الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يخفى.
161 - علي بن صدقة:
تقدمت الإشارة إلى روايته في الذي قبله.
قال الأستاذ (ص 111): «كثير الإغراب» .
أقول: ذكره ابن حبان في «الثقات»
(1)
وقال: «يُغرب» . وابن حبان قد يقول مثل هذا لمن يستغرب له حديثًا واحدًا أو زيادة في حديث. فقول الأستاذ: «كثير الإغراب» من تصرفاته، والحكاية التي ذكرها الخطيب بهذا السند معروفة جاءت من عدة طرق.
162 - علي بن عاصم:
في «تاريخ بغداد» (13/ 387 [402]) عنه قال: «حدَّثْنا أبا حنيفة بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: لا آخذ به. فقلت: عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: لا آخذ به» .
قال الأستاذ (ص 78): «أبو حنيفة كغيره من أهل العلم في عدم الأخذ بحديث علي بن عاصم الذي يكتبه الورَّاقون ويحدِّث هو به بدون سماع ولا مقابلة بأصل صحيح. والكلامُ فيه طويل الذيل في كتب الضعفاء، فتبًّا لمن يقيم نفسه مقام الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجعل الرد عليه ردًّا على المصطفى صلوات الله وسلامه عليه. وأبو حنيفة الذي يقول: لعن الله من يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، به أكرمنا الله، وبه استنقذنا، كما في «الانتقاء» لابن عبد البر (ص 141) كيف يخالف حديثًا صح عن الرسول عليه الصلاة والسلام. ومن زعم، فقد أبعد في البهت، نسأل الله الصون».
(1)
(8/ 471).
أقول: أما ما في «الانتقاء»
(1)
، فطرف من حكاية ردَّها الأستاذ نفسه (ص 94)، وقال في حاكيها داود بن المحبّر:«متروك باتفاق» ، فكيف يستند إليها هنا جازمًا بقوله:«الذي يقول» ؟ وظاهر قول علي بن عاصم «حدَّثْنا أبا حنيفة
…
» أنه وافقه غيره على التحديث. وهَبْه لم يوافقه أحد، أفما كان ينبغي أن يجيبه أبو حنيفة بقوله:«من روى هذا معك؟» أو نحو ذلك، [1/ 356] وهَبْه علِمَ تفرُّدَه، أفما كان الأولى أن يجيبه بقوله:«لم يثبت عندي» أو نحو ذلك. [1/ 356] بل لو قال له: لا أثق بروايتك لكان أولى من قوله: «لا آخذ به» .
فأما عليّ بن عاصم فالذي يظهر من مجموع كلامهم فيه أنه خَلّط في أول أمره، ثم تحسنت حاله، وبقي كثرة الغلط والوهم. فما حدَّث به أخيرًا ولم يكن مظنة الغلط فهو جيد
(2)
.
163 -
علي بن عبد الله ابن المديني:
تقدم في ترجمة إبراهيم بن بشار الرمادي
(3)
متابعة ابن المديني له في حكايته عن ابن عيينة.
أشار الأستاذ (ص 82) إلى ذلك ثم قال: «لو فكّر ابن المديني في مسايرته لابن أبي دُواد
…
وسعى في إعداد الجواب
…
لكان أحسن له، ونحسب أنه لم يُعِدَّ ولن يُعِدَّ
…
».
(1)
(ص 259).
(2)
ترجمته في «التهذيب» : (5/ 49 - 51)، و «الميزان»:(4/ 55 - 58).
(3)
رقم (2).
وفي «تاريخ بغداد» (13/ 420 [450]) من طريق عبد الله بن علي ابن المديني أنه سأل أباه عن أبي حنيفة؟ «فضعَّفه جدًّا، وقال: لو كان بين يدي ما سألته عن شيء، وروى خمسين حديثًا أخطأ فيها» .
قال الأستاذ (ص 168): «إن كان ابن المديني كما نهش الخطيبُ عرضَه في (11/ 459) وابن الجوزي في «مناقب أحمد» لا يكون لكلامه قيمة».
