الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
206 - محمد بن سعد العوفي:
في ترجمة الحسن بن زياد اللؤلؤي من «لسان الميزان»
(1)
تكذيب الأئمة له وطعنهم فيه. ساق كثيرًا من ذلك ثم قال: «ومع ذلك كلِّه أخرج له أبو عوانة في «صحيحه» ، والحاكم في «مستدركه» ، وقال مسلمة بن قاسم: كان ثقة». ذكر هذا استنكارًا له. فجاء الكوثري فقال (ص 187) في ترجمة اللؤلؤي: «مجتهد عظيم القدر ومحدث جليل الشأن
…
أخرج عنه الحافظ أبو عوانة
…
في «الصحيح المسند المستخرج» ، وهذا توثيق منه؛ والحاكم في «مستدركه»
…
وهذا أيضًا توثيق منه. ووثَّقه مسلمة بن قاسم
…
وكان يأبى الخوض في القياس في مورد النص، كما فعل مع بعض المشاغبين في مسألة القهقهة في الصلاة. ومَنْ يحتج بالمرسل لا يمكنه ردُّ حديث القهقهة في الصلاة كما ذكره ابن حزم
…
ومع هذا كله تجد ترجمته عند الخطيب من أسوأ التراجم
…
».
وهكذا قدّم الكوثريُّ المؤخَّر، وعرَّف المنكر، واحتج ببعض الروايات الزائفة، وردَّ بعض الروايات الثابتة التي تقدمت الإشارة إلى بعضها في ترجمة الخطيب
(2)
، وفي ترجمة صالح بن محمد الحافظ
(3)
، وحاول هدم أركان الإسلام لينصب هذا التالف! ثم قال: «وقد روى ــ يعني الخطيب ــ في كتابه أيضًا عن الساجي وابن معين وابن المديني ويعقوب بن سفيان وغيرهم تضعيف الحسن [1/ 443] بن زياد أو تكذيبه إلا أن في أسانيد تلك الروايات أمثال محمد بن [عثمان بن] أبي شيبة، ومحمد بن سعد العوفي، والأدمي، وعبد الله [بن
(1)
(3/ 48 - 49).
(2)
رقم (26).
(3)
رقم (110).
محمد بن عبد العزيز]
(1)
البغوي، ودعلج، والآجري، والعقيلي وأضرابهم. وأمرهم يدور بين كذاب، وضعيف، ومتعصب مردود القول، ومغفل، ومجسِّم متعصب، لا يقبل قوله في أهل السنة».
ترى الأستاذ يطعن في بضعة عشر رجلًا شرُّهم خيرٌ من ألف مثل اللؤلؤي! وأنا أسوق أسماءهم ليقابل العاقل تراجمهم في هذا الكتاب وغيره بترجمة اللؤلؤي في «لسان الميزان» وغيره: الحافظ أحمد [بن]
(2)
علي الأ بَّار، إدريس بن عبد الكريم، إسحاق بن إسماعيل، الحافظ الحسن بن علي الحُلْواني، الحافظ دَعْلج بن أحمد السجزي، الحافظ صالح بن محمد جَزَرة، عبد الله بن جعفر بن درستويه، الحافظ عبد الله بن سليمان أبو بكر بن أبي داود، الحافظ عبد الله بن محمد بن عبد العزيزالبغوي، الحافظ عبد المؤمن بن خلف، محمد بن أحمد بن رزق، محمد بن جعفر الأَدَمي، محمد بن سعد العوفي، محمد بن العباس الخزّاز، الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة، الحافظ محمد بن علي بن عثمان الآجُرّي، الحافظ محمد بن عمرو العقيلي.
ولم أطلق كلمة «الحافظ» إلا على من أطلقها عليه أهل العلم، لا كالكوثري يطلقها على من دبَّ ودرج من أصحابه!
ولا بأس بأن نناقش الكوثري هنا فأقول: أما أبو عوانة فقد ذكر الأستاذ (ص 17) عبد الله بن محمد البلوي، فقال فيه وفي آخر:«كذابان معروفان» .
(1)
ما بين المعكوفات إضافات من المؤلف.
(2)
سقطت من (ط).
