الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 - أحمد بن الحسن بن خيرون
.
قال الأستاذ (ص 31): «تكلم الحافظ أبو الفضل بن طاهر في أحمد بن الحسن المعروف بابن خيرون الذي كان [وصيَّ الخطيب عند وفاته وكأن]
(1)
الخطيب سلَّم إليه كتبه، فاحترقت تلك الكتب في بيت هذا الوصي، وبينها نسخة الخطيب من «تاريخ بغداد» حتى روى الناس «تاريخ الخطيب» من نسخة ابن خيرون لا عن [خط] الخطيب، وبَلَوْا فيها زيادات على ما كانوا سمعوه من الخطيب فقالوا: إن ابن خيرون هو الذي زادها [1/ 105] حتى رمى أبو الفضل [ابن طاهر]
(2)
المقدسي ابنَ خيرون بكل سوء؛ وإن لم يعجب ذلك الذهبي، وقد نقل في «ميزان الاعتدال» عن ابن الجوزي أنه قال: سمعت مشايخنا يقولون: إن الخطيب أوصى [إلى] ابن خيرون أن يزيد وُرَيقات في «تاريخه» وكان لا يحب أن تظهر منه في حياته. فبذلك تعلم أن الزيادة فيه لا شكّ فيها، لكن هناك رواية أنها كانت بوصية من الخطيب، فتكون تَبِعة الزيادة على عاتق المؤلف نفسه؛ أو الزائد هو ابن خيرون، فيسقط ابن خيرون من مرتبة أن يكون مقبول الرواية على رأي أبي الفضل [ابن طاهر] المقدسي
…
ومن الغريب أن المثالب الشنيعة المتعلقة بأبي حنيفة في «تاريخ الخطيب» لم تُذَعْ إلا بعد أن تحنَّف عالمُ الملوك الملك المعظَّم عيسى الأيوبي، ولذلك كان هو أول من ردّ عليها. ولو ذاعت المثالب قبل ذلك لما تأخر العلماء من الرد عليها، كما فعلوا مع عبد القاهر البغدادي وابن الجويني وأبي حامد الطوسي وغيرهم. وسبط ابن الجوزي ردَّ على الخطيب أيضًا في عصر الملك المعظَّم
…
».
أقول: ابن خيرون ذكره ابن الجوزي في «المنتظم» (ج 8 ص 87) وقال: «روى عنه أبو بكر الخطيب، وحدَّثنا عنه أشياخنا، وكان من الثقات. وشهد
(1)
من «التأنيب» وكذا ما سيأتي إلا ما نبَّهت على أنه من المؤلف نفسه.
(2)
«ابن طاهر» من زيادات المؤلف وكذا في الموضع الثاني.
عند أبي عبد الله الدامغاني [قاضي القضاة الحنفي المشهور]
(1)
ثم صار أمينًا له».
وفي «تذكرة الحفاظ» (ج 4 ص 7): «ذكره السمعاني فقال: ثقة عدل متقن واسع الرواية
…
سمعت عبد الوهاب بن خيرون يقول: ما رُئيَ مثل أبي الفضل بن خيرون، لو ذكرت كتبه وأجزاءه التي سمعها يقول لك عمن سمع وبأي طريق سمع، وكان يذكر الشيخ وما يرويه وما ينفرد به
…
، قال أبو طاهر السلفي: كان كيحيى بن معين في وقته
…
، وقد ذكرتُ في «ميزان الاعتدال» كلام ابن طاهر فيه بكلام مردود، وأنه كان يُلحق بخطه أشياء في «تاريخ الخطيب» ، وبيَّنَّا أن الخطيب أذن له في ذلك. وأما خطه فمشهور، وهو بمنْزلة الحواشي، فكان ماذا؟ ».
وفي «الميزان»
(2)
: «أحمد بن الحسن بن خيرون أبو الفضل الثقة الثبت محدِّثُ بغداد. تكلم فيه ابن طاهر بقول زائف
(3)
سَمِج، فقال: حدثني ابن مرزوق، حدثني عبد المحسن بن محمد قال: سألني ابن خيرون أن أحمل إليه الجزء الخامس من «تاريخ الخطيب» فحملته إليه، فردَّه [عليَّ][1/ 106] وقد ألحَقَ فيه في ترجمة محمد بن علي رجلَين لم يذكرهما الخطيب، وألحق في ترجمة قاضي القضاة الدامغاني [الحنفي]
(4)
: «كان
(1)
المعكوفان من المؤلف.
(2)
(1/ 92).
(3)
في «الميزان» : «زيف» .
(4)
المعكوفان من المؤلف.
نَزِهًا عفيفًا». وقال ابن الجوزي: قد كنت أسمع من مشايخنا أن الخطيب أمر ابن خيرون أن يُلحق وُرَيقات في كتابه ما أحبَّ الخطيبُ أن تظهر عنه. قلت: وكتابته لذلك كالحاشية، وخطه معروف لا يلتبس بخط الخطيب أبدًا، وما زال الفضلاء يفعلون ذلك. وهو أوثق من ابن طاهر بكثير، بل هو ثقة مطلقًا
…
».
أقول: «تاريخ الخطيب» قُرئ عليه في حياته، ورواه جماعة. ويظهر أنها أُخِذت منه عدة نسخ في حياة الخطيب، على ما جرت به عادة المُثْرين من طلبة العلم والمجتهدين منهم، أن يستنسخ كلٌّ منهم الكتاب قبل أن يسمعه على الشيخ، ثم يسمع في كتاب نفسه ويصحح نسخته. وكثير منهم يستنسخ قبل كلّ مجلسٍ القطعةَ التي يتوقع أن تُقرأ في ذلك المجلس إلى أن يتمّ الكتاب.
