الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سلمة، ولكن ما رأيت أشدَّ مواظبةً على الخير وقراءة القرآن والعمل لله من حماد بن سلمة». وقال رجل لعفان: أحدِّثك عن حماد؟ قال: مَن حماد ويلك؟ قال: ابن سلمة. قال: ألا تقول: أمير المؤمنين! وقال عبد الرحمن بن مهدي ــ والد إبراهيم الذي نسب إليه ابن الثلجي ما نسب ــ: «لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدًا، ما قدَر أن يزيد في العمل شيئًا» . وقال أيضًا: «حماد بن سلمة صحيحُ السماع، حسنُ اللُّقِيِّ، أدرك الناس، لم يُتهم بلون من الألوان، ولم يلتبس بشيء، أحسَنَ ملكةَ نفسه ولسانه ولم يطلقه على أحد، فسلِمَ، حتى مات» . وقال حماد بن زيد: «ما كنا نرى أحدًا يتعلَّم بنيَّةٍ غير حماد بن سلمة، وما نرى اليوم من يعلِّم بنيةٍ غيرَه» . وقال إسحاق بن الطبَّاع: قال لي ابن عيينة: العلماء ثلاثة، عالم بالله وبالعلم، وعالم بالله ليس بعالم بالعلم، وعالم بالعلم ليس بعالم بالله. قال ابن الطباع: «الأول كحماد بن سلمة
…
». وقال علي ابن المديني: «من تكلم في حماد بن سلمة فاتَّهِموه في الدين» .
86 - حنبل بن إسحاق:
في «تاريخ بغداد» (13/ 371 [372]) من طريقه: «حدثنا الحميدي، حدثنا حمزة بن الحارث بن عمير، عن أبيه قال: سمعت رجلًا يسأل أبا حنيفة في المسجد الحرام عن رجل قال: أشهد أن الكعبة حق، ولكن لا أدري هي هذه التي بمكة أم لا؟ فقال: مؤمن حقًّا. وسأله عن رجل قال: أشهد أن محمد بن عبد الله نبيّ، ولكن لا أدري هو الذي قبرُه بالمدينة أم لا؟ فقال: مؤمن حقًّا
…
».
وفيه (13/ 389 [406]) من طريقه: «حدثنا الحميدي قال: سمعت سفيان قال: كنت في جنازة أمِّ خَصيب بالكوفة، فسأل رجل أبا حنيفة عن مسألة من الصرف، فأفتاه. فقلت: يا أبا حنيفة [1/ 246] إن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد اختلفوا في هذه، فغضب، وقال للذي استفتاه: اذهَبْ فاعمل بها، فما كان فيها من إثم فهو عليَّ» .
قال الأستاذ (ص 36): «يتكلم فيه بعض أهل مذهبه، ويرميه ابن شاقْلا بالغلط في روايته، كما ذكره ابن تيمية في تفسير سورة القلم. لكن لا نلتفت إلى كلامهم، ونعدُّه ثقةً مأمونًا، كما يقول ابن نقطة في «التقييد» ». وقال (ص 84): «غالِط، غيرُ مرضيٍّ عند بعض أهل مذهبه» .
أقول: قال الدارقطني: «كان صدوقًا» . وقال الخطيب: «كان ثقة ثبتًا» . وتخطئته في حكاية إنما تدلُّ على اعتقاد أنه لم يكن معصومًا من الخطأ، وليس هذا مما يوهن الثقةَ المُكثِر كحنبل. وقد خطَّأ أهلُ العلم جماعةً من أجلة الصحابة، بل قالوا: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد يخطئون في أمور الدنيا، بل قال بعضهم: قد يعرض لهم الخطأ في شيء من أمر الدين، ولكن ينبَّهون في الحال لمكان العصمة في التبليغ. وقد تعرضتُ لذلك في قسم الاعتقاديات. والمقرر عند أهل العلم جميعًا أن الثقة الثبت قد يخطئ، فإن ثبت خطؤه في شيء فإنما يُترك ذاك الشيء. فأما بقية روايته، فهي على الصواب. ومن ادعى الخطأ في شيء، فعليه البيان. والأستاذ يعلم ذلك كله، ولكن
…
والله المستعان.
87 -
خالد بن عبد الله القَسْري:
في «تاريخ بغداد» (13/ 381 [390]) من طريق: «محمد بن فُليح
المدني عن أخيه سليمان ــ وكان علَّامةً بالناس ــ أن الذي استتاب أبا حنيفة خالد القسري
…
».
