الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على صدقه وأمانته. وقد روى عنه ابنُ منده، والقاضي أحمد بن الحسن الحَرَشي راوي هذه الحكاية، وهما من الثقات الأثبات. وعبد الرحيم ثقة غير مدلس. فقوله:«قال عفان» حكمه الاتصال، كما سلف في القواعد
(1)
.
68 - الحارث بن عُمير البصري
نزيل مكة:
في «تاريخ بغداد» (13/ 370 [372]) من طريق: «الحميدي، حدثنا حمزة بن الحارث بن عمير، عن أبيه قال: سمعت رجلًا يسأل أبا حنيفة في المسجد الحرام
…
».
قال الأستاذ (ص 36): «مختلَف فيه، والجرح مقدَّم. قال الذهبي في «الميزان» : وما أراه إلا بيِّن الضعف، فإن ابن حبان قال في «الضعفاء»: روى عن الأثبات الموضوعات. وقال الحاكم: روى عن حميد وجعفر الصادق أحاديث موضوعة. وفي «تهذيب التهذيب» : قال الأزدي: منكر الحديث. ونقل ابن الجوزي عن ابن خزيمة أنه قال: الحارث بن عمير كذاب».
أقول: الحارث بن عمير وثَّقه أهل عصره والكبار. قال أبو حاتم عن سليمان بن حرب: «كان حماد بن زيد يقدِّم الحارث بن عُمير ويُثني عليه» . زاد غيره: «ونظر إليه مرة فقال: هذا من ثقات أصحاب أيوب» . وروى عنه عبد الرحمن بن مهدي، وقد قال الأثرم
(2)
عن أحمد: «إذا حدَّث عبد الرحمن عن رجل فهو حجة» . وقال ابن معين والعجلي وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي والدارقطني: «ثقة» . زاد أبو زرعة: «رجل صالح» .
(1)
(ص 135 وما بعدها).
(2)
(ط): «الأكرم» تحريف، وانظر الخبر في «تاريخ بغداد»:(10/ 243).
وفي «اللآلئ المصنوعة» (ص 118 - 119)
(1)
عن الحافظ ابن حجر في ذكر الحارث: «استشهد به البخاري في «صحيحه» ، وروى عنه من الأئمة عبد الرحمن بن مهدي وسفيان بن عيينة، واحتج به أصحاب السنن». وفيها بعد ذلك: «قال الحافظ ابن حجر في أماليه
…
أثنى عليه حماد بن زيد
…
وأخرج له البخاري تعليقًا
…
».
[1/ 221] ولم يتكلم فيه أحد من المتقدمين، والعدالة تثبت بأقلَّ من هذا، ومن ثبتت عدالته لم يُقبل فيه الجرح إلا بحجة وبينة واضحة، كما سلف في القواعد. فلننظر في المتكلمين فيه وكلامهم:
أما الأزدي، فقد تكلَّموا فيه حتى اتهموه بالوضع. راجع ترجمته في «لسان الميزان» (ج 5 رقم 464)
(2)
مع الرقم الذي يليه من «قال الخطيب» إلى آخر الترجمة فإنه كله متعلِّق بالأزدي. وقال ابن حجر في ترجمة أحمد بن شبيب في الفصل التاسع من «مقدمة الفتح»
(3)
: «لا عبرة بقول الأزدي؛ لأنه هو ضعيف، فكيف يُعتمد في تضعيف الثقات! » . وذكر نحو ذلك في ترجمة خُثَيم بن عِراك وغيرها
(4)
. وقال في ترجمة علي بن أبي هاشم: «قدَّمتُ غيرَ مرة أن الأزدي لا يُعتبر تجريحه لضعفه هو»
(5)
. على أن
(1)
(1/ 229).
(2)
(7/ 90).
(3)
(ص 386).
(4)
(ص 400).
(5)
(ص 430).
الأزدي استند إلى ما استند إليه ابن حبان، وسيأتي ما فيه.
وأما ابن خزيمة فلا تثبت تلك الكلمة عنه بحكاية ابن الجوزي المعضلة
(1)
، ولا نعلمُ ابنَ الجوزيّ التزمَ الصحةَ فيما يحكيه بغير سند. ولو التزم لكان في صحة الاعتماد على نقله نظر، لأنه كثير الأوهام. وقد أثنى عليه الذهبي في «تذكرة الحفاظ»
(2)
كثيرًا، ثم حكى عن بعض أهل العلم أنه قال في ابن الجوزي:«كان كثير الغلط فيما يصنفه، فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره» .
