الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما ذكروه في ترجمته
(1)
. وقد توبع في هذه الحكاية، كما يأتي في ترجمة مُطرِّف
(2)
.
146 - عبد الملك بن قُريب الأصمعي:
ذكر الأستاذ (ص 24) ما حكي عن الأصمعي في قول الشعبي: «لا تعقل العاقلة
…
»، وأن الأصمعي قال:«كلمتُ أبا يوسف بحضرة الرشيد، فلم يفرِّق بين عقلتُه وعقلتُ عنه حتى فهَّمتُه» . فقال الأستاذ (ص 25): «لا نقيم لكلامه وزنًا. فإن كنت لا تكتفي بما في الكتب المؤلفة في الضعفاء من قول مثل أبي زيد الأنصاري فيه، فعليك بكتاب «التنبيهات على أغاليط الرواة» لأبي القاسم علي بن حمزة البصري، لتطلع على أغلاط هذا المتقعر وكلام الناس في أمانته في النقل».
وذكر الأستاذ (ص 54) عن «تاريخ بغداد»
(3)
حكاية من طريق الأصمعي، فقال: «كذَّبه أبو زيد الأنصاري. وذكر علي بن حمزة .... ورماه بأمور تؤيد رأي أبي زيد فيه. وليس بقليلٍ ما ذكره الخطيب من نوادره. ومن جملة نوادره: أن الأصمعي لما توفي سنة 215 قال أبو قِلَابة الجَرْمي في جنازته:
…
» فذكر البيتين.
أقول: أما الحكاية الأولى، فمسألة لغوية قد ذكرتها في الفقهيات
(4)
. والحكاية الثانية لم ينفرد بها الأصمعي، ومعناها مشهور إن لم يكن متواترًا.
(1)
انظر «ترتيب المدارك» : (4/ 122 - 148)، و «السير»:(12/ 102 - 107) و «لسان الميزان» : (5/ 255 - 259).
(2)
رقم (247).
(3)
(13/ 378 [385]).
(4)
(2/ 152 - 156).
وأما ما روى عن أبي زيد فلم يصحَّ، كما أوضحته في «الطليعة» (ص 82 - 83)
(1)
. ولو صحَّ لما أوجب جرحًا، لأنه لم يفسَّر. ويحتمل أن يراد به النسبة إلى الخطأ والغلط، كما ذكره الأستاذ (ص 163). ويؤيده أنه كان بين أبي زيد والأصمعي منافسة دنيوية واختلاف في الاعتقاد، مع أن بعض أئمة الحديث تكلَّم في أبي زيد، كما تراه في ترجمته من «التهذيب»
(2)
. والأصمعي وثَّقه [1/ 330] الأئمة، كما يأتي.
وقال الأستاذ في «الترحيب»
(3)
أقول: كأنَّ الأستاذ يحسب الكلام في الأصمعي كما قالت الأعراب
(4)
:
قد هدَم اليربوعُ بيتَ الفارهْ
…
فجاءت الزُّغْبُ من الوِبارَه
(5)
(1)
(ص 64).
(2)
(4/ 3 - 5).
(3)
(ص 340 ــ ملحق بالتأنيب).
(4)
انظر: «الحيوان» : (6/ 370) للجاحظ، و «المعاني الكبير»:(2/ 681) لابن قتيبة.
(5)
في «الحيوان» : «فجاءت الرُّبْيَة والوِبارة» .
وكلُّها
(1)
يشتدُّ بالحجارَه
مَنْ عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي يا أستاذ؟ ! وهل عرفه الناس إلّا بكلمات يرويها عن الأصمعي! ومَنْ جعله بحيث تُعارَض بما حُكي عنه نصوصُ أئمة الإسلام في توثيق الأصمعي؟ ! ولعلها ــ إن صحت الكلمة عنه ــ كلمةٌ قالها في صباه وهو يلعب مع الأطفال، فاستُظْرِفَتْ من ذاك الصبيِّ، فنُقِلَتْ.