وقد قرأ الأستاذ في «الميزان»
(1)
و «اللسان»
(2)
في ترجمة البلوي: «روى عنه أبو عوانة في «صحيحه» في الاستسقاء خبرًا موضوعًا». وروى أبو عوانة في «صحيحه» (ج 1 ص 236 - 237) حديثًا في سنده عبد الله بن عمرو الواقعي
(3)
وجابر بن يزيد الجعفي، وكلاهما متهم. وفي «فتح الباري»
(4)
في شرح «باب القصد والمداومة على العمل» من كتاب «الرقاق» : «
…
وهذا من الأمثلة لما تعقّبته على ابن الصلاح في جزمه بأن الزيادات التي تقع في المستخرجات يُحكم بصحتها
…
ووجه التعقب أن الذين استخرجوا لم يصرِّحوا بالتزام ذلك، سلَّمنا أنهم التزموا ذلك، لكن لم يَفُوا به».
[1/ 444] أقول: أصحاب المستخرجات يلتزمون إخراج كلِّ حديث من الكتب التي يستخرجون عليها. فأبو عوانة جعل كتابه مستخرجًا على «صحيح مسلم» ، ومعنى ذلك أنه التزم أن يخرج بسندِ نفسِه كلَّ حديث أخرجه مسلم، فقد لا يقع له بسند نفسه الحديث إلا من طريق رجل ضعيف فيتساهل في ذلك؛ لأن أصل الحديث صحيح من غير طريقه. ومع ذلك زاد أبو عوانة أحاديث ضعيفة لم يحكم هو بصحتها، فإنما يسمى كتابه «صحيحًا» لأنه مستخرج على «الصحيح» ، ولأن معظم أحاديثه ــ وهي المستخرجة ــ صحاح. فإخراجه لرجل لا يستلزم توثيقه ولا تصديقه، بل صاحب «الصحيح» نفسه قد يُخرج في المتابعات والشواهد لمن لا يوثقه،
(1)
(3/ 205).
(2)
(4/ 563).
(3)
(ط): «الواقفي» تصحيف.
(4)
(11/ 298).
وهذا أمر معروف عند أهل الفن لا يخفى على الكوثري.
فأما «مستدرك الحاكم» ، فحدِّث عنه ولا حرج، فإن في «مستدركه» كثيرًا من الرواة التالفين، وجماعةٌ منهم قد قطع هو نفسُه بضعفهم الشديد. وسيأتي بسط ذلك في ترجمته
(1)
، فإن الأستاذ حطَّ عليه حيث خالفه، ثم عاد يحتجّ به هنا!
وأما مَسْلمة بن قاسم، فقد جعل الله لكل شيءٍ قدرًا. حدُّه أن يُقبل منه توثيقُ من لم يجرحه من هو أجلُّ منه ونحو ذلك، فأما أن يعارَض بقوله نصوصُ جمهور الأئمة، فهذا لا يقوله عاقل.
وأما قضية القهقهة، فتراها في ترجمة اللؤلؤي من «لسان الميزان»
(2)
ولا يرتاب مُطَّلِع أن اللؤلؤي إنما ولّى دبره خشية أن يرد عليه ما لا قبل له به، إذ قد كان يمكنه أن يجيب بهذا العذر الذي ذكره الكوثري، ثم ينظر ما يرد عليه. على أنه يعلم أن هذا العذر باطل، فإن أهل الرأي يردُّون بالقياس النصوص الصحيحة الثابتة، فكيف يتقون أن يخوضوا فيه في مقابل مثل [1/ 445] هذا الحديث؟ !
وجاء أن اللؤلؤي لما ولي القضاء لم يدر كيف يقضي! وذكر الحنفية أنه كان يُثْقِل على أبي يوسف بالمناظرة، فقال أبو يوسف لأصحابه: إذا جاء فابدروه بالمسألة، فجاء فلم يستتمَّ السلام حتى قال: ما تقول في كذا؟ خاف أن يبدروه بالمسألة، فبدرهم! يؤخذ من هذا أنه كان ضعيف البديهة، بطيء الإدراك، فكان يطيل الفكر في بيته في بعض المسائل وما يمكن أن يقال فيها
(1)
رقم (215).