قال الذهبي: «نعم، له وهم كثير في تواليفه، يدخل عليه الداخل من العجلة والتحويل إلى مصنف آخر، ومن أنَّ جُلَّ علمِه
(3)
من كتُبٍ صُحُفٍ ما مارس فيها أربابَ العلم كما ينبغي». وذكر ابن حجر في «لسان الميزان» (ج 3 ص 84)
(4)
حكاية عن ابن الجوزي، ثم قال:«دلت هذه القصة على أن ابن الجوزي حاطب ليل لا ينقُد ما يحدِّث به» .
وقد وقفتُ أنا على جملة من أوهامه:
منها: أنه حكى عن أبي زرعة وأبي حاتم أنهما قالا في داود بن
(1)
وقد ذكره ابن الجوزي في «الضعفاء» : (1/ 173) ولم ينقل كلمة ابن خزيمة. ونقلها عنه الحافظ في «التهذيب» : (2/ 153)، وانظر «تراجم منتخبة» (80) للمؤلف.
(2)
(4/ 1342).
(3)
(ط): «ومن أجل أنّ علمه» لعله من تصرف الطابع، والمثبت من «التذكرة»:(4/ 1347) بتحقيق المؤلف.
(4)
(2/ 400).
عمرو بن زهير: «منكر الحديث»
(1)
. وإنما قالا ذلك في داود بن عطاء المدني، راجع التعليق على «تاريخ البخاري» (ج 2 قسم 1 ص 215).
ومنها: أنه حكى
(2)
في إسحاق بن ناصح عن الإمام أحمد كلامًا إنما قاله أحمد في إسحاق بن نَجِيح. راجع «لسان الميزان» (ج 1 ص 376)
(3)
.
ومنها: أنه قال في الربيع بن عبد الله بن خطَّاف: «كان يحيى بن سعيد يثني عليه، وقال ابن مهدي لا تَرْوِ عنه شيئًا»
(4)
. وهذا مقلوب كما في ترجمة الربيع من «التهذيب»
(5)
.
ومنها: أنه حكى
(6)
في سوَّار بن عبد الله بن سوَّار أن الثوري قال فيه: «ليس بشيء» ، مع أن سوارًا هذا إنما [1/ 222] وُلِد بعد موت الثوري. وإنما قال الثوري تلك الكلمة في جدِّه سوَّار بن عبد الله، كما في «التهذيب»
(7)
.
ومنها: أنه حكى
(8)
في صخر بن عبد الله بن حرملة الحجازي أن ابن عديّ وابن حبان اتهماه بالوضع، وإنما اتهما صخر بن محمد ــ ويقال ابن
(1)
«الضعفاء والمتروكين» : (1/ 266).
(2)
المصدر نفسه: (1/ 104).
(3)
(2/ 79).
(4)
«الضعفاء» : (1/ 282).
(5)
(3/ 249).
(6)
«الضعفاء» : (2/ 31).
(7)
(4/ 269).
(8)
(2/ 53).
عبد الله ــ الحاجبي المروزي. راجع «التهذيب» و «اللسان»
(1)
.
ومنها: أنه حكى
(2)
في جعفر بن حيَّان أبي الأشهب البصري كلامًا عن الأئمة إنما قالوه في جعفر بن الحارث أبي الأشهب الواسطي. راجع «التهذيب»
(3)
.
ومنها: أنه ذكر معاوية بن هشام
(4)
، فقال: وقيل: هو معاوية بن أبي العباس، روَى ما ليس من سماعه، فتركوه. كذا قال! ومعاوية بن هشام من الثقات، لم يرو ما ليس من سماعه، ولم يتركه أحد. وإنما روى مروان بن معاوية الفزاري عن معاوية بن أبي العباس أحاديث عن شيوخ الثوري، وهي معروفة من حديث الثوري؛ فقال ابن نمير ــ وأخذه عنه أبو زرعة وغيره ــ: إن معاوية بن أبي العباس رجل متروك، كان جارًا للثوري، فلما مات الثوري أخذ معاوية كتبه، فرواها عن شيوخه، فسمعوا منه. ثم فطنوا لصنيعه، فافتضح، وتركوه؛ وبقي مروان يروي عنه.
