الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقدَّمنا في القواعد
(1)
أنه إذا ظهر أن بين الرجلين نُفْرة
(2)
لم يُقبل ما يقوله أحدهما في الآخر إلا مفسَّرًا محققًا مثبتًا. ويتأكد ذلك بإعراض الناس عن كلمة أبي يعلى وإجماعهم على توثيق ابن عمار. فأما الغرائب فقد دلَّت كلمة ابن عدي على أنها غرائب صحاح، ولهذا ذكرها في صدد المدح؛ فحوَّله الكوثري إلى القدح. والله المستعان.
215 - محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه أبو عبد الله الضبّي الحاكم النيسابوري:
قال الأستاذ (ص 70): «اختلط في آخره اختلاطًا شنيعًا على تعصبه البالغ» . وقال (ص 149): «شديد التعصب اختلط في آخره، ويقال عنه: إنه كان رافضيًّا خبيثًا» .
أقول: أما التعصب، فإن كان للحاكم طرف منه ففي تشيُّعه الخفيف. أما على أهل الرأي فلم يُعرف بتعصب، وقد سبق حكم التعصب في المقدمة
(3)
. وأما قول بعضهم: «إمام في الحديث رافضي خبيث» ، فقد أجاب عنها الذهبي في «الميزان»
(4)
قال: «إن الله يحبّ الإنصاف. ما الرجل برافضيّ، بل شيعي فقط» . وتذكِّرني هذه الكلمة ما حكوه أن الصاحب ابن عباد كتب إلى قاضي قم:
(1)
(1/ 87 فما بعدها).
(2)
(ط): «ثغرة» !
(3)
(1/ 29 فما بعدها).
(4)
(5/ 54).
أيها القاضي بقُمْ
…
قد عزلناك فقُمْ
فقال القاضي: ما عزلَتْني إلا هذه السجعة!
وأما قول الكوثري: «اختلط
…
اختلاطًا شنيعًا» فمجازفة، بل لم يختلط، وإنما قال ابن حجر في «اللسان»
(1)
بعد أن ذكر ما في «المستدرك» من التساهل: «قيل في الاعتذار عنه أنه عند تصنيفه «للمستدرك» كان في أواخر عمره، وذكر بعضهم أنه حصل له تغيُّر وغفلة في آخر عمره. ويدل على ذلك أنه ذكر جماعةً في كتاب «الضعفاء» له، وقطَعَ بترك الرواية عنهم، ومَنَع من الاحتجاج بهم؛ ثم أخرج أحاديث بعضهم في «مستدركه» [1/ 456] وصححها».
ولعل المراد بقوله: «ذكر بعضهم» ما في «تذكرة الحفاظ»
(2)
عن بعضهم أن الحاكم قال له: «إذا ذاكرتُ في باب لا بد من المطالعة لكبر سني» . وهذا لا يستلزم الغفلة، ومع ذلك قوله:«تغيُّر وغفلة» لا يؤدي معنى الاختلاط، فكيف الاختلاط الشنيع؟
وقد رأيت في «المستدرك» المطبوع إثبات تواريخ السماع على الحاكم في أوله أي ج 1 ص 2، ثم ص 36، فـ ص 69، فـ ص 94، فـ ص 129، فـ ص 163. وتاريخ الأول سابع المحرم سنة 393
(3)
، والثاني بعد ثلاثة أشهر
(1)
(7/ 256 - 257).
(2)
(3/ 1041).
(3)
وقع في الموضعين من المواضع المشار إليها من «المستدرك» وهما ص 2 و 94: سنة ثلاث وسبعين، وهو خطأ مطبعي. ولذلك لم يعرج عليه المؤلف رحمه الله تعالى. [ن].
تقريبًا، وهكذا بعد كل ثلاثة أشهر يملي جزءًا في نيف وثلاثين صفحة من المطبوع. ولم يستمر إثبات ذلك في جميع الكتاب، وآخر ما وجدته فيه (ج 3 ص 156 في غرة ذي القعدة سنة 402). وهذا يدل أن تلك الطريقة استمرت منتظمة إلى ذاك الموضع، فأما بعد ذلك فالله أعلم، فإنه لو بقي ذاك الانتظام لم يتم الكتاب إلّا سنة 410، لكن الحاكم توفي سنة 405. وفي المجلد الرابع ص 249 ذِكْر الحاكم أول سند «أخبرنا الحاكم أبو عبد الله
…
» لكنه بلا تاريخ.
هذا، واقتصاره في كل ثلاثة أشهر على مجلس واحد يملي فيه جزءًا بذاك القدر يدل أنه إنما ألَّف الكتاب في تلك المدة. فكان الحاكم مع اشتغاله بمؤلفات أخرى يشتغل بتأليف «المستدرك» ، والتزم أن يحضِّر في كل ثلاثة أشهر جزءًا ويخرجه للناس فيسمعونه؛ إذ لو كان قد ألَّف الكتاب قبل ذلك وبيَّضه، فلماذا يقتصر في إسماع الناس على يوم في كل ثلاثة أشهر؟ فأما إسراعه في الأواخر، فلعله فرغ من مصنفاته الأخرى التي كان يشتغل بها مع «المستدرك» ، فتفرغ للمستدرك.
وفي «فتح المغيث» (ص 13)
(1)
عند ذِكْر تساهل الحاكم في «المستدرك» : «فيه عدة موضوعات حمله على تصحيحها إما التعصُّبُ لما رمي به من التشيع وإما غيرُه، فضلًا عن الضعيف وغيره. بل يقال: إن السبب في ذلك أنه صنفه في أواخر عمره، وقد حصلت له غفلة وتغيُّر، وأنه لم
(1)
(1/ 35).
