الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن أراد الأستاذ هنا الأول فليس فيه ما ينفعه، وإن أراد الثاني فهو مردود عليه. ومع ذلك فقد توبع بندار في المقصود من هذه الحكاية، كما ذكر الأستاذ نفسه في غير موضع، وليست من مظان الخطأ والوهم. والله أعلم. (
1)
196 -
محمد بن جابر اليمامي:
ذكر الأستاذ (ص 115) قول ابن أبي حاتم: «أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ــ فيما كتب إليَّ ــ حدثني إسحاق بن راهويه قال: سمعت جريرًا يقول: قال محمد بن جابر اليمامي: سرق أبو حنيفة كتب حماد مني» .
قال الأستاذ (ص 116): «الأعمى، قد قال فيه أحمد: لا يحدِّث عنه إلا من هو شرٌّ منه. وقد ضعَّفه ابن معين» .
أقول: أما كلمة «لا يحدِّث عنه إلا من هو شرٌّ منه» ، ففي «التهذيب»
(2)
: «قال ابن حبان: كان أعمى
…
قال أحمد بن حنبل: لا يحدِّث عنه إلا من هو شرٌّ منه». فناسِبُ الكلمة إلى أحمد هو ابن حبان
(3)
،
وبين ابن حبان وأحمد
(1)
محمد بن الرقي. يأتي مع محمد بن الحسن بن حميد [رقم 202]. [المؤلف]
(2)
(9/ 90).
(3)
في هذا الموضع نظر من وجوه:
الأول: أن كلام ابن حبان (الذي نقله الحافظ) ينتهي عند قوله: «ويسرق ما ذوكر به فيحدّث به» وكلام أحمد بعده ليس من نقل ابن حبان (المجروحين 2/ 270)، بل هو كلام مستأنف.
الثاني: أن الذي نسب هذه العبارة إلى أحمد هو ابن الجوزي في «الضعفاء» : (3/ 45) و «الموضوعات» : (2/ 18) ونقله عنه مغلطاي (القسم المفقود من التكملة) والذهبي في «الميزان» (4/ 416) وعن أحدهما نقل الحافظ في «التهذيب» : (9/ 90)، فكلهم تابعوا ابن الجوزي فتمّ عليهم الوهم.
الثالث: أن هذه الكلمة ليحيى بن معين نقلها عنه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب «العلل» (719، 770) ونقلها عنه العقيلي في «الضعفاء» : (5/ 220). والذي أوقع ابن الجوزي في الوهم قول عبد الله بن أحمد: «وسألته عن محمد بن جابر
…
» فسلك ابن الجوزي مسلك الجادة فظن أن الضمير في «سألته» عائد إلى والد عبد الله بينما هو يعود إلى يحيى لأنه في السؤال قبله قال: «سألت يحيى بن معين عن
…
».
مَفازة، ولا يُدرَى ممن سمع تلك الكلمة، ولو صحت عن أحمد لكانت الكلمة أقرب إلى الإطراء البالغ منها إلى الذم. فقد روى عن محمد بن جابر من يعتقد أحمد وغيره أنهم أفاضل عصرهم وخيار أهل زمانهم، مثل أيوب ابن أبي تميمة السختياني، وعبد الله بن عون، وسفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، وآخرين، فلا معنى لأن يقال: إن هؤلاء شرٌّ منه إلا إطراؤه بأنه خير منهم. وعلى كل حال فالحكاية منقطعة منكرة.
فأما تضعيف ابن معين وغيره له، فلأمور:
[1/ 433] الأول: أنه كان سيئ الحفظ يتعاطى الرواية من حفظه فيغلط.
الثاني: أنه اختلط عليه حديثه، قاله ابن معين. وكأنه كان في كتبه أحاديث سمعها من رجل، وأحاديث سمعها من آخر، فاختلط عليه بعض كتبه، فدخلت أحاديث من حديث بعض شيوخه في حديث شيخ آخر.
الثالث: أن كتابه ذهب بأخرة، فتأكد احتياجه إلى أن يروي ما علِق منه بحفظه، وهو سيئ الحفظ.
الرابع: أن إسحاق ابن الطباع قال: «حدَّثتُ محمدًا يومًا بحديث، قال: فرأيتُ في كتابه ملحقًا بين سطرين بخط طريّ» . والرجل كان أعمى فالملحِق غيره حتمًا، ورواية الأجلة عنه وشهادة جماعة منهم له بأنه صدوق تدل أن الإلحاق لم يكن بعلمه.
فأما قول ابن حبان: «كان أعمى يلحق في كتبه ما ليس من حديثه ويسرق ما ذوكر به فيحدِّث به» ، فإنما أخذه من هذه القضية، وقد بان أن الإلحاق من غيره. وإذا كان بغير علمه ــ كما يدل عليه ما سبق ــ فليس ذلك بسرقة. فالحكم فيه أن ما رواه الثقات عنه ونصُّوا على أنه من كتابه الذي عرفوا صحته فهو صالح، ويُتوقَّف فيما عدا ذلك.
فأمَّا هذه الحكاية، وهي قوله:«سرق أبو حنيفة كتاب حماد مني» فليست بمظنة الاختلاط ولا الإلحاق. ثم إن أراد بسرقة الكتاب سرقة الحديث، أي أنَّ أبا حنيفة سمع منه عن حماد أحاديث، فرواها أبو حنيفة عن حماد؛ فهذا ظن منه لا تقوم به حجة، فإنَّ أبا حنيفة قد صحب حمادًا واختص به، فلعل ما سمعه من محمد بن جابر كان عنده عن حماد. وإن أراد سرقة الكتاب نفسه فلم يبيِّن كيف عرف ذلك؟ وقد يكون كان في مجلس فيه أبو حنيفة وغيره، ففقد كتابه، ثم بلغه أن أبا حنيفة يحدِّث عن حماد، فتوهم ما توهم، وليس في هذا حجة. وقد جاء عنه ما لو صح لكان تفسيرًا لهذا، حكاه الأستاذ بحاشية (ص 115)
(1)
وهو أن العقيلي
(2)
أخرج بسند
(1)
الأصل: «15» . [ن].
(2)
في «الضعفاء» : (6/ 160 ــ ت السرساوي).