الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجل أسرعَ في المال أو رجل أسرعَ في كذا ــ يعني الدماء؟ ــ قال: فرجعتُ وقلت: لا أعود». وهذا بيِّن في أن عمر بن عبد العزيز وميمون بن مهران كانا يريان فعل عليّ خلاف الأولى أو خطأ في الاجتهاد. ولا يُعدُّ مثل هذا نصبًا، إذ لا يستلزم البغض، بل لا ينافي الحبّ. وقد كره كثير من أهل العلم معاملة أبي بكر الصديق لمانعي الزكاة معاملة المرتدين ورأوا أنه أخطأ، وهم مع ذلك يحبونه ويفضِّلونه.
فأما حطُّ الجوزجاني على أهل الكوفة، فخاصٌّ بمن كان شيعيًّا يبغض بعض الصحابة أو يكون ممن يُظَنُّ به ذلك، وليس أبو حنيفة كذلك. ثم قد تقدم في القاعدة الرابعة من قسم القواعد
(1)
النظر في حَطِّ الجوزجاني على الشيعة، واتضح أنه لا يجاوز الحدّ، وليس فيه ما يسوِّغ اتهامه بتعمّد الحكم بالباطل، أو يخدش في روايته ما فيه غضّ منهم أو طعن فيهم. وتوثيق أهل العلم له يدفع ذلك البتة، كما تقدم في القواعد. والله الموفق.
11 - أحمد بن إبراهيم
.
راجع «الطليعة» (ص 31 - 32)
(2)
.
وقع في «الطليعة» (ص 31): [1/ 101]«وذكر سماعه من شريك» . اعترَضَها الأستاذ في «الترحيب»
(3)
بأنه ليس في «تهذيب التهذيب» ذِكْر
(1)
(1/ 96 - 98).
(2)
(ص 21 - 22).
(3)
(ص 325).
ذلك. وصدق الأستاذ، وقع الوهم في «الطليعة» لسبب الاختصار، وصواب العبارة هكذا:«ذكر الخطيب سماعه من شريك، وذكر المزي في «التهذيب» شريكًا في شيوخه».
ثم ذكر الأستاذ أنه لا يحتج بالخطيب فيما هو متّهم فيه.
وأقول: قد تقدم في القواعد الكلام في التهمة
(1)
، والخطيب حجةٌ على كلّ حال، على أن نص الخطيب على سماع أحمد بن إبراهيم من شريك إنما وقع في ترجمة أحمد بن إبراهيم
(2)
، حيث لا عين لذكر أبي حنيفة ولا أثر، وبين تلك الترجمة وترجمة أبي حنيفة تسعة مجلدات، والخطيب لا يعلم الغيب! ولو علمه لنصَّ على السماع عند تلك الحكاية نفسها. وكأن هَمّ الأستاذ في «الترحيب» أن يقال: قد أجاب، لا أن يقال: لعله قد أصاب!
12 -
أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك أبو بكر القَطِيعي.
في «تاريخ بغداد» (13/ 411 [438]): «أخبرنا بشرى بن عبد الله الرومي، ثنا أحمد بن جعفر بن حمدان
…
».
قال الأستاذ (ص 141): «مختلط فاحش الاختلاط .... » .
أقول: قضية الاختلاط ذكرها الخطيب في «التاريخ» (ج 4 ص 73) قال: «حدثت عن أبي الحسن بن الفرات .... » ، وذكرها الذهبي في «الميزان»
(3)
(1)
(1/ 59 فما بعدها).
(2)
(4/ 5).
(3)
(1/ 87 - 88).
عن ابن الصلاح قال: «اختلّ في آخر عمره حتى كان لا يعرف شيئًا مما يُقرأ عليه. ذكر هذا أبو الحسن بن الفرات» . والظاهر أن ابن الصلاح إنما أخذ ذلك مما ذكره الخطيب، ولا ندري من حدَّث الخطيب، ومع الجهالة به لا تثبت القصة، لكن ابن حجر شدَّها بأن الخطيب حكى في ترجمة أحمد بن أحمد السِّيبي أنه قال:«قدمت بغداد، وأبو بكر بن مالك حي .... فقال لنا ابن الفرضي: لا تذهبوا إلى ابن مالك، فإنه قد ضَعُف واختلَّ، ومنعتُ ابني السماع منه» . وهذه الحكاية في «التاريخ» (ج 4 ص 4)، لكن ليس فيها ما في تلك المنقطعة مما يقتضي فحش الاختلاط، وقد قال الذهبي في «الميزان» بعد ذكر الحكاية الأولى:«فهذا القول غلوّ وإسراف» .
[1/ 102] أقول: ويدل على أنه غلوّ وإسراف: أن المشاهير من أئمة النقد في ذلك العصر، كالدارقطني والحاكم والبرقاني، لم يذكروا اختلاطًا ولا تغيُّرًا.
