المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1).188 -محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الأدمي: - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - جـ ١٠

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌1 ــ فصل

- ‌ 2 ـ فصل

- ‌3 ــ فصل

- ‌4 ــ فصل

- ‌ 5 ـ فصل

- ‌القسم الأول في القواعد

- ‌1 - رمي الراوي بالكذب في غير الحديث النبوي

- ‌ 2 - التهمة بالكذب

- ‌3 ــ رواية المبتدع

- ‌4 ــ قدح الساخط ومدح المحب ونحو ذلك

- ‌5 - هل يشترط تفسير الجرح

- ‌تحقيق: أن الجرح المجمل يثبت به جرحُ مَن لم يعدَّل

- ‌ 62] 6 - كيف البحث عن أحوال الرواة

- ‌ 73] 7 - إذا اجتمع جرح وتعديل فبأيهما يعمل

- ‌8 - قولهم: من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح إلا

- ‌ 9 - مباحث في الاتصال والانقطاع

- ‌المبحث الأول: في رواية الرجل بصيغة محتملة للسماع عمن عاصره، ولم يثبت لقاؤه له

- ‌المبحث الثالث: لا يكفي احتمال المعاصرة

- ‌القسم الثانيفي التراجم

- ‌1 - أَبان بن سفيان

- ‌2 - [1/ 85] إبراهيم بن بشّار الرمادي

- ‌3 - [1/ 87] إبراهيم بن الحجاج

- ‌4 - إبراهيم بن راشد الأَدَمِيّ

- ‌5 - إبراهيم بن سعيد الجوهري

- ‌6 - إبراهيم بن شَمَّاس

- ‌7 - إبراهيم بن أبي الليث

- ‌9 - إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو إسحاق المزكِّي النيسابوري

- ‌10 - إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الجُوزَجاني

- ‌11 - أحمد بن إبراهيم

- ‌13 - أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم

- ‌15 - أحمد بن الحسن بن خيرون

- ‌16 - أحمد بن خالد الكرماني

- ‌17 - أحمد بن الخليل

- ‌18 - أحمد بن سعد بن أبي مريم

- ‌19 - [1/ 110] أحمد بن سلمان النجَّاد

- ‌20 - أحمد بن صالح أبو جعفر المصري المعروف بابن الطبري

- ‌21 - أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبو نُعيم الأصبهاني الحافظ

- ‌22 - أحمد بن عبد الله الأصبهاني

- ‌23 - أحمد بن عبد الله أبو عبد الرحمن العكي

- ‌24 - أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود

- ‌25 - أحمد بن عُبيد بن ناصح أبو عَصيدة النحوي

- ‌ النظر في عقيدة الخطيب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌27 - أحمد بن علي بن مسلم أبو العباس الأ بَّار

- ‌28 - [1/ 161] أحمد بن الفضل بن خزيمة

- ‌29 - أحمد بن كامل القاضي

- ‌30 - أحمد بن محمد بن الحجاج أبو بكر المرُّوذي

- ‌31 - أحمد بن محمد بن الحسين الرازي

- ‌3).34 -أحمد بن محمد بن الصَّلْت بن المغلِّس الحِمَّاني

- ‌35 - أحمد بن محمد بن عبد الكريم أبو طلحة الفزاري الوساوسي:

- ‌36 - أحمد بن محمد بن عمر المنكدري:

- ‌37 - أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست أبو عبد الله العلَّاف:

- ‌38 - أحمد بن المعذَّل

- ‌39 - أحمد بن موسى النجَّار:

- ‌40 - أحمد بن يونس:

- ‌41 - الأحوص بن الجوَّاب أبو الجوَّاب:

- ‌42 - إسحاق بن إبراهيم الحُنَيني:

- ‌43 - إسحاق بن إبراهيم الموصلي:

- ‌44 - إسحاق بن عبد الرحمن:

- ‌47 - إسماعيل بن إبراهيم بن مَعْمَر أبو معمَرالهذلي الهروي الكوفي:

- ‌48 - إسماعيل بن بِشر بن منصور السُّلَيمي أبو بِشر البصري:

- ‌49 - إسماعيل بن أبي الحكم:

- ‌50 - إسماعيل بن حمدويه:

- ‌51 - إسماعيل بن عَرْعَرة:

- ‌52 - إسماعيل بن عيّاش الحمصي:

- ‌53 - إسماعيل بن عيسى بن علي الهاشمي:

- ‌54 - الأسود بن سالم:

- ‌55 - أصبغ بن خليل القرطبي:

- ‌56 - أنس بن مالك صاحب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌57 - أيوب بن إسحاق بن سافري:

- ‌58 - بشر بن السَّرِيّ:

- ‌59 - بقيَّة بن الوليد:

- ‌60 - تمَّام بن محمد بن عبد الله الأَذَني:

- ‌61 - [1/ 214] ثعلبة بن سهيل التميمي الطُّهَوي:

- ‌62 - جرَّاح بن منهال أبو العطوف:

- ‌63 - جرير بن عبد الحميد:

- ‌64 - جعفر بن محمد بن شاكر:

- ‌65 - جعفر بن محمد الصندلي:

- ‌66 - [1/ 219] جعفر بن محمد الفِرْيابي:

- ‌67 - حاجب بن أحمد الطوسي:

- ‌68 - الحارث بن عُمير البصري

- ‌69 - [1/ 225] حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك:

- ‌70 - الحجاج بن أرطاة:

- ‌71 - الحجاج بن محمد الأعور:

- ‌72 - حرب بن إسماعيل الكِرماني السِّيرجاني:

- ‌73 - الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان أبو علي بن أبي بكر:

- ‌74 - الحسن بن الحسين بن العباس بن دُوما النِّعالي:

- ‌75 - الحسن بن الربيع أبو علي البَجَلي الكوفي:

- ‌76 - الحسن بن الصبَّاح أبو علي البزار الواسطي:

- ‌77 - الحسن بن علي بن محمد الحُلْواني

- ‌78 - الحسن بن علي بن محمد أبو علي ابن المُذْهِب التميمي:

- ‌79 - الحسن بن الفضل البُوصَرائي:

- ‌80 - الحسين بن أحمد الهروي الصَّفَّار:

- ‌81 - [1/ 238] الحسين بن إدريس الهروي:

- ‌82 - الحسين بن حُميد بن الربيع:

- ‌83 - الحسين بن عبد الأول:

- ‌84 - الحسين بن علي بن يزيد الكَرابيسي:

- ‌85 - حماد بن سَلَمة بن دينار:

- ‌الوجه الثاني: أنه تغيَّر بأَخَرة

- ‌86 - حنبل بن إسحاق:

- ‌88 - خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك:

- ‌89 - داود بن المحبَّر:

- ‌90 - دَعْلَج بن أحمد السِّجْزي:

- ‌91 - الربيع بن سليمان المرادي:

- ‌92 - رجاء بن السندي:

- ‌93 - رَقَبة بن مَصْقَلة:

- ‌94 - زكريّا بن يحيى السّاجي:

- ‌95 - [1/ 257] سالم(1)بن عصام:

- ‌96 - سعيد بن سَلْم بن قتيبة بن مسلم(4)الباهلي الأمير:

- ‌97 - سعيد بن عامر الضُّبَعي:

- ‌98 - سفيان بن سعيد الثوري:

- ‌99 - [1/ 263] سفيان بن عُيينة:

- ‌100 - سفيان بن وكيع:

- ‌101 - سلَّام بن أبي مُطيع:

- ‌1).102 -سلامة بن محمود القيسي:

- ‌103 - سلمة بن كُلْثوم:

- ‌104 - سليمان بن عبد الله:

- ‌105 - سليمان بن عبد الحميد البَهْراني:

- ‌106 - سليمان بن فُليَح:

- ‌107 - سُنَيد بن داود

- ‌108 - شريك بن عبد الله النخعي القاضي:

- ‌109 - صالح بن أحمد:

- ‌110 - صالح بن محمد التميمي الحافظ الملقب «جَزَرة»:

- ‌111 - الصقر بن عبد الرحمن بن مالك بن مِغْوَل:

- ‌112 - ضِرَار بن صُرَد:

- ‌1).(2)113 -طريف بن عبيد الله:

- ‌114 - طَلْق بن حبيب:

- ‌115 - عامر بن إسماعيل أبو معاذ البغدادي:

- ‌116 - عبَّاد بن كَثِير:

- ‌117 - عبد الله بن أُبيّ القاضي:

- ‌118 - عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني:

- ‌119 - عبد الله بن جعفر بن دَرَسْتوَيه

- ‌120 - عبد الله بن خُبَيْق

- ‌121 - عبد الله بن الزبير أبو بكر الحُمَيدي

- ‌122 - عبد الله بن سعيد:

- ‌123 - عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبو بكر بن أبي داود السجستاني

- ‌ من عادة المحدثين التباهي بالإغراب

- ‌124 - عبد الله بن صالح:

- ‌125 - عبد الله بن عدي أبو أحمد الجرجاني الحافظ مؤلف «الكامل»

- ‌1)126 -عبد الله بن عمر بن الرمَّاح:

- ‌127 - عبد الله بن عَمْرو أبو معمر المِنْقَري:

- ‌128 - عبد الله بن محمد بن حميد أبو بكر بن أبي الأسود:

- ‌129 - عبد الله بن محمد بن جعفر بن حَيّان أبو الشيخ الأصبهاني الحافظ:

- ‌130 - عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني:

- ‌132 - عبد الله بن محمد بن سيَّار الفَرْهَيَاني

- ‌134 - عبد الله بن محمد العَتَكي:

- ‌135 - عبد الله بن محمود:

- ‌136 - عبد الله بن معمر:

- ‌137 - عبد الأعلى بن مُسْهِر أبو مُسْهِر الدمشقي:

- ‌138 - عبد الرحمن بن الحكم بن بشير بن سلمان:

- ‌139 - عبد الرحمن بن عمر الزّهْري أبو الحسن الأصبهاني الأزرق، المعروف برُسْته:

- ‌140 - عبد الرحمن بن محمد بن إدريس أبو محمد بن أبي حاتم الرازي:

- ‌141 - عبد الرزاق بن عمر البَزِيعي

- ‌1).142 -عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي

- ‌143 - عبد السلام بن محمد الحضرمي

- ‌144 - عبد العزيز بن الحارث أبو الحسن التميمي

- ‌146 - عبد الملك بن قُريب الأصمعي:

- ‌147 - عبد الملك بن محمد أبو قِلابة الرقاشي:

- ‌148 - عبد المؤمن بن خلف أبو يعلى التميمي النسفي الحافظ:

- ‌149 - عبد الواحد بن عليّ بن بَرْهان العكبري:

- ‌150 - عبد الوارث بن سعيد أبو عبيدة التنُّوري:

- ‌151 - عَبْد بن أحمد أبو ذر الهروي:

- ‌152 - عُبيد الله بن عبد الكريم أبو زُرْعة الرازي:

- ‌153 - عبيد الله بن محمد بن حمدان أبو عبد الله ابن بطة العكبري

- ‌154 - عُبيدة الخراساني:

- ‌155 - عثمان بن أحمد أبو عَمرو بن السَّمَّاك الدقَّاق

- ‌156 - عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ:

- ‌157 - عليّ بن أحمد أبو الحسن المعروف بابن طيبة الرزَّاز:

- ‌158 - علي بن إسحاق بن عيسى بن زاطيا:

- ‌159 - [1/ 350] عليّ بن جرير الباوردي:

- ‌160 - علي بن زيد الفرائضي:

- ‌161 - علي بن صدقة:

- ‌162 - علي بن عاصم:

- ‌164 - علي بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسن الدارقطني:

- ‌165 - عليّ بن عمر بن محمد:

- ‌166 - عليّ بن محمد بن سعيد الموصلي:

- ‌167 - علي بن محمد بن مهران السوّاق:

- ‌168 - عليّ بن مِهران الرازي:

- ‌169 - عمار بن زُرَيق:

- ‌170 - عمر بن الحسن أبو الحسين الشيباني القاضي المعروف بابن الأُشناني:

- ‌171 - عمر بن قيس المكي:

- ‌172 - عمر بن محمد بن عمر بن الفياض:

- ‌173 - عمر بن محمد بن عيسى السَّذابي الجوهري:

- ‌174 - عَمْرو بن علي بن بحر أبو حفص الفلَّاس:

- ‌175 - عمران بن موسى الطائي:

- ‌176 - عنبسة بن خالد:

- ‌177 - فهد بن عوف أبو ربيعة

- ‌178 - القاسم بن حبيب:

- ‌179 - القاسم بن عثمان:

- ‌180 - القاسم بن محمد بن حميد المَعْمري

- ‌181 - قَطَن بن إبراهيم:

- ‌182 - قيس بن الربيع:

- ‌183 - مالك بن أنس الأصبحي الإمام:

- ‌184 - محبوب بن موسى أبو صالح الفراء:

- ‌185 - محمد بن إبراهيم بن جناد المنقري:

- ‌186 - [1/ 388] محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن الغطريف أبو أحمد الجرجاني الغِطريفي

- ‌187 - [1/ 390] محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق، يعرف بابن رزق وبأبي رزقويه:

- ‌1).188 -محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الأَدَمي:

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌190 - محمد بن أبي الأزهر:

- ‌191 - محمد بن إسحاق بن خزيمة:

- ‌192 - محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري صاحب «الصحيح»:

- ‌194 - محمد بن أعيَن أبو الوزير:

- ‌195 - محمد بن بشّار بُنْدار:

- ‌1)196 -محمد بن جابر اليمامي:

- ‌197 - محمد بن جعفر الأدمي:

- ‌198 - محمد بن جعفر الأنباري:

- ‌1).199 -محمد بن جعفر الراشدي:

- ‌200 - محمد بن حبّان أبو حاتم البُسْتي الحافظ:

- ‌201 - محمد بن الحسن بن محمد بن زياد النقاش:

- ‌202 - [1/ 439] محمد بن الحسين بن حُميد بن الرّبيع:

- ‌203 - محمد بن حماد:

- ‌204 - محمد بن حمدويه أبو رجاء المروزي:

- ‌205 - محمد بن رَوح:

- ‌206 - محمد بن سعد العوفي:

- ‌207 - محمد بن سعيد البُورَقي:

- ‌208 - محمد بن الصقر بن عبد الرحمن:

- ‌209 - [1/ 450] محمد بن العباس بن حَيّويه أبو عمر الخزّاز:

- ‌210 - محمد بن عبد الله بن أبان أبو بكر الهِيتي:

- ‌211 - محمد بن عبد الله بن إبراهيم أبو بكر الشافعي:

- ‌212 - محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الحافظ، لقبه «مُطَيَّن»:

- ‌213 - محمد بن عبد الله بن عبد الحكم:

- ‌214 - محمد بن عبد الله بن عمّار الموصلي الحافظ:

- ‌215 - محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه أبو عبد الله الضبّي الحاكم النيسابوري:

- ‌216 - محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو المفضّل الشيباني:

- ‌217 - محمد بن عُبيد الطنافسي:

- ‌218 - محمد بن أبي عتّاب أبو بكر الأعْيَن:

- ‌219 - محمد بن عثمان بن أبي شيبة:

- ‌220 - محمد بن علي أبو جعفر الورَّاق، لقبه حمدان:

- ‌221 - محمد بن علي بن الحسن بن شقيق:

- ‌222 - محمد بن علي بن عطية أبو طالب المكي:

- ‌223 - محمد بن علي البلخي:

- ‌224 - محمد بن علي أبو العلاء الواسطي القاضي:

- ‌225 - محمد بن عُمر بن محمد بن بَهْتة:

- ‌226 - محمد بن عَمْرو العُقيلي الحافظ:

- ‌227 - [1/ 466] محمد بن عوف:

- ‌228 - محمد بن الفضل السدوسي المشهور بعارم:

- ‌2).(3)229 -محمد بن فليح بن سليمان

- ‌230 - محمد بن كثير العبدي:

- ‌231 - محمد بن كثير المصيصي:

- ‌232 - محمد بن محمد بن سليمان الباغندي وأبوه:

- ‌233 - [1/ 472] محمد بن المظفّر بن إبراهيم أبو الفتح الخياط:

- ‌234 - محمد بن معاوية الزيادي:

- ‌235 - محمد بن موسى البربري:

- ‌236 - محمد بن ميمون أبو حمزة السُّكَّري:

- ‌237 - محمد بن نصر بن مالك:

- ‌239 - محمد بن يوسف الفريابي:

- ‌240 - محمد بن يونس الجمال:

- ‌241 - محمد بن يونس الكُدَيمي:

- ‌242 - محمود بن إسحاق بن محمود القوّاس:

- ‌243 - مسدَّد بن قَطَن:

- ‌244 - مسلم بن أبي مسلم:

- ‌245 - المسيّب بن واضح:

- ‌246 - مصعب بن خارجة بن مصعب:

- ‌248 - معبد بن جمعة أبو شافع:

- ‌249 - المفضّل بن غسان الغِلَابي:

- ‌250 - منصور بن أبي مزاحم:

- ‌251 - موسى بن إسماعيل أبو سلمة التَّبُوذَكي:

- ‌252 - موسى بن المساور أبو الهيثم الضبّي:

- ‌253 - مؤمّل بن إسماعيل:

- ‌254 - مؤمَّل بن إهاب:

- ‌255 - مهنَّأ بن يحيى:

- ‌256 - نصر بن محمد البغدادي:

- ‌257 - النضر بن محمد المروزي:

- ‌258 - [1/ 493] نُعيم بن حمّاد:

- ‌259 - الوضّاح بن عبد الله أبو عَوانة أحد الأئمة:

- ‌260 - الوليد بن مسلم:

- ‌261 - هشام بن عُروة بن الزبير بن العوَّام:

- ‌262 - هشام بن محمد بن السائب الكلبي:

- ‌263 - الهيثم بن جميل:

- ‌264 - يحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي الأصل الدمشقي:

- ‌265 - يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني:

- ‌266 - يزيد بن يوسف الشامي:

- ‌267 - [1/ 508] يعقوب بن سفيان بن جُوَان الفارسي أبو يوسف الفَسَوي:

- ‌268 - يوسف بن أسباط:

- ‌269 - أبو الأخنس الكناني:

- ‌270 - أبو جزي بن عمرو بن سعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي:

- ‌271 - [1/ 511] أبو جعفر:

- ‌272 - أبو محمد:

- ‌273 - ابن سختويه بن مازيار:

- ‌مستدرك

الفصل: ‌1).188 -محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الأدمي:

استغنى أهل العلم منذ قرون بالوثوق بصحة النسخة، فمن وثق بصحة نسخة كان له أن يحتج بما فيها، كما يحتج به لو سمعه من مؤلف الكتاب.

والخطيبُ ــ كما يُعلم من «تاريخه» ــ غاية في المعرفة والتيقظ والاحتياط، فإذا وثق بأنّ كُتب ابن رزق محفوظة ثم دفع إليه ابن رزق كتابًا منها فرأى سماعه فيه صحيحًا، وعلم أنه قد رواه مرارًا قبل عماه، فقد حق له أن يحتج بما يجد فيه وإن لم يقرأه هو أو غيره بحضرته على ابن رزق، فكيف إذا وفَّى الحجةَ بقراءته عليه؟ بل إذا تدبرت علمت أن الوثوق بهذا أمتن من الوثوق بما يرويه الرجل من حفظه، فإن الحفظ خوَّان. وقد رأيت في «تاريخه» (ج 9 ص 309): «دفع إليَّ ابن رزق أصل كتابه الذي سمعه من مكرم بن أحمد القاضي، فنقلتُ منه، ثم أخبرنا الأزهري، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا مكرم

» فذكر خبرًا. وهذا مما يبين تحرِّي الخطيب وتثبُّته. وفوق ذلك فعامة ما رواه الخطيب عن ابن رزق في ترجمة أبي حنيفة إنما هو من كتاب مصنف للأبار، وجلُّ الاعتماد في مثل هذا على صحة النسخة، كما تقدم في ترجمة الحسن بن الحسين (‌

‌1).

188 -

محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الأَدَمي:

في «تاريخ بغداد» (13/ 405 [430]): «أخبرنا البَرْقاني، حدثني محمد بن أحمد بن محمد الأدمي، حدثنا محمد بن علي الإيادي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا بعض أصحابنا قال: قال ابن إدريس: إني لأشتهي من الدنيا أن يخرج [1/ 391] من الكوفة قول أبي حنيفة، وشُرْب

(1)

رقم (74).

ص: 655

المسكر، وقراءة حمزة».

قال الأستاذ (ص 127): «ترى البَرْقاني يصفُّ نفسه في صفِّ هؤلاء فيروي عن مثل الأدمي

راوي «العلل» للساجي، وهو لم يكن صدوقًا، يُسمع لنفسه في كتب لم يسمعها، وكان بذيء اللسان كما سبق من الخطيب

وواضع الحكاية على لسان ابن إدريس، وقح قليل الدين يجمع بين شرب المسكر وبين الفقه والقراءة المتواترة».

أقول: لفظ الخطيب في ترجمة الأَدَمي (ج 1 ص 349): «قال لي أبو طاهر حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق: لم يكن الأدمي هذا صدوقًا في الحديث؛ كان يُسمع لنفسه في كتب لم يسمعها. فسألت البرقاني عن الأدمي فقال لي: ما علمت إلا خيرًا، وكان شيخًا قديمًا .... غير أنه كان يطلق لسانه في الناس، ويتكلّم في ابن مظفر والدارقطني» . فعدم التفات البرقاني إلى كلام حمزة يدل على أنه لم يعتدّ به؛ لأن حمزة لم يبيِّن أيَّ كتاب ألحق الأَدَميُّ سماعَه فيه ولم يسمعه، ومن أين علم حمزة أنه لم يسمعه؟ وقول البرقاني: «غير أنه كان يطلق لسانه

» كأنه قصد بها أن الأدمي كان يتكلم في الناس، فتكلم بعضهم فيه. ومثل هذا يقع فيه التجوّز والتسامح، فلا يُعتد به إلا مفسرًا محققًا مثبتًا.

ومع هذا فالخبر في كتاب «العلل» للساجي، ولم يكن البرقاني ليسمع الكتاب من الأَدَمي حتى يثق بصحة سماعه وبصحة النسخة، فهب أن البرقاني أو الخطيب قال:«قال الساجي في «العلل»

» ألا يكفي هذا للحجة؟ وقد كان يكفي الأستاذ أن يقول: شيخ الساجي لا يُدرَى من هو، ولكنه يأبى إلا التطويل والتهويل.

