الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خيار الناس في حديث أحمد بن حنبل وبشر الحافي، مستقيم الحديث». ويكفيه مكانته عند أحمد وثناء أصحابه عليه. والله أعلم.
256 - نصر بن محمد البغدادي:
في «تاريخ بغداد» (13/ 419 [449]) من طريق أبي الميمون عبد الرحمن بن عبد الله البجلي: «سمعت نصر بن محمد البغدادي يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: كان محمد بن الحسن كذَّابًا وكان جهميًّا، وكان أبو حنيفة جهميًّا ولم يكن كذَّابًا» .
قال الأستاذ (ص 164): «كانا والله بريئان (؟) من الكذب والتجهُّم، وقد احتج الشافعي إمام الخطيب بمحمد بن الحسن. ووثَّقه علي ابن المديني أيضًا كما جزم بذلك ابن الجوزي في «المنتظم» وابن حجر في «تعجيل المنفعة» ، مع أن ابن المديني أقرب من ابن معين إلى النيل من أصحاب أبي حنيفة. والدارقطني على تعصبه البالغ يقول في «غرائب مالك»:
…
وابن معين من أبرأ الناس من أن يكذب عليهما، وهو الذي يقول: إني سمعت «الجامع الصغير» [1/ 490] من محمد بن الحسن، وليس هو ممن يتفقه على الكذَّابين في نظره
…
نعم لو كان
…
أو كلُّ من ينزِّه الله سبحانه عن مشابهة المخلوق وعن حلول الحوادث فيه أو حلوله في الحوادث جهميًّا، كما هو مصطلح الحشوية، لكان كذابًا وجهميًّا كلُّ من يفهم ما يقول وينزِّه الله سبحانه عن لوازم الجسمية
…
فلا يكون الخبر إلا مكذوبًا على ابن معين، ولو رواه ألف شخص من أمثال نصر بن محمد البغدادي. ومن الغريب أنه إذا روى ألف راوٍ عن ابن معين أن الشافعي ليس بثقة مثلًا تُعَدُّ هذه الرواية عنه كاذبةً، بخلاف ما إذا كانت الرواية عنه في أبي حنيفة أو أحد أصحابه
…
نعم سبق أن كذَّب أبو يوسف محمدًا في مسائل عزاها إليه، ولما بلغ الخبر محمدًا قال: كلَّا ولكن الشيخ نسي. ثم تبيَّن أن قول محمد هو الصواب
…
قاتل الله التعصب ما أفضحه لصاحبه!».
أقول: لا توجد في «تاريخ بغداد» ولا غيره ترجمة باسم «نصر بن محمد البغدادي» . وإعراض الأستاذ عن أن يشير إلى هذا فيقول: «مجهول» أو نحوه إلى الطريق التي سلكها يدلّ أنه قد عرف أن لفظ «نصر» تحريف وأن الصواب «مضر» . ولمضر بن محمد البغدادي ترجمة في «تاريخ بغداد» (ج 13 ص 261) وفيها أنه يروي عن يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهما، وأن الدارقطني قال فيه:«ثقة» .
فأما الشافعي فلا نعلمه احتجَّ بشيء ينفرد به محمد بن الحسن حتى يصحَّ أن يقال: إنه احتج به، ومع ذلك فلو وثَّق الشافعي محمدًا لما دل ذلك على بطلان النقل عن ابن معين، فقد كان الشافعي يوثِّق إبراهيم بن أبي يحيى الذي كذَّبه الجمهور، ثم استقرَّ الاتفاق على قولهم.
وأما توثيقُ ابن المديني، فإنما ذلك حكاية حكاها ابنه عبد الله عنه أنه قال:«صدوق» ، وقد طعن الأستاذ في رواية عبد الله بن علي ابن المديني عن أبيه مطلقًا كما تقدم في ترجمته
(1)
، واستهان بقولهم:«صدوق» وكذَّب من قيلت فيه، كما تقدَّم في ترجمة علي بن جرير الباوَرْدي
(2)
.