ورأى بعض الحفاظ أن معاوية بن هشام روى تلك الأحاديث عن الثوري، فسمعها منه مروان، ثم دلَّس مروان اسمه، وأسقط الثوريَّ من السند، فدلَّس مروانُ [تدليس] تسوية بعد تدليسه الاسم. وهذا القول على وهنه ــ كما بيَّنتُه في تعليقي على «الموضح»
(5)
ــ لا يفيد أن معاوية بن هشام
(1)
«التهذيب» : (4/ 413)، و «اللسان»:(4/ 308).
(2)
«الضعفاء» : (1/ 170).
(3)
(2/ 89).
(4)
«الضعفاء» : (3/ 128).
(5)
(2/ 426 - 427).
روى ما لم يسمع، ولا أنهم تركوه؛ ولكن ابن الجوزي جمع بين القولين. فإن القائل: إن ابن أبي العباس روى ما لم يسمع وتركوه، بنَى على أنه غيرُ معاوية بن هشام. والقائل: إنه هو، لم يقل إنه روَى ما لم يسمع ولا أنهم تركوه.
ومنها: أنه ذكر في «موضوعاته»
(1)
حديثًا رواه الطبراني قال: «حدثنا أحمد، حدثنا إسحاق بن وهب العلَّاف، حدثنا بِشر بن عبيد الدّارسي
(2)
…
». ثم قال ابن الجوزي: «إسحاق كذاب
…
». قال السيوطي في «اللآلئ» (1/ 206)
(3)
: «إنما الكذاب إسحاق بن وهب الطُّهُرْمُسي، فالتبس على المؤلف
…
» يعني ابن الجوزي. وصدق السيوطي، العلاف موثَّق، وهو من شيوخ البخاري في «صحيحه» ، والطهرمسي كذَّبوه. إلى غير ذلك من أوهامه.
وأما الحاكم، فأحسبه تَبِع ابنَ حبان؛ فإن ابن حبان ذكر الحارث في «الضعفاء»
(4)
، وذكر ما أنكره من حديثه. والذي يُستنكر من حديث الحارث حديثان:
الأول: رواه [1/ 223] محمد بن زنبور المكي، عن الحارث، عن حميد.
والثاني: رواه ابن زنبور أيضًا عن الحارث، عن جعفر بن محمد.
(1)
(452).
(2)
في (ط): «الفارسي» تحريف.
(3)
(1/ 204).
(4)
(1/ 223).
فاستنكرها ابن حبان، وكان عنده أن ابن زنبور ثقة، فجعل الحَمْل على الحارث. وخالفه آخرون، فجعلوا الحمل على ابن زنبور. قال مسلمة في ابن زنبور:«تُكُلِّم فيه، لأنه روى عن الحارث بن عمير مناكير لا أصول لها، وهو ثقة» . وقال الحاكم أبو أحمد في ابن زنبور: «ليس بالمتين عندهم، تركه محمد بن إسحاق بن خزيمة» . وهذا مما يدل على وهم ابن الجوزي.
وساق الخطيب في «الموضِّح»
(1)
فصلًا في ابن زنبور، فذكر أن الرواة عنه غيَّروا اسمه على سبعة أوجه. وهذا يُشعِر بأن الناس كانوا يستضعفونه، لذلك كان الرواة عنه يدلِّسونه. وقال ابن حجر في ترجمة الحارث من «التهذيب»
(2)
: «قال ابن حِبَّان: كان ممن يروي عن الأثبات الأشياء الموضوعات، وساق له عن جعفر بن محمد
…
» فذكر الحديث الثاني وقولَ ابن حبان: «هذا موضوع لا أصل له» . ثم ساقه ابن حجر بسنده إلى محمد بن أبي الأزهر عن الحارث. وكذلك ذكره السيوطي في «اللآلئ المصنوعة» (ج 1 ص 118)
(3)
. وابن أبي الأزهر هو ابن زنبور. وأسند الخطيب في «الموضِّح» هذا الحديث في ترجمة ابن زنبور. ثم قال ابن حجر: «والذي يظهر لي أن العلة فيه ممن دون الحارث» . يعني من ابن زنبور. وخالفهم جميعًا النسائي، فوثَّق الحارث، ووثَّق ابن زنبور أيضًا، وقال مرة:«ليس به بأس» .