ص: 656

وزَعْمه أن الحكايةَ موضوعة مجازفة منه، وكلام أئمة السنة في ذلك العصر في قول أبي حنيفة متواتر حق التواتر، وكلام جماعة منهم في قراءة حمزة مشهور. والقرآن متواتر حقًّا، فأما وجوه الأداء التي تفرَّد بها حمزة فالأئمة الذين أنكروها لا يعلمون صحتها فكيف تواترها؟ وراجع ترجمة حمزة في «الميزان»

(1)

.

(2)

189 -

محمد بن إدريسَ بن العبّاس بن عثمانَ بن شافعِ بن السائبِ بن عُبيدِ بن عَبْد يزيدَ بن هاشم بن المطَّلب بن عبدِ منافٍ القرشي

(3)

المطلبي الشافعي أبو عبد الله:

هكذا نسبه [1/ 392] صاحبُه الربيعُ كما في صدر كتاب «الرسالة»

(4)

، وأسنده إليه الخطيب في «تاريخ بغداد»

(5)

والسند إليه بغاية الصحة. وهكذا نَسَبه صاحبُه الزعفرانيّ كما تراه عنه من وجهين في «توالي التأسيس» (ص 44)

(6)

. وهكذا نسبه الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في «كتابه» (ج 3 ص 201). وهكذا نسبه أحمد بن محمد بن عبيد

(1)

(2/ 128 - 129).

(2)

محمد بن أحمد التميمي. يأتي في ترجمة محمد بن علي البلخي إن شاء الله تعالى [رقم 223]. [المؤلف].

(3)

لم ترد هذه النسبة في «الرسالة» .

(4)

(ص 7).

(5)

(2/ 57).

(6)

(ص 34). وتقدم أن صواب اسم كتاب ابن حجر «توالي التأنيس» كما نص عليه تلميذه السخاوي.

ص: 657

العدوي النسابة، رواه عنه زكريا الساجي في «مناقب الشافعي» كما في «توالي التأسيس» أيضًا و «تاريخ بغداد» .

وقال ابن النديم في «الفهرست» (ص 294): «قرأت بخط أبي القاسم الحجازي في كتاب «الأخبار الداخلة في التاريخ» أنه: أبو عبد الله محمد بن إدريس من ولد شافع بن السائب بن عبيد

» كما مرّ.

وقال أبو عمر بن عبد البرفي «الانتقاء» (ص 66)

(1)

: «لا خلاف علمتُه بين أهل العلم والمعرفة بأيام الناس من أهل السير والعلم بالخبر والمعرفة بأنساب قريش وغيرها من العرب وأهل الحديث والفقه: أن الفقيه الشافعي رضي الله عنه هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد

» كما مرّ.

وقال ابن أبي حاتم في «كتابه» : «حدثني أبو بشر بن أحمد بن حماد الدولابي، نا أبو بكر بن إدريس قال: سمعت الحميدي يقول: كان أحمد بن حنبل قد أقام عندنا بمكة على سفيان بن عيينة، فقال لي ذات يوم: هاهنا رجل من قريش له بيان ومعرفة. قلت: ومن هو؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي ــ وكان أحمد بن حنبل قد جالسه بالعراق ــ فلم يزل بي حتى اجترَّني إليه، فجلسنا إليه ودارت مسائل، فلما قمنا قال لي أحمد بن حنبل: كيف رأيت؟ ألا ترضى أن يكون رجل من قريش له هذه المعرفة وهذا البيان؟

».

الدولابي حافظ حنفيّ فيه مقال، ومثلُه لا يُتّهم في هذا، وشيخه هو ورّاق الحميدي ثقة، والحميدي قرشي إمام.

(1)

(ص 115 - 116).

ص: 658

وفي أوائل «سنن الشافعي»

(1)

التي رواها الطحاوي عن المزني صاحب الشافعي بسندين إلى الطحاوي قال: «حدثنا

المزني في ذي القعدة من سنة 252 قراءة منه علينا قال: حدثنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس المطلبي الشافعي

».

والذين ذكروا الشافعي وأثنوا عليه بأنه قرشي أو مطلبي من أقرانه والذين يلونهم كثير. وقد جاء عنه أنه لمّا حُمل إلى بغداد ناظر محمد بن الحسن فاستعلى عليه، فبلغ ذلك هارون الرشيد فأعجبه، وقال: «صدق الله ورسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلَّموا من قريش ولا تُعلِّموها، وقدِّموا قريشًا [1/ 393] ولا تؤخّروها

» كما في «توالي التأسيس» (ص 70)

(2)

.

وفيها (ص 47)

(3)

من وجه آخر عن الربيع بن سليمان صاحب الشافعي: «ناظر الشافعيُّ محمدَ بن الحسن، فبلغ الرشيد فقال: أما عَلِم محمدٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قدِّموا قريشًا، فإن علم العالم منهم يسع طِباقَ الأرض» .

وفيها (ص 60)

(4)

: «وقال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البُوشَنْجي وهو من كبار الأئمة: تصفحنا أخبار الناس، فلم نجد بعد الصدر الأول من هذه الأمة أوضح شأنًا ولا أبين بيانًا، ولا أفصح لسانًا من الشافعي مع قرابته

(1)

(1/ 117، وفي السماعات 87، 89).

(2)

(ص 127 - 128).

(3)

(ص 45).

(4)

(ص 101).

ص: 659

من رسول الله صلى الله عليه وسلم».

وقال بعد قليل

(1)

: «وقال داود بن علي الأصبهاني فيما أخرجه البيهقي من طريقه قال: اجتمع للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره. فأول ذلك شرفُ نسبه ومنصبه وأنه من رهط النبي صلى الله عليه وسلم» .

وفيها (ص 61)

(2)

: «وأخرج الحاكم من طريق داود بن علي قال في مسألة ذكرها: هذا قول مطلبِيِّنا الشافعي الذي علاهم بنُكته، وقهرهم بأدلته، وباينهم بشهامته، وظهر عليهم بحَمازته؛ التقيّ في دينه، النقي في حسبه، الفاضل في نفسه، المتمسك بكتاب ربه، المقتدي قدوة رسوله، الماحي لآثار أهل البدع، الذاهب بجمرتهم، الطامس لسنَّتهم، فأصبحوا كما قال تعالى: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} [الكهف: 45]» .

ومثل هذا من الثناء عليه بأنه قرشي أو مطلبي، أو من رهط النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثير. وهذا ابن دريد يقول في مرثيته:

لِرأيِ ابن إدريسِ ابن عمِّ محمدٍ

ضياءٌ إذا ما أظلم الخطبُ صادعُ

وفي «تاريخ البخاري» (ج 1 قسم 1 ص 242): «محمد بن مسافع بن مساور

وقال سعيد بن سليمان: محمد بن شافع بن السائب بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف». وذكروا في الصحابة عبد الله بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب.

(1)

(ص 102).

(2)

(ص 102 - 103).

ص: 660

وفي «توالي التأسيس» (ص 45)

(1)

: «أخرج الحاكم من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمة سمعت مسلم بن الحجاج يقول: عبد الله بن السائب كان والي مكة وهو أخو شافع بن السائب جَدّ محمد بن إدريس الشافعي

».

وقال الشافعي في «الأم» (ج 7 ص 250)

(2)

: «قال لي قائل يُنْسَب إلى العلم بمذهب أصحابه: [1/ 394] أنت عربيّ، والقرآن نزل بلسانِ من أنت منهم

». وقال في وصيته المثبتة في «الأم» (ج 4 ص 49)

(3)

: «وأوصي لفقراء آل شافع بن السائب بأربعة أسهم

».

وقال في «الأم» (ج 4 ص 38)

(4)

ونحوه في «مختصر المزني» بهامش الأم (ج 3 ص 193)

(5)

: «

فإذا كان المعروف عند العامة أن من قال من قريش: لقرابتي ــ لا يريد جميع قريش

فيُنظر إلى القبيلة التي يُنسب إليها فيقال: من بني عبد مناف، ثم يقال: قد يتفرق بنو عبد مناف فمِن أيّهم؟ فيقال: من بني المطلب، فيقال:[أيتميّز بنو المطلب؟ قيل: نعم، هم قبائل فمن أيِّهم؟ قيل: من بني عبد يزيد بن هاشم بن المطلب فيقال: ]

(6)

أفيتميز هؤلاء؟ قيل: نعم، هم قبائل، قيل: فمن أيهم؟ قيل: [من بني عُبيد بن عبد

(1)

(ص 38).

(2)

(8/ 258 ط- دار الوفا).

(3)

(5/ 264).

(4)

(5/ 239).

(5)

(ص 145 - ملحق بآخر كتاب الأم).

(6)

ما بين المعكوفات هنا وما سيأتي مستدرك من «الأم» ساقط من (ط).

ص: 661

يزيد، قيل: أفيتميّز هؤلاء؟ قيل: ] نعم، هم بنو السائب بن عبيد بن عبد يزيد، قيل: وبنو شافع وبنو علي وبنو عباس، وكل هؤلاء من بني السائب. فإن قيل: أفيتميز هؤلاء؟ قيل: نعم، كل بطن من هؤلاء يتميز عن صاحبه، فإذا كان من آل شافع فقال: لقرابته، فهو لآل شافع دون آل علي وآل عباس

».

فالشافعي ومن أدركه وأقرانه وأصحابه ومن جاء بعدهم إلى نحو مائتي سنة بعد الشافعي ما بين ناسبٍ له ولمن عُرِف من أهل بيته بالعلم كعمِّه محمد بن علي بن شافع، ومحمد بن العباس بن عثمان بن شافع، وابنه إبراهيم وغيرهم هذا النسبَ تفصيلًا أو إجمالًا، وبين سامعٍ له غير منكر.

ولو كان الانتساب إلى قوم من الأعاجم لقد كان يجوز أن يقال: يمكن أن يكون الرجل ــ إن كان أهلًا أن يتوهم فيه الكذب ــ نسب نفسه بدون تحقيق، فاتفق أن تغافل أهل المعرفة عن الإنكار عليه. أما العجم فلعدم اعتداد مسلميهم بأنسابهم، وإنما كانوا ينتسبون إلى مواليهم من العرب. وأما العرب فلا يهمُّهم أن ينتسب الأعجمي إلى من شاء من العجم. وقريب من هذا لو انتسب إلى قبيلة خاملة من العرب، ولم يكن له هو من النباهة ما يحمل كثيرًا من الناس على حسده ومنافسته فيدعوهم إلى مناقشته.

فهل يُسوِّغ ذو عقل مثل هذا في رجل يقوم في القرن الثاني فيدّعي لعشيرته كاملة أنها من العرب ثم من قريش ثم من بني عبد مناف ثم من بني المطلب، فيثبت لها بذلك حقًّا في الخلافة، وحقًّا في الفيء، وحقًّا في خمس الخمس، والكفاءةَ لبني هاشم ــ والخلفاء منهم ــ، فلا يبقى بينها وبين بني هاشم فرق إلَّا في الفضل، مع أنها تشاركهم في نصيب منه لما في

ص: 662

«الصحيحين»

(1)

وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [1/ 395]«إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد» . وثبت عن فاطمة عليها السلام أنها لما وقفت صدقتها جعلتها لبني هاشم وبني المطلب. وكذلك فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

يقوم هذا الرجل في القرن الثاني فيدّعي هذا ويُعلنه، ويلهج به عارفوه وأصحابه وجماعة من عشيرته، ثم لا يثور عليه التكذيب والعقوبة من كثير من الجهات؟ بل ولا ينكر عليه أحد. هذا مع أن الرجل بغاية من النباهة، ولم يكن له ولا لأحد من أقاربه ما يُهاب لأجله ويُتقى من منصب في الدولة أو نحو ذلك. وقد كان في مبدأ أمره ولي بعض الولايات، وطار له صيت بالعدل والجود والقبول، فنُسِب إليه ترشيح نفسه للخلافة، فحُمِل إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد. وجاء من غير وجه أنه خاطبه بقوله: نحن إخوتكم من بني المطلب، فأنتم تروننا إخوة. هذا، والعارفون بالأنساب ــ ولا سيما نسب قريش ــ في ذاك العصر كثير، وللرجل حُسَّاد يَحْرُقون عليه الأُرَّمَ

(2)

؛ ومع ذلك قبِل الناسُ دعواه ووافقوه عليها، واستمرَّ الأمر على ذلك؛ تُسمَع موافقتُه من كل جهة، ولا يُحَسُّ وَجْسٌ بمخالفته إلى نحو مائتي عام.