وأما زَعْم الأستاذ أن ابن المديني أقرب من ابن معين إلى النيل من أصحاب أبي حنيفة، ففيه نظر؛ إذْ قد يكون ثناؤه أمام مسايرته للجهمية الحنفيَّة كما تقدم في ترجمته، وقد يستدل على [1/ 491] ذلك أن نيل ابن معين ثابت، وابن المديني أقرب منه إلى ذلك كما قال الأستاذ، فكيف يثبت
(1)
رقم (163).
(2)
رقم (159).
عنه خلافه؟ والتحقيق أنه لا منافاة، والاختلاف في مثل هذا كثير.
وأما كلمة الدارقطني، فقد مرَّ البحث فيها في ترجمته
(1)
، ثم الكلام في ذلك كالكلام في كلمة ابن المديني. وأما ما ذكره الأستاذ أن ابن معين قال:«سمعت «الجامع الصغير» من محمد بن الحسن» فلا منافاة، بل قد يكون سماعه «للجامع» في مبتدأ أمره، ثم تبيَّن له ما تبيَّن.
وفي ترجمة محمد بن كثير القرشي من «التهذيب»
(2)
: «قال إبراهيم بن الجنيد: قلت لابن معين: محمد بن كثير الكوفي؟ قال: ما كان به بأس، قلت: إنه روى
…
قال
…
فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذاب، وإلَّا فإني قد رأيت حديث الشيخ مستقيمًا».
وقد ذكر الأستاذ تكذيب أبي يوسف لمحمد، والظاهر أنه كان قبل ذلك عنده حسن الحال، ثم طرأ ما اقتضى أن يكذبه. ومع هذا كلِّه فلم ينفرد هذا الرجل بما رواه عن ابن معين، فقد قال العقيلي:«حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة قال: سمعت العباس الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: جهمي كذَّاب» . هكذا في ترجمة محمد بن الحسن من «لسان الميزان»
(3)
. وروى محمد بن سعد العوفي عن ابن معين أنه رمى محمدًا بالكذب، وقد تقدمت ترجمة العوفي
(4)
، وفيها بيان اضطراب الأستاذ: احتج به حيث
(1)
رقم (164).
(2)
(9/ 419).
(3)
(7/ 63).
(4)
رقم (206).
خالفه جماعة، وطعن في روايته حيث وافقه جماعة! وقال ابن أبي مريم عن ابن معين في محمد بن الحسن «ليس بشيء، ولا يُكتب حديثه» . وقال المفضل الغلابي ومعاوية بن صالح عن ابن معين: «حسن اللؤلؤي ومحمد بن الحسن ضعيفان» . ولم يأت عن ابن معين ما يخالف نقل هؤلاء الجماعة، فأما قضية «الجامع الصغير» فقد مرّ ما فيها.
وأما قضية التجهُّم فقد اعترف الأستاذ باصطلاح أهل السنة الذين سماهم «الحشوية» ، وهو وجميع أهل العلم يعلمون أن يحيى بن معين كان من أهل ذاك الاصطلاح، واعترف الأستاذ بأن أبا حنيفة ومحمد بن الحسن جهميَّان بذاك المعنى. وبذلك ثبتت رواية مضر بن [1/ 492] محمد البغدادي؛ أما ما فيها من نسبة الجهمية فباعتراف الأستاذ، وأما ما فيها من التكذيب فبالحجة الواضحة. فبقي قوله:«فلا يكون الخبر إلا مكذوبًا على ابن معين، ولو رواه ألف شخص من أمثال نصر بن محمد البغدادي» ! من باب قول العامة: «عنز ولو طارت» .
وقوله: «ومن الغريب أنه لو روى ألف راوٍ
…
» تقدم النظر فيه في ترجمة الشافعي
(1)
، فليراجعها القارئ وليوازن بينها وبين رواية مضر؛ ليتبين له أن الكوثري لا يقنع بأن يساوي الذرة بالجبل، بل يحاول أن يجعل ذرة في عُظْم جبل، ويجعل جبلًا في صغر ذرة! ولعل الأستاذ يضِجُّ من قضية نصر ومضر. فأقول: هوِّن عليك يا أستاذ وخذ اعترافي أو شهادتي بأن نصرًا غير مضر، فهل ينفعك ذلك شيئًا؟
(1)
رقم (189).