وعبد المحسن الذي روى ابن طاهر من طريقه ذكر الزيادة هو عبد المحسن بن محمد الشيحي. وفي ترجمته من «المنتظم» (ج 9 ص 100): «أكثر عن أبي بكر الخطيب بصُور، وأهدى إليه الخطيب «تاريخ بغداد» بخطه، وقال: لو كان عندي أعزُّ منه لأهديته له». ومن الواضح أن الخطيب لا يهدي نسخته الوحيدة من تاريخه الجليل ويبقى بلا نسخة، فلا بدَّ أن تكون عنده نسخة أخرى. ومن البيِّن أن العالم لا يزال يحتاج إلى الزيادة في تآليفه، فلعله زاد في النسخة التي بقيت عنده أشياء لم تكن في النسخة التي أهداها لعبد المحسن. فإذا كانت هذه النسخة الأخيرة صارت لابن خيرون ــ كما يقول الأستاذ ــ فطلب ابن خيرون من عبد المحسن أن يبعث إليه بالجزء الخامس من نسخته، فألْحَقَ ما ألْحَق؛ فإن كان ألحق على
أنه من الكتاب، فإنما ألحق ذلك من نسخة الخطيب الأخيرة، وإن كان إنما كتب حاشية كما قال الذهبي فالأمر أوضح.
وما ذكره الأستاذ: أن كتب الخطيب احترقت عند ابن خيرون، لا أتحققه. نعم، ذكروا احتراقًا، ولكن لم أجد نصًّا على أن نسخة الخطيب من «تاريخه» احترقت، ولا أن الناس إنما رووا «التاريخ» بعد ذلك عن نسخة لابن خيرون لا عن خط الخطيب؛ بل هذا باطل حتمًا. وقد علمتَ أنه كان عند عبد المحسن نسخة أخرى بخط الخطيب، ولا بد أن تكون عند غيره نُسَخ مما صُحِّح على نسخة الخطيب عند القراءة عليه. وقد روى جماعة منهم ابن الجوزي، وأبو [1/ 107] اليُمْن الكندي أستاذُ الملك المعظَّم، وخليلُه سبطُ ابنِ الجوزي «تاريخ بغداد» عن أبي منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز يقول:«أخبرنا الخطيب» أو نحو ذلك. وفي ترجمته من «المنتظم» (ج 10 ص 90): «سَمَّعه أبوه وعمُّه الكثير، وكان صحيح السماع» . ولا بدّ أن تكون عنده نسخة أخرى سمع فيها من الخطيب وإلا لطعنوا فيه بأنه يروي مما ليس عليه سماعه.
ثم رأيت في «معجم الأدباء» (ج 4 ص 38)
(1)
: «قال السمعاني: لما رجعت إلى خراسان حصل لي «تاريخ الخطيب» بخط شجاع بن فارس الذهلي [الحافظ الثبت] الأصل الذي كتبه بخطه لأبي غالب محمد بن عبد الواحد القزاز، وعلى وجه كل واحد من الأجزاء: سماع لأبي غالب ولابنه أبي منصور عبد الرحمن
…
».
(1)
(1/ 390 - دار الغرب).
فهذه النسخة كتبها ذاك الحافظ الثبت بخطه، وسمع فيها القزّاز وولده على الخطيب، وصُححت على نسخته. ولا أدري أكانت عند الابن نسخة أخرى مما سمع على الخطيب فكان يروي منها، أم كان قد استنسخ من هذه التي بخط شجاع الذهلي نسخةً أخرى قوبلت على الأصل، وكتب العلماء شهادتهم بذلك ونقلوا سماعه إلى نسخته الجديدة، وباع الأصل حتى صار لابن السمعاني. وعلى كل حال فالنسخة التي كانت عند القزاز صحيحة عن الخطيب، ولا شأن لها بنسخة عبد المحسن، ولا بالنسخة التي كانت عند ابن خيرون، ولا بنسخة ابن خيرون. ونسختا ابن الجوزي والكندي أستاذ المعظم مأخوذتان عن نسخة القزاز، ونسختا سبط ابن الجوزي والمعظم تبع لذلك، وكان المعظم ملكًا مسلَّطًا متعصّبًا، وصاحبه سبط ابن الجوزي جوّالًا متفانيًا في هواه، وهما أول مَن ردّ على الخطيب كما ذكر الأستاذ، ولعلهما قد وقفا على عدة نسخ أخرى، فلو عرفا أن بين النسخ اختلافًا في الموضع الذي ردَّا عليه؛ لما سكتا عن بيان ذلك.
فأما سكوت من قبلهما من علماء الحنفية عن الردِّ على الخطيب مع ردهم على غيره، فلأنهم أعقل منهما ومن الأستاذ، إنما ردوا على رسائل صغيرة من شأنها أن تشيع وتذيع. فأما ما في ذاك الموضع من «تاريخ بغداد» فرأوا أنه مدفون في كتاب كبير، لا يقف عليه إلا الأفراد، فتكلُّفُ الجواب إنما هو سعيٌ في انتشار ذلك واشتهاره، فعلموا أن السكوت أسلم. ولما خالفهم [1/ 108] الأستاذ وقع فيما تراه، وعلى أهلها تجني براقش!
وقد ذكر ابن عساكر نسختين أخريين انظر «تاريخ دمشق» (ج 1 ص 45