الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا: هذا إذا أطلق الإعارة، أما إذا عين الجهة بأن استعار الدراهم ليعاير بها ميزانا أو يزين بها دكانا لم تكن قرضا ولا يكون له إلا المنفعة المسماة، فصار كما إذا استعار آنية يتجمل بها، أو سيفا محلى يتقلده.
قال: وإذا استعار أرضا ليبني فيها أو ليغرس جاز، وللمعير أن يرجع فيها ويكلفه قلع البناء والغرس، أما الرجوع فلما بينا، وأما الجواز فلأنها منفعة معلومة تملك بالإجارة فكذا بالإعارة، وإذا صح الرجوع بقي المستعير شاغلا أرض المعير فيكلف تفريغها. ثم إن لم يكن وقت العارية فلا ضمان عليه؛ لأن المستعير مغتر غير مغرور، حيث اعتمد إطلاق العقد من غير أن يسبق منه الوعد. وإن كان وقت العارية ورجع قبل الوقت صح رجوعه لما ذكرنا،
ــ
[البناية]
م: (قالوا) ش: أي المشايخ: م: (هذا إذا أطلق الإعارة، أما إذا عين الجهة بأن استعار الدراهم ليعاير بها ميزانا) ش: من عايرت المكاييل أو الموازين إذا قابلها، والمعيار الذي يقاس به غيره ويسوى، وفي بعض النسخ ليعير بها، وهذا خطأ، الصواب يعاير، قال الجوهري: عايروا مكاييلك وموازينك ولا تقل عيروا م: (أو يزين بها) ش: أي بالدراهم والدنانير م: (دكانا لم تكن قرضا، ولا يكون له إلا المنفعة المسماة، فصار كما إذا استعار آنية يتجمل بها أو سيفا محلى يتقلده) ش: أو منطقة مفضضة أو خاتما ونحو ذلك فكل ذلك لا يكون قرضا؛ لأن الانتفاع بهذه الأعيان مع بقائها يمكن، فصار نظير سائر العواري.
[استعارة الأرض ليبني أو يغرس فيها]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا استعار أرضا ليبني فيها أو ليغرس جاز، وللمعير أن يرجع فيها ويكلفه) ش: أي يكلف المستعير م: (قلع البناء والغرس) ش: بفتح الغين وكسرها، كذا في (المغرب) م:(أما الرجوع فلما بينا) ش: يعني عند قوله: وللمعير أن يرجع متى شاء م: (وأما الجواز فلأنها) ش: أي فلأن م: (منفعة معلومة تملك بالإجارة، فكذا بالإعارة) ش: دفعا للحاجة م: (وإذا صح الرجوع بقي المستعير شاغلا أرض المعير، فيكلف تفريغها ثم إن لم يكن) ش: أي المعير م: (وقت العارية فلا ضمان عليه؛ لأن المستعير مغتر غير مغرور) ش: يعني من جانب المعير م: (حيث اعتمد إطلاق العقد) ش: وظن أن يتركها في يده مدة طويلة م: (من غير أن يسبق منه الوعد) ش: أي من المعير.
م: (وإن كان) ش: أي المعير م: (وقت العارية ورجع قبل الوقت صح رجوعه لما ذكرنا) ش: من أن له الرجوع متى شاء، وعند مالك ليس له الرجوع قبل مضي المدة.
وفي " الجواهر ": متى كانت العارية إلى أجل معلوم أو كان لها قدر معلوم كعارية الدابة إلى موضع كذا، أو العبد ليبني بناء أو ليخيط له ثوبا فهي له لازمة كهبة الرقاب، فإن لم يضرب أجلا ولا كان لها مدة انقضاء فهي لازمة أيضا بالقول والقبول، وليس له الرجوع فيها ويلزمه إبقاؤها مدة ينتفع بها فيها الانتفاع المعتاد بمثلها عند استيفائها.
ولكنه يكره لما فيه من خلف الوعد وضمن المعير ما نقص البناء والغرس بالقلع؛ لأنه مغرور من جهته حيث وقت له، فالظاهر هو الوفاء بالعهد فيرجع عليه دفعا للضرر عن نفسه، كذا ذكره القدوري في " المختصر ". وذكر الحاكم الشهيد رحمه الله أنه يضمن رب الأرض للمستعير قيمة غرسه
ــ
[البناية]
م: (ولكنه يكره لما فيه من خلف الوعد) ش: أي لما في الرجوع في الوقت من خلف الوعد وهي شعبة من النفاق م: (وضمن المعير ما نقص البناء والغرس) ش: أي نقصان م: (بالقلع) ش: أي بسبب القلع.
ووجهه إما ينظر كم يكون قيمة البناء والغرس إذا بقي إلى المدة المضروبة فيضمن ما نقص من قيمته، أي نقصان البناء والغرس فكلمة ما مصدرية، ويجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي نقص البناء، فعلى هذا يكون البناء والغرس مرفوعين على الفاعلية على الأول، وعلى الثاني يكونان منصوبين على المفعولية والغرس بكسر الغين، وروي بالفتح على إرادة المغروس فيضمن ما نقص من قيمته، يعني إذا كانت قيمة البناء إلى المدة المضروبة عشرة دنانير مثلا، وإذا قلع في الحال يكون قيمة النقص دينارين يرجع بهما، وقال زفر رحمه الله لا يضمن لأن التوقيت والإطلاق سواء لبطلان الأجل في العواري.