يتيسَّرْ له تحريره وتنقيحه، ويدل له: أن تساهله في قدر الخمس الأول منه قليل جدًّا بالنسبة لما فيه، فإنه وُجد عنده: إلى هنا انتهى إملاء الحاكم».
[1/ 457] أقول: لا أرى الذنب للتشيع، فإنه يتساهل في فضائل بقية الصحابة كالشيخين وغيرهما. وفي المطبوع (ج 3 ص 156): «حدثنا الحاكم
…
إملاء غرة ذي القعدة سنة اثنتين وأربعمائة». وعادته كما تقدم أن يملي في المجلس جزءًا في بضع وثلاثين صفحة من المطبوع، فقد أملى إلى نحو صفحة 190 من المجلد الثالث المطبوع، وذلك أكثر من نصف الكتاب. فأما الموضع الذي في (ج 4 ص 349) فإنما فيه: «أخبرنا
…
»، وليس فيه لفظ «إملاء» ولا ذكر التاريخ.
والذي يظهر لي في ما وقع في «المستدرك» من الخلل أن له عدة أسباب:
الأول: حرص الحاكم على الإكثار، وقد قال في خطبة «المستدرك»
(1)
: «قد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشمتون برواة الآثار بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث، وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أقل أو أكثر كلُّها سقيمة غير صحيحة» . فكان له هوى في الإكثار للرد على هؤلاء.
والثاني: أنه قد يقع له الحديث بسند عال أو يكون غريبًا مما يتنافس فيه المحدِّثون، فيحرص على إثباته. وفي «تذكرة الحفاظ» (ج 2 ص 270)
(2)
:
(1)
(1/ 3).
(2)
(2/ 733).
«قال الحافظ أبو عبد الله [بن]
(1)
الأخرم: استعان بي السرَّاج في تخريجه على «صحيح مسلم» فكنت أتحيَّر من كثرة حديثه وحسن أصوله، وكان إذا وجد الخبر عاليًا يقول: لا بد أن نكتبه (يعني في المستخرج) فأقول: ليس من شرط صاحبنا (يعني مسلمًا)[فيقول]: فشفعني فيه». فعرض للحاكم نحو هذا كلما وجد عنده حديثًا يفرح بعلوه أو غرابته اشتهى أن يثبته في «المستدرك» .
الثالث: أنه لأجل السببين الأولين، ولكي يخفِّف عن نفسه من التعب في البحث والنظر، لم يلتزم أن لا يخرج ما له علة. وأشار إلى ذلك، قال في الخطبة: «سألني جماعة
…
أن أجمع كتابًا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها، إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له، فإنهما رحمهما الله لم يدعيا ذلك لأنفسهما». ولم يصب في هذا، فإن الشيخين ملتزمان أن لا يخرجا إلا ما غلب على ظنهما بعد النظر والبحث والتدبر أنه ليس له علة [1/ 458] قادحة. وظاهر كلامه أنه لم يلتفت إلى العلل البتة، وأنه يخرج ما كان رجاله مثل رجالهما، وإن لم يغلب على ظنه أنه ليس له علة قادحة.
الرابع: أنه لأجل السببين الأولين توسّع في معنى قوله: «بأسانيد يحتج
…
بمثلها»، فبنى على أن في رجال «الصحيحين» مَنْ فيه كلام، فأخرج عن جماعة يعلم أنَّ فيهم كلامًا. ومحل التوسُّع أن الشيخين إنما يخرجان لمن فيه كلام في مواضع معروفة:
أحدها: أن يؤدّي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام لا يضرُّه في روايته البتة،
(1)
سقطت من (ط).
كما أخرج البخاري لعكرمة.
الثاني: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقرونًا أو حيث تابعه غيره ونحو ذلك.
ثالثها: أن يريا أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه، أو برواية فلان عنه، أو بما يُسمع منه من غير كتابه، أو بما سُمع منه بعد اختلاطه، أو بما جاء عنه عنعنة وهو مدلس ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس. فيُخرجان للرجل حيث يصلح، ولا يُخرجان له حيث لا يصلح. وقصَّر الحاكم في مراعاة هذا، وزاد فأخرج في مواضع لمن لم يخرجا ولا أحدهما له، بناءً على أنه نظير مَنْ قد أخرجا له. فلو قيل له: كيف أخرجتَ لهذا وهو متكلَّم فيه؟ لعله يجيب بأنهما قد أخرجا لفلان؛ وفيه كلام قريب من الكلام في هذا. ولو وفى بهذا لهان الخطب، لكنه لم يفِ به بل أخرج لجماعة هَلْكى!
الخامس: أنه شرع في تأليف «المستدرك» بعد أن بلغ عمره اثنتين وسبعين سنة وقد ضعفت ذاكرته كما تقدم عنه، وكان ــ فيما يظهر ــ تحت يده كتب أخرى يصنِّفها مع «المستدرك» ، وقد استشعر قرب أجله، فهو حريص على إتمام «المستدرك» وتلك المصنفات قبل موته. فقد يتوهم في الرجل يقع في السند أنهما أخرجا له، أو أنه فلان الذي أخرجا له، والواقع أنه رجل آخر، أو أنه لم يجرح أو نحو ذلك. وقد رأيت له في «المستدرك» عدة أوهام من هذا القبيل يجزم بها، فيقول في الرجل: قد أخرج له مسلم مثلًا، مع أن