(1)
(2/ 369).
(2)
(2/ 153).
(3)
(1/ 228).
قال المعلمي: لو كان لا بدّ من جرح أحد الرجلين لكان ابن زنبور أحق بالجرح، لأن عدالة الحارث أثبت جدًّا وأقدَم؛ لكن التحقيق ما اقتضاه صنيع النسائي من توثيق الرجلين. ويُحمَل الإنكارُ في بعض حديث ابن زنبور عن الحارث على خطأ ابن زنبور، وقد قال فيه ابن حبان نفسه في «الثقات»
(1)
: «ربما أخطأ» . والظاهر أنه كان صغيرًا عند سماعه من الحارث، كما يُعلَم من تأمُّل ترجمتهما.
وقد تقدم في ترجمة جرير بن عبد الحميد أنه اختلط عليه حديثُ أشعث بحديث عاصم الأحول، فكأنه اختلط على ابن زنبور بما سمعه من الحارث أحاديثُ سمعها من بعض الضعفاء، ولم ينتبه لذلك كما تنبه جرير. فكأنَّ ابن زنبور في أوائل طلبه كَتَب أحاديثَ عن الحارث، ثم سمع من رجل آخر أحاديثَ كتبها في تلك الورقة، ولم يسمِّ الشيخَ، ثقةً بأنه لن يلتبس عليه، ثم غَفَل عن ذاك الكتاب مدةً، ثم نظر فيه، فظنَّ أن تلك الأحاديث كلَّها مما سمعه [1/ 224] من الحارث.
وقد وثَّق الأئمةُ جماعةً من الرواة، ومع ذلك ضعَّفوهم فيما يروونه عن شيوخ معيَّنين. منهم: عبد الكريم الجزري فيما يرويه عن عطاء. ومنهم: عثمان بن غياث وعمرو بن أبي عمرو وداود بن الحصين فيما يروونه عن عكرمة. ومنهم: عمرو بن أبي سلمة فيما يرويه عن زهير بن محمد. ومنهم: هشيم فيما يرويه عن الزهري. ومنهم: ورقاء فيما يرويه عن منصور بن
(1)
(9/ 116).
المعتمر. ومنهم: الوليد بن مسلم فيما يرويه عن مالك
(1)
. فهكذا ينبغي مع توثيق ابن زنبور تضعيفُه فيما يرويه عن الحارث بن عمير.
فإن قيل: فأين أنت عما في «الميزان»
(2)
: «ابن حبان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا محمود بن غيلان، أنبأنا أبو أسامة، ثنا الحارث بن عمير، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: قال العباس: لأعلَمَنَّ ما بقاءُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينا؟ فأتاه، فقال: يا رسول الله لو اتخذنا لك مكانًا تكلِّم الناسَ منه. قال: «بل أصْبِر عليهم، ينازعوني ردائي، ويطؤون عقبي، ويصيبني غبارُهم، حتى يكون الله هو يُريحني منهم» . رواه حماد بن زيد عن أيوب فأرسله، أو أن ابن عباس قاله ــ شك ــ». فهذا الحديث لا شأن لابن زنبور فيه، وليس في سنده من يتجه الحملُ عليه غير الحارث.
قلتُ: ليس في هذا الحديث ما يُنكَر، وقد رواه حماد بن زيد غير أنه شك في إسناده، وقد قال يعقوب بن شيبة:«حمَّاد بن زيد أثبتُ من ابن سلمة، وكلٌّ ثقة، غير أن ابن زيد معروف بأنه يقصر في الأسانيد ويوقف المرفوع، كثيرُ الشكِّ بتوقِّيه، وكان جليلًا. لم يكن له كتاب يرجع إليه، فكان أحيانًا يذكر فيرفع الحديث، وأحيانًا يهاب الحديث ولا يرفعه» . فأيُّ مانع من أن يكون هذا مما قصَّر فيه حماد، وحفظه الحارث؟ وقد كان حماد نفسه يثني على الحارث ويقدِّمه، كما مرَّ. فإن شدَّد مشدِّد، فغاية الأمر أن يكون الخطأ في وصله.