الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الأستاذ (ص 141): «راوي «العلل» للأثرم وراوياه القطيعي وأحمد بن نصر الذارع غير صالحين للرواية».
أقول: الراوي عنه هنا القطيعي، وهو أحمد بن جعفر بن حمدان، تقدمت ترجمته
(1)
وأنه ثقة، [1/ 435] والراشدي وثَّقه غير واحد، ومع ذلك فالحكاية مأخوذة من ذاك الكتاب المصنف المقطوع بنسبته، فلا يضرُّها لو كان في بعض الوسائط كلام.
200 - محمد بن حبّان أبو حاتم البُسْتي الحافظ:
نقل الأستاذ (ص 90) قوله في أبي حنيفة: «كان أجلَّ في نفسه من أن يكذب، ولكن لم يكن الحديث شأنه، فكان يروي فيخطئ من حيث لا يعلم، ويقلب الإسناد من حيث لا يفهم. حدَّث بمقدار مائتي حديث أصاب منها في أربعة أحاديث، والباقية إما قلَب إسنادها أو غيَّر متنها» .
أجاب الأستاذ بوجهين:
الأول: حاصله أنَّ أبا حنيفة مشهور بالحفظ والفهم، واشتهر عنه أنه لا يبيح الرواية إلا لمن استمرَّ حفظه من الأخذ إلى الأداء، ولا يبيح الرواية مما يجده الراوي بخط يده ما لم يذكر أخذَه له، وتواتر (؟) عنه ختمه القرآن في ركعة - ونحو هذا.
الثاني: التنديد بابن حبان.
أقول: أما الوجه الأول فلم ينفرد ابن حبان بنسبة الخطأ والغلط في
(1)
رقم (12).
الرواية إلى أبي حنيفة، بل وافقه على ذلك كثيرون حتى من المائلين إلى أبي حنيفة. نعم، انفرد بذاك التحديد؛ لأنه اعتنى بذلك وألَّف كتابين: أحدهما كتاب «علل ما استند إليه أبو حنيفة» ، والثاني كتاب «علل مناقب أبي حنيفة ومثالبه» . واشتهار أبي حنيفة بالحفظ غير مسلَّم، وحفظ القرآن لا يستلزم حفظ الأحاديث، والفهم لا يستلزم الحفظ، وفهم المعاني والعلل غير فهم وجوه الرواية. وقد اشتهر ابن أبي ليلى بالفقه حتى كان الثوري إذا سُئل قال
(1)
: «فقهاؤنا ابن أبي ليلى، وابن شُبْرُمة» ، وكان ابن أبي ليلى رديء الحفظ للروايات كثير الغلط.
وما اشتهر عن أبي حنيفة من اشتراط استمرار الحفظ ــ إن صح ــ فمراده التذكر في الجملة، وإلا لزم ما هو أشد، والتذكر في الجملة لا يدفع احتمال التوهم والخطأ.
وكان على الأستاذ أن ينقل نصوصًا صحيحة صريحة عن الأئمة المعتمد عليهم تردُّ قول ابن حبان، كما جاء في الشافعي قول أبي زرعة الرازي:«ما عند الشافعي حديث غلط فيه» ، وقول أبي داود:«ليس للشافعي حديث أخطأ فيه» ، أو يتجشم جمع الأحاديث التي يثبت أن أبا حنيفة رواها وبيان ما يثبت من موافقة الثقات له ومخالفتهم.
وأما التنديد بابن حبان، فذكر الأستاذ أمورًا:
[1/ 436] منها: أن ابن الصلاح وصفه بأنه غلط الغلطَ الفاحشَ في
(1)
(ط): «قيل» خطأ. والأثر في «طبقات ابن سعد» : (7/ 248)، و «الجرح والتعديل»:(1/ 72).
تصرُّفه.
أقول: ابن الصلاح ليس منزلته
(1)
أن يُقبل كلامه في مثل ابن حبان بلا تفسير، والمعروف مما يُنسَب ابن حبان فيه إلى الغلط أنه يذكر بعض الرواة في «الثقات» ثم يذكرهم في «الضعفاء» ، أو يذكر الرجل مرتين، أو يذكره في طبقتين ونحو ذلك. وليس ذلك بالكثير، وهو معذور في عامة ذلك، وكثير من ذلك أو ما يشبهه قد وقع لغيره كابن معين والبخاري.
ومنها: أن الذهبي وصفه بالتشغيب والتشنيع.
أقول: إنما ذلك في مواضع غير كثيرة، يرى ما يستنكره للراوي فيبالغ في الحطِّ عليه. وهذا أمر هيِّن، لأنه إن كان فيمن قد جرحه غيره فكما يقول العامة:«لا يضرُّ المقتولَ طعنُه» . وإن كان فيمن وثَّقه غيره لم يُلتفت إلى تشنيعه، وإنما يُنظر في تفسيره وما يحتج به.
ومنها: أنه يوثِّق المجاهيل الذين لم يسبر أحوالهم.
