الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذهبي معروف بالميل إلى الحنابلة فهواه مع ابن منده، فلم يكن للأستاذ أن ينسبه إلى عكس ذلك.
22 - أحمد بن عبد الله الأصبهاني
.
قال الأستاذ (ص 151) في طعنه في عبد الله بن حنبل وستأتي ترجمته
(1)
إن شاء الله: «مثله لا يصدَّق في أبي حنيفة، وقد بُلي فيه الكذب (!) وقد روى علي بن حَمْشاذ ــ وأنت تعرف منزلته في العلم ــ أنه سمع أحمد بن عبد الله الأصبهاني يقول: أتيت عبد الله بن [أحمد بن]
(2)
حنبل فقال: أين كنت؟ فقلت: في مجلس الكُدَيمي، فقال: لا تذهب إلى ذاك فإنه كذاب. فلما كان في بعض الأيام مررت به، فإذا عبد الله يكتب عنه! فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قلت: لا تكتب عن هذا فإنه كذاب؟ قال: فأومأ بيده إلى فيه أن اسْكُت. فلما فرغ وقام من عنده قلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قلت: لا تكتب عنه؟ قال: إنما أردت بهذا أن لا يجيء الصبيان فيصيروا معنا في الإسناد واحدًا. اه.
وإن سعى [1/ 119] الخطيب في إعلاله في (3/ 439) بأن يقول: إن أحمد بن عبد الله الأصبهاني مجهول. كيف وهو من ثقات شيوخ ابن حمشاذ، مترجم في «تاريخ أصفهان» لأبي نعيم؟ وليس ابن حمشاذ الحافظ الثقة ممن يروي عن المجاهيل، ولا هو ممن يعوِّل على من لا يعوَّل عليه. وإن تجاهله الخطيب لحاجة في النفس، فليس ذلك بضائره».
أقول: في هذا الكلام أمور:
الأول: قوله في عبد الله بن أحمد: «وقد بُلي فيه الكذب» . ثم ساق القصة
(1)
رقم (118).
(2)
من «التأنيب» .
لإثبات ذلك، وستعلم مَن الكاذب!
الثاني: قوله: «قد روى علي بن حَمْشاذ» بصيغة الجزم والتحقيق مع أنه إنما أخذ الحكاية من «تاريخ الخطيب» ، وإنما قال الخطيب: «حُدّثت عن أبي نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال: سمعت علي بن حمشاذ يقول
…
». فلم يذكر الخطيب من حدَّثه، فكيف يجزم الأستاذ ويحقق؟
فإن قيل: إن الخطيب أعلّ القصة بالأصبهاني، فدلَّ ذلك على ثقة الخطيب بمن حدَّثه.
قلت: ليس هذا بلازم، فقد لا يكون الخطيب وثق بمن حدَّثه حق الثقة، ولكن رأى إعلال الحكاية بالأصبهاني كافيًا. ومع ذلك فقد ذكر الأستاذ (ص 56) قول الحِمَّاني: سمعت عشرة كلهم ثقات يقولون: سمعنا أبا حنيفة يقول: القرآن مخلوق. فقال الأستاذ: «قول الراوي: سمعت الثقة، يُعَدُّ كرواية عن مجهول، وكذا الثقات» . فهل يستثني الأستاذ أبا بكر الخطيب من هذه القاعدة، ويزيد فيرى أنه إذا لم يسمِّ شيخه وأشار إلى أنه لم يتهمه ثبت بذلك ثقةُ شيخه؛ فتقوم الحجة بقول الخطيب:«حُدِّثت عن فلان» ، ولا تقوم بقول غيره:«حدثني عشرة كلهم ثقات» ؟ !
الثالث: قوله: «بأن يقول [الخطيب]: إن أحمد بن عبد الله الأصبهاني مجهول» .
وإنما قال الخطيب: «قلت: كان عبد الله بن أحمد أتقى لله من أن يكذِّب من هو عنده صادق، ويحتجَّ بما حكى عنه هذا الأصبهاني. وفي هذه
الحكاية نظر من جهته». وليس في العبارة كلمة «مجهول» ولا هي صريحة في معناها؛ إذ يحتمل أن يكون الخطيب عرف الأصبهاني بالضعف، ويحتمل أنه لم يعرفه، ولكن استدل بنكارة حكايته على ضعفه. ولا يلزم من [1/ 120] عدم معرفته له أن يجزم بأنه مجهول، فإن المتحري مثل الخطيب لا يطلق كلمة:«مجهول» إلا فيمن يئس من أن يعرفه هو أو غيره من أهل العلم في عصره، وإذا لم ييأس فإنما يقول:«لا أعرفه» . ومن لم يراع هذا وقع فيما وقع فيه الأستاذ في مواضع تقدمت أمثلة منها في «الطليعة» (ص 86 - 93)
(1)
.