ثم ماذا كان بعد ذلك؟ ذاك متفقه حنفيٌّ ملأه غيظًا تبجّحُ الشافعية بأن

(1)

البخاري (3140)، ولم أجده في «صحيح مسلم» . وأخرجه أبو داود (2978)، والنسائي (4137).

(2)

مثل يُضرب لشدة الغيظ، والأرّم: الأضراس.

ص: 663

إمامهم ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسولت له نفسُه أن يحاول المكابرة في ذلك، فلم يجد إلى ذلك سبيلًا. فلجأ إلى غير ملجأ فقال:«إن أصحاب مالك لا يسلِّمون أن الشافعي من قريش، بل يدّعون أن شافعًا كان مولى لأبي لهب، فطلب من عمر رضي الله عنه أن يجعله من موالي قريش، فامتنع. فطلب من عثمان رضي الله عنه، ففعل» . فافتضح هذا القائل الظالم لنفسه، فإن أصحاب مالك ــ وإن كان فيهم من هو حَنِقٌ على الشافعي وأصحابه ــ لا يعرفون قائلًا منهم بهذه المقالة. وهذا صاحبهم ابن عبد البر أعرف الناس بهم وبأحوالهم ومقالاتهم، نَقَل الإجماع على نسب الشافعي كما سلف. ولو أن ذلك الحنفي نسب تلك المقالة إلى إنسان معروف من المالكية لساغ احتمال أنه لم يكذب على ذلك المالكي وإن كذّبه. وإنما رأى في بعض الروايات أن الشافعي لما حُمل إلى الرشيد كان معه رجل من آل أبي لهب، ثم حاول أن يروِّج مقالته بما نسب إلى عمر، فزادها فضيحة. فهل كان عمر ينكر أن يكون بنو هاشم من قريش؟ أم كان ظالمًا جائرًا يمنع المولى حقه الواضح؟

تذهب هذه الأضحوكة ذهابَ ضرطة عير بالفلاة، [1/ 396] وتمرُّ على ذلك ثلاثمائة سنة أخرى تقريبًا، وإذا بحنفيٍّ آخر محترق يكتب كتيبًا يضمِّنه أشياء في فضل أبي حنيفة وعيب سائر الأئمة ولاسيما الشافعي، وخوفًا من الفضيحة نحَلَ الكتابَ مَن لا وجود له، فكتب عنوانه:«كتاب التعليم» لشيخ الإسلام عماد الدين مسعود بن شيبة بن الحسين السندي، ثم رمى بالكتاب في بعض الخزائن، فعثر الناس عليه بعد مدة، فتساءل العارفون: مَن مسعود بن شيبة؟ لا يجدون له خبرًا ولا أثرًا إلا في عنوان ذاك الكتيب.

ص: 664

القضية مكشوفة إلا أنها صادفت هوًى في نفوس بعض الحنفية، فصار بعضُ مؤرخيهم وجامعي طبقاتهم ومناقبهم يذكرون مسعود بن شيبة وينقلون من ذاك الكتيب. فاضطُرَّ الحافظ ابن حجر إلى أن يقيم لذلك وزنًا ما، فقال في «لسان الميزان»

(1)

: «مسعود بن شيبة

مجهول لا يُعرف عمن أخذ العلم ولا من أخذ عنه، له مختصر سماه «التعليم» كذب فيه على مالك وعلى الشافعي كذبًا قبيحًا

».

فيجيء الأستاذ الذي يصف نفسه كما في لوح كتابه الذي طبع بتصحيحه ومراجعته بأنه «الإمام الفقيه المحدث، والحجة الثقة المحقق، العلامة الكبير صاحب الفضيلة مولانا الشيخ محمد زاهد بن الحسن الكوثري وكيل المشيخة الإسلامية في الخلافة العثمانية سابقًا» ، فيحتج بذاك الكتيب المسمى بـ «التعليم» ، ويذكر مسعود بن شيبة كعالم حقيقي. ويزيد على ذلك فيقول في حاشية (ص 3) من «التأنيب»: «وابن شيبة هذا جَهِله ابن حجر فيما جهل مع أنه معروف عند الحافظ (؟ ) عبد القادر القرشي، وابن دقماق

(2)

المؤرخ، والتقي المقريزي، والبدر العيني، والشمس ابن طولون الحافظ، وغيرهم. فنَعُدُّ صنيعَ ابن حجر هذا من تجاهلاته المعروفة لحاجة في النفس، وقانا الله اتباع الهوى».

كذا يقول هذا الظالم لنفسه، وهو يعلم حقَّ العلم أن هؤلاء الذين سمَّاهم ــ وكلُّهم متأخرون ــ لم يعرفوا إلا ذاك الكتيِّب، فتجاهلوا حاله، وذكروا مسعود بن شيبة بما أخذوه من ذاك الكتيب. فإنْ كانت هذه معرفة،

(1)

(8/ 46).

(2)

(ط): «دقاق» تحريف.

ص: 665

فالحافظ ابن حجر لم ينكرها، بل أثبتها في تلك الترجمة. والداهية الدهياء أن يختم الأستاذ عبارته بقوله:«وقانا الله اتباع الهوى» ، أفليس هذا أشنع وأفظع وأدلَّ على المكروه من قول شارب الخمر حين يشربها: باسم الله؟!

يقع في ذاك الكتيب ما نقله عنه الأستاذ كما يأتي.

تناسى الناس ذاك الكتيِّب إلا أماني [1/ 397] كما سبق، ومضت بعد ذلك قرابة سبعمائة سنة، فينشأ الأستاذ الكوثري، فيُبعثر فظائع أصحابه. علَّق على «انتقاء ابن عبد البر» حيث حكى ابن عبد البر الإجماع على نسب الشافعي قولَه:«ومن زعم أن شافعًا كان مولى لأبي لهب فطلب من عمر أن يجعله من موالي قريش فامتنع، فطلب من عثمان ذلك ففعل؛ فقد بعد عن الصواب وشذَّ عن الجماعة. والتعويلُ عليه من بعض الحنفية والمالكية تعصبٌ بارد، ولهم أن يناقشوه في علمه لا في نسبه» .

وغرضه هنالك إنما هو محاولة الخدش في الإجماع الذي ذكره ابن عبد البر، ولكن حاول المواربة! وزعمُه أن بعض الحنفيّة والمالكية عوَّلوا على تلك الفرية فرية أخرى، إنما رمى بها ذاك الحنفيُّ المحترق على المالكيةِ، والمالكيةُ بَراء منها. فإن كان هناك من يسوغ أن يُقال: إنه عوَّل عليها، فهو الكوثري، فقد قضى على نفسه بالتعصب البارد. وذلك أخفُّ ما ينبغي أن يُقضى عليه به!

وقال في «التأنيب» ص 100 فما بعدها عند ذكر الموالي: «حتى إن الشافعي منهم عند أهل العلم (؟)» ، وعلَّق عليه في الحاشية مقالة ذاك الحنفي ثم قال:«ومنهم من يعدُّه في عِداد موالي عثمان كما في «التعليم» لمسعود بن شيبة»، وقد علمت حال هذين. ثم قال: «وكان الشافعي يعضُّه فقرٌ مدقع في

ص: 666

نشأته كما في كتب المناقب، والصليب في قريش كان يتناول من الديوان في ذلك العصر ما يقيم به أَودَه».

أقول: الذي يَقْوى سندُه من تلك الحكايات: ما رُوي عن الشافعي أنه قال: «كنت يتيمًا في حجر أمي، ولم يكن لها مال، وكان المعلم يرضى من أمي أن أخلفه إذا قام. فلما جمعتُ القرآنَ دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء، فأحفظ الحديث أو المسألة. وكانت دارنا في شعب الخيف، فكنت أكتب في العظم، فإذا كثرت طرحتُه في جرَّة عظيمة» . والحكايات الأخرى في أسانيدها مقال، وهي مع ذلك لا تزيد على هذا. وهذا لا يصدق عليه كلمة «يعضُّه فقرٌ مُدقع» ، فقد كانت له دار وكفاف في المطعم والملبس، وإلا لَمَا تركته أمه يطلب العلم، بل كانت تسلمه في حرفة. فإن كان يصل إليه من الديوان شيء فلا ندري ما قدره، وقد لا يكون يصل إليه شيء؛ لأن الأمراء كانوا ظَلَمة يصرفون بيت المال في أغراضهم [1/ 398] وشهواتهم. وكان والد الشافعي كما تشير إليه بعض الروايات ممن خرج مع العلوية على العباسيين، ولذلك اضطر إلى الفرار بأهله من الحجاز إلى فلسطين حيث وُلد الشافعي. وكان الأمراء يتتبعون من كان كذلك بالقتل والسجن، فضلًا عن حرمان حقهم في بيت المال. وقد نال ذلك ذرية فاطمة عليها السلام، قال دِعْبِل:

أرى فيئهم في غيرهم متقسِّما

وأيديهمُ من فيئهم صَفِراتِ

(1)

وقال الكوثري في ما كتبه على «مغيث الخلق»

(2)

: «لم أر أحدًا قبل زكريا

(1)

«ديوانه» (ص 41 - ت محمد يوسف نجم).

(2)

«إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق» (ص 19). وفيه: «نسب شافع» .

ص: 667

الساجي رفع نسب الشافعي إلى عبد مناف».

أقول: قد أريناك!

قال: «والساجي متكلم فيه» .

أقول: بما لا يُعتدُّ به. وهو أحد الأثبات كما مرَّ في ترجمته

(1)

.

قال: «اختلاف الروايات في مسقط رأس الإمام الشافعي .... وعدم ذكر ترجمة لوالديه، ولا تاريخ لوفاتهما في «كتاب الثقات» مما يدعو إلى التثبت في الأمر»!

أقول: أما الاختلاف في موضع ولادته، فليس مما يدعو إلى التشكك. وهؤلاء أبناء فاطمة وأبناء العباس لم تتعرض التواريخ لمواضع ولادة كثير منهم، إذ ليس ذلك مما يُهتمّ به فيُحفظ. والناس إلى الآن مختلفون في تاريخ وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومولده، وكان والد الشافعي مشرَّدًا مطرّدًا بسبب خروجه مع العلويين، فكان مختفيًا بأهله في فلسطين حيث ولد له الشافعي.

والذين ذكروا موضع ولادة الشافعي إنما استندوا إلى إخباره، فأقوى الروايات عنه أنه قال:«بعسقلان» ، وفي رواية عنه أنه قال:«بغزة» فإن ثبتت هذه أيضًا تبيَّن أنه ولد بإحداهما، وأطلق عليها في الرواية الأخرى اسم الأخرى؛ لأنها من مُضافاتها، أو ولد في قرية صغيرة بينهما، أطلق عليها في إحدى الروايتين اسم هذه وفي الأخرى اسم الأخرى؛ لأنها لا تعرف إلا بإضافتها إلى إحداهما.

