الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
185 - محمد بن إبراهيم بن جناد المنقري:
في «تاريخ بغداد» (13/ 414 [443]) من طريقه قال: «حدثنا أبو بكر الأعين، حدثنا إبراهيم بن شماس قال: سمعت ابن المبارك يقول: اضربوا على حديث أبي حنيفة» .
قال الأستاذ (ص 150): «لم يوثِّقه غيرُ ابن خراش، ولعله كان على مذهبه» .
أقول: قد روى عنه موسى بن هارون الحمَّال الحافظ الجليل وغيره، ولم يغمزه أحد. وقال ابن خراش:«ثقة مأمون» . وقد توبع على هذه الحكاية، وجاء معناها من وجوه. وقال ابن حبان في ترجمة إبراهيم بن شماس من «الثقات»
(1)
: «سمعت عمر بن محمد البحيري يقول: سمعت محمد بن سهل بن عسكر يقول: سمعت إبراهيم شماس يقول: رأيت ابنَ المبارك يقرأ كتابًا على الناس في الثغر ، وكلما مرَّ على ذِكْر أبي حنيفة قال: اضربوا عليه. وهو آخر كتاب قرأ على الناس ، ثم مات» . وقال أبو حاتم في ترجمة النعمان
(2)
: «تركه ابن المبارك بأخرة» ومع تضافر الروايات بذلك حاول الأستاذ (ص 124) و (ص 150) أن يدفعه فذكر أوجهًا:
أحدها: أن ابن مهدي لما أُنشِدَ مرثية أبي تُمَيلة لابن المبارك فبلغ المنشد قوله:
وبرأي النعمان كنت بصيرًا
…
حين يؤتى مقايس النعمان
(1)
(8/ 69 - 70).
(2)
(8/ 449).
قاطعه قائلًا: «اسكت فقد أفسدت الشعر، وليس لابن المبارك ذنب بالعراق غير روايته عن أبي حنيفة» .
[1/ 387] الثاني: أن في «مسانيد أبي حنيفة» أحاديث كثيرة من طريق ابن المبارك عنه.
الثالث: كثرة ما يُروى من ثناء ابن المبارك على أبي حنيفة.
أقول: أما الوجه الأول فلا يخفى وهنه، فإنّ تَرْك ابن المبارك الروايةَ عن أبي حنيفة كان في أواخر عمره كما صرَّحت به الروايات، فقد لا يكون ذلك بلغ ابن مهدي حين أنشد المرثية، وقد يكون بلغه، ولكنه رأى أن الرواية قد وقعت، ووقع ما يترتب عليها من المفسدة، وتركُها بأخرة لا يمحو تلك المفسدة. ولم يكن المنشد في مقام الاحتجاج بأن ابن المبارك كان يروي عن أبي حنيفة حتى يحتاج ابن مهدي إلى أن يقول له: قد تركه بأخرة، وإنما سمع شعرًا فأنشده. وأبو تُميلة لم يُثْن على ابن المبارك بأنه كان يروي عن أبي حنيفة، وإنما أثنى عليه بأنه كان بصيرًا برأيه، والبصرُ بالرأي فضيلة على كلّ حال لا يُعاب بها أحد، وإنما يعاب الرغبةُ عن السنة وردُّها بالرأي، وكان ابن المبارك بحمد الله عز وجل بريئًا من ذلك أولًا وآخرًا.
وأما أن أهل بلدة الرجل أعرف بأحواله فلا يجدي شيئًا؛ لأن أبا تُميلة لم يُشِر أدنى إشارة إلى نفي الترك، ولو أشار أو صرَّح لم يكن في ذلك ما يدفع روايه المثبتين، ومنهم من كان أخصَّ بابن المبارك من أبي تُميلة، كالحسن بن الربيع الذي غمَّض ابنَ المبارك عند موته.
وأما مسانيد (أبي حنيفة) فقد تقدم الكلام فيها في ترجمة الجراح بن منهال
(1)
، فإنْ صح عن ابن المبارك شيء من روايته عن أبي حنيفة فهو مما رواه سابقًا، فإنه لا يلزم من تركه الرواية عنه بأخرة أن يمحى ما رواه سابقًا من الصدور والدفاتر، ولا يتحتّم على من بَلَغه التركُ بأخرة أن لا يروي ما سمعه سابقًا.
وأما ما يُروى عن ابن المبارك من الثناء، فحاله تُعرف بالنظر في أسانيده ومتونه، كتلك الأبيات السخيفة التي يلهج بها الحنفية، ومنهم الأستاذ. وقوم لم يتورَّعوا عن الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مناقب إمامهم، كيف يُستبعد منهم الكذب على ابن المبارك؟! فإن قوي شيء من تلك الروايات فليوازَن بينه وبين روايات الذمّ، على أنه لا مانع من أن يُثنى على رجل لمعنى، ويُذم لمعنى آخر، بل هذا موجود بكثرة.
(2)
(1)
رقم (62).
(2)
محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي، راجع «الطليعة» (ص 70 - 72 [53 - 54]). [المؤلف].