآخر يكون عسيرا فقياس الطبقة الاجتماعية أمر سهل ولكن قياس الإبداع أمر صعب.
التعريفات الإجرائية أمور لا يستغنى عنها في البحث العلمي، لأنها تمكن الباحثين من قياس المتحولات، وهي جسور تصل بين مستوى "النظرية والفرضية والبناء" ومستوى "الملاحظة" فمن غير الممكن وجود بحث علمي دون ملاحظة، والملاحظة بدورها مستحيلة بدون تعليمات واضحة محددة عما يجب ملاحظته وكيفية ملاحظته، وما التعريفات الإجرائية إلا هذه التعليمات ورغم أهمية هذه التعريفات إلا أنها لا تقدم إلا معاني محدودة للبناءات وبالتالي فإن المتحولات التي يقوم العلماء بقياسها هي دوما محدودة المعنى ومخصصة، فالإبداع الذي يدرسه علماء النفس ليس هو الإبداع الذي يشير إليه القانون، بالرغم من وجود عناصر مشتركة بينهما. هذا وإن الإصرار على أن كل مصطلح نستعمله في حوارنا العلمي يجب أن يعرف إجرائيا فيه تضييق شديد وتحديد أشد وهو بالتالي غير مفيد علميا.
يمكن تصنيف المتحولات تصنيفات عديدة:
1-
المتحولات الحرة والمتحولات التابعة: وهي أهم طرائق تصنيف المتحولات وأكثرها فائدة لسهولة تطبيقها وبساطتها وأهميتها في تجديد البحث وعرضه فالمتحول الحر هو السبب المفترض للمتحول التابع الذي يعتبر النتيجة المفترضة له، والمصطلحان مستعاران من الرياضيات، وفي التجارب العلمية يكون المتحول الحر هو المتحول الذي يحوله المجرب، والمتحول التابع هو المتحول الذي ينشأ به في حين أن المتحول الحر هو
المتحول الذي يتنبأ منه، والعلاقة بين المتحول الحر والمتحول التابع تتضح أكثر إذا رسمنا محورين بزاوية قائمة بينهما يمثل الواحد منهما محور السينات وآخر محور العينات وللرياضيات في هذا الصدد طرائق معروفة لا مجال لذكرها.
2-
المتحولات الفعالة والمتحولات المنسوبة: من التصنيفات المفيدة في البحث العلمي تصنيف يقوم على التمييز بين المتحولات التجريبية والمتحولات المقيسة، والمهم في تخطيط البحوث وتنفيذها أن نميز بين هذين النوعين من المتحولات، إن المتحولات التي نجرب فيها ونغير ونبدل تسمى متحولات "فعالة" أما المتحولات المقيسة فتسمى "منسوبة"، وهكذا كل متحول منسوب، وجدير بالذكر أن بعض "المتحولات" صعب تحويلها، ولذلك فهي منسوبة مثل الذكاء والجنس وصفات الطبع، والتفريق بين المتحولات الفعالة والمتحولات المنسوبة مفيد وعام ومرن، وبعض المتحولات لا تكون إلا منسوبة، في حين أن بعضها الآخر يكون حينا منسوبا وحينا آخر فعالا مثال ذلك القلق.
3-
المتحولات المستمرة والمتحولات الرمزية: من المفيد في تخطيط البحث وتحليل المعلومات التمييز بين المتحولات المستمرة والمتحولات الرمزية، فالمتحول المستمر قادر على أن يتخذ مجموعة مستمرة من القيم وفق معيار معين. أما المتحولات الرمزية فهي تنتمي إلى نوع من القياس يسمى قياسا اسميا مثلا الفرد ذكر أو أنثى، وقد يكون هناك قياسا أكثر من صفتين تنتسب إلى واحدة منهما، وقد اصطلح البعض مصطلح "المتحولات الكيفية" بدلا من "المتحولات الرمزية" لا سيما بالنسبة للمتحولات الثنائية، وذلك تمييزا لها عن "المتحولات الكمية" أو "المتحولات المستمرة" والتي هي ذات صفة كمية عددية.
إن الفرق بين البناءات والمتحولات أن البناءات ليست ملحوظة، بينما المتحولات حين
تعرف إجرائيا تكون ملحوظة، ولقد سميت البناءات بالمتحولات المتدخلة "Intervening varibles" وهي لا ترى ولا تسمع ولا يحس بها، وإنما تستخلص من السلوك، مثال ذلك التعلم يستخلص من روائز الإنجاز، والقلق يستخلص من ضربات القلب
…
العالم حينما يستعمل مثل هذه المصطلحات ينتبه إلى أنه يتكلم عن بناءات اخترعها واستخلص واقعيتها من السلوك1.
1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية. مرجع سبق ذكره ص60-72.
وأيضا: Northrop، "The Logic of the Scinces and the humanities". New Yark Macmillan 1947.