وأما أبو رياش، فمَن أبو رياش؟ أذَكَروه بأكثَر من أنه كان حُفَظةً للأشعار، أو أنه كان يتشيَّع، أو أنه كان وسخًا دنسًا إلى الغاية؟ وهل يَحتجُّ بكلامه في الأصمعي عاقل! ولمعرفتنا بحاله لا نطالبك بتصحيح النقل عنه، وكان بعد الأصمعي بزمان طويل.
أما علي بن حمزة، فمعدود من علماء اللغة، بينه وبين الأصمعي زمان طويل. حدُّه أن يُقبل منه تخطئةُ مَن قبله إذا أقام الحجة. وقوله:«إن الأصمعي كان مجبِرًا» دليل على أنه هو كان قدريًّا، والقدرية تسمِّي أهل السنة «مُجْبِرة». وقوله:«شديد البغض لعلي كرم الله وجهه» قولٌ لا حجة عليه، ولا نعلم عن الأصمعي شيئًا يَثبُت عنه يسوِّغ أن يُنسَب لأجله إلى النصب.
(1)
كذا «وكلُّها» في الأصل. وكان في أصل «المعاني الكبير» : «وحلم» ، فرأى الشيخ المعلمي أنه تصحيف «وكلُّهم» ، وأثبت ذلك في المتن مع الإشارة في الحاشية إلى أن في نسخة كرنكو المنقولة من المخطوط:«وحلم (بفتح فسكون) تشتدُّ» .
قلت: والصواب ما ورد في المخطوط: «وحَلَمٌ تشتدُّ» . و «الحَلَم» ضرب من القِرْدان. وفي «الحيوان» : «وحَلَمٌ يَشُدُّ» وشَدَّ واشتدَّ بمعنًى. [الإصلاحي].
ودونك ثناءَ الأئمة على الأصمعي. قال الإمام الشافعي بعد أن فارق بغداد: «ما رأيت بذلك العسكر أصدقَ لهجةً من الأصمعي» . فتدبر هذه الكلمة، وانظر من كان ببغداد من الأكابر الذين رآهم الشافعي بها. وقال أبو أمية الطَّرْطُوسي:«سمعت أحمد ويحيى يثنيان على [1/ 331] الأصمعي في السنَّة. قال: وسمعتُ عليَّ ابن المديني يثني عليه» ، وقال عباس الدُّوري:«قلت لابن معين: أريد الخروج إلى البصرة، فعمَّن أكتب؟ قال: عن الأصمعي فهو صدوق» . وقال أبو داود: «صدوق» . وقال نصر بن علي: «كان الأصمعي يقول لعفَّان: اتَّقِ الله، ولا تُغيِّرْ حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولي» . قال نصر بن علي: «كان الأصمعي يتَّقي أن يفسِّر حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يتقي أن يفسِّر القرآن» . وذكره ابن حبان في «الثقات»
(1)
، وقال:«ليس فيما يروي عن الثقات تخليط إذا كان دونه ثقة» .
أقول: وتجد في كتب اللغة ومعاني الشعر مواضع كثيرة يتوقف عنها الأصمعي، وذلك يدل على توقِّيه وتثبُّته. وكأنَّ ابن جني أشار إلى كلام علي بن حمزة إذ قال في «الخصائص»
(2)
: «وهذا الأصمعي ــ وهو صَنَّاجة الرُّواة والنقَلة، وإليه محطُّ الأعباء والثقَلة، ومنه تُجنَى الفِقَر والمُلَح، وهو ريحانُ
(3)
كلِّ مغتَبَق ومصطَبَح ــ كانت مشيَخةُ القراء وأماثلُهم تحضره ــ
(1)
(8/ 389).
(2)
(3/ 311 - تحقيق النجار). ويبدو أن المؤلف نقل النص من طبعة غير التي نعزو إليها وقد أثبت الفروق في الهامش وهي مهمة في تصحيح بعض عبارات النص.