الرابع: قوله: «كيف وهو من ثقات شيوخ ابن حمشاذ» . لا أضايق الأستاذ في إطلاقه أن هذا الرجل من شيوخ ابن حمشاذ، وإن لم يعرف لابن حمشاذ عنه إلا هذه الحكاية، إن صحَّ أن ابن حمشاذ حكاها؛ ولا في جزمه بذلك مع ما مرَّ في الأمر الثاني. وإنما النظر في جزمه بأن هذا الرجل من الثقات، فمن أين لك ذلك؟ أنقلًا؟ فلماذا لم يذكره؟ أم اجتهادًا؟ فما حجته؟ أم مجازفة؟ فالله حسيبه.
والذي يظهر ــ إن كان ابن حمشاذ حكى هذه الحكاية ــ أن الأصبهاني أصغر منه. فإن كان ابن حمشاذ ــ كما يأتي ــ يروي فيكثر عن عبد الله بن أحمد وعن الكُديمي، وسماعه منهما ببغداد كما هو ظاهر، فلو سمع الحكاية حين كان ببغداد أو قبل ذلك لكان الظاهر أن يستثبت عبد الله بن أحمد، ولو فعل لحكى ذلك مع الحكاية. فدل هذا على أنه إن كان حكاها
(1)
(ص 66 - 72).
فإنما سمعها بعد ذلك، كأنَّ هذا الأصبهاني زعم له أنه دخل بغداد بعده، وجرى له ما حكاه.
الخامس: قوله: «مترجم في «تاريخ أصبهان» لأبي نعيم» قد ذكرت هذا في «الطليعة» (ص 92 - 93)
(1)
وقلت هناك: «كذا قال! وقد فتشت «تاريخ أبي نعيم» فوجدت فيه ممن يقال له: (أحمد بن عبد الله) جماعة ليس في ترجمة واحد منهم ما يُشعر بأنه هذا، وفوق ذلك فجميعهم غير مُوثَّقين». فتحامى الأستاذ في «الترحيب» التعرُّض لذاك الموضع البتة!
السادس: قوله: «وليس ابن حمشاذ ممن يروي عن المجاهيل ولا هو ممن يعوِّل على مَن لا يعوَّل عليه» .
إن أراد بالتعويل الاعتماد، فمن أين عرف أن ابن حمشاذ اعتمد على تلك الحكاية؟ وها نحن نجده يروي عن عبد الله بن أحمد، وعن الكُديمي. فمن روايته عن عبد الله في «المستدرك» (ج 1 [1/ 121] ص 63 و 301، و 453)، و (ج 2 ص 165)، و (ج 3 ص 269، و 612) وغيرها. ومن روايته عن الكُدَيمي في «المستدرك» (ج 1 ص 68)، (ج 3 ص 556)، و (ج 4 ص 13)، وغير ذلك.
وإن أراد بالتعويل مطلق الرواية، أي: أن ابن حَمْشاذ لا يروي إلا عن ثقة، فمن أين عرف ذلك؟ وقد وجدنا ابن حمشاذ يروي عن جماعة ممن يكذبهم الأستاذ ظلمًا، فمنهم أحمد بن علي الأ بَّار كما في «المستدرك» (ج 1 ص 33 و 227). ومنهم محمد بن عثمان بن أبي شيبة كما في
(1)
(ص 72). ووقع في (ط): «مما يقال» والمثبت من «الطليعة» وهي بخط المؤلف.
«المستدرك» (ج 3 ص 146 و 395). وكذلك يروي عن جماعة تكلموا فيهم والعمل على التوثيق، كالحارث بن أبي أسامة، وإبراهيم بن ديزيل، والحسن بن علي المَعْمري. وعن جماعة متكلَّمٍ فيهم، كالكُديمي وقد مرَّ، ومحمد بن منده الأصبهاني كما في «المستدرك» (ج 1 ص 359) و (ج 2 ص 315)، و (ج 3 ص 107 و 507)، و (ج 4 ص 593)، وقد كذَّبوا محمد بن منده هذا، راجع «لسان الميزان» (ج 5 ص 393)
(1)
، وعليِّ بن صقر السكري كما في «المستدرك» (ج 1 ص 240)، وراجع «لسان الميزان» (ج 4 ص 235)
(2)
، وعبد الله بن أيوب بن زاذان الضرير كما في «المستدرك» (ج 1 ص 187)، وراجع «لسان الميزان» (ج 3 ص 262)
(3)
، وهناك:«قال الدارقطني: متروك» . ولم يذكر في الترجمة ما يخالف ذلك، وإسحاق بن إبراهيم بن سنين كما في «المستدرك» (ج 3 ص 210) وراجع «لسان الميزان» (ج 1 ص 348)
(4)
، وجنيد بن حكيم الدقاق كما في «المستدرك» (ج 3 ص 61)، ومحمد بن المغيرة السُّكّري كما في «المستدرك» (ج 2 ص 53، و 189، و 330، و 483، و 541)، وراجع «لسان الميزان» (ج 5 ص 386)
(5)
.
ولعل ابن حمشاذ قد روى عمن هو أضعف من هؤلاء، فتجنب الحاكم
(1)
(7/ 526).
(2)
(5/ 551).
(3)
(4/ 440).
(4)
(2/ 35).
(5)
(7/ 514).