(2)
(3/ 48 - 49).
أو يورد عليها وما يمكن أن يدفع به ذلك الإيراد ويمعن في ذلك ويتحفظ، ثم يجيء إلى أبي يوسف أو غيره ويناظر في تلك المسألة. وعرف أبو يوسف هذا، فأمر أصحابه أن يبدروه فيسألوه عن مسألة؛ لأنه يغلب أنه لم يكن استعدَّ لها فينقطع. وعرف هو من نفسه هذا، فبدرهم. فكأنه لما سأله رفيق الشافعي عن مسألة القهقهة وأورد عليه ما أورد، اجتمع عليه حرجُ الموقف وعدمُ استعداده، فاعتصم بالفرار.
وأما من يحتجّ بالمرسل، فذلك إذا كان الإرسال ممن لا يرسل إلا عن ثقة، وليس حديث القهقهة من ذاك؛ فقد وُصِفَ الذي أرسله بأنه كان ممن يصدِّق كلَّ أحد.
وأما الجماعة الذين طعن فيهم الأستاذ، فتراجمهم في مواضعها. فأما محمد بن سعد العوفي، فقد ذكروا أن الحاكم حكى عن الدارقطني أنه لا بأس به. وقال الخطيب:«كان لينًا في الحديث» . وعلق الأستاذ على «مناقب أبي حنيفة» للذهبي (ص 28 - 29): «قال الخطيب: أخبرنا ابن رزق، حدثنا أحمد بن علي بن عمرو
(1)
بن حبيش الرازي، سمعت محمد بن أحمد بن عصام يقول: سمعت محمد بن سعد العوفي يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو حنيفة ثقة، لا يحدِّث إلَّا ما يحفظه، ولا يحدِّث بما لا يحفظه». قال الأستاذ:«وهذا يقضي على من يرميه بقلة الضبط» . وقد تكلم الأستاذ في رواية الخطيب عن محمد بن أحمد بن رزق، وأشار إلى ذلك هنا كما مرّ، ولا أدري ما يقول في محمد بن عصام، فجعل الأستاذ هذه
(1)
كذا في (ط) تبعًا لما في تعليق الكوثري والصواب «عُمر» كما في «تاريخ بغداد» و «تاريخ الذهبي» .
الرواية مع أنها من طريق محمد بن سعد العوفي ــ وقد انفرد بها هذا الإسناد ــ قاضيةً على إجماع الأئمة ومعهم ابن معين من عدة أوجه عنه، ثم تراه هنا يردُّ رواية محمد بن سعد ومعه جماعة عن ابن معين ومعه جميع الأئمة إلا ما شذّ!
أما الحسن بن زياد، فقد روى تكذيبَه ثلاثةٌ عن ابن معين. وقال ابن أبي حاتم في كتابه
(1)
: «قريء على العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: [1/ 446] حسن اللؤلؤي كذاب» ، ولعل الأستاذ قد وقف على ذلك في «تاريخ عباس»
(2)
. ثم قال ابن أبي حاتم: «سألت أبي عنه فقال: ضعيف الحديث، ليس بثقة ولا مأمون» . وفي كتاب «الضعفاء والمتروكين»
(3)
للنسائي المطبوع في الهند: «حسن بن زياد اللؤلؤي ليس بثقة ولا مأمون» وفي الجزء الملحق به، وهو من كلام النسائي: «أبو حنيفة ليس بالقوي في الحديث، وهو كثير الغلط والخطأ على قلة روايته. والضعفاء من أصحابه: يوسف بن خالد السَّمْتي كذاب، والحسن بن زياد اللؤلؤي كذاب خبيث، ومحمد بن الحسن ضعيف. والثقات من أصحابه: أبو يوسف القاضي ثقة
…
».
وفي ترجمة اللؤلؤي من «لسان الميزان»
(4)
: «قال محمد بن عبد الله بن نُمير: يكذب على ابن جريج. وكذا كذَّبه أبو داود فقال: كذاب
(1)
(3/ 15).
(2)
(1765).
(3)
(ص 170).
(4)
(3/ 48 - 49).