ودليلنا هو قوله م: (لأنه مغرور من جهته) ش: أي لأن المستعير مغرور من جهة المعير م: (حيث وقت له، فالظاهر هو الوفاء بالعهد فيرجع عليه دفعا للضرر عن نفسه، كذا ذكر القدوري في المختصر) ش: حيث قال وإن وقت العارية فرجع قبل الوقت ضمن المعير ما نقض البناء والغرس بالقلع.
فإن قيل: الغرور الموجب للضمان هو ما كان في ضمن عقد المعاوضة، والإعارة ليست كذلك.
قيل له: إن التوقيت من المعير التزام منه لقيمة البناء والغرس إن أراد إخراجه قبل ذلك الوقت معنى، وتقدير كلامه: ابن في هذه الأرض لنفسك على أن أتركها في يدك إلى مدة كذا، فإن لم أتركها فأنا ضامن لك بقية مالك، وذلك لأن كلام العاقل محمول على الفائدة ما أمكن، وحيث كانت الإعارة بدون التوقيت صحيحة شرعا لا بد من فائدة كذكر الوقت وذلك ما قلنا.
م: (وذكر الحاكم الشهيد رحمه الله) ش: وهو ابن الفضل محمد بن أحمد السلمي المروزي صاحب التصانيف مصنف " الكافي " و " المنتقى " وغير ذلك، استشهد في ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين ومائتين م:(أنه) ش: أي أن الشأن م: (يضمن رب الأرض للمستعير قيمة غرسه
وبنائه، ويكونان له إلا أن يشاء المستعير أن يرفعهما ولا يضمنه قيمتهما، فيكون له ذلك؛ لأنه ملكه. قالوا: إذا كان في القلع ضرر بالأرض فالخيار إلى رب الأرض؛ لأنه صاحب أصل، والمستعير صاحب تبع، والترجيح بالأصل.
ــ
[البناية]
وبنائه، ويكونان) ش: أي الغرس والبناء م: (له) ش: أي لرب الأرض م: (إلا أن يشاء المستعير أن يرفعهما ولا يضمنه قيمتهما، فيكون له ذلك لأنه ملكه) ش " أي لأن كل واحد من الغرس والبناء ملك المستعير.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ والمتأخرون: م: (إذا كان في القلع ضرر بالأرض فالخيار إلى رب الأرض؛ لأنه صاحب أصل، والمستعير صاحب تبع) ش: وهو الغرس أو البناء م: (والترجيح بالأصل) ش: أن يكون بالأصل.
ومذهب الشافعي في هذا ذكره في " الروضة " أن إعارة الأرض للبناء والغرس نوعان: مطلقة ومقيدة، ففي المطلقة للمستعير أن يبني ويغرس ما لم يرجع المعير، فإذا رجع لم يكن له البناء والغرس، ولو فعل وهو عالم بالرجوع قلع مجانا وكلف تسوية الأرض كالغاصب، وإن كان جاهلا فوجهان.
وأما ما بني وغرس قبل الرجوع فإن أمكن رفعه من غير نقص يدخله رفع، وإلا فينظر إن شرط عليه القلع مجانا عند رجوعه وتسوية الحفر لزمه، فإن امتنع قلعه المعير مجانا، وإن شرط القلع دون التسوية، وإن لم يشرط القلع نظر إن أراد المستعير أمكن منه ويلزمه تسوية الحفر على الأصح، وإن لم يرده لم يكن للمعير قلعه مجانا، ولكن يتخير المعير بين ثلاث خصال: أن يبقيه بأجرة يأخذها، أو أن يقلع ويغرم أرش النقص وهو قدر التفاوت بين قيمته ثابتا ومقلوعا، أو أن يتملكه بقيمته.
وفي المقيدة: للمستعير البناء والغرس إلا أن يرجع المعير وله أن يحدد كل يوم غرسا، وبعد انقضاء المدة ليس له إحداث البناء والغرس، وإذا رجع المعير قبل المدة أو بعدها فالحكم كما لو رجع في الأول، لكن هنا وجه أنه لا يتمكن من الرجوع قبل المدة، وقوله: إنه إذا رجع بعد المدة فله القلع مجانا قاله الساجي.
والمذهب الأول ومذهب أحمد ما ذكره في " حاويهم ": وإن أعار أرضا لغرس أو بناء مطلقا أو إلى مدة فرجع وقد شرطا القلع متى رجع أو عند انقضاء المدة ففرغت لزمه القلع ولم يلزم المعير انقضاء، ولا المستعير تسوية الأرض إلا بشرط، وإن لم يشترطا قلعه فللمعير أخذه بقيمته أو قلعه وضمان نقصه، فإن قلع فللمستعير التسوية وإن بنى ذلك فعليه البيع ولا يبقى مجانا.