قال الأستاذ (ص 62): «هو الذي بنى كنيسةً لأمه تتعبد فيها، وهو الذي يقال عنه: إنه ذبح الجعد بن درهم يوم عيد الأضحى أضحيةً عنه
…
ما كان العلماء ليسكتوا في ذلك العهد أمام استخفافه لشعيرة من شعائر الدين .. وسفكُ دمِ من وجب قتلُه شيء، وذبحُه على أن يكون أضحيةً شيء آخر. وكانت سيرة خالد وصمة عار في تاريخ الإسلام».
أقول: كان خالد أميرًا مسلمًا، خلط عملًا صالحًا ــ كإقامة الحدود ــ وآخَرَ سيئًا، الله أعلم ما يصح عنه منه. وقد جاء عن جماعة من الأئمة ــ كما في «التأنيب» نفسه ــ أن أبا حنيفة استتيب في الكفر مرتين. فإن كان خالد هو الذي استتابه في إحداهما، وقد شهد أولئك الأئمة أنها استتابة عن الكفر، فأيُّ معنى للطعن في خالد؟ هَبْه كان كافرًا! أيجوز أن يحنَق عليه مسلم، لأنه [1/ 247] رُفِع إليه إنسان يقول قولًا شهد علماء المسلمين أنه كفر، فاستتابه منه؟
وكان خالد يمانيَّ النسب، وكان له منافسون على الإمارة من المُضَريين، وأعداءٌ كثيرٌ يحرصون على إساءة سمعته. وكان القصاصون ولا سيما بعد أن نُكِب خالد يتقربون إلى أعدائه بوضع الحكايات الشنيعة في ثلبه، ولا ندري ما يصح من ذلك؟
وقضية الكنيسة إن صح فيها شيء فقد يكون برَّ أمَّه بمال، فبنى لها وكيلُها كنيسةً، فإنها كانت نصرانية. وليس في هذا ما يعاب به خالد، فقد أحلَّ الله عز وجل نكاحَ الكتابيات والتسرِّي بهن، ونهى عن إكراههن على
الإسلام، وأمر بإقرارهن على دينهن، وأمر ببرِّ الأمهات.
فأما قضية الجعد، فإن أهل العلم والدين شكروا خالدًا عليها ولا يزالون شاكرين له إلى يوم القيامة. ومغالطة الأستاذ في قضية التضحية مما يُضحِك ويُبكي. يُضحِك لتعجرفه، ويُبكي لوقوعه من رجل ينعته أصحابه أو ينعت نفسه: «الإمام الفقيه المحدث والحجة الثقة المحقق العلامة الكبير
…
»! !
لا يخفى على أحد أن الأضحية الشرعية هي ذبح شاة أو بقرة أو بدنة بصفة مخصوصة في أيام الأضحى تقرُّبًا إلى الله تعالى بإراقة دمها، وليأكل منها المضحِّي وأهله، ويهدي من لحمها إلى أصحابه، ويتصدَّق منه على المساكين؛ وأن خالدًا لم يذبح الجعد ليأكل من لحمه ويُهدي ويتصدَّق، وإنما سماه تضحيةً لأنه إراقة دم يوم الأضحى تقرُّبًا إلى الله تعالى. فشبَّهه بالأضحية المشروعة من هذا الوجه، كما سمَّى بعضُ الصحابة وغيرهم قتلَ عثمان رضي الله عنه تضحيةً لأنه وقع في أيام الأضحى. فقال حسَّان
(1)
:
ضحَّوا بأشمطَ عنوانُ السجودِ به
…
يُقطِّع الليلَ تسبيحًا وقرآنا
وقال أيمن بن خُرَيم
(2)
:
(1)
ديوان حسان (96).
(2)
كذا ورد البيت في «الجوهرة» للبرِّي (2/ 189) و «نهاية الأرب» للنويري (19/ 319)، وغيرها. وهو ملفَّق من بيتين روايتهما في «المعارف» لابن قتيبة (198):
تفاقَدَ الذابحو عثمانَ ضاحيةً
…
فأيَّ ذِبْحٍ حرامٍ وَيحَهم ذَبَحوا
ضحَّوا بعثمانَ في الشهر الحرام ولَمْ
…
يخشَوا على مطمحِ الكفرِ الذي طَمَحوا
وانظر: «الكامل» للمبرد (919) و «التنبيه والإشراف» ــ طبعة ليدن (292).