(1)

رقم (94).

ص: 668

فأما ما روي عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب من ذكر اليمن، فلذلك أسوة بالأحاديث الكثيرة التي غلِط فيها أحمدُ هذا الغلطَ الفاحش، حتى اضطُرَّ أخيرًا إلى الرجوع عنها. ومع ذلك فقد تكلف بعضهم تأويل روايته المذكورة بما لا حاجة إلى ذكره.

وأما أنهم لم يذكروا ترجمةً لوالدي الشافعي، فلم يُعرف أبوه بالعلم وما كلُّ قرشي حُفظت له [1/ 399] ترجمة، ولعل الذين حُفظت تراجمهم لا يبلغون عُشْرَ مِعشار الذين كانوا موجودين. وأما تاريخ الوفاة فالمحدِّثون إنما عُنوا بتقييد وفيات الرواة لمعرفة اتصال الرواية عنهم وانقطاعها، وما أكثر الرواة المشاهير الذين لم تقيَّد وفياتهم، والذين ذكرت وفياتهم منهم وقع في كثير منها الاختلاف المتباين. فأما والدا الشافعي فلم يتعانيا الرواية أصلًا. والأستاذ نفسه يتحقق هذا كلَّه، ولكنه يأبى إلا الشعبذة على الجهال! وقد عرف الناس تاريخ ولادة الشافعي، وأن أباه توفي عقب ذلك بسنة أو نحوها. فأما أمه فعاشت إلى أن بلغ ابنها مبلغ العلماء، وجهَّزتْه حيث خرج إلى اليمن، فولي فيها ما ولي.

قال الكوثري: «وعَدُّ شافعٍ صحابيًّا أول من ذكره هو أبو الطيب الطبري» .

أقول: لم أر في المنقول ما يصرح بصحبته، فهو على الاحتمال. فإنْ كان وُلد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو صحابي، وإلا كفتنا صحبة أبيه.

قال: «أول من عد السائب صحابيًّا من مسلمة بدر، هو الخطيب في «تاريخه» بدون سند».

ص: 669

أقول: في «الإصابة»

(1)

: «قال الزبير في كتاب «النسب» : ولد عبيد بن عبد يزيد السائب، وكان يشبَّه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأُسِرَ يوم بدر. وذكر ابن الكلبي أنه كان يشبَّه بالنبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج الحاكم في «مناقب الشافعي» من طريق أبي محمد أحمد بن [محمد بن] عبد الله بن [محمد بن] العباس بن عثمان بن شافع

(2)

بن السائب قال: سمعت أبي يقول: اشتكى السائب بن عبيد، فقال عمر: اذهبوا بنا نعود السائب بن عبيد فإنه من مُصَاصَةِ قريش. قال النبي صلى الله عليه وسلم حين أُتي به وبعمِّه العباس: هذا أخي».

وذكر في ترجمة شافع

(3)

ما رواه الحاكم من طريق إياس بن معاوية، عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم في فُسْطاط إذ جاء السائب بن عبيد ومعه ابنه، فقال: من سعادة المرء أن يشبه أباه.

وذكروا في الصحابة عبد الله بن السائب كما تقدم، فالسائب صحابي حتمًا، ولا يهمُّنا أتقدم إسلامه أم تأخر. وقد عدُّوا في الصحابة عبيدًا والد السائب وعبد يزيد جده. وعلى كل حال ففي أجداد الشافعي صحابي حتمًا، وقيل: اثنان في نَسَق، وقيل: ثلاثة، وقيل: أربعة. وقد قال الأستاذ ص 165: «على أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عمن يزيد عددهم على مائة ألف من الصحابة، ولم

(1)

(3/ 23 - 24) وما بين المعكوفات منه.

(2)

(ط): «نافع» تحريف.

(3)

كذا في (ط) وفي العبارة تحريف أو سقط؛ لأن ترجمة شافع من «الإصابة» : (3/ 310) لم يرد فيها هذا النص، وإنما جاء في «الإصابة»:(3/ 23) في ترجمة السائب بن عبيد وأولها: «وروى الحاكم في «مناقب الشافعي» من طريق إياس

» إلخ.

ص: 670

تحتوِ الكتب المؤلفة في الصحابة عُشْرَ معشار ذلك». فإذا لم ينص [1/ 400] المتقدّمُ على صحبة رجل، فاستدركه مَنْ بعده، لم يكن في ذلك ما يريب في صحبته.

ثم قال الأستاذ: «وربما يعذرنا إخواننا الشافعية

».

أقول: لا ريب أنهم إذا عرفوا الأستاذ وما يقاسيه من ذات نفسه يعذُرونه في أنفسهم ويرحَمونه، وإن كان ذلك لا ينفعه عند الله عز وجل!

وقد ضجَّ الأستاذ (ص 18) مما روي عن يزيد بن زُرَيع: «كان أبو حنيفة نبطيًّا» . فقال الأستاذ: «ومن ساق هذا الخبر الكاذب ليطعن في نسبه، فهو لم يزل على خلال الجاهلية» مع أن الأستاذ يعرف من مذهبه أن العجم أكفاء بعضهم لبعض من جهة النسب، وليسوا أكفاء للعرب، وأن سائر العرب ليسوا أكفاء لقريش، ولعل النبط أقرب إلى الشرف الديني من الفرس!

وقال الكوثري (ص 4) من «التأنيب» : «ومن تابع الشافعيَّ قائلًا: إنه قرشي، فله ذلك؛ لكن هذه الميزة لا توجب الرجحان في العلم. وفي «صحيح مسلم»

(1)

: «من أبطأ به عملُه لم يسرع به نسبُه» . على أن هناك من العلماء من هو قرشي باتفاق، فيفضَّل على مَن في قرشيته خلاف، لو كان هذا الأمر بالنسب».

أقول: قد علمتَ الإجماع على نسب الشافعي مع الحجج الأخرى. فأما أن هذه الميزة لا توجب الرجحان في العلم، فإن أراد أنه لا يجب أن يكون كلُّ قرشي أعلم من كلِّ أعجمي مثلًا، فهذا حق لا يشتبه على أحد.

(1)

(2699) ولفظه: «من بطّأ» .

ص: 671

وكذلك لا يجب أن يكون كلُّ تابعيّ أعلمَ من كلِّ مَنْ يأتي بعده، ولا كلُّ من كثر أتباعه أعلمَ من كلِّ من كان أقلَّ منه أتباعًا. وكذلك كلُّ من أبطأ به عملُه لا تسرع به تابعيتُه ولا كثرةُ أتباعه، بل ذلك أضرُّ عليه. وقد وضع الحديثَ في غير موضعه، فإن الشافعي لم يبطئ به علمُه ولا عملُه، وإنما ينبغي أن يُذكر هنا حديث «الصحيحين»

(1)

وغيرهما وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: «أفعن معادن العرب تسألوني؟» قالوا: نعم، قال:«فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فَقُهوا» .

ومن ذكر من أهل العلم في مزايا الشافعي أنه عربي قرشي مطَّلبي فلم يحتجَّ بفضيلة النسب من حيث هو نسب، ولكن من حيث ما هو مظنة. فإن ذلك يقتضي فضلَ معرفةٍ بالدين الذي أنزله الله تعالى على النبي العربي بلسان عربي، روعي فيه عقول العرب وأفهامهم وطباعهم، [1/ 401] ويقتضي فضل محبةٍ للدين وغيرة عليه وحرصٍ على عدم الشذوذ عنه. فإن من اجتمع له الحق والهوى أشدّ لزومًا للحق ممن جاء الحق على خلاف هواه.

وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 127 - 129].

(1)

البخاري (3374)، ومسلم (2378) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ولفظه «فعن» .

ص: 672

وقال عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 2 - 4].

فالأميون الذين بُعث فيهم الرسول فتلا عليهم آيات الله، وزكَّاهم، وعلَّمهم الكتاب والحكمة، وكانوا من قبل في ضلال مبين هم العرب الذين أدركوا نبوته، علَّمهم مباشرة أو قريبًا منها بأن أرسل إليهم رسولًا وهو صلى الله عليه وسلم حيٌّ ينزل عليه الوحي. والآخرون الذين لم يلحقوا بهم قد نصَّ القرآن أنهم «منهم» ، فهم ذريتهم.

فأما ما روي أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الآخرين، فسكت عنه ثلاثًا، ثم وضع يده على سلمان الفارسي وقال:«لو كان الإسلام بالثريا لتناوله رجال من هؤلاء»

(1)

، فهذا لا يخالف الدلالة الواضحة من القرآن. وإنما سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن جواب السؤال لأن القرآن واضح بنفسه لمن تدبره. ثم وضع يده على سلمان، وقال ما قال على سبيل أسلوب الحكيم، كأنه قال: الأولى أن يسأل السائل: هل يختص الدين بالأميين الذين بُعِث فيهم الرسول مباشرة ومن يلحق بهم منهم؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال المقدَّر.

فأما ما وقع في الرواية «رجال أو رجل» فشكٌّ من الراوي، وأكثر

(1)

أخرجه أحمد (7950)، وابن أبي شيبة (33183)، والترمذي (3933)، وابن حبان (7308) وغيرهم من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه. وفي أسانيده ضعف، وله شواهد.

ص: 673

الروايات «رجال» بلا شك، لكن جاء حديث آخر:«لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس ــ أو قال من أبناء فارس ــ حتى يتناوله» ، ولم يذكر في هذا الحديث قصة الآية، لكن كلا الحديثين من رواية أبي هريرة. فإن كان أصل الحديثين واحدًا، واللفظ «رجل» ، فلا شبهة أنه كناية عن سلمان كما تعيِّنه القرينة. وإن كانا حديثين فالرجل سلمان والرجال هو وآخرون. هذا هو المعنى الواضح [1/ 402] لمن أراد أن يفهم المراد من الكتاب والسنة

(1)

. وأما من يريد أن يجرَّهما إلى هواه، فلا كلام معه.

والمقصود هنا أن الشافعي ممن نالته المزية التي دعا بها إبراهيم وإسماعيل، وذُكِرَت في الآيات. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

وقال تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 33 - 34] وجاء في كتاب الله عز وجل عدة آيات تدل على انقطاع الاصطفاء عن ذرية آل عمران، وبقي في غيرهم من آل إبراهيم.

وفي الإصحاح الثاني من «سفر أرميا» في صدد توبيخه اليهود على ارتدادهم وعبادتهم الأصنام ما يدل على أن بني قيدار كانوا في عهده ثابتين على ملة إبراهيم، قال: «لذلك أخاصمكم ــ يقول الرب ــ وبني بنيكم

(1)

وقد تكلم المؤلف على معنى الآية في رسالة فرضية الجمعة (ضمن مجموع رسائل الفقه)(ص 316 - 318) وذكر في «الحكم المشروع» (ص 588 - ضمن رسائل الفقه) أن له مقالة في بيان المراد من الآية.

ص: 674

أخاصم. فاعبروا جزائر كِتِّيم وانظروا وأرسلوا إلى قيدار وانتبهوا جدًّا

(1)

، وانظروا هل صار مثل هذا؟ هل بدلَّت أمة آلهة وهي ليست آلهة، أما شعبي فقد بدَّل مجده بما لا ينفع». هكذا في النسخة المطبوعة بنيويورك سنة 1867 م.

وبنو قيدار هم بنو إسماعيل، ومنهم عدنان أبو قريش.