ثم أشار الأستاذ إلى أن ابن المديني تناقض، قال:«ينافي ما ذكره أبو الفتح الأزدي في «كتاب الضعفاء» حيث قال: قال علي ابن المديني: أبو حنيفة روى عنه
…
وهو ثقة لا بأس به». ثم قال الأستاذ: «نسأل الله السلامة» .
وفي «تاريخ بغداد» (13/ 423 [454]) عنه: «قال لي بشر بن أبي الأزهر النيسابوري: رأيت في المنام
…
».
قال الأستاذ (ص 170): «ليس بقليل ما ذكره الخطيب عن ابن المديني في «تاريخه» ، ومن جملة ذلك صلته الوثيقة بأحمد بن أبي دُواد في محنة أهل الحديث
…
وقد ترك أبو زرعة وأحمدُ الروايةَ عنه بعد المحنة، وبشر بن [أبي] الأزهر من أخص أصحاب أبي يوسف،
…
ومن أتبع أهل العلم لأبي حنيفة وأرعاهم لجانبه، فلا أشك أن هذه الرواية مختلَقة».
أقول: أما مسايرته لابن أبي دُواد، فقد أجاب عنها مرارًا بأنه مُكْرَه، وكان في أيام المحنة إذا خلا بمن يثق به من أهل السنة ذكر له ذلك، وأنه يرى أن الجهمية كفار. جاء ذلك من طرق.
فإن قيل: لم يكن الدعاة يُكرهون أحدًا أن يكون معهم، وإنما كانوا يُكْرِهون على قول مثل مقالتهم، كما فعلوا بيحيى بن معين وغيره. فكيف أكرهوا ابنَ المديني على [1/ 357] مسايرتهم؟
قلت: كان الدعاة يرون أنه لا غنى لهم عن أن يكون بجانبهم من يعارضون به الإمام أحمد، ولم يكن هناك إلا ابن المديني أو يحيى بن معين. فأما ابن معين فإنه وإن كان أضعف صبرًا وأقل ثباتًا من أحمد بحيث إنه أجاب عند الإكراه إلى إجراء تلك المقالة على لسانه، فلم يكن من الضعف بحيث إذا هدَّدوه وخوَّفوه على أن يسايرهم ليجيبهم إلى ذلك. ولعلهم قد حاولوا ذلك منه فأخفقوا، فما بقي إلا ابن المديني، وكان هو نفسه شهد على نفسه بالضعف قال:«قويَ أحمدُ على السوط ولم أقوَ» . وقال لابن عمار: «خفتُ أن أقتل، وتعلم ضعفي أني لو ضُربتُ سوطًا واحدًا لمتُّ» أو نحو هذا. وقال لأبي يوسف القُلُوسي لما عاتبه: «ما أهون عليك السيف! » . وقال لعلي بن الحسين: «بلِّغْ قومك عني أن الجهمية كفار، ولم أجد بدًّا من متابعتهم؛ لأني حبست في بيت مظلم وفي رجلي قيد حتى خفت على بصري» . وذُكِر عند يحيى بن معين فقال: «رجل خافَ» .
وإنما أنكر عليه في طول مسايرته للجهمية ما جرى في حديث الوليد بن مسلم. كان الوليد يروي عن الأوزاعي عن الزهري عن أنس عن عمر أنه قرأ قولَه تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31] فتردد في معنى الأبّ، ثم قال:«أيها الناس خذوا بما بُيِّن لكم فاعملوا به، وما لم تعرفوه فَكِلُوه إلى عالمه» ، فأخطأ الوليد مرةً فقال:«إلى خالقه» . كأنه جعل الضمير للأبّ ونحوه مما ذكره الله عز وجل من مخلوقاته، فكان أهل العلم يروونه عن الوليد على الصواب، وربما ذكروا أنه أخطأ فقال:«إلى خالقه» . ورواه ابن المديني بالبصرة: «إلى عالمه» ، ونبَّه على الخطأ فيما يظهر، ثم كأن الجهمية عرفوا ذلك، فألزموا ابن المديني أن يرويه بلفظ «إلى خالقه» قائلين: إنك قد
سمعت مرة كذلك، فإذا رويته كذلك لم يكن فيه كذب. فاضطُرَّ إلى إجابتهم، فسأله عباس العنبري، فأجابه بقوله:«قد حدثتكم بالبصرة» وذكر أن الوليد أخطأ فيه. فذكروا للإمام أحمد أن ابن المديني روى بلفظ «إلى خالقه» ، فقال:«كذب» يريد أحمدُ أن ابن المديني يعلم أن الصواب «إلى عالمه» وأن كلمة: «إلى خالقه» كذب وقع من الوليد خطأً. وفي الحديث الصحيح: «من حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين»
(1)
، فقيل لأحمد:«إن عباسًا العنبري قال لما حدَّث به عليٌّ بـ (العسكر) قلت: إن الناس أنكروه عليك، فقال: قد حدثتكم به بالبصرة. وذكر [1/ 358] أن الوليد أخطأ فيه» . فغضب أحمد وقال: «نعم، قد علم أن الوليد أخطأ فلِمَ أراد أن يحدِّثهم به؟ يعطيهم الخطأ» . وعذره في هذا ما قدمناه.