أقول: قد بيَّن ابن حبان اصطلاحه، وهو أنه يذكر في «الثقات» كلَّ من روى عنه ثقةٌ ولم يروِ منكرًا، وأن المسلمين على العدالة حتى يثبت الجرح. وقد ذهب غيره من الأكابر إلى قريب من هذا، كما قدَّمته في (قسم القواعد) في القاعدة السادسة
(2)
. نعم إنه ربما يظهر أنه يذكر الرجل، ولم يعلم ما روى، ولا عمَّن روى، ولا مَن روى عنه. وعذرُه في هذا أنه بنى على رأيه أن
(1)
كذا، ولعلها: «ليس بمنزلة
…
».
(2)
(1/ 104 - 124).
المسلمين على العدالة، واستأنس بصنيع بعض من تقدَّمه من الأئمة مِنْ ذِكْر ذلك الرجل بدون إشارة إلى ضعف فيه
(1)
. وأهلُ العلم من الحنيفة وغيرهم كثيرًا ما يقوُّون الراوي بقولهم: «ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا»
(2)
. ومع ذلك يبيِّن ابن حبان بعدم ذِكْر شيخٍ للرجل ولا راوٍ عنه أنه لم يعرفه.
[1/ 437] ومنها: أنه عريق في التعصب.
أقول: أئمة الحديث كلُّهم في رأي الأستاذ متعصِّبون، ولا أعرف ابن حبان بتعصّب.
ومنها: أنه حكي عنه أنه قال في النبوة: إنها العلم والعمل.
أقول: إن صح هذا عنه فهو قول مجمل، وابن حبان معروف عنه في جميع تصانيفه أنه يعظِّم النبوة حق تعظيمها. ولعله أراد أن المقصود من إيحاء الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم هو ويعمل، ثم يبيِّن للناس فيعلموا ويعملوا.
وقد نسب إليه أنه أنكر الحدّ لله، ولعله امتنع من التصريح بإثبات الحدّ باللفظ الذي اقتُرِح عليه، أو أتى بعبارة حملها المشنِّعون على إنكار الحدّ
(1)
كصنيع البخاري في «تاريخه» وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ، وقد اقتفى أثر البخاريِّ ابنُ حبان في كثير من تراجمه.
(2)
للأستاذ عبد الفتاح أبو غدة بحث في سكوت الأئمة على الرواة في كتبهم أثبته في هامش تحقيقه لكتاب «الرفع والتكميل» : (ص 230 - 248). وردّ عليه د. عداب الحمش في كتابه «الرواة الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل» .
كما اتفق للبخاري في القرآن، وغير ذلك. وكتبُ ابن حبان من أولها إلى آخرها جارية على التمسُّك بالسنة، والثناء على أصحابها، وذم من يخالفها، وهو من أخصِّ أصحاب ابن خزيمة أحد أئمة السنة.
ثم أحال الأستاذ على ما في «معجم البلدان» : (بُسْت).
وأقول: هناك عبارة طويلة زعم ياقوت أنه نقلها من خط ابن النفيس أنه نقلها من خط السليماني في «معجم شيوخه» ، وياقوت ليس بعمدة. والأئمة الذين ذكروا ترجمة ابن حبان قد وقفوا على كتب السليماني ونقلوا عنها، ثم لم يحكوا في ترجمة ابن حبان حرفًا من تلك العبارة. وفيها ذكر أحوال لابن حبان تتعلق بسمرقند ونيسابور وبخارى، ولكلٍّ من هذه البلدان (تاريخ) ذُكر فيه ابن حبان، ونقل ياقوت وغيره من تلك التواريخ، فلم يقع في ذلك شيء مما في تلك العبارة، وإنما نقلوا عن تلك التواريخ تعظيمه والثناء البالغ عليه. على أن ما وُصِف به في تلك العبارة منه ما ليس بجرح، ومنه ما هو جرح غير مفسَّر، أو مفسَّر بما لا يقدح، أو غير مثبت ضرورة أن قائل ذلك لم يكن ملازمًا لابن حبان في جميع تنقلاته في تلك البلدان، وإنما لُفِّقت ــ إن صحت عن السليماني ــ مِن «قيل، وقالوا، وزعموا» . فعلى كل حال لا وجه للتعويل عليها، ولا الالتفات إليها، والله المستعان.
هذا، وقد أكثر الأستاذ من ردّ توثيق ابن حبان
(1)
، والتحقيقُ أن توثيقه
(1)
علق الشيخ الألباني بقوله: «ما ذكره المؤلف من ردّ الكوثري لتوثيق ابن حبان، فإنما ذلك حين يكون هواه في ذلك، وإلا فهو يعتمد عليه ويتقبله حين يكون الحديث الذي فيه راو وثَّقه ابن حبان يوافق هواه، كبعض الأحاديث التي رُويت في «التوسل» . وقد كشفت عن صنيعه هذا في كتابي «الأحاديث الضعيفة» رقم (23)».