وقد غمزه بعضهم بشيء آخر. قال الخطيب: «كان بعض كتبه غرق، فاستحدث نسخَها من كتاب لم يكن فيه سماعه، فغمزه الناس؛ إلا أنَّا لم نر أحدًا امتنع من الرواية عنه، ولا ترك الاحتجاج به. وقد روى عنه من المتقدمين الدارقطني وابن شاهين
…
سمعت أبا بكر البرقاني سئل عن ابن مالك فقال: كان شيخًا صالحًا
…
ثم غرقت قطعة من كتبه بعد ذلك، فنسَخَها من كتاب ذكروا أنه لم يكن سماعه فيه، فغمزوه لأجل ذلك، وإلا فهو ثقة». قال الخطيب: «وحدثني البرقاني قال: كنت شديد التنقير عن حال ابن مالك، حتى ثبت عندي أنه صدوق لا يُشكُّ في سماعه، وإنما كان فيه بَلَه. فلما غرقت القطيعةُ بالماء الأسود غرق شيء من كتبه، فنسخ بَدَل ما غرق من
كتابٍ لم يكن فيه سماعه».
أقول: أجاب ابن الجوزي في «المنتظم» (ج 7 ص 93) عن هذا بقوله: «مثل هذا لا يُطعَن به عليه، لأنه يجوز أن تكون تلك الكتب قد قُرئت عليه وعُورض بها أصله، وقد روى عنه الأئمة كالدارقطني وابن شاهين والبرقاني وأبي نعيم والحاكم»
(1)
.
أقول: وقال الحاكم: «ثقة مأمون» . ونَسخُه ما غرق من كتبه من كتاب ليس عليه سماعه يحتمل ما قال ابن الجوزي، ويحتمل أن يكون ذاك الكتاب كان أصل ثقةٍ آخر كان رفيقه في السماع، فعرف مطابقته لأصله. والمدار على الثقة بصحة النسخة، وقد ثبت أن الرجل في نفسه ثقة مأمون. وتلك الحكاية تحتمل ما لا ينافي ذلك، فكان هو الظاهر.
ولا أدري متى كان غرق القطيعة بالماء الأسود، وقد فتشتُ أخبار السنين في «المنتظم» فلم أره ذكر غرقًا بالماء الأسود
(2)
، وإنما ذكر أنه في شهر رمضان سنة 367 غرق بعض المحال منها قطيعة أم جعفر. فإن كان ذلك هو المراد، فإنما كان قبل وفاة القطيعي بنحو سنة واحدة، وقد سمع
(1)
وبنحوه أجاب الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» : (15/ 391).
(2)
ذكر الخطيب في «التاريخ» : (1/ 76، والجديدة 1/ 386) قال: «حدثني عليّ بن المُحَسِّن، قال: قال لي القاضي أبو بكر بن أبي موسى الهاشمي: انبَثَق البَثْق من قُبَيِّن وجاء الماء الأسود فهدم طاقات باب الكوفة، ودَخَل المدينة فهدم دورَنا، فخَرَجنا إلى المَوْصل وذلك في سني نَيِّفٍ وثلاثين وثلاث مئة، وأقمنا بالمَوْصل سنين عدة ثم عُدنا إلى بغداد فسكنَّا طاقات العَكِّيّ» .
وعليه فيكون هذا الغرق قد وقع قبل وفاة القطيعي بثلاثين سنة.
الناس منه الكتب كلها قبل ذلك مرارًا، وأُخِذت منها عدة نسخ.
والذين ذكروا الاستنساخ لم يذكروا أنه روى مما استنسخه [1/ 103]، ولو علموا ذلك لذكروه؛ لأنه أبين في التليين وأبلغ في التحذير. وليس من لازم الاستنساخ أن يروي عما استنسخه، ولا أن يعزم على ذلك؛ وكأنهم إنما ذكروا ذلك في حياته لاحتمال أن يروي بعد ذلك عما استنسخه. وقد قال الخطيب في «الكفاية» (ص 109): «ومذاهب النقَّاد للرجال غامضة دقيقة، وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز، فتوقف عن الاحتجاج بخبره، وإن لم يكن الذي سمعه موجبًا لردِّ الحديث ولا مسقطًا للعدالة. ويرى السامع أن ما فعله هو الأولى؛ رجاءَ إن كان الراوي حيًّا أن يحمله على التحفُّظ وضبط نفسه عن الغميزة، وإن كان ميتًا أن ينزِّله مَنْ نَقَل عنه منزلتَه، فلا يُلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز. ومنهم من يرى أن من الاحتياط للدين إشاعةُ ما سَمِع من الأمر المكروه الذي لا يوجب إسقاط العدالة بانفراده، حتى يُنْظَر هل [له] من أخوات ونظائر
…
».
فلما ذكروا في حياة القطيعي أنه تغيّر، وأنه استنسخ من كتاب ليس عليه سماعُه، كان هذا على وجه الاحتياط، ثم لما لم يذكروا في حياته ولا بعد موته أنه حدَّث بعد تغير شديد، أو حدَّث مما استنسخه من كتاب ليس عليه سماعه، ولا استنكروا له رواية واحدة، وأجمعوا على الاحتجاج به كما تقدم= تبيَّن بيانًا واضحًا أنه لم يكن منه ما يخدش في الاحتجاج به.
هذا، وكتب الإمام أحمد ك «المسند» و «الزهد» كانت نسخها مشهورة متداولة قد رواها غير القطيعي، وإنما اعتنوا بالقطيعي واشتهرت رواية