فأما تركُ أحمد وأبي زرعة الروايةَ عن عليّ بعد أن وقعت المحنة، فقد تقدم الجواب عنه في ترجمة إسماعيل بن إبراهيم بن معمر
(2)
.
وأما قول الأستاذ: «ونحسب أنه لم يُعِدَّ ولن يُعِدَّ» فكأنه يشير إلى أن الدعاة كانوا على حق وأن ابن المديني سايرهم عارفًا أنهم على حق، والحق لا يحتاج الإنسان إلى أن يُعِدَّ عن اختياره له جوابًا. فإن كان هذا مغزى الأستاذ، فالكلام فيه مشروح في قسم الاعتقاديات.
(1)
أخرجه أحمد (903 - زوائد عبد الله)، وابن ماجه (38) من حديث علي رضي الله عنه، وإسناده صحيح. وأخرجه أحمد (18184)، ومسلم في مقدمة «صحيحه»:(1/ 8)، والترمذي (2662)، وابن ماجه (41) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح.
(2)
رقم (47).
وأما ما ذكره الأزدي، فالأزدي نفسه متَّهم، ولا ندري مع ذلك ما سنده إلى ابن المديني. وهبْ أن ذلك صحَّ، فلا يدفع رواية ولد ابن المديني عن أبيه، فإن كثيرًا من الأئمة تختلف أقوالهم في الرجل توثيقًا وجرحًا، إما لتغيير الاجتهاد، وإما لأن إحدى الكلمتين أريد بها خلاف ما يظهر منها، وإما لغير ذلك، كأن يقال هنا: كان دعاة المحنة حنفية، وكانوا ينسبون مقالتهم التي امتحنوا الناسَ فيها إلى أبي حنيفة، ويدعون إلى مذهبه في الفقه كما مرت الإشارة إلى طرف منه في ترجمة سفيان الثوري
(1)
، فكأنهم استكرهوا ابنَ المديني على أن يثني على أبي حنيفة ويوثقه، فاضطُر إلى أن يوافقهم. وقد يكون ورَّى، فقصد بكلمة:«ثقة» معنى أنه لم يكن يكذب، ثم لما سأله ابنه أخبره بما يعتقده.
وأما استبعاد أن يخبر بِشْر وهو من أتباع أبي حنيفة في الفقه بتلك الرؤيا، فلا يكفي لدفع الرواية إذا صح سندها. فقد يعترف الرجل على نفسه، فإذا أخبر بذلك عنه ثقة قُبِل، فما الظن بما يخبر به عن أستاذه أو أستاذ أستاذه؟ وقد يكون بِشْر مع متابعته لأبي حنيفة في الفقه يخالف في بعض العقائد، كما روي عن أبي يوسف أنه قال:«إنما كان مدرسًا، فما كان من قوله حسنًا قبلناه، وما كان قبيحًا تركناه» تراه في «التأنيب» (ص 46). وقد يكون بِشْر يرى أن تلك الرؤيا أضغاث أحلام، فلا يقيم لها وزنًا، وإنما أخبر بها تعجّبًا. وقد يكون يرى أن لها تأويلًا تكون بحسبه فضيلة وبشارة لأبي حنيفة وأصحابه. فيتأول السواد بالسؤدد، وصحبة القسيسين بالإشارة إلى
(1)
رقم (98).