الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو شبهة تُبعد أن يكون صادقًا فيما حكى؟ فمَن الأولى برقَّة الدين والنفاق الكمين!
فصل
قال ابن الجوزي في «المنتظم» (ج 8 ص 266) بعد أن عدَّد جملة من مصنفات الخطيب: «فهذا الذي ظهر لنا من مصنفاته. ومَن نظر فيها عرف قدرَ الرجل وما هُيِّئ له مما لم يتهيأ لمن كان أحفظ منه كالدارقطني وغيره. وقد روي لنا عن أبي الحسين ابن الطيوري أنه قال: أكثر كتب الخطيب مستفادة من كتب الصُّوري ابتدأ بها» . قال ابن الجوزي: «وقد يضع الإنسان طريقًا فيُسْلَك، وما قصَّر الخطيب على كل حال» .
أقول: لم يسمِّ ابن الجوزي من حكى له ذاك القول عن ابن الطيوري. وابن الطيوري هذا هو المبارك بن عبد الجبار، وثَّقه جماعة، وكذَّبه المؤتمن الساجي الحافظ. والصُّوري هو محمد بن عبد الله الساحلي، ترجمته في «التذكرة» (ج 3 ص 293)
(1)
، وفيها: أن مولده سنة ست أو سبع بعد السبعين وثلاثمائة، ووفاته سنة 441، فهو أكبر من الخطيب بنحو خمس عشرة سنة. ومع حفظه ففي «التذكرة» (ج 3 ص 298)
(2)
في ترجمة أبي نصر السِّجْزي المتوفى سنة 444: «قال ابن طاهر: سألت الحافظ أبا إسحاق الحبَّال عن أبي نصر السِّجزي والصُّوري: أيهما أحفظ؟ فقال: كان السِّجزي
(1)
(3/ 1114).
(2)
(3/ 1119).
أحفظ من خمسين مثل الصُّوري». وفي «التذكرة» (ج 3 ص 314)
(1)
: «قال ابن ماكولا: كان أبو بكر الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفةً وحفظًا وإتقانًا وضبطًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتفنّنًا في علله وأسانيده، وعلمًا بصحيحه وغريبه وفَرْده ومنكره ومطروحه. ثم قال: ولم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثله، وسألت الصُّوري عن الخطيب وأبي نصر السِّجْزي، ففضَّل الخطيبَ تفضيلًا بيِّنًا» . وقد علمتَ أن الصُّوري توفي سنة 441 أي: قبل وفاة الخطيب باثنتين وعشرين سنة، ووفاةُ السِّجزي سنة 444، وابنُ طاهر لقي الحبَّال سنة 470 كما في «التذكرة» (ج 3 ص 363)
(2)
. فتفضيلُ الحبَّال بين السِّجزي والصُّوري كان بعد موتهما، فهو بحسب ما انتهى إليه أمرهما. وأما تفضيل الصوري [1/ 140] بين الخطيب والسِّجزي ففي حياتهما، لكن أحدهما وهو السِّجزي كان في أواخر عمره، والآخر وهو الخطيب في وسط عمره؛ لأن الصوري مات سنة 441 كما مرَّ، فالسؤال منه وجوابه يكون قبل ذلك. فإذا فرضنا أنه قبل ذلك بشهر مثلًا، حيث كان سنُّ السائل وهو ابن ماكولا نحو عشرين سنة فإن مولده 422، كان قبل وفاة السّجزي بنحو ثلاث سنين، وقبل وفاة الخطيب بنحو اثنتين وعشرين سنة.
فيخرج مما تقدم أن الخطيب ــ باعتراف الصوري ــ كان قبل موته باثنتين وعشرين سنة بحيث يفضَّل تفضيلًا بيّنًا على مَنْ هو بحكم الحبَّال
(1)
(3/ 1137). ووقع في (ط): (ج 1) خطأ.
(2)
(3/ 1194).
أحفظ من خمسين مثل الصُّوري، فما عسى أن يكون بلغ بعد ذلك؟
وإذا كانت النسبة بينهما هي هذه، فما معنى ما حكي عن ابن الطيوري؟ هل معناه أن الصوري ابتدأ في أكثر الكتب التي تُنسب إلى الخطيب ولم يُتمَّ شيئًا منها؟ يقول ابن السمعاني: إن مؤلفات الخطيب ستة وخمسون مصنفًا. فهل ابتدأ الصوري في عمل ثلاثين مصنفًا أو نحوها ولم يتمّ شيئًا منها؟ فإن كان أتمَّ شيئًا منها أو قارب، أو على الأقل كتب منه كراسة مثلًا، فقد كان ابن الطيوري من أخصِّ الناس بالصوري ــ كما يؤخذ من «لسان الميزان» (ج 5 ص 10)
(1)
ــ أفلم يكن عنده شيء من ابتداءات الصوري، فيُبرزه للناس تصديقًا لقوله؟
ولعل أصل الحكاية على ما يؤخذ من «معجم الأدباء»
(2)
: أن الكتب التي كانت في ملك الصُّوري صار جملةٌ منها بعد موته إلى الخطيب، فاستفاد منها الخطيب. لكن قد علمنا أن الخطيب لا يكاد يورد شيئًا إلا بأسانيده المعروفة، ومَن تدبَّر مؤلفاته علم أنها من مشكاة واحدة أوائلها وأواخرها
(3)
.
هذا، وفي رواية عن ابن الطيوري أن الصُّوري كان ترك كتبه عند أختٍ له بصُور، وأن الخطيب أخذها عند خروجه إلى الشام (كأنه يعني: عند
(1)
(6/ 453).
(2)
(1/ 387 - 388).
(3)
وعلق الذهبي على الخبر بقوله: «ما الخطيبُ بمفتقرٍ إلى الصوري، هو أحفظ وأوسع رحلة وحديثًا ومعرفة» . «السير» : (16/ 228).