وجاء في «الصحيحين»

(2)

وغيرهما كـ «المستدرك» (ج 4 ص 605) وغيره، كما ترى تفصيل ذلك في «فتح الباري»

(3)

باب قصة خزاعة، وفي «الإصابة»

(4)

ترجمة أكثم بن الجون ما يُعلم منه أن عَمرو بن لُحَيّ أول من بدَّل دين إبراهيم أي ــ والله أعلم ــ في مكة ونواحيها. وعمرو هذا من اليمن على الراجح، وليس من ذرية إسماعيل على الراجح، وكان في عصر كنانة.

وفي «صحيح مسلم»

(5)

وغيره من حديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» . فهذا يدل أن

(1)

كأنه إشارة إلى أن بني قيدار بنو عمكم، ولم يُبعث فيهم نبي بعد إسماعيل، وبُعث فيكم عدد كثير من الأنبياء، وبعضهم بين ظهرانيكم، ومع ذلك هم ثابتون على الدين الحق وأنتم خرجتم منه. [المؤلف]

(2)

البخاري (1212)، ومسلم (901) من حديث عائشة، وأخرجاه (3521)(2856) من حديث أبي هريرة.

(3)

(6/ 547 وما بعدها).

(4)

(1/ 106 - 108).

(5)

(2276). وأخرجه الترمذي (3606)، وأحمد (16986).

ص: 675

عمرو بن لُحَيّ استغوى بعضَ بني إسماعيل، وثبت كنانة. ثم سرى التبديل إلى بعض ذرية كنانة، وثبت قريش، فانفرد بالاحتراز عن التبديل أو عن الإغراق فيه. ثم سرى الفساد في ذرية قريش، وانفرد هاشم بنحو ما انفرد به قريش، فكان بنو هاشم أقرب الناس إلى الحق حتى اصطفى الله تعالى رسولَه [1/ 403] منهم.

وقد تقدم

(1)

قوله صلى الله عليه وسلم: «بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد» . افترق بنو عبد مناف فانضم بنو نوفل إلى بني عبد شمس، وانضم بنو المطلب إلى بني هاشم، فكانوا معه ودخلوا معهم شعب أبي طالب لما قاطعت قريش بني هاشم بسبب النبي صلى الله عليه وسلم. ثم بقوا مع بني هاشم في الإسلام، وبقوا معهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم. ولما افترق بنو هاشم انضم بنو المطلب إلى ألصق الفريقين بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهم بنو ابنته. وكان والد الشافعي معهم، فلما أصيبوا فرَّ إلى فلسطين حيث وُلد له الشافعي. فالشافعي من آل إبراهيم ثم من كنانة ثم من قريش، ثم من بني المطلب الذين هم وبنو هاشم شيء واحد، ثم ظهر في الإسلام أنهم ألصق بالنبي صلى الله عليه وسلم من بعض بني هاشم، ثم فَقُه:

وهل يُنبت الخطِّيَّ إلا وشيجُه

وتُغرَس إلا في منابتها النخلُ

(2)

بل قد يقال: إن الله تعالى اختص رسولَه صلى الله عليه وسلم وعشيرته بخصائص كثيرة، فلا يكاد يوجد لغيرهم فضيلة إلا ولهم من جنسها ما هو أفضل. وهذه الأمة قد كادت تُطبق على اتباع أربعة علماء، فيهم رجل واحد من عشيرة النبي

(1)

(ص 663).

(2)

البيت لزهير بن أبي سلمى «ديوانه» (ص 95 - صنعة ثعلب».

ص: 676

صلى الله عليه وآله وسلم، فقضية ما تقدَّم أن يكون أكمل من بقية الأربعة. وقد ذكر بعضهم أن مذهب الشافعي هو مذهب أهل البيت؛ لأنه من بني المطلب الذين كانوا وبني هاشم شيئًا واحدًا، ثم لما افترق بنو هاشم انضموا إلى ألصق الفريقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وكان بنو فاطمة في عصر تأسيس المذاهب مضطهَدين مروَّعين لا يكاد أحد يتصل بهم إلا وهو خائف على نفسه، فلم يتمكنوا من نشر علمهم كما ينبغي. وكان من أبناء الأعاجم قوم لهم منازع سياسية ضد الإسلام، كانوا يتذرعون بإظهار التشيع للعلويين إلى أغراضهم، فكذبوا على أئمة العلويين كذبًا كثيرًا، فاشتبه الأمر على كثيرٍ من أهل العلم. أما الشافعي فإنه تلقَّف العلم من أصحاب جعفر بن محمد بن علي الحسين وغيرهم، ثم تجرَّد للعلم وأعرض عن السياسة، فصفا له الجو، فأسس مذهبه، فساغ أن يقال: إن مذهبه هو مذهب أهل البيت. والذي لا ريب فيه أنه إنْ صح أن يسمَّى واحد من المذاهب الأربعة: مذهب أهل البيت، فهو مذهب الشافعي، وأهل البيت أدرى بما فيه.

* * * *

ص: 677

[1/ 404] فصل

كما حاول الأستاذ أن يشكّك في عربية الشافعي في نسبه، كذلك حاول أن يتكلم في عربيته في لسانه، فذكر حكايتين عن «كتاب التعليم» وقد عرفتَ حاله، وذكر قضايا أخرى.

الأولى: أن الشافعي فسَّر قوله تعالى: {أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3] بقوله: تكثر عيالكم.

أقول: نصَّ الكسائيّ على أن من العرب الفصحاء من يقول: «عال فلان» بمعنى كثر عياله. وكذلك جاء عن الأصمعي وغيره من الأئمة. ومع ذلك فعال يعول يأتي اتفاقًا بمعنى الزيادة والكثرة، كالعَول في الفرائض، والآية تحتمل هذا الوجه، أي أن لا تكثروا، ويكون المراد بدلالة السياق: يكثر عيالكم.

أما الاعتراض بأن أكثر المفسرين فسَّروها بقولهم: أن لا تميلوا، فليس الكلام هنا في رجحان وجه على آخر، وإنما الكلام في قول الشافعي أخَطأٌ هو في العربية أم صواب؟ وقد ثبت بما تقدم أنه ليس بخطأ في العربية، فغاية الأمر أن يقال: هو خطأ في التفسير. وذلك لا يضرُّنا هنا، لأن جماعة من الصحابة قد أخطؤوا في بعض التفسير، ولم يعدّ ذلك قادحًا في فصاحتهم. ومع هذا فقد يرجح تفسير الشافعي بوجهين:

الأول: أن طاوسًا

(1)

قرأ {ألا تُعيلوا}

(2)

والمعنى على هذا حتمًا:

(1)

(ط): «طاوس» .

(2)

انظر «البحر المحيط» : (3/ 510).

ص: 678

تكثر عيالكم، واتحاد المعنى على القراءتين أولى من اختلافه.

الوجه الثاني: أن سياق الآية {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3]. ومعنى قولهم: ذلك أدنى أن لا تميلوا، هو ذلك أدنى أن تعدلوا، وهذا قد علم من أول الآية فيكون تأكيدًا. فإذا احتملت الآية ما قال الشافعي فهو أولى، لأن التأسيس أولى من التأكيد. وقد صح نحو تفسير الشافعي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. رواه ابن جرير

(1)

، ونسبه بعضهم إلى زيد بن أسلم نفسه

(2)

.

الثانية: قال الأستاذ

(3)

«قوله: (حارة) في تفسير {مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة: 8]

مع أنها بمعنى محيطة بلا خلاف».

أقول: لم أجد هذا التفسير عن الشافعي. وقول الكوثري: «بمعنى محيطة بلا خلاف» [1/ 405] غلط، بل منهم من قال: مطبقة، ومنهم من قال: مغلقة. فإن صح ما نُسِب إلى الشافعي فهو من التفسير باللازم المقصود؛ لأنها إنما تطبق أو تغلق ليشتدّ حرُّها.

الثالثة: قال: «وقوله: (معلِّمي الكلاب) في تفسير {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] مع أنه بمعنى مرسلي الكلاب» !

أقول: المعروف في اللغة والتفسير ما قال الشافعي.

(1)

(6/ 380).

(2)

أخرجه عنه ابن أبي حاتم: (3/ 860).

(3)

كل هذه المواضع في «التأنيب» (ص 27 - 28 القديمة، 49 - 50 الجديدة).

ص: 679

الرابعة: قال: «وقوله: (فحل الإبل والبقر) في تفسير الفحل في قول عمر رضي الله عنه: لا شفعة في البئر ولا في الفحل. مع أنه فحل النخل» .

أقول: يرد على هذا أمور:

الأول: أنه مطالب بتصحيح النسبة إلى الشافعي.

الثاني: أن الأثر مرويّ عن عثمان لا عن عمر.

الثالث: أنه لو صح ذلك عن الشافعي لكان دليلًا على فصاحته؛ لأن لفظ «فحل» يطلق على الإبل والبقر بلا خلاف، فأما في النخل فالمعروف أن يقال «فُحَّال» ، بل قال بعضهم: لا يقال فيه إلا فُحَّال، كما في «النهاية»

(1)

.

الخامسة: قال: «وقوله في التصرية إنها من الربط، مع أنها من جمع الماء في الحوض

».

أقول: عبارة الشافعي كما في «مختصر المزني» بهامش «الأم» (ج 2 ص 184)

(2)

وغيره: «التصرية: أن تُرْبَط أخلاف الناقة أو الشاة ثم تُترك من الحلاب اليوم واليومين والثلاثة حتى يجتمع بها لبن

». وهذه العبارة إنما تعطي أن حقيقة التصرية هي ما يحصل من مجموع تلك الأمور: الربط، وترك الحلاب مدة، واجتماع اللبن. فأما اشتقاق الكلمة أمن الصرِّ وهو الربط، أم من الصري وهو الاجتماع؛ فهذا لا علاقة له بكلام الشافعي، أولًا: لأنه في مقام بيان المعنى لا الاشتقاق، ثانيًا: لأنه قد ذكر الاجتماع كما ذكر

(1)

(3/ 416).

(2)

(ص 82).

ص: 680

الربط. وربط الأخلاف لازم التصرية في عادة العرب، وذلك أنها إذا لم تُربط رضعها ولدها، أو حلبها محتاج. وكان العرب يتسامحون في حلب إبل غيرهم إذا لم تكن مصرَّاة، يعدُّون عدم تصريتها بمنزلة الإذن لمن يحتاج في حلبها. قال الشاعر

(1)

:

[1/ 406] قد غاث ربُّك هذا الخلقَ كلَّهُمُ

بعامِ خصبٍ فعاش الناسُ والنَّعَمُ

وأبهلُوا سَرْحَهم من غير توديةٍ

ولا ذيارٍ ومات الفقرُ والعَدَمُ

يعني أرسلوها غير مصرَّاة لاستغنائهم عن اللبن، فلا يبالون أن ترضعها أولادُها أو يحلبها من شاء.

وفي الحديث: «لا يحلبنَّ أحدٌ ماشيةَ امرئ بغير إذنه، أيحبُ أحدُكم أن تُؤتَى مَشْرُبتُه فتُكسرَ خزانتُه

»

(2)

. وجاءت أحاديث أخرى بالإذن، منها حديث أبي سعيد مرفوعًا:«إذا أتيتَ على راعٍ فنادِه ثلاثًا، فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تُفسِد»

(3)

. وجمع بعض أهل العلم بين الأحاديث بأن النهي محمول على المصرّاة؛ لأن تصريتها علامة على عدم الإذن، والإذن في غيرها؛ لأن ترك التصرية دليل على الإذن. وهذا أقوى ما تُحْمَل عليه

(1)

البيتان في «الصحاح» : (2/ 666)، و «اللسان»:(4/ 313 و 11/ 71) أنشدهما الكسائي من غير عزو.

