الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: مراحل البحث التاريخي
إن الهدف من البحث التاريخي هو صنع معرفة علمية من الماضي الإنساني، ونعني بالعلمية أنها تستند إلى طائق عقلانية توصل إلى الحقيقة بقدر ما تسمح به الظروف التي تخضع لها، وهي ظروف تقنية "طبيعة الوثائق المستخدمة ووجودها" وظروف منطقية "تلك التي تحللها نظرية المعرفة"، هذا وإن مراحل أو خطوات صنع المعرفة العلمية هي:
1-
اختيار الموضوع.
2-
تقميش المصادر.
3-
النقد.
4-
التركيب.
5-
إنشاء الموضوع1.
أي:
1-
اختيار المشكلة.
2-
جمع الحقائق والوثائق وتدوينها.
3-
نقد الوقائع والحقائق.
4-
صياغة الفرضيات التي تفسر الأحداث واختبارها.
5-
تفسير نتائج البحث وكتابة تقرير عنه2.
- اختيار موضوع البحث:
إن الأصول العامة لاختيار موضع المشكلة المراد بحثها واحدة في كل المناهج:
1 المرجع السابق ص164.
2 فاخر عاقل: أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية، مرجع سبق ذكره، ص101-102.
التاريخي منها والوصفي والتجريبي، ويعني اختيار المشكلة اختيار موضوع البحث، أي طرح مشكلة تتعلق بالماضي كون لها أهمية واقعية وقيمة وجودية، والباحث الأصيل هو الذي يعرف كيف يختار المشكلة الحقيقية، ولقد كان المؤرخ التربوي الإنكليزي "اللورد أكتون" يوصي طلابه بجامعة كمبردج بقوله:"ادرسوا مشكلات لا فترات زمنية".
إن المشكلة المطروحة يجب أن تنطلق من المبادرة الذاتية للباحث التاريخي، وتنبثق من فضوله العلمي الخاص وأن تكون جديدة في عنوانها ومضمونها، تضيف جديدا إلى المعرفة التاريخية، أكان في ميدان التوثيق أو في مجال التركيب، وقد يعيد بعض الباحثين موضوعات طرحت سابقا، إذا وجدت أصول تاريخية جديدة تسوغ إعادة بحث الموضوع من جديد، وإسقاط أضواء جديدة على بعض مناحيه، وأن تكون المشكلة بقدر طاقة الباحث على العمل ومدى قدرته على الحصول على الأصول الضرورية، وأن تكون هذه الأصول قادرة على تقديم ما يوضح المشكلة ويحلها، وأن تكون المشكلة بعيدة ما لا يقل خمسين عاما عن زمن الباحث1، وقد يدفع الباحث للمشكلة دفعا نتيجة الصدفة وهذا كثير في التاريخ القديم، حيث الوثائق نادرة.
عند تعيين الباحث لمشكلة بحثه يكون في أحد وضعين إما أن المشكلة انبثقت في ذهنه واتضحت إحداها وعندئذ تم تحديدها بيسر أو أن يكون خالي الذهن عنها، أو أن الغموض يكتنفها في فكره، حينئذ يلجأ إلى القراءة والمطالعة، ليكون خلفية ثقافية يحدد عليها موقع المشكلة، ويقوم ببحث عام أولى عن مصادر المشكلة، ويلجأ بالاستفسار ممن لهم خلفية عن هذه المشكلة، ومن ثم يضع مخططا أوليا للنقاط التي سوف يعالجها بالبحث والدراسة وبهذا يتكون هيكل الموضوع وعنوانه.
- جمع الحقائق والوثائق وتدوينها:
إن وسيلة الإجابة على المشكلة هي جمع المصادر، وهي أهم أعمال المؤرخ، ويطلق
1 يقوم عدد من المؤرخين ببحث القضايا المحيطة بهم، وقد يقدمون خلالها وثائق حتمية وأبحاثا مجدية وموضوعية.
على هذا العمل باللغة الأجنبية اسم "هوريستيك""Heurestique" فالتاريخ يُصنع بالوثائق1 وحيث لا وثائق لا تاريخ، وهذا ما يقوله المؤرخ المعاصر "لوسيان فيفر":"إن التاريخ دون شك يصنع بالوثائق المكتوبة إذا وجدت" وقد حاول بعض المؤرخين تصنيف الوثائق ضمن زمرتين:
1-
الروايات المأثورة والمخلفات المحسوسة.
2-
وقال آخرون بتقسيم مصادر البحث إلى "أولي" أو "أصول" أو مصادر فقط، وإلى مشتقة "ثانوية" وسوف نأتي في موضع آخر على تفصيل ذلك، وقد تجمع المصادر معلومات أولية وثانوية، وبشكل عام يمكن تصنيف المصادر أو الوثائق إلى:
أ- الوثائق المكتوبة أو المطبوعة.
ب- الوثائق الأخرى.
جـ- الرواية الشفوية المباشرة.
أ- تشكل الوثائق المكتوبة المخطوطة والمطبوعة ميدانا واسعا وتشمل:
1-
وثائق الأرشيفات "أو المحفوظات الحكومية".
2-
أرشيف المنظمات المختلفة في المجتمع كسجلات الجمعيات والنقابات بأنواعها والأحزاب والسياسية و
…
3-
المدونات الإعلامية: النشرات والصحف والدوريات المتنوعة والإذاعة
…
1 مفردها وثيقة، والكلمة في مصدرها اللغوي بالعربية أتى من وثق به وثاقة وثقة أي ائتمنه، والوثاقة مصدر الشيء المحكم الوثيق، والوثيقة في الأمر إحكامه والأخذ بالثقة "ابن منظور: لسان العرب 1/ 371 بند وثق" دار صادر، بيروت.