(3)
في «الخصائص» : «ريحانة» .
وهو حَدَث ــ لأخذ قراءةِ نافع عنه. ومعلومٌ قدرُ ما حذِقَ
(1)
من اللغة فلم يُثْبِته لأنه لم يقوَ عنده إذ لم يسمعه
…
فأما إسفافُ مَن لا علمَ له وقولُ من تمسَّك به
(2)
: إن الأصمعي كان يزيد في كلام العرب، ويفعل كذا، ويقول كذا، فكلامُ معفوٍّ عنه، غير معبوءٍ به، ولا متقدم في
(3)
مثله؛ حتى كأنه لم يتأدَّ إليه توقفُه عن تفسير القرآن وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتحرُّزُه
(4)
من الكلام في الأنواء».
وأما ما يُحكى عن الأصمعي من النوادر، فقد نَحَله الناسُ حكايات كثيرة جدًّا، وكلُّ من أراد أن يضع حكايةً نسبها إلى الأصمعي، فلا يلتفت من ذلك إلَّا لما صحَّ سندُه، ولن يوجد في ذلك إلّا ما هو حق وصدق، أو يكون الحمل فيه
(5)
على مَنْ فوق الأصمعي. ومحاولة الأستاذ التفرقة بين الحديث والحكايات محاولة فاشلة، والصدقُ الذي يُثْنَى به على الراوي شيء واحد، إمَّا أن يثبتَ للأصمعيِّ كلُّه، وهو الواقع كما صرّحَتْ به كلمةُ الشافعي السابقة، واقتضته كلمات غيره، وإمَّا أن يسقط كلُّه. وقد تقدم شرح ذلك في القواعد
(6)
.
(1)
في «الخصائص» : «كم قدر ما حذف» .
(2)
في «الخصائص» : «وقول من لا مُسْكة به» .
(3)
في «الخصائص» : «ولا منقومٍ من مثله» .
(4)
في «الخصائص» : «وتحوّبه» .
(5)
(ط): «منه» .
(6)
(1/ 59 - 70).
وأما قول الأستاذ: «ومن جملة نوادره: أن الأصمعي لما توفي
…
»، فهذا من العجائب، كيف تكون من نوادره وقد مات؟ ! أوَ لم يستطع الأستاذ تخلُّصًا إلى ذينك البيتين اللذين هُجي بهما الأصمعي بعد موته لتعطّش الأستاذ إلى ذكرهما؟ والحكاية من رواية أبي العيناء، [1/ 332] وحالُه معروف، يأتي له ذكر في ترجمة الإمام مالك
(1)
، مع أن تمام الحكاية: «قال أبو العيناء: وجذبني من الجانب الآخر أبو العالية الشامي فأنشدني:
لِلّاه درُّ بناتِ الدهر إذ فَجَعَتْ
…
بالأصمعيِّ لقد أبقَتْ لنا أسَفَا
عِشْ ما بدا لك في الدنيا فلستَ ترى
…
في الناس منه ولا مِنْ عِلْمِه خَلَفا
لم أورد هذه التتمة منكرًا على الأستاذ إعراضه عنها. ولكن كان الأجدر به ــ وهو يعلم أن هذه تمام الحكاية ــ أن يُعرض عن أولها، لئلا يكون ــ أو لئلّا يقال: إنه ــ ممن يُرضيه القول الزور الفاجر، ويُسخطه القول الصادق البار.
هذا وقد كان الأصمعي أوائل أمره يخالط الخلفاء والأمراء، ثم انقطع عن ذلك، ولزم بيته ومسجده، حتى إن المأمون الخليفة حَرَص جهدَه على أن يصير الأصمعي إليه، فأبى. فكان المأمون يجمع المسائل ثم يبعث بها إلى الأصمعي بالبصرة ليجيب عنها. وليس للأصمعيّ ذنب إلا أنه من أهل السنة. والله المستعان.
(1)
رقم (183).