الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: العلم والتفكير العلمي
الفصل الأول: العلم والبحث العلمي
المبحث الأول: العلم
…
ما هو
…
الفصل الأول: العلم والبحث العلمي:
المبحث الأول: العلم
…
ما هو؟
مفهوم العلم: العلم لغة مصدر لكلمة علم، وعلم الشيء عرفه، علم الشيء علما عرفه، ورجل علامة أي عالم جدا، وقد تعددت مفاهيمه واختلفت، ويعود هذا إلى اختلاف وجهات النظر الموضوع العلم وطبيعته، فمن المفكرين من يرى أن كلمة علم بمعنى "Science"، يقصد بها مجال كليات العلوم، فيما يميل البعض الآخر إلى توسيع مدلوله، بحث يضم مجال كليات العلوم والبحوث الجادة الموضوعية في التاريخ والآداب والفنون، وآخرون يحددون العلم من خلال منهاجه الذي يرتكز على دعائم أساسية كفرض الفروض "Hypotheses" والملاحظة "Observation"وإجراء التجارب "Experiments" ما أمكن، ثم مرحلة قبول الفرض وصياغته في نظرية، أو ربما رفضه، والمنطق في كل ذلك استقراء "Induction"، واستنتاج "Deduction".
ومما يزيد الأمر تعقيدا، الفهم غير الدقيق لكلمة عالم، بحيث يعتقد أن العالم هو شخص من نوع خاص، يعالج الحقائق في المختبرات، ومفهوم آخر يتلخص بأن العالم إنسان يحسن التفكير ويضع النظريات المعقدة، وثالثها بأن أهداف العالم زيادة
المخترعات والمكتشفات، هذه المفاهيم تعيق فهم العلم وتفهم فاعليات العالم وتفكيره، بل وتفهم البحث العلمي بصورة عامة، وتجعل مهمة القيام به مهمة صعبة.
لقد عرف العلم بأنه مجموعة من الحقائق، يأتي بها بحث موضوعي مجرد، وتعريف أكاديمي يقول: إن العلم مجموعة الخبرات الإنسانية التي تجعل الإنسان قادرا على التقدير، أو إن العلم هو فهم ظاهرات الكون، أسبابها وآثارها، والمفهومان لهما مضمون مشترك هو المقدرة على ربط الأسباب بالمسببات.
ومن التعريفات أن العلم مجموعة من المعارف الإنسانية، التي من شأنها أن تساعد على زيادة رفاهية الإنسان، أو أن تساعد على صراعه في معركة تنازع البقاء، وبقاء الأصلح، ويرى هاركوت براون "Harcourt Brown" أن كلمة العلم "Scince" تركيبة فكرية وليست مجموعة من العبارات التي ينطق بها الإنسان ليثبت ما يراه من خلال تطورات، يظن أنها تؤيد وجهة نظر ما، أي أنه يقصد بالعلم معنى محددا يتمثل في ثورة فكرية1 "Intellectual Revolution".
أما كارل بيرسون "Karlpearson" فيرى أن ميدان العلم غير محدد
…
كل مجموعة من الظاهرات الطبيعية، كل طور من أطوار الحياة الاجتماعية، كل مرحلة من مراحل التطور القديم أو الحديث
…
كل ذلك يعتبر مادة للعلم2.
ويرى المؤرخ هربرت بترفيلد "Harbert Butterfield" أن العلم طور جديد من المعرفة واتجاه فكري جديد، استوجب البحث في أسسه، فضلا عن أنه استوجب دراسات جديدة، ومناهج مبتكرة لمعالجة ظاهرات المجتمع ومشكلاته، ولعل أكثر ما يشدده بترفيلد في تصوره العلم هو حدوث ثورة علمية أكيدة، وتغيرات جذرية في ميدان العلم نفسه، وفي تشكيل وإعادة تشكيل الحياة الاجتماعية ذاتها.