أما باللغة الأجنبية فهي أداة وبينة مكتوبة صحيحة، يثبت بها أي فرد حقه، وقد طغت فكرة الصحة والإحكام في القرن "التاسع عشر" على فكرة النص المكتوب حتى انتهى الأمر بالمؤرخين إلى تعريف الوثائق بأنها "جميع الآثار التي خلفتها أفكار البشر القدماء وأعمالهم".
4-
التقارير السرية "حكومية أو خاصة".
5-
المؤلفات الأدبية والجغرافية والعلمية والفلسفية والفنية والتاريخية، وكل ما دون في مجالات المعرفة الأخرى، مما له أهميته.
نشير بخاصة إلى المكتبات حيث يبحث المؤرخ فيها عن أمور ثلاثة:
1-
البيبلوغرافيا "Bibliographie": وهي في معناها العام مجموع ما نشر عن موضوع معين وبمعناها الخاص "علم المؤلفات الخاصة بحقل معين من المعرفة وما نشر منها" وهي إما وضعية أو نقدية أو تحليلية، ولقد أدرك العرب قيمتها، وكتاب "الفهرست" لابن النديم "ت 438هـ/ 1047م" دليل على ذلك، ولم يبدأ الاهتمام بها في أوروبا إلا في القرن "الخامس عشر والسادس عشر" وتوسعت العودة إليها في القرنين "السابع عشر والثامن عشر" في أوروبا والعالم الإسلامي والوطن العربي، ونذكر في هذا الشأن "كشف الظنون عن أسامي الفنون" لحاجي خليفة "ت 1067هـ/ 1657م".
البيبلوغرافيا: هي أداة البحث الأولى، وهي عالمية وعامة ووطنية، وقد نمت الأخيرة نموا كبيرا في القرن "العشرين"، وقد يلجأ الباحث التاريخي إلى "البيبلوغرافيا التاريخية" فحسب وحدودها سائبة كحدود التاريخ نفسه، ولقد تطورت، ونشير بخاصة إلى "بيبلوغرافيات الدوريات، ومن أشهر الدوريات التاريخية "المجلة التاريخية في فرنسا" و"المجلة التاريخية الإنكليزية" و"المجلة التاريخية الأميريكية" و"الألمانية" وقد نشرت المجلات التاريخية في "بيبلوغرافيا عالمية" خاصة هي: "World list historical Periodical and Bibiographes. Oxford 1939".
2-
تضم المكتبة أيضا بعض وثائق الأرشيف وبعض الوثائق الأركيولوجية "النقود" وأدوات العمل الأخرى، فالموسوعات العامة "Encyclopidia" وهي كتب المعارف العامة، من مثال كتاب "تاريخ الرسل والملوك" للطبري، و"الكامل" لابن الأثير، و"العبر" لابن خلدون، مادتها مرتبة حسب الحروف الأبجدية، أو بحسب الموضوعات،
فهي لازمة للباحث التاريخي، تعطيه عناصر الإعلام الأولى التي توجه بحثه، وهناك الموسوعة الكبيرة "بالفرنسية""1885-1902م" والفرنسية "1935م" والألمانية "1952-1960م" والبريطانية "1947م" والأميركية "1940" والإسلامية، وقد صدرت باللغتين الفرنسية والإنكليزية، وعمل على ترجمتها في مصر.
هذا وجدير بالذكر دور المحفوظات "الأرشيف""Archives" في التاريخ العربي، حيث كان يوجد في العهد الأموي "دار للقراطيس" تشبه ما نسميه اليوم "الأرشيف" كذلك في العصر العباسي، وبشكل عام كان للدول العربية الإسلامية أرشيفاتها الإدارية الضخمة، وصل إلينا منها ما ندر من مثال "أوراق البردي" وقد عملت كل دولة عربية على تأسيس دار خاصة للأرشيف "مديرية الوثائق" في سورية، مصر، المملكة الأردنية الهاشمية، و
…
هناك بعض الوثائق في بعض دور الأرشيف الأجنبية منها في إسبانيا، إيطاليا، فرنسا، النمسا، إنكلترا، تركيا.
3-
ومن أدوات العمل معاجم الأعلام، ومعاجم اللغات المختلفة والأطالس التاريخية والجغرافية والخرائط، هذا بالإضافة إلى الأدوات المادية الضرورية للبحث التاريخي من مثال: قارئات "الميكروفيلم" ومصورات "فوتوغرافية" وبعض المواد الكيماوية المساعدة، وسوف نوضح في موضع آخر طريقة تصنيف ونسل المعلومات من هذه المصادر.
ب- الوثائق الأخرى "Miscellaneaus": أي المخلفات المحسوسة وتشمل الآثار التي تختلف عن الأحداث من مثل المباني المتنوعة والطرق والجسور والبقايا الإنسانية والصور، والوسائل الناطقة كالأشرطة المسجلة والسجاد والأقمشة والفنون الأخرى، يليها المخلفات الأثرية وتحفظ في المتحف وهناك ثلاث مجموعات من المتاحف، متاحف الفن ومتاحف التاريخ ومتاحف العلم، وجميعها تهتم بالبحث التاريخي، وقد انتشرت العناية بها في الحقبة المعاصرة في أرجاء الوطن العربي لدورها العلمي والفني والتربوي، ويعتبر المتحف الوطني في دمشق من أفضل متاحف العالم