(2)

أخرجه البخاري (2435)، ومسلم (1726) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

أخرجه أحمد (11812)، والطحاوي في «مشكل الآثار»:(2824) والحاكم: (4/ 132) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفي إسناده ضعف، وله شواهد يتقوى بها.

ص: 681

الأحاديث، وفيها إشارة إليه لقوله في الأول:«فتكسر خزانته» ، والكسر إنما يكون إذا كانت مغلقة، وإغلاق ضرع الناقة هو تصريته. فأما غير المصرَّاة فهي شبيهة بالخزانة المفتوحة. ولقوله في الحديث الآخر:«من غير أن تُفسد» ، وحلُّ الرباط إفساد.

والمقصود هنا أن الربط كان من لازم التصرية في عادتهم، فكانت حقيقة التصرية إنما تحصل بالربط والترك مدةً واجتماع اللبن، كما قال الشافعي. وذكر بعض أئمة اللغة أنه يجوز أن تكون المصرَّاة أصلها المصرَّرة أي المربوطة، إلى آخر ما قال، ولا حاجة بعبارة الشافعي إلى هذا كما علمت.

السادسة: قال: «وقوله في تفسير الفِهْر في قول عمر: كأنهم اليهود قد خرجوا من فِهْرهم ــ البيت المبني بالحجارة الكبار، مع أنه موضع عبادتهم أو اجتماعهم ودرسهم مطلقًا، سواء كان في بنيان أو صحراء» .

أقول: عليه في هذا أمور:

الأول: أنه مطالب بتثبيت النسبة إلى الشافعي.

الثاني: أن الأثر منسوب إلى عليّ كما في «نهاية ابن الأثير»

(1)

، لا إلى عمر، ولفظه في «النهاية»:«خرجوا من فهورهم» .

الثالث: قوله: «مطلقًا

» لم أجدها في كتب اللغة والغريب. وراجع «مفردات الراغب» ليتبين لك كثرة الكلمات التي يُطلق تفسيرها في كتب

(1)

(3/ 482).

ص: 682

اللغة، وحقُّها التقييد.

[1/ 407] الرابع: كلمة «خرجوا من» ظاهرة في التقييد بالبيان.

الخامس: أنه قد اختلف في تفسير الفهر، فقيل: مدراس اليهود يجتمعون إليه في عيدهم. وقيل: يوم يأكلون فيه ويشربون

(1)

. فقول القائل: البيت المبنيّ بالحجارة الكبار، حقُّه أن يُعَدَّ قولًا آخر إنْ كان قائله ممَّن يعتدُّ به كالشافعي. فإنْ بان أن الصواب غيره دلَّ ذلك على أنه لم يعرف معنى الكلمة، وإنما قال باجتهاده، وهذا لا يدل على عدم فصاحته، فإنه ليس من شرط الفصيح أن يعرف معاني جميع الألفاظ العربية. فقد كانت تخفى على بعض الصحابة معاني بعض الكلمات من القرآن، فيجتهدون ويقول كل منهم ما ظنه، فيختلفون ويخطئ بعضهم، وليس ذلك من عدم الفصاحة في شيء. ويتأكد هذا إذا كانت الكلمة أصلها من غير لغة العرب كهذه، فإنها نبطية أو عبرانية. ولا لوم على العربي الفصيح أن يخطئ في معرفة معنى كلمة غير عربية. وقد قال بعض الفصحاء

(2)

:

لم تَدْرِ ما نسجُ اليَرَنْدَجِ بالضُّحَى

فزعم أن اليرندج ثوب يُنسج.

(1)

انظر «القاموس» (ص 589).

(2)

هو عمرو بن أحمر الباهلي. ورواية البيت مع عجزه:

لم تدرِ ما نسجُ اليرندَجِ قبلها

ودراسُ أعوصَ دارسٍ متجددِ

انظر: «الشعر والشعراء» : (1/ 359) و «الجمهرة» (ص 1328).

ص: 683

وقال آخر

(1)

:

ولم تَذُقْ من البقولِ الفستقا

فزعم أن الفستق بقل. ولذلك نظائر معروفة.

السابعة: قال: «وصف

(2)

الماء بالمالح، مع أن الماء لا يوصف به، وفي القرآن:{مِلْحٌ أُجَاجٌ} وأما المالح فيوصف به نحو السمك».

أقول: المعروف عن الأصمعي ومن تبعه أنه لا يقال لا في الماء ولا في السمك. وذكر ابن السِّيد في «الاقتضاب» (ص 116)

(3)

ذلك، ثم نقضه بعدة حجج، ثم قال:«وحكى علي بن حمزة عن بعض اللغويين أنه يقال: ماء مِلْح، فإذا وصف الشيء بما فيه من الملوحة قلت: سمك مالح، وبقلة مالحة. قال: ولا يقال: ماء مالح، لأن الماء هو الملح بعينه. وهذا قول غير معروف، وهو مع ذلك مخالف للقياس؛ لأن صفة الماء بأنه مالح أقرب إلى القياس من وصف السمك، لأنهم قالوا: مَلُحَ الماءُ وأملَحَ، فأسندوا إليه الفعل كما يسند إلى الفاعل. ولم يقل أحد: مَلُحَ السمكُ. إنما قالوا: ملَحتُ السمكَ إذا جعلت فيها الملح» ثم قال: «وأنشد أبو زياد الأعرابي قال: أنشدني أعرابي فصيح:

(1)

عجز بيت لأبي نُخَيلة. وصدره: «برّيّة لم تأكل المرققا» . انظر: «الشعر والشعراء» : (2/ 602) و «الجمهرة» (ص 1329).

(2)

كذا وفي «التأنيب» : «ووصفه» .

(3)

(2/ 223 - 225 - ط السقا وحامد عبد المجيد).

ص: 684

صبَّحن قَوًّا والحَمامُ واقعُ

وماءُ قَوٍّ مالحٌ وناقِعُ»

(1)

[1/ 408] وفي «لسان العرب»

(2)

عن ابن الأعرابي: «ماء أجاج

وهو الماء المالح»، وعن الجوهري:«ولا يقال: مالح، وقال أبو الدُّقيش: ماء مالح وملح» . ثم قال: «قال ابن بري: قد جاء المالح في أشعار الفصحاء

وقال عمر بن أبي ربيعة

(3)

:

ولو تفلَتْ في البحر والبحر مالحٌ

لأصبح ماء البحر من ريقها عَذْبا

قال ابن بري: وجدت هذا البيت المنسوب إلى عمر بن أبي ربيعة في شعر أبي عيينة محمد

(4)

ابن أبي صفرة

».

والحاصل أن قولهم: «ماء مالح» ثابت عن العرب الفصحاء نصًّا، وثابت قياسًا، لكن أكثر ما يقولون:«مِلْح» . ولما غلب على ألسنة الناس في عصر الشافعي: «مالح» أتى بها الشافعي في كتبه، لأنه كان يتحرّى التقريب إلى أفهام الناس كما يأتي عن صاحبه الربيع. ومع هذا فقد شهد جماعة للشافعي بأنه من الفصحاء الذين يحتج بقولهم، فيكون قوله حجة على

(1)

البيت في «مقاييس اللغة» : (5/ 347)، و «اللسان»:(2/ 599).

(2)

(2/ 599).

(3)

ليس في «ديوانه» ، ويُنسب إلى جميل «ديوانه» (ص 36)، وإلى المجنون «ديوانه» (ص 66).

(4)

كذا في «اللسان» ، والصواب:«أبي عيينة بن محمد» كما في «التنبيه والإيضاح» : (1/ 274). انظر ترجمته في «طبقات الشعراء» لابن المعتز (388). وزاد محقق التنبيه والإيضاح «ابن» قبل أبي عيينة، وهو خطأ.

ص: 685

صحة الكلمة. فإن تنازلنا وسلَّمنا أن الشافعي مختلف في فصاحته قلنا: فالكلمة مختلف في صحتها، فحقُّها إن لم يقم دليل على صحتها أن لا يحتج على صحتها باستعمال الشافعي لها، ولا يطعن في فصاحته لاستعماله لها للاختلاف في الأمرين، فكيف إذا قام الدليل على صحة الكلمة من غير قوله، وقام الدليل على فصاحته!

الثامنة: قال: «وقوله: ثوب نَسوي لفظة عامية» .

أقول: هذا أيضًا لم يذكر ما يثبته عن الشافعي. ثم إن كان نسبة إلى (النساء) فهو الصواب كما قال سيبويه وغيره

(1)

. وإن كان نسبة إلى (نَسا) وهي البلدة المعروفة فهو القياس. وقول ياقوت

(2)

: «والنسبة الصحيحة إليها نَسائي، وقيل: نَسَوي أيضًا، وكان من الواجب كسر النون» فيه ما فيه.

التاسعة: قال: «وقوله: العَفريت ــ بالفتح ــ مما لم يقله أحد» .

أقول: ولا قاله الشافعي فيما نعلم، ولو قاله لعددناها لغة لبعض العرب.

العاشرة: قال: «وقوله: أشلَيتُ الكلبَ بمعنى زجرته، خطأ، صوابه أن ذلك بمعنى أغريته كما قال ثعلب وغيره» .

[1/ 409] أقول: لم يكفِ هذا الأنوَك

(3)

أن كذب على الشافعي حتى كذب على ثعلب وغيره! والموجود في كتب الشافعي استعماله بمعنى

(1)

انظر «تاج العروس» : (20/ 238).

(2)

في «معجم البلدان» : (5/ 282).

(3)

أي: الأحمق.

ص: 686

الإغراء، وثعلب إنما زعم أنه بمعنى أن تدعوه إليك، قال: فأما الإغراء فإنما يقال: آسدته». وصحَّح غيرُه مجيئه في المعنيين.

الحادية عشرة

(1)

: قال: «وقوله في «مختصر المزني» : وليست الأذنان من الوجه فيغسلان. والصواب: فيغسلا».

أقول: عليه في هذا أمور:

الأول: أن النصب في مثل هذا مرجوح أو ممتنع. وفي «الهمع» (ج 2 ص 12)

(2)

: «وإن تقدمت جملة اسمية نحو: ما زيد قائم فيحدثنا

(3)

، فأكثر النحويين على أنه لا يجوز النصب؛ لأن الاسمية لا تدلّ على المصدر. وذهب طائفة إلى جوازه. وقال أبو حيان: الصحيح الجواز بشرط أن يقوم مقام الفعل ظرف أو مجرور

». فإن قيل: فإن «ليس» فعل، قلت: جامد لا يدل على المصدر، فأما دلالتها على النفي فكدلالة «ما» .

بل قال جماعة: إن النصب بعد الفاء لا يجب بحال. قال الرضي في «شرح الكافية» (ج 2 ص 245): «وقد يبقى ما بعد فاء السببية على رفعه قليلًا كقوله تعالى: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 36] وقوله:

ألم تَسألِ الرَّبْعَ القَواءَ فينطقُ

(4)

(1)

(ط): «العاشرة» خطأ.

(2)

(2/ 391 - ط عبد الحميد هنداوي).

(3)

في «الهمع» : «قادم فتحدّثنا» .