1 Brown، H. "The renaissance and historians of Science Studies in the Renaissance". Vol Vll. 1960.
2 Pearson، K، "Grammar of Science" 2ed. 1900.
أما قاموس "ويستر"1 الجديد فقد عرف العلم: بأنه المعرفة المنسقة "Systematized Knowledge" التي تنشأ عن الملاحظة والدراسة والتجريب، والتي تتم بغرض تجديد طبيعة أو أسس أو أصول ما تتم دراسته، إنه فرع من فروع المعرفة أو الدراسة، خصوصا ذلك الفرع المتعلق بتنسيق وترسيخ الحقائق والمبادئ والمناهج بوساطة التجارب والفروض.
ويعرف قاموس "أكسفورد" المختصر العلم بأنه: هو ذلك الفرع من الدراسة الذي يتعلق بجسد مترابط من الحقائق الثابتة المصنفة، والتي تحكمها قوانين عامة، وتحتوي على طرق ومناهج موثوق بها، لاكتشاف الحقائق الجديدة في نطاق هذه الدراسة.
ولعل أكثر التعاريف شمولا أن نقول: "إن العلم يضم كل بحث عن الحقيقة، يجري منزها عن الأهواء والأغراض، يعرض الحقيقة صادقة، بمنهج يرتكز على دعائم أساسية" ويجدد هذا التعريف المعنى الذي نقصده.
وبهدف الدقة والتوضيح لا بد من التمييز بين نظرتين واسعتين للعلم في العالم العلمي: النظرة السكونية "Static"، والنظرة الديناميكية "Dynamic" ترى الأولى أن العلم فاعلية تسهم في المعرفة النظامية للعالم، وأن عمل العالم هو اكتشاف حقائق جديدة وإضافتها إلى الحقائق المعروفة سابقا، بل إن العلم هو مجموعة من الحقائق وهو طريقة لتفسير الحوادث الملحوظة، ففي هذه الحالة يكون التشديد على الحالة الحاضرة للمعرفة وإضافتها إليها.
أما الثانية: فهي تنظر إلى ما يفعله العالم، وأن الحالة الحاضرة هي منطلق إلى المزيد من النظريات والبحوث، أي أنها تتشدد في أهمية النظريات والمخططات التي تساعد على الاكتشاف والمزيد من البحوث بهدف الاكتشاف، ويكون الاهتمام الأشد بالعمل الإبداعي وليس الروتيني أي أن العالم ينطلق من المعارف الراهنة إلى مزيد من النظريات والاكتشافات والبحوث.
1 Webster، s، Twentieth Century "dictionary of English Language". 1960. p. 1622.
وكما ميزنا بين نظرتين للعلم، فإننا نميز بين نظرتين لوظائف العلم: ترى الأولى أن الإنسان العملي وغير العالم ينظر إلى العلم بأنه فاعلية تهدف إلى تحسين الأمور وتقدم الإنسان، فوظيفة العلم وفق هذه النظرية هي الاكتشاف والتوصل إلى الحقائق ودفع المعرفة إلى الأمام من أجل تحقيق التقدم، والفروع العلمية التي تحقق ذلك، تلقى تشجيعا وتأييدا واسعين.
أما النظرية الثانية فترى أن وظيفة العلم هي التوصل إلى القوانين العامة التي تتحكم في سلوك الكائنات التي يهتم العلم بها، ثم الربط بين هذه القوانين، وتنظيم المعرفة بحيث تتمكن من التنبؤ بالوقائع وبالتالي من ضبطها، ولا بد من الإشارة إلى أن هذه النظرة تعير القوانين العامة والنظريات الشاملة، وإمكانية التنبؤ والقدرة على الضبط والتوجيه أهمية ملموسة، ولا شك أن العلوم الإنسانية بحاجة ماسة لتبني مثل هذه النظرية.
هذا وإن كثيرا من باحثي القرن التاسع عشر، الذين درسوا ظاهرة العلم، يرون أن مسيرة العلم وإن تذبذبت وأصابها ركود بين فترة وأخرى، إلا أنها ظاهرة طبيعية وحتمية، نظرا لما يعترض سبيلها من عوائق وتيارات معارضة، وكان أندرو ديكسن وايت Andrew Dickson Wite" "1832-1918" من أشهر الذين أخذوا بهذا الرأي1.
1 Wite، Andrew Dickson، "Hisotry of the Warfare of Science with the Theology". New york، Afree press paper Boock 1963.