(4)

مطلع قصيدة لجميل بن معمر «ديوانه» (144). وعجزه:

وهل تُخْبِرَنْكَ اليومَ بيداءُ سَمْلَقُ

ص: 687

وقوله:

لم تدرِ ما جزعٌ عليك فتجزعُ

(1)

جاء جميع هذا على الأصل، ومعنى الرفع فيه كمعنى النصب لو نصب

جاز لك أن لا تصرف في المواضع المذكورة إلى النصب اعتمادًا على ظهور المعنى».

ومع هذا فقد جاء إهمال «أن» مضمرةً وظاهرةً، وعدَّ ابنُ هشام

(2)

من الأول قول الله عز وجل: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [الزمر: 64] وقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} [الروم: 24] ومن الثاني قراءة ابن محيصن: {لمن أراد أن يتمُّ الرضاعة} برفع الميم.

وفي «الهمع» (ج 2 ص 3)

(3)

: «قال الرؤاسي من الكوفيين: فصحاء العرب ينصبون (بأن) وأخواتها الفعل، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها» .

الثاني: أن المزني لم يسق عبارات الشافعي بنصها، فقد قال أول «المختصر»

(4)

: «اختصرتُ هذا الكتاب من عِلْم محمد بن إدريس الشافعي

(1)

البيت من قصيدة لمويلك المزموم في رثاء امرأته. انظر «حماسة أبي تمام» (1/ 439). وصدره: فلقد تركتِ صغيرةً مرحومةً.

(2)

في «مغني اللبيب» : (2/ 839 و 1/ 46).

(3)

(2/ 363).

(4)

(ص 1).

ص: 688

رحمه الله ومن معنى قوله، لأقرِّبه على من أراده». [1/ 410] وربما صرَّح بنسبة بعض ما ينقله عن الشافعي إلى بعض كتبه المطبوعة في «الأم» ، فإذا قوبلت العبارتان وُجدتا مختلفتين في اللفظ. فقول المعترض: «وقوله

» يعني الشافعي ــ مجازفة.

الثالث: أن النسّاخ لم يزالوا من قديم يخطئون ويزيدون وينقصون ويغيِّرون، فنسبة عدم حذف النون إلى المزني يتوقف على وجودها في النسخة التي بخطه أو على نصِّ ثقة سمع منه أنه قالها.

الرابع: قول المعترض: «والصواب: فيغسلا» لحن، والصواب «فتغسلا». وقد قالوا في قول الشاعر:

ولا أرضَ أبقَلَ إبقالَها

(1)

وقول الآخر:

إن السماحة والشجاعة ضُمِّنا

(2)

إنه ضرورة شعرية مع تأويل الأرض بالمكان، والسماحة والشجاعة بالجود والبأس مثلًا، ولا ضرورة في النثر. ولا يسوغ بعد النص على التأنيث في قوله:«ليست» تأويل، ولا حمل على مذهب الكوفيين.

(1)

صدره: فلا مزنةٌ ودقَتْ وَدْقَها

والبيتُ لعامر بن جوين الطائي، وهو من شواهد سيبويه. وانظر:«الخزانة» (1/ 45).

(2)

الرواية: «

والمروءة ضُمِّنَا». وعجزه: قبرًا بمروَ على الطريق الواضحِ

والبيت من القصيدة السائرة لزياد الأعجم في رثاء المغيرة بن المهلب. انظر: «الشعر والشعراء» (1/ 431) و «ذيل الأمالي» (9).

ص: 689

ثم قال الكوثري: «ولفظ الشافعي إثبات النون، وحذفها من تصرف الطابع، وأمانته في العلم كأمانته

».

أقول: جزمه بأنه لفظ الشافعي مجازفة كما مرَّ. وقوله: «من تصرف الطابع» مجازفة أيضًا، فهل وقف على الأصول المطبوع عنها؟ وهل علم أن حذفها من فعل الطابع نفسه لا من إصلاح المصححين على ما ظهر لهم؟ والذي في خاتمة طبع «الأم» و «المختصر» أن القائمين بالتصحيح مصححو دار الطباعة: نصري بن محمد العادلي، ومحمد البلبيسي، ومحمود حسن زناتي. ولم يذكر لصاحب العزة أحمد بك الحسيني إلا أن الطبع على نفقته. ومع هذا فلم يزل المصححون ــ ومنهم الأستاذ ــ يصلحون ما يجدونه في الأصول القلمية مما يرونه خطأ، والغالب فيما يُطبع بمصر أن لا ينبَّه على ما كان في الأصل، بناء على أن الخطأ من النساخ كما جرت عادتهم حتى في كتابة القرآن.

وقد وقفتُ على «منية الألمعي» للعلامة قاسم بن قطلوبغا الحنفي ومقدمة الكوثري عليها، وتصفحت ما فصَّله قاسم من الأغلاط الكثيرة التي كانت في نسخة الزيلعي من كتابه «نصب الراية» ، ومع ذلك أصلح الكوثري وأحبابه كثيرًا منها في الطبع بدون تنبيه، فعدَّ الكوثري صنيعهم منقبةً لهم. قال:«وفي عداد تعقبات العلامة الحافظ قاسم أمور قد ينتبه إليها الفطن بنفسه لظهور أنها من قبيل سبق القلم، فيوجد بعض ما هو من هذا [1/ 411] القبيل على الصحة في النسخة المطبوعة؛ لأن الانتباه إلى الصواب من فضل الله سبحانه، وفضلُ الله لا يكون وقفًا على أحد» . لكن عذر الأستاذ واضح، وهو أنه راضٍ عن نفسه وأحبابه! ولذلك رأى التصرف في طبع «نصب

ص: 690

الراية» من فضل الله سبحانه، وساخطٌ على الحسيني لسعيه في طبع بعض كتب الشافعي، فهو مضطر إلى أن يتجنَّى عليه. ولعلَّنا لو لم ننبِّه على هذا لعدَّنا الأستاذ من الأغبياء الذين لا يفرِّقون بين السخط والرضا. والله المستعان.

الثانية عشرة، والثالثة عشرة

(1)

: قال: «وقوله: الواو للترتيب، والباء للتبعيض، مما لا يعرفه أحد من أئمة اللسان، بل الأُولى للجمع مطلقًا، والثانية للإلصاق» .

أقول: جازف في النفي والإثبات. أما النفي فقد نُقل القول بأن الواو للترتيب عن قطرب، والرَّبعي، والفراء، وثعلب، وأبي عمر الزاهد

(2)

؛ كما في «المغني»

(3)

. ونُقل القول بأن الباء تجيء للتبعيض عن الأصمعي، والفارسي، والقُتَبي، وابن مالك، وعن الكوفيين؛ كما في «المغني»

(4)

أيضًا.

وأما الإثبات فلم يقل الشافعي قط إنَّ الواو للترتيب ولا إن الباء للتبعيض، ولا ما هو بيِّن في هذا. وإنما بنى في الواو على قاعدة التقديم والتأخير المتفق عليها؛ وهي أن ما يسوغ في أصل التركيب تقديمه وتأخيره لا يقدَّم في الكلام البليغ إلا لنكتة. فإذا قال البليغ:«ادع زيدًا وبكرًا» فلم يقدِّم زيدًا إلا لنكتة. فقد يقال: الأصل تقديم ما حقه أن يقدَّم في الحكم، وإنما يصح تقديم غيره بشرطين: النكتة والقرينة. فمن قدَّم ولا نكتة ولا

(1)

(ط): «الحادية عشرة والثانية عشرة» خطأ كما سبق التنبيه عليه في تكرار «العاشرة» .

(2)

(ط): «الزاهي» تحريف.

(3)

(464).

(4)

(ص 142).

ص: 691

قرينة، فقد أخطأ من وجهين. ومن قدَّم مع وجود إحداهما فقط فقد أخطأ من ذلك الوجه. وهذا ــ والله أعلم ــ هو مراد القائلين بأن الواو للترتيب. والفرق بينها وبين الفاء و (ثم) أن الواو وإن كانت بمقتضى قاعدة التقديم والتأخير تقتضي الترتيب فذلك ظاهر يجوز خروجها عنه لنكتة بقرينة، والفاء و (ثم) للترتيب حتمًا. وقد يقال: بل التقديم في الحكم نكتة من النكت، فحيث كانت هناك نكتة أوضح منها مثل:«جاء الملك وكاتبه» لم يفهم من الواو إلا مطلق الجمع، وإلا فالظاهر الترتيب في الحكم.

والشافعي رحمه الله إنما تعرَّض لهذا في ترتيب الوضوء فنزع بالآية، ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدأ بما بدأ الله به، وأنه في [1/ 412] السعي بدأ بالصفا وقال:«نبدأ بما بدأ الله به» ، وأنه في رمي الجمار يجب البدء بما بدأ به صلى الله عليه وآله وسلم. فهذه حجته، فكيف يتوهّم أنه إنما بنى قولَه على زَعْم أن الواو بمنزلة الفاء وثم؟

وأما الباء فإنه قال في مسح الرأس: «

كان معقولًا في الآية أن من مسح من رأسه شيئًا فقد مسح برأسه

ودلت السنة على أنه ليس على المرء مسح الرأس كله

»

(1)

. وهذا قد يكون بناء على معنى الإلصاق، فقد ذكروا من أمثلته «أمسكت بزيد» مع أن يدك إنما تلاصق بعضه. وعلى هذا يكون الفرق بين الباء و «من» أن «من» نص على التبعيض، وباء الإلصاق مطلقة تَصْدُق بالبعض وتَصْدُق بالكل. ولعل هذا مراد من أطلق أنها تجيء للتبعيض. وراجع لكلام الحنفية في الحكم والآية واضطرابهم في ذلك:

(1)

«الأم» : (2/ 56).

ص: 692

«روح المعاني» (ج 2 ص 257 - 258)

(1)

.

وهاهنا انتهت المطاعن في فصاحة الشافعي. ولقد سعى الكوثري في تثبيت فصاحة الشافعي جهدَه، فإن أهل المعرفة يعلمون أن في الكلام الفصيح مواضع يعسر توجيهها حتى لو كان كلامَ من يجوز عليه اللحن لجزموا بأنها لحن، فإذا رأوا هذا المُجْلِبَ بخيله ورَجْله لم يجد فيما ثبتت نسبته إلى الشافعي موضعًا واحدًا بهذه الصفة، فاضطُرَّ إلى الإتيان بما تقدم مع الكلام عليه، فأي ريبة تبقى في فصاحة الشافعي؟

ومما ذكره ابن حجر في «توالي التأسيس»

(2)

ــ ومن عادته أن لا يجزم إلا بما صح عنده ــ قال: «قال ابن أبي حاتم عن الربيع قال: قال ابن هشام: الشافعي ممن يؤخذ عنه اللغة. قال ابن أبي حاتم وحُدِّثتُ عن أبي عبيد القاسم بن سلام نحوه. وقال أيضًا: سمعت الربيع يقول: كان الشافعي عربي النفس واللسان. قال: وكتب إليَّ عبد الله بن أحمد قال: قال أبي: كان الشافعي من أفصح الناس. وقال الساجي: سمعت جعفر بن محمد الخوارزمي يحدِّث عن أبي عثمان المازني عن الأصمعي قال: قرأت شعر الشنْفَرَى

(3)

على الشافعي بمكة. وقال ابن أبي الدنيا: [1/ 413] حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي: قلت لعمي: على من قرأت شعر هذيل؟ قال: على رجل من آل المطلب يقال له: محمد بن إدريس». وقال أيضًا:

(1)

(5/ 43 - 44 - المنيرية).

(2)

(ص 90).

(3)

(ط): «الشنقري» تحريف.

ص: 693